لطيفة عبد الله أول ممثلة مسلمة تقف على خشبة المسرح

لطيفة عبد الله أول ممثلة مسلمة تقف على خشبة المسرح

العدد 576 صدر بتاريخ 10سبتمبر2018

تاريخنا المسرحي، وخصوصا خلال فترة الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ما زال يحتاج لمزيد من الاكتشافات واستكمال المعلومات وتوثيقها وإعادة كتابته، خاصة وأن الصحافة خلال تلك الفترة كانت ما زالت بمرحلة البدايات ولم تكن تهتم بتتبع ونشر أخبار الفنانين أو العروض المسرحية باعتبارها فنونا شعبية لا ترقى لعروض الأوبرا وبقية الفنون الرفيعة.
ومما يؤكد ما سبق أن هناك عدة فرق مسرحية لم يصلنا عن نشاطها سوى بعض الأخبار القصيرة جدا، ومثال لها جميع الفرق الجوالة التي قام المؤرخ العربي الكبير محمد يوسف نجم بالإشارة إليها،
 - توثيق تاريخنا المسرحي:
وفي مقدمتها فرق: جوق السرور الوطني لمؤسسه ميخائيل جرجس عام 1889، الجوق العربي الجديد لمؤسسه بشارة لحمة عام 1889، الجوق الوطني الحر لمؤسسه مرقص جرجس عام 1891، جوق الكمال الوطني لمؤسسه علي حمدي 1891، جوق شبان مصر الوطني لمؤسسه إبراهيم حجازي عام 1894، جوق الاتحاد الوطني لمؤسسه داود سليمان عام 1894، الجوق الإسكندري العربي لمؤسسه رشيد لطيف عام 1895، الجوق الدمشقي لمؤسسه نقولا مصابني عام 1895، الجوق السوري الجديد لمؤسسه يوسف شكري عام 1897، مجتمع التمثيل العصري لمؤسسه جورج طنوس عام 1904، جوق زهرة الشرق لمؤسسه عبده الإسكندراني عام 1906. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب المؤسسين لتلك الفرق ينتمون إلى بلاد الشام أو من اليهود والمسيحيين المصريين، كما أن أغلب تلك الفرق كانت تقدم عروضها بمدينة الإسكندرية أو من خلال جولات بمختلف المحافظات. وللأسف الشديد أنه حتى الآن لم يتم رصد القائمة الكاملة لعروض كل فرقة أو حتى أسماء المشاركين في تقديمها!!
كان الاعتقاد السائد منذ عام 1915 أن سلطانة الطرب منيرة المهدية هي أول ممثلة مصرية تعتلي خشبة المسرح، حيث أعلنت ذلك جريدة الأهرام يوم 25 8 1915، تحت عنوان «أول ممثلة مصرية»، والإعلان يقول: «تحي في مساء يوم الخميس - ليلة الجمعة 26 - الحالي في تياترو «برنتانيا» ليلة يحتفل فيها بدخول المغنية المشهورة الست منيرة المهدية التمثيل العربي، فتنشد قصيدة استقبال من تلحين الموسيقي المبدع كامل الخلعي، ثم تمثل لأول مرة دور «وليم» في الفصل الثالث من رواية «صلاح الدين الأيوبي».
هذا الاعتقاد تم تغييره عام 2001 بإكتشاف الباحث والمؤرخ المسرحي د.سيد علي إسماعيل لنص مسرحي منشورا بالمطبعة الخديوية في القرن التاسع عشر، وتمثلت المفاجأة في اسم المؤلفة وهي «السيدة لطيفة»!!، وقد اجتهد كثيرا وبطريقة منطقية في محاولة أثبات أن مؤلفة تلك المسرحية هي نفسها «لطيفة عبد الله» نجمة فرقة «ميخائيل جرجس»، والتي تعد أول ممثلة مصرية مسلمة تقف علي خشبة المسرح.
