في مهرجان طيبة الدولي بأسوان مسرحيات أطفال من مصر والأردن والسعودية والسودان

في مهرجان طيبة الدولي بأسوان مسرحيات أطفال من مصر والأردن والسعودية والسودان

العدد 596 صدر بتاريخ 28يناير2019

احتضنت محافظة أسوان مهرجان طيبة الدولي في دورته الخامسة، وهو مهرجان شامل يهتم بالسياحة، ولذلك يحفل بالكثير من الفنون التلقائية التي يقبل عليها الأطفال بمراحلهم العمرية كافة، وفي مقدمة هذه الفنون طبعا وعلى الرأس منها، يقع بكل تأكيد أبو الفنون المسرح الذي استقبل عروضا للأطفال من السعودية ومصر والأردن والسودان، وسوف نلقي الضوء على هذه العروض التي لقيت قبولا واستحسانا كبيرا من قبل مشاهدي المهرجان الذي استقبل عناصر من إحدى عشرة دولة عربية وأوروبية، منها الكويت متمثلة في الرئيس الشرفي للمهرجان «د. حسين مسلم» الكاتب والمخرج والممثل والعميد السابق للمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت الشقيقة، الذي كان شعلة نشاط يتابع في ود شديد الفعليات المختلفة لأنشطة المهرجان الذي استقدم عناصر من دول أوروبية منها إسبانيا متمثلة في الفنانة التشكيلية «فاطمة ألفونسو» لتدريب أطفال مصر من أبناء الصعيد على مهارات وفنون يدوية وتشكيلية تراثية وتعبيرية ذات صبغة غربية عصرية، وكل هذا رغم أهميته على الهامش من متابعتنا التي تهتم أكثر بالمسرح الذي استقبل عروضا متعددة ومختلفة الصيغ داخل النوع المسرحي الموجه للطفل منها.

