أحمد عبد الوارث الخلوق

أحمد عبد الوارث الخلوق

العدد 582 صدر بتاريخ 22أكتوبر2018

دماثة الخلق، التواضع الشديد، الأخلاق الرفيعة السامية، بشاشة الوجه والإستقبال الحميمي، إحترام المهنة والزملاء بإختلاف أجيالهم، الغيرة الشديدة على تقاليد المهنة كانت بعض أو أوضح سمات الفنان القدير أحمد عبد الوارث الذي رحل عن عالمنا يوم الأحد الموافق 14 أكتوبر (2018). وهو فنان أكاديمي أثبت وأكد موهبته التي أصقلها بالدراسة فتألق بجميع القنوات الفنية (المسرح، الدراما التليفزيونية، السينما، الإذاعة) ومع ذلك ظل محتفظا بروح الهواية الحقيقية وحريصا أشد الحرص على الإلتزام بجميع تقاليد مهنته التي أحبها وأخلص لها فسبر أغوارها واكتشف أسرارها واكتسب خبراتها.
وهو من مواليد 18 أكتوبر عام 1947 بحي السيدة زينب بمدينة “القاهرة”، وقد بدأت هوايته لفن التمثيل من خلال ممارسته للتمثيل بفريق المسرح بالمدرسة “الخديوية الثانوية”، وقد وفق خلال هذه الفترة في الحصول على ميدالية ذهبية وأخرى فضية في أول مشاركاته ببطولة مسرحيتى: “ثمن الحرية” و”مأساة جميلة”. كان نجاحه في بداياته المسرحية دافعا له على الاستمرار في ممارسة هوايته بعد ذلك، فشارك بفريق التمثيل بنادي “شباب الجزيرة” (والذي كان يضم نخبة من هواة التمثيل الذين أصبحوا نجوما بعد ذلك (ومن بينهم: نور الشريف، خليل مرسي، محمد عبد المعطي، أحمد راتب). 
تأكدت موهبته الفنية عندما قرر صقلها بالدراسة فالتحق بالمعهد “العالي للفنون المسرحية”، والذي حصل من خلاله على بكالوريوس التمثيل والإخراج عام 1972 (ومن أشهر زملائه بالدفعة كل من الفنانين: أحمد زكى، عفاف شعيب، مصطفى متولي، شهيرة عائشة محمد حمدي، منى قطان، عهدي صادق). عين بعد تخرجه معيدا بالمعهد لمدة ثلاث سنوات ثم قدم استقالته، وانتقل إلى البيت الفني للمسرح لينضم إلي أسرة “المسرح الحديث” وبعد ذلك بفرقة “المسرح القومي”.
كانت بدايته السينمائية من خلال فيلم “السراب” عام 1970، في حين كانت بدايته المسرحية بعالم الإحتراف بالمشاركة بعرض “ياسين ولدي” لفرقة تحية كاريوكا عام 1971، ثم بعد ذلك بالمشاركة ببعض عروض فرقة “المسرح الحديث” وبالتحديد بمسرحية أيام الوسية عام 1976، أما بداياته بالدراما التليفزيونية فقد بدأها من خلال مشاركته بمسلسل “هروب” من إخراج نيازى مصطفى.
ويحسب له خلال مسيرته الفنية نجاحه في تقديم عدد كبير من الأدوار المتميزة التي أشاد بها النقاد وحققت له الشهرة والنجاح الجماهيري ومن بينها في السينما: الإبن الضال، اسكندرية ليه؟، اشتباه، كيدهن عظيم، بيت القاضي، مشوار عمر، أبو كرتونة، الصديقان، خمسة في الجحيم، وش إجرام، وفي المسرح: أحلام ياسمين، منمنمات تاريخية، هنا عرايس بتترص، حكمت امرأة، طبول فاوست، ماتستفهمش، أما في مجال الدراما التلفزيونية فقد تميزت أدواره في عدد كبير من المسلسلات من بينها: تمساح البحيرة، رحلة المليون، قصة الأمس، الشوارع الخلفية، صيام صيام، هند والدكتور نعمان، الزنكلوني، مخلوق اسمه امرأة، بنات زينب، اليقين، حواري وقصور، القضاء في الإسلام، محمد رسول الله .
