على مائدة مهرجان المسرح العربي الكوميديا بين ارتجال الكسار ونظريات الإضحاك

على مائدة مهرجان المسرح العربي الكوميديا بين ارتجال الكسار ونظريات الإضحاك

العدد 598 صدر بتاريخ 11فبراير2019

ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي أقيمت ندوة (الكوميديا في المسرح المصري ونظريات الضحك) حضرها الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا، ود. أحمد نبيل أحمد، وعبد الكريم الحجراوي وأدارها د. حسن عطية.
قدم الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا ورقته البحثية بعنوان (الكوميديا في المسرح المصري قبل عام 1952 نموذج: علي الكسار - أمين صدقي)، أشار فيها إلى أن اهتمام الباحثين بهذا الموضوع يكاد يكون نادرا، والكتابات التي تعرضت له في معظمها اهتمت بالشق التاريخي والنظري، وأهملت الشق النقدي التطبيقي، مؤكدا أن الندرة تتعلق بعدم اهتمام النقاد بالكوميديا في المسرح، وربطها بالسياق التاريخي والنقدي والتحليلى، الذي يمكن أن يمثل إضافة ويقدم خلاصة التجربة للأجيال المختلفة؛ لتشكل همزة الوصل بين المسرحيين، وهو الهدف الرئيسي للندوة الفكرية، في إطار نقد التجربة في الفترة التاريخية التي لا ينبغي تجاوزها، وهي النصف الأول من القرن العشرين تحديدا (1905 - 1952).
أضاف أبو العلا: وبعد مرور مائة عام أصبح الحديث عن الكوميديا في المسرح المصري حديثا ضروريا، لأنه سيكشف عن مناطق ظلت مجهولة بسبب الإهمال النقدي، وبسبب ندرة المادة التي يستند إليها التطبيق، وأستطيع أن أقول إن لدينا مادة لا يستهان بها تتعلق بالنصوص التي كتبت مؤلفيها. أشار إلى أن التجربة مر عليها مائة عام ونصف منذ أن قام “عزيز عيد” بتقديم المحاولة الأولى للمسرحية الكوميدية في مصر عام 1907م؛ وحين كون فرقته وقدم من خلالها مسرحية “ضربة مقرعة” على مسرح دار التمثيل العربي، وشهد هذا العام ظهور أول ممثليَن مصرييَن احترفا تمثيل الفصول المضحكة بعد أن كانت حكرا على الشوام، وهما(أحمد فهيم الفار، ومحمد ناجي)؛ حيث كان الفار يقدم فصوله المضحكة ضمن برنامج الفرق المسرحية الكبرى وسط إقبال كبير من الجمهور، حتى أصبحت له حفلات خاصة يعرض فيها فصوله المضحكة، أما محمد ناجي فكان يقدم فصوله المضحكة في نهاية عروض الفرق والجمعيات التمثيلية مثل فرقة الشيخ سلامة حجازي وفرقة أولاد عكاشة وشركة التمثيل الكبرى وجمعية التمثيل العصري ومجتمع الاتحاد المصري.
تابع أبو العلا: ونلاحظ أن ممثلا مثل (علي الكسار) كان ابنا لهذا المسرح الشعبي الارتجالي؛ المُمارس بشكل فطرى، تلك السمة التي ميزت أداءه رغم نمطيته، وحين تخلى عنها - كما يرى «د. علي الراعي» - حدد بنفسه مصيره ووضع نهاية لنجاحه السريع في المسرح؛ ذلك يوم قرر أن يعتمد على النص المكتوب كوسيلة للوصول إلى جمهور كبير، بدلا من أن يطور قدراته الارتجالية. كما ذكر «د. علي الراعي». تابع: تحدثت بإسهاب عن الكوميديا المرتجلة لأنها النوع الذي اعتمد عليه (علي الكسار) كممثل كوميدي رغم اعتماده