مسرحيه “طفل وثلاث دمى” من السعودية
قدمتها فرقة «بريدة» المسرحية من المملكة العربية السعودية، وبطل هذه المسرحية طفل يحلم بأن يكون مثل الدمى التي يحبها، ولذا يود أن يملك ملكاتها ويكون له ما تتمتع به من شهرة كي يحبه جميع الأطفال كما يحبونها، وقد اختار من بين جميع الدمى ما هو محبب إلى قلبه هو شخصيا وهم (إسبونشبوب) ودمية (الخروف) أما الدمية الثالثة فهي (رجل آلي) وهما ثلاث دمى يمثلون ثقافات ومعايير مختلفة، وقد قام بتأليف النص وإخراج هذا العرض شاب سعودي خفيف الظل محب للأطفال هو (أحمد الحسن) الذي قام إلى جانب كل هذه الأدوار بتمثيل دور البطولة بالمسرحية التي استعان في تنفيذها بممثل مصري وآخر سوداني وثالث من السعودية إلى جانب وجوده ممثلا لدور الطفل محور الأحداث ليمثلون بجمعهم ثلاث دول عربية مختلفة في عرض واحد “لعله خير وفأل حسن” من مهرجان طيبة للأطفال. وعودة إلى فكرة أن يريد الطفل بطل العرض أن يصبح واحدا من هذه الدمى المحببة إلى قلبه أو أن يشبهها جميعها، يذهب طفلنا إلى النوم ببساطة شديدة باستخدام غطاء من قماش أبيض يؤدي الغرض ويعطي انطباعا بأنه ذهب إلى النوم، وعندما يغط في النوم يحلم بأنه بين أصدقائه الدمى الثلاث يطالبهم بأن يكون واحدا منهم بينما هم ينصحونه مخلصين بأن لا يحاول ذلك مطلقا لأنه في منطقة أهم وأطيب كثيرا من أن يكون مجرد دمية لا تأكل ولا تشرب ولا تشعر ولا تنمو، وهو وإن كان منزعجا قليلا من كونه طفلا بشريا يخطئ ويصيب يؤلمه الذهاب إلى المدرسة والاستيقاظ مبكرا، بينما هو مستمتع بالنوم، وكذلك يضطر أن يذهب إلى النوم مبكرا عندما لا يكون بحاجة إلى النوم، فإنه في حال أهم وأطيب آلاف المرات من أن يكون مجرد دمية يعبث بها الصغار ولا يتركونه في نهاية العرض إلا بعدما يقتنع بما لا يدع أي مجال للشك أنه الأفضل، وعندما يعود إلى حالة اليقظة بنهاية العرض يستيقظ وهو راض تماما عن نفسه وعن حياته وهو المخلوق في أفضل تقويم.
وقد قدم العرض في إطار غنائي استعراضي بسيط جدا حيث غادرت الدمي الثلاث مواقعها فوق منصة المسرح ونزلت إلى صالة العرض حيث يجلس الجمهور لتداعبه وتراقصه على أنغام موسيقى شرقية طيبة جذبت جمهور الأطفال والكبار وحملتهم على التفاعل مع العرض السعودي البسيط اللطيف.
العرض السوداني “الأميرة بنفسج”
فرقه المسرح القومي للطفل بالسودان تشارك دائما في المهرجان الجنوبي كون السودان أقرب البلدان إلى أسوان حيث يقام المهرجان ولا أدرى إن كانوا يأتون إلى المشاركة بالسيارات أو بمواصلات داخلية لأن لا شيء أكثر من المصريين بأسوان من الأشقاء السودانيين، ولذلك يأتون ومعهم مسرح معد للعرض، وهو مسرح يمتاز بالجمع بين العنصر البشري وبين العرائس التي تتميز دائما بالطابع الشعبي، وبكونها عرائس متحركة يقوم بتحريكها من خلف ساتر يصل ارتفاعه إلى ما يقرب من مترين.
عناصر بشرية تقدم حكاية من التراث هي “الأميرة بنفسج” من تأليف وإخراج «عبد العظيم أحمد عبد القادر» أما بطلها الذي قام بدور الراوي فهو الفنان «عبد الرافع حسن بخيت» وقد شارك بتحريك العرائس كلا من «الصلحي عربي الصلحي»، و«أحمد ونسي»، و«عمار أحمد خليل»، والعمل في مجمله ينبذ النرجسية التي ترمز لها بنفسج، وإن كانت أميرة ويدعو إلى التعاون مع رفاق البيئة من طيور وحيوانات وينشر ثقافة المحبة، ولذلك لقى حبا وقبولا واستحسانا كبيرا من جمهور المهرجان الذي تفاعل مع شخصية الرواي الذي تميز بطيبة القلب السودانية الشهيرة والمحببة، وبسبب حبه هو نفسه للأطفال وحرصه على إسعادهم كانت السعادة والطاقة الإيجابية من نصيب كل من تمتع بمشاهدة “الأميرة بنفسج”.
العرض الأردني «زها والعصفور الذهبي» خلف هذا العرض والعروض الخاصة بالأطفال التي تمثل المسرح الأردني بالمهرجانات العربية، ثنائي رائع يستحق الدراسة والبحث والتأمل أحدهما الشاعر والكاتب المسرحي والممثل ومحرك العرائس «محمد جمال عمرو»، والثاني هو المخرج والممثل ومحرك العرائس «يوسف البري»، وقد انصهر كلاهما في بوتقة واحدة وأصبح كل منهما يمثل الآخر، وقد رأيت لهما عرضا رائعا بمهرجان الشارقه القرائي عام 2017 بعنوان «نجيبة والسوسة العجيبة»، وها هما يقدمان رائعة أخرى على مسرح قصر ثقافة أسوان من خلال مشاركة جديدة لفرقة «زها المسرحية» التي قدمت هذه المرة مسرحية بعنوان «زها والعصفور