 - المؤلفة والممثلة لطيفة عبد الله:
مسرحية «الملكة بلقيس» - كما هو واضح من صورة غلافها القديم - لا تشتمل على أي توثيق أو تأريخ يهدي القارئ إلى حقيقتها المجهولة. ولعل هذا الأمر كان السبب وراء عدم التفات النُقاد والكتاب المحدثين إلى أهميتها وقيمتها التاريخية، رغم من أنها مطبوعة! فالغلاف لا يتضمن إلا البيانات التالية: «رواية الملكة بلقيس، تشخيصية غرامية حربية، ذات أربعة فصول، تأليف السيدة لطيفة، طبعت على ذمة المؤلفة، حقوق الطبع محفوظة، ثمن كل نسخة خمسة غروش صاغ قبل الطبع وبعده، ويعقب هذه الرواية فصل مضحك للغاية يقال له: فصل العفريت، طُبعت بالمطبعة الخديوية بالموسكي بمصر».
وهذه المعلومات أثارت لدى د.سيد علي إسماعيل عدة أسئلة من بينها: تاريخ طباعة تلك المسرحية؟ وهل تم تمثيلها أم لا؟ وإذا كانت مثلت، فما هي الفرقة التي مثلتها؟ ومن هي المؤلفة السيدة لطيفة؟ وما معنى أن ثمنها خمسة قروش قبل الطبع وبعده؟ وما حقيقة الفصل المضحك «العفريت»؟
والحقيقة أن جميع تلك الأسئلة رغم وجاهتها ومنطقيتها يمكن - من وجهة نظري - تركيزها في سؤالين فقط وهما: ماهو تاريخ النشر؟ وما بيانات المؤلفة؟، وذلك نظرا لأن تقديم الفصول المضحكة بين الفصول أو قبل المسرحية كان تقليدا متبعا في بدايات المسرح العربي سواء في نهايات القرن التاسع عشر أو الربع الأول من القرن العشرين، وكذلك كان أسلوب تقسيط ثمن شراء الكتاب أو تسديد جزء من ثمنه قبل النشر أسلوبا متبعا وشائعا أيضا، فكان المؤلف الذي لا يستطيع تحمل طباعة مؤلفه بمفرده يعلن لمن يريد اقتناء الكتاب أن يدفع نصف ثمنه مقدما، والنصف الآخر بعد الطباعة وبذلك يجمع المؤلف جزءا من ثمن الطباعة ويسلمه للناشر من البداية كعربون. ويتبقى السؤال الأهم بعد معرفة بيانات المؤلفة والتأكد من شخصيتها وهو تحديد مشاركاتها المسرحية الأخرى.
وقد توصل الباحث بصورة منطقية إلى تاريخ طباعة المسرحية حيث إن هناك عدة إشارات تفيد بأن هذا النص طبع في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك عن طريق عدة دلائل ومن بينها: عنوان النص الذي يقول: رواية «الملكة بلقيس» - رغم أنها مسرحية وليست رواية بالمفهوم الأدبي الحديث - حيث كانت صفة «رواية» تطلق على النصوص والعروض المسرحية آنذاك، ومن الأدلة أيضا وصف المسرحية بأنها: تشخيصية غرامية حربية، وهي من العبارات الأثيرة لدى طابعي وناشري المسرحيات العربية في القرن التاسع عشر. هذا بالإضافة إلى تلك العبارة التي جاءت على الغلاف وتقرر: بأنه يعقب عرض هذه الرواية فصل مضحك للغاية يقال له فصل «العفريت»، والفصول المضحكة كانت منتشرة في جميع المسارح في مصر منذ ظهور العروض المسرحية، وتحديدا في أواخر القرن التاسع عشر. وأخيرا نجد اسم المطبعة (طبعت بالمطبعة الخديوية بالموسكي بمصر) التي تدل أنها طبعت في العهد الخديوي بمصر.
والحقيقة أنه بمجرد تحديد فترة نشر المسرحية أمكن بعد ذلك وبسهولة التعرف على مؤلفته، فمن خلال مجموعة الأخبار المسرحية المنشورة خلال تلك الفترة والبحث عن مسرحية بعنوان «بلقيس» اتضح فورا أن هناك مسرحية واحدة بهذا الإسم قدمتها فرقة «جوق السرور» لمؤسسها ميخائيل جرجس عام 1893، وأن بطلة الفرقة تدعى «لطيفة عبد الله»، كما جاء بالأخبار التالية:
 - بجريدة «المقطم» في أكتوبر 1893: «مثل HYPERLINK “http://kenanaonline.com/users/sayed-esmail/tags/113577/posts”جوق السرور البارحة رواية «بلقيس»، أو «أحوال العشاق» فأحسن الممثلون والممثلات في التمثيل والإلقاء، وخصوصا «بلقيس» حين أخذتها الغيرة من ابنتها لعشقها الأسير الذي تحبه هي، وكان تصفيق الجمهور متواليا علامة الاستحسان، وتلاها فصل مضحك سر به الحاضرون». وهذا الخبر هو بلا شك الدليل المؤكد على أن المسرحية المذكورة هي فعلا نص المسرحية المكتشف، لأن الخبر ذكر مضمون المسرحية وفكرتها والتي تتطابق مع المسرحية المنشورة.
