مهرجان الفنون المسرحية بتوجيه التربية والتعليم لمديرية الجيزة بين الإرادة الحرة وصنع التطرف

مهرجان الفنون المسرحية بتوجيه التربية والتعليم لمديرية الجيزة بين الإرادة الحرة وصنع التطرف

العدد 557 صدر بتاريخ 30أبريل2018

كيف يصنع الإرهابي؟ وكيف تصنع الفتنة والاحتراب الداخلي، وكيف يمكن أن تصنع إرادتك الحرة دون أن تكون مجرد ترس في نظام لا يرحم، ولا يهتم سوى بالطاعة، وكيف يمكن أن تحلم بالجديد وتواجه الكراهية بالبناء والمحبة. تلك المضامين والهموم التي قدمها طلبة التعليم الثانوي بمديرية الجيزة ضمن مسابقتها الأسبوع الماضي، تستحق أن تكوم مفتتحا للتأمل، إن كنا نريد أن نعرف ما هي هواجس ذلك الجيل القادم الذي يحاول أن يعبر عن نفسه عبر فن المسرح.
عبر أسبوعين من المشاهدات قدم توجيه التربية المسرحية بمديرية الجيزة، برئاسة عصام رشوان ثمانية عروض مسرحية لطلبة التعليم الثانوي تتنافس للتصعيد على مستوى الجمهورية، وقد شاهدت لجنة التقييم المكونة من الفنان القدير المخرج والكاتب محمود عبد الحافظ، الفنان القدير ناجح نعيم، كاتب السطور، عروض تصفيات مديرية الجيزة للتربية والتعليم للتعليم الثانوي بواقع ثمانية عروض مسرحية، وهي: «أشياء صغيرة» تأليف محمد كمال وإخراج محمد جمال، «إخناتون» تأليف إبراهيم الحسيني وإخراج كرم أحمد، «مدينة الثلج» تأليف محمود جمال حديني وإخراج محمد الحناوي، «الملجأ» تأليف ميرا معتصم، «أرض لا تنبت الزهور» تأليف محمود دياب وإخراج خالد العيسوي، «نقطة رجوع» عن مسرحية “حزام ناسف” للسيد فهيم ومن إخراج أشرف الشرقاوي، «دون كيشوت» تأليف ميخائيل بولجاكوف وترجمة هاشم حمادي وإخراج محمد مبروك، «قضية أنوف» تأليف ماروشا بيلاتا وترجمة زيدان عبد الحميد زيدان ودراماتورج معتز الشافعي وإخراج السعيد منسي.
وقد تباينت مستويات العروض المقدمة بشكل واضح بين عروض بدائية الصنع تفتقر لتدريب الممثلين وهي الخامة الأساسية إضافة لفقر في الخيال والصورة المسرحية، ومن بينها عروض «أشياء صغيرة» الذي اعتمد على نص ضعيف ولم يهتم المخرج بتدريب الممثل أو المنظر المسرحي والتشكيلات بجسد الممثل والحركة المسرحية بوجه عام، فنجدنا في معظم الوقت أمام صفوف مسرحية تحاول الهجوم على مقدمة المسرح لطرح مقولات النص، فبدا العرض عاديا وربما بمزيد من التدريب يمكن لمجموعة العمل الناشئة أن تطور من أدائها وهو ما يحتاج لورشة تدريبية عاجلة.
