هل المسرح أدب؟ عندما تقرر الحرفة المسرحية أن تستخدم نفسها كمادة للتناول الدرامي

هل المسرح أدب؟ عندما تقرر الحرفة المسرحية أن تستخدم نفسها كمادة للتناول الدرامي

العدد 571 صدر بتاريخ 6أغسطس2018

ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح أقيمت مجموعة من الورش تواكب فعاليات الدورة الـ11 من المهرجان القومي التي تحمل اسم «محمود دياب»، وكان ضمن هذه الورش ورشة مسرح ما بعد الدراما والتي ألقى محاضراتها الدكتور ياسر علام حيث استمرت الورشة لمدة 6 أيام متتالية وتضمنت تدريبات عملية للمتدربين ومن خلال اليوم الأول كان محتوى المحاضرة فقد تضمت الورشة الحديث عن عدة موضوعات منها أرسطو ومجموعة من الفلاسفة المهمين منهم سقراط وأفلاطون وفن المسرح في ذلك الوقت وأهمية دور المؤلف الذي كان أهم ما يميز العروض، بينما تضمن اليوم الثاني من ورشة مسرح ما بعد الدراما كان هناك سؤال هام وإشكالية هامة وهي هل المسرح أدب؟ وهو سؤال اختلف عليه الكثيرون وألقى نظرة تاريخية على المسرح عند العرب وضرب مثالا هاما للشاعر إمرؤ القيس الذي ذهب إلى بلاد القيصر، ولكنه لم ينقل تجربة المسرح ولكننا عرفنا هذا الوصف عند رفاعة الطهطاوي عندما قدم كتاب «تلخيص الأبريز في تخليص باريز» حيث وصف فن المسرح للمرة الأولى بأنه مجموعة من الأشخاص يقومون بفعل أشياء غير حقيقية وتنال أعجاب الجماهير.
كما تناول اليوم الثاني الحديث عن أول وثيقة تم ترجمتها لمجموعة نصوص مسرحية هو كتاب سوفكليس والذي قام بترجمته عميد الأدب العربي طه حسين ولكن قبل ذلك كانت الأعمال تترجم لتقديمها على خشبة المسرح وتحدث أيضا عن عن نقل جميع العلوم والهندسة وطب فيما عدا المسرح في الجزيرة العربية فيما عدا المسرح لأنه يعد شيئا غير مألوف حيث قام ابن رشد بترجمة كتاب أرسطو الذي كان يمثل المعلم الأول وقام بترجمة مصطلحي الكوميديا والتراجيديا على أنها الهجاء والفخر، وذلك لأن مصطلح الكوميديا والتراجيديا لم يكونا معروفين عند العرب. كما أشار الدكتور ياسر علام إلى نقطة هامة وهي اللغة في المسرح واللغة في الكتابة الأدبية، موضحا الاختلاف فيما بينهما فاللغة في الأدب تمثل وصفا تعبيريا وهو ما يعبر عن الإحساس باللغة أما في المسرح فالكلمة في المسرح تصف مضمون الشخصية وأيضا المسرح عمل جماعي ويجب على المخرج أن يعي متى وكيف يستخدم أدواته.
في اليوم الثالث لورشة مسرح ما بعد الدراما تحدث الدكتور ياسر علام عن عدة نقاط هامة في التمثيل فهناك ثلاثة مفاهيم مرتبطة بالتمثيل وهي التمثيل والشخصية والدور، بمفهومه هو يجمع بين الشخصية والممثل ومن الممكن تعريفه بأنه القراءة التي يقدمها الممثل من ذاته حتى تصل لنا الشخصية التي يقدمها.
وضرب الدكتور ياسر علام مثالا لعرض قدم في المهرجان التجريبي وكانت تجربة لثلاث فتيات عندما قدمن عرض ماكبث حيث قمن بكسر المألوف، فمن المتعارف عليه أن يقوم كل ممثل بلعب شخصية معينة حيث قمن بتبادل الأدوار فيما بينهن وبكسر حاجز الإيهام بينهن وبين الجمهور ومشاركة الجمهور معهن في تقديم العرض، وقدمن مقاطع معينة من الشخصيات بالمسرحية ثم يقمن بالرجوع مرة أخرى للحقيقة في الكواليس والصراع داخل العرض فهن جعلن من الفرجة المسرحية حالة قادرة على تحقيق المستهدف من النص وذلك بالتركيز على المضمون.
ومن هنا قدمن تجربة مختلفة ومحاولة لتفجير هذا المفهوم الخاص بالشخصية وهن بهذه الطريقة يؤكدن على المفاهيم المسرحية في المسرح الحديث من نهاية الربع الأول من القرن العشرين، فأصبحت الفنون لا تقدم فقط المحتوى ولكنها بدأت تنشغل بالصناعة الفنية أيضا، عندما تقرر الحرفة المسرحية أن تستخدم نفسها كمادة للتناول الدرامي فالبنيات التي تحدث تتحدث عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنظومة العلاقات المتشابكة، فالفتيات الثلاث في مسرحية ماكبث قمن بتوزيع الأدوار وبتوزيع مجموعة وظائف خاصة بتوظيف الإكسسوار في المشاهد وتوزيع الأدوار فيما بينهن وكل ذلك نراه على خشبة المسرح بشكل حي.
