جهود أحمد عبد الحليم في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت (3)

جهود أحمد عبد الحليم في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت (3)

العدد 628 صدر بتاريخ 9سبتمبر2019

تانجو
مسرحية (تانجو) للكاتب البولندي سلافومير مروجيك، ترجمة نبيل الألفي وسمير التنداوي كانت مشروع العام الدراسي التالي، وعُرضت يوم 3/6/1981 من خلال الطلاب: محمد عبد الله خليفة المنصور في دور الأب ستوميل، سناء بكر يونس إبراهيم في دور الجدة أوجينا، عبد الله عبد الملك أحمد في دور الابن أرتو، ابتسام حسين علي راضي في دور الأم أليانورا، علي حسن علي العلي في دور الخال أوجين، مريم دعيج خليفة خميس زيمان في دور الخطيبة.
وموضوع المسرحية إنساني بطبيعة الحال؛ حيث إنها مسرحية معاصرة تتضمن في عرضها الدرامي صراعاً فكرياً من داخل أسرة محدودة، ورغم هذا الصراع المحدد في هذا الإطار إلا أنه يعكس صراعاً على مستوى المجتمع أو الأسرة الإنسانية جمعاء. فالصراع هو بين التقاليد واللا تقاليد والدين واللا دين .. والمؤلف من خلال عرض فكري يبحث عن صيغة إنسانية تشمل قيماً جديدة تدفع بعجلة الحياة إلى الأكثر إنسانية.
وفي مقالة تحليلية أبان لنا عزت علام – في مجلة “عالم الفن” يوم 7/6/1981 - أسلوب أحمد عبد الحليم في إخراج هذه المسرحية، وذلك من خلال فهمه العميق للنص، ومن ثم تطويع أداء الممثلين ونظم انفعالاتهم، وردود أفعالهم. لذلك ظهر محمد المنصور متقمصاً شخصية الأب، وكان أداؤه طبيعياً بعيداً عن الافتعال، وكان تنفيذه للحركة رائعاً كما رسمها المخرج دون تلعثم. أما علي حسن فأدى دور الخال بمهارة كبيرة، وهو دور الانتهازي الذي يجيد نسج خيوط المؤامرات. كذلك لعب عبد الله عبد الملك دور الابن، واستطاع أن يلم بأبعاد دوره من الناحية النفسية؛ حيث جسد القلق والتوتر والعصبية بطريقة منطقية ومعقولة! وكانت حيرته بين التقاليد واللا تقاليد، والأخلاق واللا أخلاق هي المفتاح الحقيقي لشخصيته. كما كان أداء ابتسام حسين جيداً في دور الأم، وكذلك في دور الزوجة الصغيرة التي تبحث عن السعادة والمتعة في غيبة القيم والمبادئ. وبهذا الوصف الدقيق، سار الناقد في تحليلة ووصفه لأدوار بقية الطلاب، أمثال: مريم زيمان في دور الخطيبة، وسناء بكر يونس في دور الجدة.
وبناءً على ما كُتب من نقد وتحليل حول هذه المسرحية؛ سنلاحظ أنها مختلفة عن سابقاتها من حيث النجاح، وإبراز روح العمل الجماعي، ومهارة الطلاب في أدوارهم، ومدى تمكنهم من رسم الشخصيات والتعبير عنها بصورة جيدة ... إلخ! وهذا التألق – من وجهة نظري – راجع إلى أن هذه المسرحية، تُعد الأولى التي لم يقم باختيارها أحمد عبد الحليم، بل اختارها الطلاب أنفسهم! وفي ذلك يقول أحمد عبد الحليم في كُتيب المشروع: “.. واختيار هذه المسرحية جاء من خلال الطلبة أنفسهم، مما يؤكد ظاهرة روح العمل الأكاديمي الجماعي من ناحية، ومن ناحية أخرى يبرز منهج التعليم الصحيح الذي أدى إلى تقديم مثل هذا العمل في إطار أكاديمي دون الإغراق في بهرج المسرح المحترف”.