وياتي عرض «نقطة رجوع» المأخوذ عن نص «حزام ناسف» للسيد فهيم ومن إخراج اشرف الشرقاوي، الذي يبدي فيه المنظر المسرحي الثابت خلفيته ببانر يعبر عن الأهرامات وأبي الهول وفي أعلاه طائرتان متقابلتان وعلامة تحمل جمجمة وعظمتان متقاطعتان، والذي ربما يشير للموت أو ممنوع الاقتراب، وما إلى ذلك من دلالات البانر المباشر والفقير فنيا، والذي نوصي بالبعد عن استخدام تلك البانرات التي انتشرت بشكل كبير في عروضنا المسرحية خاصة الهواة، وقد اعتمد المخرج طوال العرض استسهالا في حركة الممثلين وتنميط شخصياتهم واللجوء السريع للكوميديا لمجرد الإضحاك حتى إن شخصية الإرهابي الشيخ غريب التي تفكر وتنظم العمليات الإرهابية بدا أقرب لقلوب المشاهدين عبر الكوميديا التي برع بها الممثل ماجد عاصم، وهو ما يتنافى مع القصدية التي يهدف إليها العمل في النهاية من نبذ للإرهاب وتعرية أولئك الشيوخ الذين يتاجرون بأرواح البشر باسم الدين، وإن كان الممثلون قد برعوا في إضحاك الجمهور الغفير الذي حضر، إلا أن اللجوء للكوميديا أدخل العرض في فخ عروض المسرح التجاري وابتعد عن المسرح المدرسي وما يفترض أن يلتزم به من قواعد وسلوك يخرج عن الأعراف والآداب العامة، بالنهاية سقطت الفكرة اللامعة والرسالة في فخ الإضحاك غير المبرر الذي بدا وكأنه الهدف دون غيره بين منظر فقير وتعامل بدائي في الحركة المسرحية، وإن كان فريق التمثيل يحوي طاقات فنية عالية القيمة وتستحق توظيفها بما يلائم تلك القدرات الكبيرة لفريق العمل.
أما من بين العروض الطموحة التي قدمت نفسها، عرض “مدينة التلج” تأليف محمود الحديني وإخراج محمد الحناوي، الذي كان جديدا في فكرته غير المباشرة التي تحث على ترك التنميط والثورة على سيطرة ذلك القرصان واللعب على مقدرات بقية الألعاب عبر إقحام فتاة صغيرة آدمية تحول أحدهم لفارس بعد نضال شاق ونقاش واكتشاف مؤامرة لعبة القرصان بتكسير اللعب التي ترفض الانصياع لأوامره، إضافة لتميز عنصري الملابس والإضاءة بالعرض، وقد تعامل مجموعة الممثلين بجدية مع العرض والتجربة وبرز منهم عدة عناصر واعدة من بينها الفتاة ومساعد القرصان والممثل في شخصية جيمي، وإن كان ينقص العرض تفكير أكثر جدية في المنظر المسرحي حيث إحدى القطع الأساسية بديكور العرض وهي كسارة اللعب بدت فقيرة في الشكل والميكانيزم حيث اضطر الممثلون لإخفاء دخول وخورج اللعبة منها رغم أنها لحظة فارقة بالعرض ونقطة تحول كبيرة وكان يجب إظهارها بدلا من إخفائها، إضافة إلى أنه على الرغم من الجهد المبذول من مخرج العرض في تدريب الممثلين الذين بدوا في معظمهم بشكل جيد، فإن على مستوى التشكيل بجسد الممثلين على الخشبة كانوا في معظم الوقت كتلا صماء وأحيانا خرج الممثل من منتصف التكوين بشكل غير جمالي ليلقي جملته ويعود مرة أخرى، وهي أمور يجب أن تؤخذ في الاعتبار من بين جماليات العرض، بالنهاية قدموا عرضا اتسم بالصدق الفني والطموح، وننتظر المزيد من تلك الفرقة مع مخرجها الجاد محمد الحناوي.
أما العرض الثاني الطموح بمسابقة هذا العام، فهو عرض «الملجأ» لمؤلفة واعدة شابة هي ميرا علاء الدين، مع مجموعة مجتهدة من الفتيات حاولن تقديم تجربة جديدة حول مجتمع نسائي مقهور يحاول أن يخرج من تحت رزح صدمات مجتمعية أودت بهم لذلك المكان بتنويعات مختلفة للفتيات قدمت بشكل بسيط وغير فج أبرز طاقتهن وإن عاب العرض كثرة الإظلام لتغيير المنظر المسرحي، الذي كان من الممكن له أن التحايل على تلك المشكلة بديكورات أكثر بساطة وباستخدام حيل الإضاءة من إظلام في بقعة ما وإنارة بقعة أخرى، لننتقل من مشهد لآخر دون تلك الخشونة في الإظلام الكامل لننتقل بين مشاهد العرض.