وانتقل الدكتور ياسر علام إلى نقطة أخرى تخص الرؤية الإخراجية والتي يعد مفهومها هو تحويل النص المسرحي إلى فرجة فيطلق عليه مسمى الرؤية الإخراجية فالرؤية تعني وجهة النظر التي سيقدم بها العمل حتى يؤدي إلى شيء أو هدف معين. وأشار الدكتور ياسر علام إلى ضرورة أن يمتلك الفنان وعيا نقديا وضرورة التحكم في هذا الوعي في لحظات، فالفنان أثناء الممارسة الإبداعية الأولى يغلب عليه شخصية المبدع وفي مرحلة إعادة البناء يخرج شخصية الناقد التي بداخلة وهناك ضرورة لترتيب العلاقة بين شخصية الناقد والمبدع فمن الممكن أن تغلب شخصية الناقد داخل المبدع فتجعله لا يعطي المساحة الإبداعية حقها.
وتابع قائلا عن أسلوب صنع رؤية الشخصيات عند تقديمها: كل ما يصدر عن الشخصية لا يستطيع أن يصدر من شخصية أخرى، فالشخصيات عندما نصنع رؤيتها يجب أن نراها من منطلق خصوصيتها فعلى سبيل المثال النجم الراحل أحمد ذكي قدم شخصية الصعيدي 20 مرة وكل مرة نجد اختلافا في الشخصية التي يقدمها فهو بذلك جعل خصوصية لكل شخصية يقدمها عن الصعيدي.
في اليوم الرابع من أيام ورشة مسرح ما بعد الدراما التفت الدكتور ياسر علام إلى نقطة هامة وهي فكرة المدلولات والآفاق وعندا قراءتنا تورايخ بعينها وأحداث تاريخية ففي القانون العلمي العلم يدرس للتراكم حتى يصل بينا للتغير (قانون علمي) التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير كيفي فمسرح ما بعد الدراما عندما ظهر كان بالتأكيد نتاج لمجموعة من التراكمات التي أدت إلى حدوثه عندما جاءت أفكار ما بعد الدراما وكيف غيرت الدراما والكتابة فقد ارتبط مسرح ما بعد الدراما بتيارات شهيرة في عالم الكتابة والدراما ومن أهم التيارات التي أحدث تماسا مع مسرح ما بعد الدراما.
تيار الطبيعية ظهر هذا التيار في القرن التاسع عشر وكان هذا التيار يحوي عدة أشياء منها أن الإنسان محكوم بشيئين: حتمية الوراثة، وحتمية البيئة، وهناك أبحاث علمية كثيرة حول عنصر البيئة ودرجة حضورها ويشير التيار الطبيعي إلى أنه ليس هناك أي تغيير وأن الإنسان مسير والتيار الطبيعي هو نقل للواقع ونقل للطبيعة فهذا التيار يؤمن بحتمية البيئة وحتمية الوراثة، وبالتالي نقل صورة صادقة عن العالم على سبيل المثال مسرح الشارع نكتشف من خلاله أن الممثلين يهتمون بالحضور الحي عن تقديم شخصياتهم فهو يتعاملون مع الجماهير بشخصياتهم فما يقدم ليس تمثيل ولكنه حضور حى وفورى يجعلنى أشعر أنهم قريبون من الطبيعة وذلك يستحضر حيوية معينة يجعلنا نشعر أنهم قريبون إلى الطبيعة.
وانتقل الدكتور ياسر علام للحديث عن التيار الثاني وهو تيار الوجودية الذي ظهر في منتصف القرن العشرين والوجودية هو تيار مثل كل التيارات موجود في كل الفنون وهو أحد التيارات الهامة التي انطلق منه مبدعون وكان لهم باع في مجال الفلسفة ومنهم ألبير كامي وسارتر ومن هذا التيار مؤمنون وملحدون، وينادي تيار الوجودية بأن الإنسان ابن لحظة الاختيار ومن أمثلة ذلك عندما نجد البطل في أحد العروض أمام لحظة اختيار حادة سيبني عليها أشياء كثيرة بهذا الاختيار، فإذا كان الإنسان ابن اختياره فهذا يعني أن هناك أشياء لم يخترها مثل الوطن والدين والأسرة، فهو مسئول فقط عن اختياره، وهو غير مسئول عن أي ارتباط آخر خارج نطاق ما قام باختياره، والرحيل والغياب تيمة أساسية في تيار الوجودية وبين الأشياء والشخصيات إحساس كبير وتشاؤمي، ففكرة الوجودية مرتبطة بأقصى درجات الحرية وإشكالية الوجودية هي أنها ليس لها ارتباط بأسرة أو دين وتتشابك الوجودية مع مسرح ما بعد الدراما في أننا عندما نشاهد الشخصيات فلا نتعرف على خلفياتها، وهناك دائما إحساس بالرعب والتشاؤم.