الرهائن
في منتصف العام الدراسي 81/1982 عرض أحمد عبد الحليم مسرحية (الرهائن) تأليف الدكتور عبد العزيز حمودة، وفيها يعود أحمد عبد الحليم إلى الموضوعات السياسية مرة أخرى! فالمسرحية تدور أحداثها في جزيرة يحكمها حاكم ظالم، فيحاول الشعب الثورة عليه ليتحرر من ظلمه دون جدوى. وفي أحد الأيام يقتحم الجزيرة مجموعة من الملثمين بحجة تحرير الشرفاء، فيرحب بهم أهل الجزيرة. ومع مرور الوقت نجد الملثمين ما هم إلا مستعمرون طامعون في الجزيرة. وبعد فترة يقتحم الجزيرة مجموعة مجهولة من المسلحين بغرض استعمار الجزيرة أيضاً، فيتشابك الجميع، ويظهر من بينهم من ينصح أهل الجزيرة؛ بأنهم لن ينهزموا من خارج الجزيرة بل من داخلها؛ وكأنها دعوة للشعب أن يستفيق لنزع حريته من الحاكم الظالم والمستعمر المستبد.
هذا المشروع شارك فيه كل من: فخري عودة في دور الساعاتي، وصالح الحمر في دور المقنع الأول، وسالم الجحوشي في دور المقنع الثاني، وإبراهيم خلفان في دور المقنع الثالث، وعبد الناصر الزاير في دور فالح، وإبراهيم بحر في دور فصيح، وعلي فريج في دور الحاكم، وفتحية عبد النبي في دور سبيل، وفايزة كمال في دور الراوية جيزيل. ونشر أحمد عبد الحليم – في مجلة “عالم الفن” بتاريخ 10/1/1982 - نصيحة لهؤلاء الطلبة، قال فيها: “نصيحتي إليهم أن يعطوا للمسرح اهتماماً مضاعفاً خاصة في عصر التليفزيون الذي ابتلع كل شيء حتى المسرح. فلو أعطى كل منهم ضريبة دراسته وتحصيله العلمي للعمل في المسرح فإنني أؤكد بأن المسرح سيعود للحياة بعد الركود الذي أصابه في معظم البلدان العربية على وجه الخصوص. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أقول لهم: إنه لتأكيد تحصيلهم العلمي والعملي في المعهد؛ فلا بُدّ من الممارسة الحقيقية في الحياة العملية، حتى تتبلور وتتأكد شخصياتهم كفنانين. وأتمنى لهم جميعاً كل مستقبل مشرق وزاهر”.
توقفت كثيراً عند موضوع مسرحية (الرهائن)، والذي يحث على نضال الشعوب والثورة على ظلم حكامها!! لا سيما وأن فكرة ثورة الشعوب ضد الحكام، تكررت من قبل في مسرحية (لعبة السقوط)! واستنتجت منها أن أحمد عبد الحليم – بطبيعته المسالمة – غيّر في أحداثها ومضمونها، وألغى منها فكرة الثورة، وإلا لكانت الصحف ذكرت هذا، وأسهبت في تفسير العرض ودلالاته! لكن المُلفت للنظر، هو تكرار الفكرة مرة أخرى في مسرحية (الرهائن)! ورغم تأكدي من أن أحمد عبد الحليم غيّر وبدّل في أحداثها؛ بحيث لا تظهر فكرة الثورة على الحاكم بصورة واضحة – إن لم يكن قد ألغاها من الأساس – إلا أنني أردت دليلاً دامغاً يؤيد استنتاجي هذا، لا سيما وأن تصوير العرض غير موجود، وهذا الأمر سأتناوله في التوصيات! ولكن ما يهمنا الآن هو الحصول على الدليل!!
هذا الدليل، هو شاهد عيان، وأحد الطلاب المنفذين للعرض – وصاحب دور الحاكم - إنه الأستاذ (علي فريج) الذي تواصلت معه – في مارس 2014 - وطرحت عليه مجموعة أسئلة، تتعلق باختيار نص مسرحية (الرهائن) وما يحمله من فكر ثوري ودلالات سياسية! فعاد بذاكرته اثنتين وثلاثين سنة، وأخبرني بأن نص مسرحية (الرهائن)، كان من اختيار الطالب البحريني إبراهيم خلفان؛ لأنه أراد الربط بينه وبين قضية الرهائن الأمريكيين المحتجزين في السفارة الأمريكية بإيران، وهي قضية الساعة وقتذاك!! ولم يعترض أحمد عبد الحليم في بادئ الأمر على النص أو على فكرته، بل قام بتوزيعه على الطلاب، وحدد معهم جلسة نقاش بعد أسبوع! وبالفعل تمت المناقشة والموافقة على النص! ثم استدرك في كلامه موضحاً: إن أحمد عبد الحليم أثناء النقاش، اختلف معهم كثيراً حول الرموز والإسقاطات السياسية، وكيفية معالجتها في النص!!