ويوصى بالحفاظ على تلك المجموعة الواعدة والاستفادة من مشكلات التنفيذ التي بدت بالعرض ومحاولة تطويره وتطوير الفريق في العروض القادمة.
وقد تميزت أربعة عروض بالمسابقة هذا العام وهي «الحب والخير والسلام» عن “إخناتون” للكاتب إبراهيم الحسيني وإخراج كرم أحمد، و”أرض لا تنبت الزهور” تأليف محمود دياب وإخراج خلد العيسوي، و«دون كيشوت» تأليف ميخائيل بولجاكوف؛ ترجمة هاشم حمادي، إخراج محمد مبروك، «قضية أنوف» تأليف ماروشا بيلاتا، دراماتورج معتز الشافعي، وإخراج السعيد منسي.
وقد تميزت تلك العروض بأنها محكمة الصنع بشكل كبير بدا فيها قدرات المخرجين على تدريب الممثل وتوظيفه في دوره بشكل كبير، وصنع منظر مسرحي يضيف للعمل ولا ينتقص منه بالتعاون مع مصممي ديكور محترفين في الغالب، وهو ما ساعد كثيرا المخرجين والممثلين بالتبعية في الظهور بشكل جيد حتى على مستوى ملابس الشخصيات، تميزت بوجود أفكار في تصميمها وعنصر المكياج أيضا، وهو ما تجلى أكثر قوة في عرضي “قضية أنوف” و”الحب والخير والسلام”؛ مما خلق حالة عرض منضبطة في عناصرها وجاذبة دون افتعال، وقدم كلا العرضين قضيته بين التمثيل والاستعراض والديكور والملابس والإضاءة في تناغم كبير حقق لتلك العروض نجاحا وقبولا كبيرا تبعا لتميز مخرجيها.
وان كانت هناك ملاحظات منها تكرار زائد بعرض “الحب والخير والسلام” الذي انتهى باصرار إحناتون على البناء في مواجهة الهدم والإرهاب الذي ينشره الكهنة، وهو لم يأت بجديد في المشهد الذي سبقه باستعراض كبير عبر مركب يتوسط مقدمة المسرج يبحر به إخاتون ورجاله المخلصون لبناء اليوتوبيا الخاصة بهم، فما قدم بعد هذه النهاية لم يأت بجديد عليها ولم يتغير شيء بقوى الصراع في العرض فلم ينهزم إحناتون أمام الكهنة بل ظل الصراع سجالا لا جديد فيه.
اما عرض “أرض لا تنبت الزهور” تألف محمود دياب وإخراج خالد العيسوي، فقد تميز بشكل خاص في تحريك المجموعات أو الكورس الذي قام بعبء كبير داخل العرض وهي مجموعة تستحق الإشادة الكبيرة لما بذلاها من جهود أضافت الكثير للعرض ورؤية المخرج وتناسينا فقر المنظر المسرحي الذي احتضن دراما العرض، وإن كانت الموسيقى الحية التي قدمت تحتاج لإعادة تأمل، فكثيرا ما أخذت من قوة المشهد المقدم ومن الحوار الذي جاهد المشاهدون كثيرا في سماعه حينما تتقاطع معه الطبول والموسيقى الحية، فظلت تلك الموسيقى ضاغطة على المشاهد وعلى العرض أكثر مما يجب، لتفقد جمالياتها وتنحى به بعيدا وإن كان تأملها من جديد وإعادة توظيفها سوف يجعل من العرض أكثر حيوية وأقل زمنا دون تشويش.
أما عرض «قضية أنوف» تأليف ماروشا بيلاتا، ترجمة زيدان عبد الحميد زيدان، دراماتورج معتز الشافعي، وإخراج السعيد منسي.