وتتابعت الأخبار بعد ذلك ببعض التفاصيل المهمة حيث أمكن الاستنتاج بسهولة أن المؤلفة لطيفة هي نفسها نجمة جوق «السرور»، حيث نشرت جريدة «المقطم» في 18/2/1891 أول خبر عنها ومما جاء فيه على لسان مؤسس الفرقة: «إجابة لطلب كثيرين قد اتخذنا محلا جديدا حسن الغاية في النصرية لتشخيص كثير من الروايات التي شخصت والتي لم تشخص إلى الآن، وسنشخص في هذه الليلة رواية، وسيقوم بأهم الأدوار حضرة المطرب الشهير مصطفى أفندي علي، وحضرة السيدة المشهورة بهذا الفن لطيفة عبد الله، ويعقب ذلك فصل رقص لإحدى السيدات المشهورات، ويتلو ذلك فصل مضحك، أسعار الدخول 30 قرش صاغ لوج خمس كراسي».. مدير الجمعية ميخائيل جرجس».
والخبر الثاني الذي أكد تلك المعلومة نشرته جريدة «السرور» في الفيوم بتاريخ 24/3/1892، وجاء فيه: «قدم إلينا جوق جمعية “السرور” بإدارة حضرة الأديب ميخائيل أفندي جرجس، فمثل بيننا عدة روايات أدبية أشهرها رواية “عائدة”، وقد مثلها أمس بحضور كثيرين فأجاد الممثلون والممثلات بأدوارهم من حسن الإلقاء وبراعة التمثيل، سيما حضرة محمود أفندي رحمي (ممثل دور رمسيس رئيس الكهنة)، وحضرة الخاتون الفاضلة لطيفة )ممثلة دور عائدة)، مما اضطر الحاضرون لاستعادة عدة أدوار مهمة، يتخللها تصفيق الاستحسان. وقد وقف وكيلهم إبراهيم جرجس نخلة في المرسح خطيبا مظهرا فضل الروايات وما لها من التأثير على الهيئة الاجتماعية، ثم مدح الجوقة وأظهر براعتهم في هذا الفن، وختمه بالدعاء لسمو خديوينا المعظم ورجاله الكرام».
وجميع الإشارات تؤكد أن السيدة لطيفة عبد الله مؤلفة المسرحية هي نفسها بطلة HYPERLINK “http://kenanaonline.com/users/sayed-esmail/tags/113577/posts”جوق “السرور” وممثلته الأولى، فمن غير المنطقي أن تكون مؤلفة مسرحية «الملكة بلقيس» شخصية أخرى غير نجمة الفرقة التي مثلت نفس المسرحية وأنهما يشتركان معا في نفس الاسم «لطيفة».
ولكن مع ذلك تظل تفاصيل شخصية الممثلة والمؤلفة لطيفة عبد الله غائبة ومجهولة، وتظل حياتها صفحة مجهولة في حياتنا الفنية، فجميع أخبارها وأخبار المسرحيات التي شاركت ببطولتها والمعلومات الخاصة بالفرقة التي كانت نجمتها الوحيدة مجرد إشارات شحيحة شاردة وردت في بعض الصحف، وبتجميعها لم نستطع معرفة أي تفاصيل عن حياتها الغائمة، وذلك نظرا لأنها كانت بطلة لفرقة مسرحية جوالة ولم تأخذ حظها من الشهرة التاريخية، وبالتالي لم نستطع التعرف على تاريخ ميلادها ولا تاريخ وفاتها ولا أي تفاصيل عن أسرتها ونشأتها، ولا تفاصيل عن بداية هوايتها للفن وبداياتها المسرحية وكيفية اقتحامها لعالم الاحتراف. وحتى المعلومات التي قام باستنتاجها د.سيد علي إسماعيل بأنها: «أول مصرية مسلمة تعلو خشبة المسرح» ليس هناك ما يؤكدها، فمما لا شك فيه أن دلالات الإسم لا تكفي وحدها خاصة وأن هناك بعض الأقاويل التي تؤكد بأنها لبنانية الأصل وليست مصرية، كما ترددت أقاويل أخرى بأنها مصرية مسيحية وعلى صلة عائلية وطيدة بمؤسس الفرقة الفنان ميخائيل جرجس، وأنها أضافت إلى اسمها لقب «عبد الله» بعد أشهارها لإسلامها، وأن هذا هو السبب الأساسي في الإكتفاء باسم «لطيفة» في الفترة الأولى من حياتها وكذلك في عدم ذكر اسمها بالكامل على غلاف المسرحية المنشورة )لم يلتفت كل من د.سيد علي إسماعيل ولا الناقد الأدبي نبيل فرج إلى عدم ذكر اسمها كاملا على غلاف المسرحية المنشورة!).