وهنا طرحت عليه سؤالاً مباشراً، قلت فيه: أنا أزعم بأن المرحوم كان هادئاً ومسالماً لأبعد الحدود .. وأزعم أيضاً أنه كان يطمس كل فكر ثوري أو سياسي في أية مسرحية يتخذها مشروعاً للطلبة؟ فكانت إجابته تأييداً لاستنتاجي، مقارناً بين أحمد عبد الحليم وبين سعد أردش في تناول الموضوعات السياسية، مع ذكر رأيه فيهما، بوصفهما أستاذين له. وأشار إلى اهتمام أحمد عبد الحليم بالحركة الجماعية أو الاستعراضات، التي تُعدّ أحد استنتاجاتي السابقة أيضاً. وهذه الإجابة – في مجملها - وجدتها شهادة مفيدة جديرة بالذكر، وفيها يقول علي فريج:
“أشاطرك الرأي بأسلوب الأستاذ أحمد عبد الحليم رحمه الله، فإذا كان الراحل سعد أردش رحمه الله ثائراً ومتمرداً ومحرضاً في فكره المسرحي، فقد كان أستاذ أحمد مسالماً يبتعد عن المناكفات السياسية. فالأستاذ سعد أردش كان يحب ويعشق السياسة في المسرح، هدوئها وعنفها وحدد موقعه الفكري بمنتهى الوضوح، وخاصة في تجربته السياسية في مسرحية (النار والزيتون) للراحل ألفريد فرج. وأيضا أذكره عندما حاول أن يوصل لي شخصياً روح الأداء في مسرحية المونودراما (بؤبؤ الكسلان) أيضاً للراحل ألفريد فرج، كان يقول لي: أنت فلسطيني وحدثوك أهلك عن التشرد واللجوء، وعن حياة المخيمات، التي عاشتها فئة كبيرة من شعبك. عاوزك يا بني تتخيل الواقع اللي حكوهولك أبوك، وتعيشه وتشحنه جواك. عاوز دخلتك الأولى على المسرح؛ وكأن حدّ حط رجله بضهرك وطردك بعد ما سلبك حقك. قصدت أن أعطيك مثالاً حياً للمفهوم السياسي، الذي فهمته وأحببته في الأستاذ سعد أردش رحمه الله وآجره على كل علم نفعنا به. وإذا كان سعد أردش صانع ثورة في مسرحه فأحمد عبد الحليم هو صانع سلام! يمتاز بهدوئه وتأمله، ويستخدم أدواته الجمالية في ترميم القبح الذي تخلفه الثورات في أوج اشتعالها .. نعم .. هو صانع جمال ويؤمن بأن الكلمة الفعل التمثيلي، الذي يكللهما المنظر الجميل، والجُمل الضوئية المدروسة، والحركة الجماعية المتناغمة .. هي وسائله في التعبير”.
الأقنعة
في مايو 1982 أشرف أحمد عبد الحليم على تدريب طلاب الفرقة الثالثة من خلال مشروع مسرحية (الأقنعة) للكاتب الليبي محمد عبد الجليل قيندي. ولأول مرة يختار أحمد عبد الحليم نصاً مسرحياً ينادي بالقومية العربية بصورة مباشرة! فمؤلف المسرحية - كما جاء في مجلة “عالم الفن” بتاريخ 16/5/1982 - “يحمل بين ضلوعه هموم الإنسان العربي المعاصر، تجاه مجتمعه وقضاياه. كما أنه يتعرض [في المسرحية] لقضية؛ تعتبر شمولية نظراً لأنها تمس وجدان وذهن أي عربي، يريد أن يكون مجتمعه أفضل بكثير مما هو عليه الآن، من تهرأ وتفتت ودوافع شخصية وذاتية؛ تؤثر على المجتمع بأكمله”.
وفي هذا العرض، قام جهاد العطار بدور المتهم، وإبراهيم بوخليف بدور القاضي، وداود حسين بدور السلطان، وعبد الله الأستاذ بدور الشيخ، ومحسن وجيه بدور الوزير، وموسى عبد الرحمن بدور رئيس الحرس، وفايزة كمال بدور ابنة القاضي، وفتحية عبد النبي بدور الملكة. والجدير بالذكر إن هذا العرض لم يلق اهتماماً كبيراً من الصحافة الفنية، ولم يهتم به النقاد؛ بوصفه مشروعاً لطلاب الفرقة الثالثة، لا للفرقة الرابعة التي دائماً ما تستحوذ على الأضواء والاهتمام.