ويمكن تصنيف مجموعة مشاركاته الفنية طبقا لاختلاف القنوات الفنية مع مراعاة التتابع الزمني كما يلي:
أولا - مشاركاته السينمائية:
 لم تستطع السينما الاستفادة من موهبته المؤكدة وخبراته الكبيرة فلم يحظ إطلاقا بفرصة البطولة المطلقة وإن كان نجح وبصورة متميزة في تقديم الأدوار الثانية وتقديم عدد كبير من الشخصيات الدرامية المؤثرة بالأحداث بعدد كبير من الأفلام ومن بينها: السراب (1970)، مدينة الصمت (1973)، الشوارع الخلفية (1974)، الكرنك، عودة الإبن الضال (1975)، الإعتراف الأخير، من بلا خطيئة (1978)، المتوحشة، اسكندرية ليه؟ (1979)، القرش، أنا المجنون، سفينكس (1981)، خمسة في الجحيم (1982)، كيدهن عظيم (1983)، بيت القاضي (1984)، الوداع يا بونابرت (1985)، كيدهن عظيم (1986)، مشوار عمر، قبل الوصول لسن الانتحار (1987)، أبو كرتونة، إشتباه (1990)، الصديقان (1993)، وش إجرام (2006)، مع فائق الاحترام (فيلم قصير - 2010)، الطريق إلى جهنم (2012)، المشخصاتي 2 (2016). وذلك بخلاف بعض الأفلام القصيرة ومن بينها: مع فائق الإحترام (2010). 
ويذكر أن مجموعة الأفلام السابقة قد أتاحت له فرصة التعاون مع نخبة من كبار المخرجين السينمائيين ومن بينهم الأساتذة: نيازي مصطفى، يوسف شاهين، حسن الإمام، علي بدرخان، كمال عطية، محمد خان، سمير سيف، أنور الشناوي، أحمد ثروت، أحمد السبعاوي، حسن حافظ، تيسير عبود، علاء كريم، إبراهيم عفيفي، محمد حسيب، شفيق شامية، وائل إحسان، محمد أبو سيف.
ثانيا - أهم مشاركاته التلفزيونية: 
نجحت الدراما التليفزيونية في توظيف موهبة ومهارات وخبرات هذا الفنان القدير فمنحته فرصة المشاركة ببطولة عدد كبير من السهرات الدرامية والمسلسلات، والتي جسد من خلالها بعض الشخصيات الدرامية الممة ومن بينها على سبيل المثال: والد الطفلة هند بمسلسل “هند والدكتور نعمان”، اللواء علاء السبع بمسلسل “ليالي الحلمية”، عصام بمسلسل “رحلة المليون”، مراد صاحب شركة الطيران بمسلسل “أرض جو”، ناحور بن آذر بمسلسل “محمد رسول الله”. 
هذا وتتضمن قائمة أعماله التليفزيونية والتي قد يزيد عددها عن المائة المسلسلات التالية: أحلام العمر، البريمو، زهرة الأسوار، الانسان والمجهول، مسافرون، أبرياء في قفص الاتهام، تمساح البحيرة، رجل شريف جدا، رحلة المليون، هروب، زغاريد في غرفة الأحزان، الشوارع الخلفية، صيام صيام، أعقل زوجين في العالم، أصابع الزمن، مسافرون، دموع الشموع، هند والدكتور نعمان، دوامة الحياة، صح النوم، القاهرة 80، الحب العظيم، الزنكلوني، مخلوق اسمه امرأة، وعاد النهار، هاربات من الماضي، بنات زينب، اليقين، فوازير أم العريف، من الذي لا يحب فاطمة، حارة المحروسة، الماضي يعود الآن، وتمضي الأيام، شيء غير الحب، الفهلوي، علاء الدين والأميرة ياسمين، يوم للحياة ويوم للموت، أحلام العمر، حواري وقصور، ملكة من الجنوب، ضبط وإحضار، بلد المحبوب، طيور الشمس، فريسكا، أحلام البنات، مباراة زوجية، شخلول، المخبر الخاص، عسكر وحرامية، ناصر، الزوبعة، الطوفان، أرزاق، الحلم والمطر، غريب يا ولدي، نهاية القصة، رحلة المعرفة، سيداتي آنساتي، الرحلة، آن الأوان، ثمن الحب، العرضحالجي، البحث عن زوج، لقاء السحاب، سقوط الخلافة، قصة الأمس، أدهم الشرقاوي، جنة ونار، لو كنت ناسي، في أيد أمينة، مسألة كرامة، مشرفة رجل من هذا الزمان، فرقة ناجي عطا الله، المرافعة، الخانكة، أرض جو، ليالي الحلمية (ج5،6)، سقوط الخلافة، وأشرق الإسلام بالحب، القضاء في الإسلام (ج8،9)، محمد رسول الله (ج1).
وذلك بخلاف مشاركته ببعض السهرات التليفزيونية والتمثيليات ومن بينها: وراء الجريمة، معركة انتخابية في عش الزوجية، عفيفة، وحوش أليفة، سيدة الشاليه، الزحام، قضية بدون متهم، زوجتي مخطوفة، قطار العمر، صعود بلا نهاية، الظالم والمظلوم، عصفور الجنة، حكايات البلياتشو.