على النص المكتوب، الذي كان يعطي لنفسه مساحات للارتجال، المتوافق مع طبيعة شخصيته التي يؤديها، وهذا النوع من الكوميديا كان العامل الأساسي في ظهوره وظهور فرق من الممثلين المحترفين الذين اتخذوا من الكوميديا الحديثة وسيلة للعيش، وكانوا يخترعون أساليبهم حسب الظروف، ويستكشفون طرقهم، وكان على ممثل الكوميديا ديلارتي أن يكون ذكيا يتمتع بقدر كبير من المرونة التي تمكنه من ملاءمة الموقف بسرعة وخفة.
تابع أبو العلا: أما عن الكاتب أمين صدقي (1890 - 1944)، فقد انضم إلى فرقة عزيز عيد عام (1907)؛ وكان عمره لا يتجاوز السابعة عشر عاما، ولم تكن حركة التأليف المسرحي في مصر لها ملامح أو علامات تبين اتجاهات وتوجهات الفن المسرحي ذلك الوقت، وكلها كانت محاولات فردية تعتمد على التأليف مرة وعلى التمصير مرة أخرى وعلى الاقتباس والترجمة أيضا؛ حيث لم يكن هناك مؤلفون وكتاب مسرح إلا قليل منهم مثل (حسن مرعي) الذي كتب مسرحيات وطنية جادة و(إبراهيم سليم النجار) الذي كتب مسرحية بعنوان في سبيل الاستقلال، إلى جانب الأعمال الأجنبية التي ترجمها (محمد عثمان جلال) الذي عاصر يعقوب صنوع وأحمد أبو خليل القباني وسليمان القرداحي.
وأشار عبد الكريم الحجراوي إلى أن ورقته تناولت وظائف الضحك بالمسرح الكوميدي المصري، وآليات الضحك التي اعتمد عليها الكتاب المسرحيون، والتي غلب عليها الطابع الشعبي مما جعل المسرح الكوميدي يحافظ على أشكال الفكاهة التي لم تدون، مثل فن القافية والردح والنكات والقفشات. وقد راج المسرح الكوميدي في الفترة ما بين 1905 - 1952 لأسباب عدة، فهو أول ما عرفت مصر من ألوان المسرح. أضاف: شهدت بداية القرن العشرين تراجعا للمسرح الكوميدي بينما ارتفعت أسهم المسرحيات التاريخية والمترجمة والمعربة؛ فقد احتكرت فرقة إسكندر فرح بمطربها سلامة حجازي السوق المسرحي، ولم يستطع أحد أن يجاري نجاحها، حتى جاء عام 1905 العام الذي شهد عودة الكوميديا ومن ثم تطورها وظهور فرقة نجيب الريحاني وعلي الكسار وجيل من الكتاب الهزليين أمثال «أمين صدقي» و«بديع خيري» و«بيرم التونسي» و«عزيز عيد» وصولا إلى عام 1952 الذي شهد الحركة التي جيشت المسرح المصري كي يعبر عن أهدافها.
تابع الحجراوي: تعددت النظريات المتعلقة بالضحك الذي يرتبط بالمسرح الكوميدي بأشكاله وأنماطه المختلفة، مشيرا إلى أن الضحك تتقاطع دراساته بين مجالات علمية مختلفة منها الفلسفي والاجتماعي والنفسي والمسرحي والنقد الأدبي، مما أسهم في وجود أكثر من مائة نظرية حول الضحك موزعة بين حقول معرفية متباينة، ويمكن تصنيف نظريات الضحك إلى ثلاث نظريات كما تناولها الفلاسفة: نظريات التفوق والسيطرة، ونظريات التناقض في المعنى ومن أقطابها أرسطو وكانط وشوبنهور، ونظريات تمزج بين التفوق والتناقض في المعنى ومن أقطابها أفلاطون، وكيركجورد، وكذلك برجسون.