فصيلة على طريق الموت
في العام التالي، وتحديداً يوم 31/5/1983 عرض أحمد عبد الحليم مع طلابه على مسرح كيفان مسرحية (فصيلة على طريق الموت)، تأليف الأسباني ألفونسو ساسترو، ترجمة د.أحمد يونس. وقام بالتمثيل الطلاب: موسى عبد الرحمن، داود حسين، جهاد العطار، محسن وجيه، إبراهيم أبو خليف، عبد الله الأستاذ. ومن خلال هذا المشروع، عاد أحمد عبد الحليم إلى اختياراته السياسية، التي تنادي بالثورة على الظلم! فالمسرحية تدور أحداثها حول ستة من الجنود تضعهم قيادتهم في مكان ناءٍ؛ بسبب تمردهم ومشاكلهم المتكررة، مع ارتكابهم لمختلف الذنوب وفقاً لتكوينهم الشخصي والبدني؛ مما يعني اختلاف المشارب والطباع والسلوك. أما العامل المشترك بينهم فهو مواجهتهم الموت في أية لحظة. ومع الأحداث يتورطون في قتل قائدهم بسبب قمعه لهم وتسلطه عليهم؛ وكأن المسرحية تنادي بوجوب الثورة على القائد الظالم بسبب قمعه! وهذه الفكرة السياسية أجهضها العرض عندما أكد – في نهايته – على عدم جدوى الثورة على القائد، مهما ظلم أو قمع!!
هذا المعنى تحدث عنه الناقد عبد المحسن الشمري – في جريدة الأنباء بتاريخ 9/6/1983 - قائلاً: “السلطة المقصودة هنا هي العسكرية في أي مكان أو زمان لعدم إشارة النص إلى التحديد، وإعطائها صفة العمومية. وقد نجح العمل في تصوير القسوة التي تتبعها السلطة في إصدار الأوامر، وسحق الأفراد، وتتفاعل هذه القسوة بين الأفراد لتنتهز أول فرصة ممكنة للقضاء على السلطة. وهنا إشارة إلى الخطر الذي يتهددها. وبعد القضاء عليها تتجه الأحداث والصراعات إلى أمور جانبية تدين في النهاية هؤلاء الأفراد من خلال التصرفات الفردية التي يقومون بها. والإدانات المتبادلة بينهم وكأنها تريد القول بأن ثورة الأفراد على السلطة ليس لها ما يبررها، ولا تحقق لهم حريتهم، وهنا إيحاء مبطن إلى عدم جدوى مثل هذه الثورة”.
والجدير بالذكر إن عبد المحسن الشمري، لاحظ أمرين غريبين في أسلوب أحمد عبد الحليم في إخراجه لهذا المشروع: الأول اهتمامه المُبالغ فيه بالديكور الضخم والإضاءة المبهرة والموسيقى التصويرية المؤثرة .. إلخ عناصر ووسائل الإبهار في العرض المسرحي! والأمر الآخر هو أن الممثلين كانوا أبطالاً ثانويين، جاءوا بعد الأبطال الرئيسيين، والمقصود بهم وسائل العرض المُبهرة!
وبناء على ذلك نقول: إن أحمد عبد الحليم تجنب التجريد في هذا المشروع – ربما – من أجل تجريب كل أساليب الإخراج، طالما أنه يُمارس تدريب الطلاب وتعليمهم! أما عدم اهتمامه بقدرات طلابه، وتعمده اختيار نص أقلّ بكثير من إمكانيات طلابه الفنية والتمثيلية – ربما – من أجل كبح جماحهم الفني! أو من أجل تدريبهم على أن الفنان يستطيع أن يؤدي دوراً مؤثراً ومهماً، حتى ولو كانت إمكانياته أكبر بكثير من الدور المنصوص عليه في نص المسرحية! وهذه التبريرات في مجملها، لا تجعلنا نتناسى أن أحمد عبد الحليم مخرج مسرحي قبل أن يكون أستاذاً!! وربما عقلية المخرج – في استخدام الإبهار على حساب إمكانيات الطلاب وتدريبهم – كانت طاغية على عقلية الأستاذ في هذا المشروع!!