ثالثا - مشاركاته الإذاعية:
للأسف الشديد أننا نفتقد لجميع أشكال التوثيق العلمي بالنسبة للأعمال الإذاعية، وبالتالي يصعب حصر جميع المشاركات الإذاعية لهذا الفنان القدير، والذي ساهم في إثراء الإذاعة المصرية ببعض المسلسلات والأعمال الدرامية على مدار مايقرب من خمسين عاما ومن بينها المسلسلات الإذاعية التالية: لحظة في عيونهم، أيام الحب والجنون، شرق النخيل. 
رابعا - مشاركاته المسرحية:
ظل المسرح هو مجال الهواية الأولى للفنان أحمد عبد الوارث ومجال دراسته وعشقه، خاصة بعدما منحه المسرح فرصة القيام بأدوار البطولة المطلقة وبعض الأدوار المركبة الصعبة، وخلال مسيرته الفنية شارك في بطول ما يزيد عن عشرين مسرحية بمختلف فرق مسارح الدولة وأيضا ببعض الفرق الخاصة. ويمكن تصنيف مشاركاته المسرحية طبقا للفرق المختلفة مع مراعاة التسلسل التاريخي كما يلي:
1- بفرقة “المسرح القومي”: مجنون ليلى (1982)، منمنمات تاريخية (1995)، بلقيس (2011).
2- فرقة “المسرح الحديث”: أيام الوسية (1976)، برج المدابغ (1977)، هنا عرايس بتترص (1984)، الخروج للنهار (2007). 
3- لفرق “مسارح الدولة”: حكمت امرأة (مسرح الشباب - 1993)، أحلام ياسمين (الغنائية الاستعراضية - 1996)، طبول فاوست (الغد - 1999)، ماتستفهمش (الطليعة - 2001)، شباب في عين الرسول ( تحت 18 - 2018).
4- فرق خاصة: ياسين ولدي (تحية كاريوكا - 1971)، ماتستعجلش (فيصل ندا - 2002). 
5- فرق أخرى: طظ في حياتي بحالها (الجمعية المصرية لهواة المسرح - 1984)، وذلك بخلاف بعض المسرحيات التي انتجت للتصوير التلفزيوني ومن بينها: الفلوس حبيبتي (1979)، ليلة زواج فضة، . 
ويجب التنويه إلى أن مشاركاته ببطولة المسرحيات السابقة قد منحته فرصة التعاون مع نخبة من المخرجين المتميزين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة: سعد أردش، كرم مطاوع، أحمد عبد الحليم، عوض محمد عوض، عبد الغني زكي، عبد الرحمن الشافعي، نور الشريف، جلال توفيق، عادل هاشم، عصام السيد، مصطفى سعد، رزيق البهنساوي، انتصار عبد الفتاح.
- ذكريات خاصة:
الحقيقة أن كل من تعامل مع الفنان أحمد عبد الوارث عن قرب شهد له بدماثة خلقه وجديته وثقافته الحقيقية، وفي مقدمة هؤلاء مجموعة المخرجين الذين أتيح لهم فرصة التعامل معه في أعمال فنية، وأحمد الله أن منحني هذه الفرصة أكثر من مرة. كانت البداية في نهايات عام 1983 عندما شرفت بتأسيس “الجمعية المصرية لهواة المسرح” (تأسست في أكتوبر عام 1982)، وشرعت مع أعضاء مجلس الإدارة في تنظيم أول مهرجان للمونودراما، كان من الطبيعي أن نلجأ إلى بعض كبار النجوم الذين مازالوا يحتفظون بروح الهواية لحماية التجربة، وفي مقدمتهم النجم الكبير نور الشريف الذي اقترح مساهمته بإخراج عرض تطوعا بالمهرجان، خاصة بعدما شاهد البروفات النهائية لخمسة عروض قام ببطولتها نخبة من الهواة أعضاء الجمعية واقتنع تماما بموهبتهم (كانوا في بدايات الطريق وهم الزملاء: عبلة كامل، خالد الصاوي، خالد صالح، عمرو عبد الجليل، ماجد الكدواني). اختار الفنان نور الشريف مونودراما “طظ في حياتي بحالها” تأليف مصطفى بهجت مصطفى ورشح لأدائها الفنان أحمد عبد الوارث، الذي رحب على الفور بترشيحه والتزم تماما بجميع البروفات التي كانت تبدأ يوميا بعد منتصف الليل (بعد انتهاء الفنان نور الشريف من تصوير مشاهد فيلمه “الزمار”)، وبالفعل تم إفتتاح فعاليات المهرجان بهذا العرض في أول فبراير عام 1984 على مسرح الطليعة بحضور وزير الثقافة آنذك د. أحمد هيكل، فكان لنجاح كل من العرض والمهرجان أكبر الأثر في تحقيق إنطلاقة مهمة وكبيرة في مسيرة هواة المسرح، واستمرار الجمعية في تنظيم مهرجاناتها الناجحة حتى الدورة الثلاثين (عام 2017)، ومن بينها أربعة مهرجانات متخصصة بمجال “المونودراما”، كان آخرها “المهرجان الرابع للمونودراما” (المهرجان الثاني والعشرين للجمعية) والذي نظم في يونيو 2009، وهو المهرجان الذي تم من خلاله تكريم الفنان أحمد عبد الوارث مع نخبة من الفنانين من بينهم الأساتذة محمود الألفي، عبلة كامل، عزة بلبع، خالد الصاوي، محمد فريد. 