فيما قال د. أحمد نبيل أحمد في ورقته البحثية (الشخصية النمطية وتحولات الحكاية في المسرح المصري - عثمان عبد الباسط): تمثل حقبة العشرينات من القرن العشرين فترة مهمة في تاريخ تطور الحركة المسرحية في مصر، وخصوصا بعد انتشار الفرق والجوق المسرحية، وكان من أبرز تلك الفرق المسرحية فرقة الكسار والريحاني، اللتان اشتعلت المنافسة فيما بينهما من خلال مسرحيات الفرانكو آراب والفودفيل، فاعتمدت الفرقتان في مسرحهما على الغناء والرقص والفكاهة؛ وكانت المتغيرات السياسية في تلك الفترة سببا في ظهورهما وانتشارهما بقوة على الساحة؛ حيث أعلنت إنجلترا حمايتها على مصر وتم فرض الأحكام العرفية واستيلاء السلطة العسكرية على حبوب الفلاحين المصريين وصدر قانون منع التجمهر وتعطيل الجمعية التشريعية واضطهدت إنجلترا أعضاء الحزب الوطني، فكان طبيعيا في تلك الظروف أن يتأثر المسرح المصري بالسلب؛ حيث ضعف المسرح الجاد، وتجنح الميول إلى الترفيه والتسلية، وأن يسود تيار المسرح الضاحك في جميع العروض المسرحية. أضاف: ومن خلال الاطلاع على الدراسات السابقة، تبين أن هناك عددا من الدراسات التي تعرضت للمسرح المصري في تلك الحقبة المهمة وتناولته من زوايا مختلفة.
وقام نبيل بتقديم إجابات حول الكثير من التساؤلات التي طرحها ومنها ما هي الشخصية النمطية؟ وكيفية تحولات الحكاية في المسرح المصري؟ وما آليات الفكاهة التي أنتجتها شخصية عثمان عبد الباسط في المسرح المصري؟ وما أهم القضايا التي طرحها مسرح الكسار؟ كما سعى من خلال الإجابة إلى التحقق من بعض فرضيات دراسته، ومنها: إلى أي مدى تتسق شخصية عثمان عبد الباسط عند كل من أمين صدقي وبديع خيري؟ وتعرض الباحث إلى مسرح الكسار ملقيا الضوء على الفترة التي مهدت لظهوره بداية من عصر النهضة في مصر الحديثة عام 1905م، مع انتشار الفرق والجوق المسرحية في تلك الفترة وتجاربها المسرحية، وما حققته تلك الفرق من نجاحات وإخفاقات، وأبرز مساهماتها في تطور حركة المسرح المصري،، ومن بين تلك الفرق المسرحية فرقة إسكندر فرح وجورج أبيض وعبد لله عكاشة، وجوق الشيخ سلامة حجازي، بالإضافة إلى الكثير من الأجواق العربية والأجنبية.
وتناول د. نبيل سطوة الرقابة وما لعبته من دور بالغ الأهمية والخطورة على الإبداع الفكري والفني في المجتمع المصري، وأشار إلى أنها حددت ورسمت فكر وثقافة المجتمع بما تمنع عرضه أو تجيزه من مسرحيات، في تلك الفترة من سيطرة الاستعمار الأجنبي والحكم الملكي، مؤكدا أن الرقابة على المسرح في تلك الآونة كانت شديدة القسوة على الكاتب والفرق المسرحية، حيث لم تسمح بالتعرض بأي شكل من الأشكال إلى القضايا السياسية والحكم والاحتلال والدين، وقد اعتبر الكسار نوعا نادرا في المسرح المصري، حيث لم يكن ممثلا مؤديا لنص مسرحي، بل كانت لديه القدرة على الخلق والإبداع إلى جانب الأداء، فالنص المسرحي بالنسبة له هيكل عام يتطور ويضيف إليه ويحذف منه، وعن ذلك يقول الكسار: “أنا أحرص دائما على أن تكون الصالة قوية ومستمرة، فإذا اتضح لي أن الكلام الذي وضعه المؤلف على لساني لم يوفق في إضحاك الناس، فإنني لا أتردد في أن أرتجل ما أعتقد أنه سيضحكهم”.
 

 


شيماء سعيد