سور الصين
في يوم 2/6/1984 تم عرض مسرحية (سور الصين) تأليف الكاتب الألماني ماكس فريش، وترجمة سمير التنداوي. وهذه المسرحية سياسية أيضاً، وتدعو الشعب إلى الثورة على حاكمه!! فأحداثها تدور حول أمبراطور الصين (هوانج تي) الذي بنى سور الصين العظيم، وفي يوم الاحتفال بالسور ووسط شخصيات مشهورة جاءت من التاريخ لتحتفل مع الأمبراطور، يهتف الشعب للأمبراطور المبتهج بقمعه لشعبه بدليل أن الكل يهتف له، رغم علمه بوجود معارضة خفيه له. وفجأة يلاحظ الأمبراطور – وسط الجماهير – شخصاً لا يهتف! فيأمر بالقبض عليه ويتهمه بأنه زعيم المعارضة! والحقيقة التي يعلمها الجميع، ولا يجرؤ أحد أن يتفوه بها أمام الأمبراطور .. أن هذا الشخص لا يستطيع الكلام؛ لأنه أخرس!
السبب وراء اختيار هذه المسرحية - ربما – يتمثل في الشخصيات التاريخية المُستدعاة في أحداثها من الأزمان الغابرة!! وهذا الأمر مارسه إخراجياً أحمد عبد الحليم من قبل، عندما عمل مساعد مخرج في استعراض (القاهرة في ألف عام) كما مرّ بنا. ومن الشخصيات التاريخية المستدعاة في مسرحية (سور الصين): روميو وجوليت، نابليون بونابرت، كولومبس، دون جوان، بروتس، كليوباترا! وهذه الشخصيات إخراجياً، تًعدّ مادة تعليمية لينة في يد الأستاذ من أجل تدريب طلابه!
وهذا العرض قام به طلاب البكالوريوس: محمد عباس هادي الغفاري في دوري بروتس والساقي الصيني، وعبد الناصر مصطفى درويش الجيحي في دوري المنادي ومستشار البلاط الصيني، ومحمد عبد الله الرخم في دور المحاصر، ومحمود هادي حسين في دوري كولمبس وواحد من الشعب، وفاتن محمد سامي عبد اللطيف الدالي. هذا بالإضافة إلى طلاب من سنوات النقل، وهم: أحمد مطلق في دور الابن، ومحمد حميد، وعلي سلطان في دوري الملك فيليب ومستشار البلاط الصيني، وفالح فايز في دور داهينج ين، ومحمد البلم في دوري الأمير وواحد من الشعب، وصادق الدبيس في دوري بونيس بيلاطس وواحد من الشعب، وجمال الصقر في أدوار روميو ودون جوان ومستشار البلاط الصيني، وهدى سلطان في دوري مجهولة السين وواحدة من الشعب، وسعاد حسين في دوري جوليت وواحدة من الشعب، وسلوى مهدي في دوري سيو الوصيفة وواحدة من الشعب، وانتصار الشراح في دور الأم، وأحمد جوهر في دور الأمبراطور، وأحمد قايد شجاع الدين، وأنور أحمد عبد الله في دور جندي، وإيمان موسى الشقرة، وباسمة عيسى حمادة، وجمال عيسى الردهان، وحسن محمد حسن رجب في دور واحد من الشعب، وسعد يوسف بورشيد، وعلي حسن على حسين، وعلي سالم سبيت في دور واحد من الشعب، وصفوت عبد الوهاب الغشم، وفهيمة خزعل منصور، ومبارك شاهين الكواري.
بعد هذا المشروع، عاد أحمد عبد الحليم إلى الإخراج خارج المعهد؛ بعد غياب خمس سنوات! وكانت عودته في إخراج نوع جديد – لم يألفه ولم يمارسه من قبل – وهو مسرح الطفل، حيث أخرج مسرحية (الشاطر حسن) من تأليف السيد حافظ وإعداد محمد جابر، وقُدمت من خلال مسرح الناس - قطاع خاص – على مسرح كيفان في أغسطس 1984. وقام بتمثيلها: عبد الرحمن العقل، محمد جابر، كاظم القلاف، استقلال أحمد، عبد الناصر درويش، هدى حمادة، باسم عبد الأمير، محمد كاظم، فتحي القطان، عبد الله الطرموم، خليل فرج، جاسم عباس، شبيب الشريدة، عبد الوهاب عباس، محمد حميد، باسم عبد اللطيف.