الذهبي» تأليف الشاعر الأردني الكبير «محمد جمال عمرو» الأداء الصوتي «هشام هنيدي»، و«رانيا فهد»، و«آلاء الخوالدة»، أما الألحان والموسيقى التصويرية فكانت لـ«هيثم رشاد»، وتصنيع الدمى لـ«هنادة الصباغ»، و«بيداء العمري»، أداء أطفال مركز زها الثقافي للأطفال، إخراج «يوسف البري»، ويقدمان فيها عرائسهما الشهيرة من خلال مسرح مبتكر بارتفاع يصل إلى 125م بحيث يحجب اللاعب بالعرائس وهو في وضع الجلوس، وهذا الاستاند المبتكر عبارة عن أربع ضلفات مغلفة بطبقة رقيقة من المشمع والضلفة الواحدة منها بعرض 35سم ووزن هذا الاستاند بالغلاف الذي يوضع فيه يصل إلى ثمانية كيلوجرامات، أقول ذلك لأن مسرحهم هذا بمثابة ابتكار جديد لتقديم عروض العرائس يسهل تنفيذه في العروض المسرحية الموجهة للأطفال المدرسية منها وغير المدرسية حيث يجلس المحركون خلف غطائهم أو ساترهم المسرحي الذي يعتبر صيغة عصرية متطورة لدولاب القراقوز وشاشة خيال الظل وصندوق الدنيا وغيرها من وسائل العروض التراثية، ومن أهم عناصر التجديد بهذا العرض أيضا إضافة العنصر البشري الذي يظهر في الفواصل لإحداث تغيير في زمان ومكان الأحداث المسرحية التي يقودها شخصان رئيسيان أحدهما الجد الذي يقدم تجربته وخبراته وإمكاناته إلى حفيدته التي تعد صديقاتها المقربات ذات مرة أن تحتفظ بسرهم الصغير، وعلى مدى العرض يحاول الجد استدراجها بكل الطرق والأساليب الممكنة لكي تبوح له بسرها الصغير الذي لا يستحق كل هذا الإخفاء ربما، ولكنها على طول الخط تتمسك بموقفها وتحتفظ بسرها وسر أصدقائها حتى يعلن الجد إعجابه الشديد بموقفها واقتناعه التام برأيها، وقد تخلل ذلك أغنيات ورقصات من خلال أطفال فرقة زها بملابس شرقية تراثية يعلقون بغنائهم وتعبيراتهم الحركية الرائعة على الأحداث ويحضرون لما هو قادم منها لتكوين رؤية بصرية جميلة لعرض رائع من سلسلة عروض ذلك الثنائي البديع الذي جعل نفسه بفضل الإخلاص الشديد لمسرح الطفل على رأس قائمة عروض مسرح الطفل العربي.
مسرحية «الثعلب لا يأكل حنطة» مصر
من مصر جاءت فرقة “فنانست المسرحية” بهذه المشاركة المميزة التي قام ببطولتها طفل كفيف وهو «عبد الله محمود» الذي أبهر الحضور من الوفود العربية بإجادته لأكثر من فن من فنون التعبير والأداء التي استقبلتها المسرحية جيدة الصياغة، والتي من تأليف الشاعر «نصار عبد الله»، وقد بدأ العرض بأداء موسيقي وغناء من الطفل «عبد الله محمود» والفنان «وائل ذكي» الذي قام بدور والده، من خلال أغنية مرحة يطالب بها والده أن يحكي له حكاية لأنه مثل كل أطفال الأرض يحبون الحكايات، ولا سيما إن كانت الحكايات عن الحيوانات، فيحكي له عن ذلك الثعلب المكار الذي يستغل المجاعة التي حلت بالغابة فجعلت الأسد الملك يستعين به لكي يدله على طريقة يحصل بها على غذائه من لحم الحيوانات ليرحم نفسه مما أحل به من جوع، وبالتالي يقرر الثعلب أن يستخدم الحنطة وهي القمح الذي ما زال بسنبلته، والذي حصل عليه الثعلب بعد أن هاجم عش البطة كي يأكلها لكنها هربت وتركت له الحنطة التي أعطاها إلى الأصدقاء الثلاثة الغزال والخروفان لكي يستخدمها في الإيقاع بهم والتفريق بينهم، ثم يستعين بالحمار ليستدرجهم إلى عرين الأسد كي يصلح بينهم ليلتهمهم الأسد ويعطي نفحه للثعلب الذي قام بدوره أغلب الوقت بإجادة الطفل الموهوب «عبد الله محمود» الذي لم يخطئ خطأ واحدا في اللغه الفصحى العربية التي قدمت بها المسرحية ليشارك الممثل المتألق «وائل ذكي» الذي استطاع بخبرة ومهارة أن يضبط المشهد المسرحي، ليحصد «عبد الله محمود» جائزة «د. حسين مسلم» للأداء المتميز ليعطي المهرجان بهذه المبادرة الطيبة دفعة إلى الموهوبين من أصحاب الهمم إلى السعي الدائم والعمل المستمر للحصول على مزيد من النجاح.
وهكذا تناولنا في عجالة أهم عروض المهرجان الذي تقيمه للعام الخامس على التوالي «د. هنا مكرم» رئيس مجلس إدارة مؤسسة هنا لسياحة المهرجانات، ولذلك كان المهرجان من موقعه بأسوان خير مروج للسياحة بما أحدث من حالة انتعاش للسياحة التي بدأت والحمد لله تعود إلى أسوان بشهادة أهلها، وذلك بعد سنوات عجاف ذاق فيها شعبها الطيب مرارة الفقر والكساد والحرمان، ولذلك لم يخفوا سعادتهم وما غمرهم من فرح واستشعروا من بشر وتفاؤل بمناسبة رواج السياحة في مدينة «طيبة» أو الأقصر المصرية.


محمود كحيلة