وتابع الدكتور ياسر علام حديثه عن التيارات وكان ثالت التيارات هو التيار العبثي الذي ظهر عقب الحرب العالمية الثانية التي أحدثت كثيرا من الآثار السلبية وتيار العبث له خصائص معينة ومنها أنه يمتاز بسخرية غريبة وهو مضحك وبه مرارة غريبة وإحساس بالألم يتحول إلى واقعة مادية فهو غير منطقي وبه الكثير من الخيالات والاستمالات اللغوية يتفق مع الوجودية ولكن العبث يتفوق في فكرة الجماليات وهو يستخدم التكنيك والتقنيات الدائرية حلقة مفرغة تبدأ بها المشاهد وتنتهي بها المشاهد لتبدأ مشاهد أخرى، وقد كان العبث متطورا في التكنيك على مستوى الدراما ولكن تيار العبث لم يقدم تكنيكا على مستوى التقنيات الأخرى بخلاف الدراما، فالتيار الوجودي قام بالتخطيط والعبث قام بالتنفيذ ومسرح ما بعد الدراما أوضح أن التيار العبثي خطط فقط على مستوى الدراما ولم يقدم أي تقنيات أخرى في الصورة.
ثم قام المتدربون بعمل بعض التدريبات العملية بالتحضير لبعض الشخصيات وبناء شخصيات مختلفة.
وفي اليوم الخامس تحدث عن أربعة مخرجين كان لهم تأثير كبير في مسرح القرن العشرين ونقاط التماس بينهم وبين مسرح ما بعد الدراما، فبدأ بالحديث عن مايرهولد، حيث يرى مايرهولد أن الدراما قائمة على الحضور الذاتي واللحظة الحاضرة وحيوية الحضور المتعلقة بالذات وليست الشخصية التي تؤدى، فمايرهولد يعتمد على ما يسمى تكنيك «البيو ميكانيك» فهو يعتمد على الاستعراض الجسدي وهي نقطة تماس بين مايرهولد وبين مسرح ما بعد الدراما.
ثم تحدث عن مُنظِّر آخر من المنظرين الهامين وله تأثير كبير وهو مخرج وشاعر ومؤلف وهو برتولد بريخت، فهو منظر كبير يملك رؤية ويستهدف حالة لكسر الوعي الزائف فهو كمخرج اشتراكي يقوم منهجه على توعية الناس بفكرة الظلم الاجتماعي واتجاه ينفي فكرة التسليم بأن الأوضاع الحالية هي الأفضل، وبريخت دائما يعتمد على التفسير عن طريق المادية التاريخية والمادية الجدلية وهو بذلك يتفق مع الآيديولوجية الاشتراكية في فكرة كيف نستطيع أن نقوم بدور فني يسمح بتغيير ما هو قائم وهو مفتاح السر لمنهج بريخت فوظيفة الإبداع بالنسبة له هي التغيير، فنحن نطالب بالتغيير وعليه فإننا يجب أن نقنع الناس بفكرة التغيير، وهو يخالف أرسطو في فكرة تغليب العواطف والتوحد مع البطل ويعتمد على فكرة إنتاج ثورة تقوم بتغيير كل ما هو موجود عن طريق عمل صراع والعمل على توعية الجماهير، فالجمهور يشارك في التمثيل ويكون الجماهير منتقدين أيضا عند بريخت، فبريخت يعتمد على كسر الحاجز الرابع والتوجة للجمهور.
أما في اليوم السادس والأخير تابع الدكتور ياسر علام حديثة عن المخرجين ومنهم جروتوفسكي وأنطوان آرتو، وفيما يخص جروتوفسكي أو ما يسمى بالمسرح الفقير، أوضح الدكتور ياسر علام أن فكرة المسرح الفقير لم يكن مقصود بها فقر الإمكانيات ولكن يقصد بها المسرح القائم بشكل كبير وأساسي على الممثل، فالمعنى هنا خاص بالتشكيلات الجسدية وتنوع المهارات في والاعتماد على الجسد الحيوي الذي يشع طاقة حرارية فالأساس قائم على الممثل.
وانتقل الدكتور ياسر علام لشرح منهج لمخرج من المخرجين وهو انطوان ارتو ومسرح القسوة وتأثرة بالسريالية فارتو هو رجل قريب من الشرق فكان يرى أن التمركز داخل عالم أوروبا لن يعطى قدرة على امتلاك قدرات الممثل الشرقى، فالممثل في الشرق أو في جنوب شرق آسيا لديه مجموعة من القدرات الحركية، والأكروبات والتمثيل الصامت
 

 


رنا رأفت