سمك عسير الهضم
بعد عرض مسرحية (سور الصين)، قام أحمد عبد الحليم بالإشراف على مشروع آخر في السنة الدراسية نفسها، وللطلاب السابقين أنفسهم؛ من خلال مسرحية (سمك عسير الهضم) تأليف الكاتب الجواتيمالي مانويل جالينيش، ترجمة د.محمود علي مكي. وهذه المسرحية سياسية، تدور فكرتها حول ثورة الشعوب على حكامها!! وفي برنامج المسرحية، قال أحمد عبد الحليم:
“مسرحية سمك عسير الهضم .. هي عمل درامي مسرحي كتبه مانويل جالينيش الكاتب الجواتيمالي للتعبير به عن هموم بلده في شكل أخذ سمة العصر الروماني ومضمون أراد به أن يكون مقترباً من قضايا عصره، فاستطاع ببراعته أن يمزج بين عصر قديم ومعاصرة حديثة ليدلل على أن الإنسان هو الإنسان على مر العصور بخيره وشره، هذا من ناحية، وحتى تتوفر لديه حرية التعبير دون أن يقيد نفسه في إطار ظروف عصره من ناحية أخرى. والليلة يعرض عليكم الطلبة عملاً من دروسهم الفنية من خلال إطار تعليمي يرتكز بالدرجة الأولى على عطاء الطالب الذاتي من خلال لغة العمل الجماعي ليؤكدوا أنهم الوجه المشرف لجيل المستقبل الذي سيحمل أمانة الحركة الفنية”.
أما أحداث المسرحية فتدور في إطار شبه تاريخي في مدينة روما، التي تستعد لاستقبال قائدها المظفر يوليوس قيصر. وإذا كان التاريخ صوّر روما منبعاً للحضارة، وقيصر بطلاً عبقرياً؛ فإن مؤلف المسرحية يعرض الوجه الآخر لهاتين الحقيقتين! فقيصر دكتاتور مستبد، وروما قوة استعمارية أقامت عظمتها على نهب ثروات الشعوب المغلوبة؛ لذلك يحاول الشاعر (كاتوللوس) أن يوقظ ضمائر أفراد شعبه! فيتحالف ضده تجار الحروب والسياسة وقادة الرأي، محاولين تخديره بأفيون الانتصارات العسكرية. وقبل أن يدب اليأس في نفس الشاعر، يدب الخلاف بين أعضاء الحلف غير المقدس، وتفيق الجماهير من غفوتها ثائرة على مضلليها وموقعة بهم أقسى العقاب.
هذه المسرحية، وصفها مترجمها - د.محمود علي مكي - بأنها “تمثل هذا الأدب الثوري الجديد الذي يعتبر أبرز ظواهر الحياة الفكرية في قارة أمريكا اللاتينية، هذا الأدب الذي لا يمثل حياة تلك القارة المكافحة الفتية فحسب، بل حياة كل الشعوب المحبة للحرية، في ظل عدالة حقة، ومجتمع إنساني تسوده مبادئ المساواة والسلام”.
لم نقرأ ولم نسمع أن أحمد عبد الحليم كان له أي توجه سياسي! ولكن اختياره لموضوعات سياسية ثورية لخمس مسرحيات - من عشر مسرحيات أشرف عليها في الكويت حتى الآن – والفكرة المشتركة بين هذه المسرحيات الخمس .. ثورة الشعوب على حكامها! ربما هذا الاختيار لفت أنظار البعض، أو تنبه إليه أحمد عبد الحليم نفسه – إن لم يكن يقصده - لذلك قام بإلقاء محاضرة عامة - في فبراير 1985 - في معهد التربية للمعلمين بعنوان (الإخراج المسرحي بين التنفيذ والتفسير)، نشرت أغلب الصحف الكويتية نصها!
وفي هذه المحاضرة تحدث أحمد عبد الحليم عن الإخراج المسرحي؛ بوصفه فناً إبداعياً يأتي بعد التأليف الإبداعي! كما أكد على أن النص المسرحي المكتوب على الورق هو خلق فني يختلف كل الاختلاف عن العرض المسرحي!! وكأنه أراد بهذه المحاضرة أن يقول صراحة: إن النصوص التي يختارها ذات الموضوعات السياسية الثورية، هي نصوص مكتوبة على الورق فقط؛ ولكن عندما يجسدها على خشبة المسرح، تصبح صورة مختلفة عما كانت عليه وهي مكتوبة على الورق!! ومما يؤكد وجهة نظري بأن هذه المحاضرة كانت لهذا الغرض؛ إن أحمد عبد الحليم لم يقم – بعد هذه المحاضرة - باختيار أية مسرحية تتحدث عن ثورة الشعوب ضد ظلم أو قمع حكامها! وحافظ أحمد عبد الحليم على هذا الموقف حتى عودته إلى مصر نهائياً عام 1996!

 


سيد علي إسماعيل