فقد بدأ من فكرة الانقسام التي تتشابه كثيرا مع نص مسرحية «قضية ظل الحمار» لدورينمات، وقد تم التأسيس لذلك الانقسام من اللحظة الأولى عبر الإضاءة التي قسمت منتصف المسرح عبر حبلين من الضوء ليحددا مساحة أصحاب الأنوف القصيرة والأنوف الطويلة، وفي الخلفية مستويات غرس بها مصمم الديكور أبوابا لمنازل بألوان مختلفة تأكيدا للتفرقة والتمايز، وفي العمق قام بتقطيع لوحة الجرنيكا لبابلو بيكاسو التي تصور إبادة قرية كاملة في يوم السوق، والتي استوحاها بيكاسو من قصف جرنيكا بإقليم الباسك حين قامت طائرات حربية ألمانية وإيطالية مساندة لقوات القوميين الإسبان بقصف المدينة في 26 أبريل 1937 بغرض الترويع خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وكانت حكومة الجمهورية الإسبانية الثانية (1931 - 1939) قد كلفت بابلو بيكاسو بإبداع لوحة جدارية لتعرض في الجناح الإسباني في المعرض الدولي للتقنيات والفنون في الحياة المعاصرة الذي أقيم في باريس عام 1937.
كان البدء في الإشارة للدمار المحيط وكابوس يظلل المدينة أو القرية لا يتنبه إليه أحد، سوى ذلك الأخرس الذي قدمه الممثل الموهوب أحمد صبري، ليشير للدمار المحيط من حرب ربما لم نتعلم منها شيئا لنبدأ غيرها بكل استهانة على أمر تافه.
ويقدم المنسي بخفة ظل شخصيات الحكاية ويحيلها لكل ما هو عصري وتافه تنشب بسببه النزاعات والحروب والمعارك الثأرية لأسباب عادية وتافهة، كما قدم الممثلون استعراضات راقصة عبر غناء حي للممثلين أنفسهم على طريقة أكابيلا بلا آلات موسيقية؛ مما أضاف الكثير وأبرز قدراتهم سواء من حيث القدرة على تقديم الاستعراض أو الغناء الدرامي، ويكشف العرض من بين ثنايا مشاهده استغلال الانقسام من قبل البعض حتى رجل الدين لم يسلم من تلك اللعنة وطالب المتشاحنين بالنذور بدلا من طلب التهدئة وحل الإشكال التافه.
هذا المجتمع الذي تعرى لآخر قطعة داخل العرض وبشكل كوميدي دون إسفاف أعطى الجمهور وجبة مسرحية دسمة وشهية في زمن لم يتخطَ 55 دقيقة، تعامل فيها الجميع بجدية كبيرة وأظهروا قدرات تمثيلية كبيرة استحقوا بها تصفيق الجمهور الذي حضر العرض قبل استحسان النقاد والمسرحيين.
عروض واعدة وقدرات شابة تنمو وتضخ في شريان المسرح المصري عبر رافد أساسي له وهو المسرح المدرسي الذي لا بد من الاهتمام به وتقديم عروضه للجمهور وللفرق المتنافسة وليس فقط فريق العمل وذويهم على أكثر تقدير، كما يجب الاهتمام بالتدريب والتثقيف المسرحي لدعم تلك المواهب الشابة وألا تنحصر طموحاتهم في منافسة سنوية داخل مسرح مغلق يشاهده المتخصصون من لجان وموجهين فقط، وهو ما يجب أن نلقي الضوء عليه ونعطي فرصة لكل مسرح مدرسي أن يفتح أبوابه للمواهب والجمهور، ونهتم بالمدرب المتخصص المحترف ونرعى المواهب في مجالات الديكور والموسيقى والكتابة وتصميم الرقص والماكياج وهي عناصر يحتاج لها ذلك المسرح بشدة ليكون بحق رافدا للمسرح المصري وليس طاردا للمواهب.


أحمد زيدان