ثورة الموتى بين ملحمية النص والعرض

ثورة الموتى بين ملحمية النص والعرض

العدد 591 صدر بتاريخ 24ديسمبر2018

في أغلب الأحيان يلتصق المبدع بهموم وطنه بل كوارث العالم، وهو ما حدث مع الكاتب آروين شو (1913 – 1984) حيث وُلد قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى التي بدأت عام 1914 وانتهت 1918، فعاش طفولته وشبابه مع آثار الحرب مما جعلها علامة أثرت على أهم أعماله وهو نص “ثورة الموتى”، فشعور المبدع تجاه انتظار حرب عالمية ثانية ولّد لديه سؤال “ماذا لو قام القتلى من الجنود واعترضوا على استمرار هذه المجزرة؟”، فيكون إنتاجه لنص “ثورة الموتى” هو الإجابة على تساؤله، فقد كتبه عام 1935 أي قبل الحرب العالمية الثانية بأربع سنوات.. وبهذا يكون بين أيدينا نص ملحمي في فكرته وحواره.
على خشبة مسرح الهناجر للفنون قدم فريق «إرادة مسرحية» نص “ثورة الموتى” برؤية إخراجية مغايرة حيث اعتمدت المخرجة سلمى شهاب على مشاهد الأداء الحركي أكثر من الكلمة، وحين وُجد الحوار والكلمة تجده صارخا ثائرا، فقد اختزلت شخصيات النص الأصلي على الجنود القتلى بل منقوص عددهم من ست إلى أربعة، وزوجاتهم، وأم، وجنديين لحفر القبور، وأبطال مضادة هم جنرالان وكابتن وصحفي يتلو مونولوجا كل حين، وبهذا قد أعادت الشخصيات إلى مفرداتها الأولية حيث الخير والشر.. وعلى مدار العرض تتجسد هذه الثنائية وقد دعمتها بوجود فتاة ملابسها بيضاء ترقص الباليه ممثلة لنا قوى الخير في مقابل قوى شر الجنرالان.. وإذا تتبعنا هذه الثنائية سنجد إحدى فنيات العرض وهي الإضاءة - صممها محمود صرافي - قد سارت على خطى الثنائية حيث نجد لونين هما الأزرق والأحمر، واللون بطبيعة الحال يمكن أن يكون له أكثر من مدلول ووصف شعور إنما في حالة العرض أتوا على غرار ثنائية خير كامن بجنود قتلوا دون تحقيق أحلامهم ولا يعلمون في أي سبيل ُضحي بهم مُثل باللون الأزرق، مقابل شر الجنرالات والرؤساء اهتمامهم الأول المنصب والاستيلاء مُثل باللون الأحمر.. إنما قتل أحد الجنرالين للآخر واستيقاظه بعد موته ليقف كالجنود الموتى أمامنا وهي نهاية مختلفة عن النهاية التي وضعها (شو) لنصه، وفي نظري هو إغلاق بائس فاقد للأمل حيث لا يفيق البشر إلا بعد ضياع أرواحهم، ولكن الخبر الجيد أن نص (شو) هو في الأساس صحوة وصرخة لمناهضة استنزاف الحروب، ودليل على ذلك إذا عدت للنص ستجده يأخذ اتجاها ملحميا بداية من تساؤله عن صحوة جنود قتلوا، فيكون الموضوع ملحميا (ملحمة بمعناها حرب شديدة فأي حرب أشد من الحرب العالمية)، ويكمله بالصور المسرحية الملحمية التي يوضحها في إرشادات نصه، وهو ما سارت على خطاه (سلمى شهاب) في عرضها بل وأزادت فكان العرض عبارة عن ملحمة مقدمة عن أربعة جنود فقط بلا داع لوجود أي شيء عن بقية الشعب ودعمت شهاب كل نقص في العرض بالأداء الحركي الراقص في الفواصل بين المشاهد الحوارية، في حين أن نص شو جلب لنا صورة عن الشعب ووجوده من خلال وجود وسائل الإعلام (الصحافة تحديدا وليس فقط صحفي يلقي مونولوجات كما حدث بالعرض)، فتاتا ليل، الصوت المستمر كشخصيات كائنة في النص كما لو كان صوت الشعب المتناقض في تفكيره والمختلف مع الآخر بطبيعة الحال ويريد أي محاكمة يرضي بها أهواءه.
إنما المنظر المسرحي هو ما يجب تحية مخرجة العرض عليه، حيث في الخلفية نجد مقبرة موضوع أسفلها نيونا أزرق كالمستخدم في عروض البانتومايم كان الغرض منه أن حتى في لحظات الإظلام تكون المقبرة منيرة للمتفرج، لتلتصق هذه الصورة دونا عن غيرها بمخيلة المتفرج كي يظل متذكرا أن الحروب لم تجلب إلا القبور، إنما لم يكن مبررا أن نجد الجنود ملفوفين بقماش أبيض كالأكفان في بداية العرض، فمن المعروف أن الجنود وقتها كانوا يُدفنون على حالهم ولكنها فكرة خدمت الصورة المسرحية التي لعبت عليها سلمى طوال العرض رغبة منها في الإبهار، ولوصف الباقي من السينواغرافيا ستجد الحوائط سوداء على الرغم من وجودهم في الخلاء، ربما هي عتمة الليل أو عتمة الحروب.


سارة أشرف