وتبقى التجربة الأهم في مسيرتنا الفنية وهي ذلك التعاون المشترك بيننا في عرض “خداع البصر” من إنتاج مركز الهناجر للفنون عام 2001. والنص الذي شرفت بإخراجه من تأليف الأديب أمير سلامة، وقد قمت بترشيح الفنان أحمد عبد الوارث لبطولته بمجرد القراءة الأولى، وبرغم صعوبة النص الذي كتب باللغة العربية الفصحى وصعوبة ذلك الدور المركب متعدد الأبعاد للأب والزوج والحبيب، إلا أن الفنان أحمد عبد الوارث قد نجح في تجسيده ببراعة وفك جميع شفراته وتوصيل جميع دلالاته العميقة بيسر وبساطة، ملتزما بجميع تفاصيل الرؤية الإخراجية. حقا لقد كانت البروفات النهائية للعرض بمثابة مباراة رائعة يوميا في الأداء بينه وبين الموهوبين: خليل مرسي وصفاء الطوخي وأشرف طلبة، ويشاء القدر أن تنجح بعض المؤامرات الإدارية في تأجيل موعد افتتاح العرض لتستمر مباراة الأداء بين أشرف طلبة (كعامل مشترك) ومحمود مسعود وعايدة فهمي ومخلص البحيري. وفي هذا الصدد أرى أهمية تسجيل شهادتي للتاريخ وهي أنني قد استمتعت بالفعل بإلتزام وإخلاص واجتهاد الفنان أحمد عبد الوارث وبأدائه الرصين وبمحاولاته اليومية للإتقان والتجويد، وذلك بخلاف سعادتي بجو الألفة والبهجة الذي يحرص على تحقيقه بجميع البروفات.
ويتضح مما سبق مدى تميز المسيرة الإبداعية الثرية التي نجح الفنان القدير أحمد عبد الوارث في تحقيقها بموهبته وإخلاصه ودأبه حتى بلغ مجمل الأعمال التي شارك في بطولتها ما يقرب من مائتي عملا بمختلف القنوات الفنية (ما بين مسرحيات وأفلام سينمائية ومسلسلات درامية وأعمال إذاعية). 
ونظرا لما عرف عنه بدماثة الخلق والإلتزام الفني الكامل بكافة التقاليد الأصيلة لمهنة الفن، وكذلك بعلاقته الطيبة بجميع الزملاء ورغبته الدائمة في تقديم الخدمة العامة، فقد قام بترشيح نفسه لعضوية مجلس إدارة “نقابة المهن التمثيلية”، وبالفعل تم انتخابه في أكثر من دورة، فاستطاع بدأبه وحرصه على تحقيق المصلحة العامة تقديم بعض الإنجازات والخدمات النقابية المتميزة لجميع الأعضاء. 
جدير بالذكر أن الفنان أحمد عبد الوارث بعد قصة حب كبيرة تزوج لفترة طويلة من الفنانة سعاد نصر (زميلته خلال فترة الدراسة بالمعهد والتي تخرجت في العام التالي لتخرجه عام 1973) وأنجبا كل من طارق وفيروز، وقد عمل ابنهما “طارق” لفترة ضابطا بالبحرية، ولكنه حينما علم بخبر وفاة والدته ولم يتمكن من حضور مراسم وداعها إلا بعد أربعة أشهر قرر ترك البحرية والعمل في مجال هوايته الأولى الإخراج السينمائي. وبعد انفصال الفنان أحمد عبد الوارث عن الفنانة سعاد نصر بعدة سنوات تزوج من خارج الوسط الفني (فتاة شامية) وأنجب منها ابنتين هما: “آلاء”، و”ميران”.
وأخيرا لا يسعني إلا التوجه بخالص الدعاء إلى الله عز وجل بأن يتغمد برحمته الصديق الغالي والفنان القدير أحمد عبد الوارث وأن يغفر له ويدخله فسيح جناته جزاء ما أخلص في أداء رسالته وعمله وسعى جاهدا في سبيل إسعادنا بتقديم الفن الراقي الملتزم بقضايا المجتمع. 
 


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