السرد الممتنع في صفية والدير

السرد الممتنع في صفية والدير

العدد 586 صدر بتاريخ 19نوفمبر2018

من سمات العرض المسرحي أنه متنوع التفاعل مع المتلقي في كل مرة يعرض فيها؛ حيث إنه ليس شريطا سينمائيا يعرض متطابقا كل مرة، فعلى خشبة المسرح لا يوجد تطابق بين ليلتين في عرض واحد، والمتلقي هنا يتنوع إلى نوعين: متلقٍ شاهد العرض مرة سابقة وينتظر التجويد في المرة الثانية، ومتلقٍ آخر يشاهد العرض للمرة الأولى، والذي ينتظر عرضا في نسخته الثالثة بعد عرضه على مسرح جامعة بني سويف، ومسرح الهناجر بدار الأوبرا، كما هو حال عرض «خالتي صفية والدير» المأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للروائي الكبير بهاء طاهر، الذي قدم في نسخته الأولى على مسرح جامعة بني سويف، وفي نسخته الأخيرة على مسرح قصر ثقافة بني سويف قدم المخرج محمد عبد المعطي مع فرقة جامعة بني سويف.
ففي كل مرة يتكرر فيها العرض تقع على طاقم العرض مسئولية التنوع بين الأداء والتجويد، وفي الكثير من الأحيان يقع الطاقم تحت نمطية الأداء دون أن يشعر بفرصة التجويد المتاحة له في كل مرة.
وفي العرض المسرحي «خالتي صفية والدير» يتلخص في الصراع رغبة صفية في الانتقام من حبيبها حربي الذي بعدما تركها للزواج من خاله القنصل معتقدة أنه خذلها في حبها له، ولكن في حقيقة الأمر جاء هذا التنازل من حربي يعكس بيئة المجتمع الذي تدور الأحداث فيه؛ حيث لا يمكن الصراع على أنثى بين رجل وخاله، ويقتل الخال ويتهم حربي في قتله ويعاقب بالسجن ويخرج وما زالت رغبة صفية في الانتقام متوهجة لا يطفئها سوى مقتل حربي على يديها وتستعد لذلك بكل السبل، ولكن العلاقة الاجتماعية والصداقة التي كانت بين حربي والمقدس بشاي خادم الدير تحول بين تحقيق رغبة صفية من الانتقام من حربي؛ حيث يدعوه المقدس بشاي للإقامة في الدير بحجة تدهور حالة حربي الصحية وحاجته للرعاية والعلاج الذي يمكن أن يقدمه المقدس بشاي لحربي في الدير، وكانت تلك مجرد حجة ولكن في الحقيقة هي رغبة المقدس بشاي في إبعاد حربي عن نار انتقام صفية المتأججة؛ وهذه هي الرسالة الأساسية للرواية التي أراد أن يطرحها الروائي بهاء طاهر في روايته وهي رسالة الأمن والتصدي لرغبات شخصية والاحتماء بقيم اجتماعية أصيلة.
الفرجة على حساب المضمون
نجح المخرج محمد عبد المعطي في تحقيق الفرجة المسرحية في عرضه بأدوات مسرحية بسيطة، ولكنها مناسبة لرؤيته الإخراجية حيث دمج الخيال بالواقع المطروح على خشبة المسرح، فاستعمل أدوات ديكور تعكس المكان والزمان وبيئة العرض من خلال ديكور لآلات موسيقية كبيرة (دف في عمق منتصف المسرح، وربابتان إحداهما في مقدمة المسرح اليمنى والثانية في أقصى اليمين، وهذه الكتلة من الديكور بأدواتها الثلاث توازي الكتلة الثانية على يسار المسرح وهو المكان الطبيعي للأحداث المتمثل في بيت صفية وهو البيت الذي ينبع من الرواية على لسان أحد أفرادها ثم بيت القنصل، وفي أقصى اليسار يأتي الدير) وما بين هذا التناغم ما بين الخيال والواقع المسرحي وقع من العرض مضمون القصة حيث جاء تهميش دور الدير ورسالته في القصة ليكون في أحد المشاهد حيث حاول أحد الممثلين الارتجال في غير محله في أحد المشاهد بحسن نية حاول أن يظهر الحميمية بين الأصدقاء في الدير ولكن كادت أن تكون أقرب للسخرية من الدير ومن المقدس بشاي ويرجع ذلك لضعف المعالجة المسرحية التي لم تعطِ للمكان حقه في المعالجة على خلاف النص الأصلي للرواية.
السرد المسرحي والحوار
استغل المخرج محمد عبد المعطي قدرته الفنية في الاستفادة من مفردات العرض حيث حول السرد الروائي الأصلي إلى سرد مسرحي من خلال تقديم مشاهد بصرية تخدم التطور الدرامي للعرض، بالإضافة إلى معلومات أساسية حول ما يقدم على خشبة المسرح؛ فالتشكيل البصري على السلويت على قماش الدف الكبير في عمق المسرح لمشاهد الفلاش باك ومشاهد الفنتازيا، كان معبرا جدا فنيا ودراميا وإخراجيا، كان من الممكن أن يكون ممتازا إذا جاء هذا البناء الفني والتكوين البصري لفكرة تعتبر من أهم الأفكار في الرواية الأصلية وهي فكرة تسمية “صفية” للحمار باسم حربي لتحقق رغبتها في مسخ صاحب الاسم الذي لا تتمكن منه حقيقة لتعكس الرغبة الشديدة في الانتقام.
ولكن جاء هذا المشهد في العرض عبارة عن حوار بارد بين صفية وأبيها، يلومها الأب على فعلتها هذه، مما أفقد أهمية المشهد، وخصوصا أنه كان يمكن أن يعوض هذا الحوار إلى سرد مسرحي بالتشكيل الجسدي خلف السلويت، فأحيان يمكن أن تستعين بجسد الممثل الضعيف الأداء متى أتحيت لك الفرصة.
من مقومات نجاح العرض المسرحي «خالتي صفية والدير» – من وجهة نظري – أن خبرة المخرج محمد عبد المعطي الفنية في الحركة المسرحية التي تعتبر من أكبر هموم المخرج والممثلين معا - أدار محمد عبد المعطي الحركة المسرحية بسلاسة شديدة، بل وكانت مدهشة من حيث الاستفادة بها في الانتقال السلس بين مشهدين مختلفين في الزمان والمكان بطريقة فنية تحسب لمخرج العرض، ولكن أفسدها مسئول الإضاءة في العرض؛ حيث كانت تأتي الإضاءة متأخرة كثيرا. وكانت الحركات التعبيرية والإعداد الموسيقي مناسبين تماما للعرض. فتحية كبيرة لفرقة جامعة بني سويف والمخرج محمد عبد المعطي ولقصر ثقافة بني سويف الذي احتضن التجربة على العرض الممتع.

 


محمد رجب