 - مسرحية بلقيس:
مسرحية «بلقيس» أدبية غرامية، لكنها على الرغم من ارتباط اسمها «بلقيس» باسم ملكة «سبأ» فإنها تسرد وقائع لقصة مغايرة، ولا تمت بصلة إلى الأحداث التاريخية عن مدينة «سبأ» أو الملكة بلقيس. وقد كتبت المسرحية باللغة العربية الفصحى، وبصياغة تجمع بين الشعر الغنائي والنثر المسجوع والنثر الحر. وذلك مع كتابة ونشر الفصل المضحك باللهجة العامية، وهو لا يقل أهمية عن المسرحية، لصعوبة العثور على نصوص مماثلة في هذا الشكل البسيط المباشر الذي قد يعتمد في كثير من صياغته وأحداثه على الارتجال. ومما يؤكد أن مؤلفة النص هي الممثلة لطيفة عبد الله أن النص أقرب إلى نص العرض المسرحي من النص الأدبي الذي كان سائدا خلال تلك الفترة، حيث ظهر إحساسها من خلاله خبراتها المسرحية العملية وإحساسها بنبض المشاهد، وهي تلك السمة الأساسية التي يتمتع بها المؤلف المسرحي إذا أتيحت له فرصة المشاركة المسرحية والإحساس بنبض الجمهور.
وتدور أحداث مسرحية «بلقيس» حول ذلك الصراع بين كل من الملكة بلقيس، وابنتها جوليا حول الأسير بختيار، الذي تنافست الأم والابنة في حبه، وعندما تتأكد الملكة بلقيس أن ابنتها وهذا الأسير يتبادلان الحب وأن حبيبها قد إنحاز بقلبه إلى ابنتها تلقي بهما في السجن، وتحاول في محاولة أخيرة لكي تنفرد هي بهذا الحبيب أن تثنى الإبنة عن هذا الحب بإقناعها بأنها مخطوبة لفرناس، ولكنها حينما تتأكد من فشلها في إقناعها تصاب باليأس وتضطر لرفع السلاح لقتلهما معا )ابنتها وحبيبها بختيار)، ولكن القدر يعاندها فينجيان من القتل في حين تلقى ابنتها الثانية البريئة فوديم مصرعها، ولا تجد الملكة بلقيس ما تكفر به عن خطئها سوى أن تقتل نفسها بنفس السلاح، وبذلك تنتهي الأحداث الدرامية بزواج الأسير بختيار من الأميرة جوليا.
ويجب التنويه إلى أن هذا النص قد أعيد نشره بمبادرة وتحقيق للباحث والأستاذ الأكاديمي سيد علي إسماعيل بالهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2001 في سلسلة «نصوص مسرحية» )العدد الحادي عشر).
 - فرقة «ميخائيل جرجس»:
تعد فرقة «السرور» التي قدمت هذه المسرحية في أواخر HYPERLINK “http://kenanaonline.com/users/sayed-esmail/tags/114022/posts”القرن التاسع عشر من أشهر الفرق الشعبية الصغيرة التي تقدم عروضها في أحياء القاهرة وفي الأقاليم والأرياف. وقد بدأت نشاطها المسرحي في أواخر عام 1887  واستمرت في تقديم عروضها بصورة شبه منتظمة حتى عام1896  واتخذت في البداية مسرحا ثابتا لتقديم عروضها في بولاق، وكان عبارة عن مسرح خشبي أقيم وسط الحانات واللوكاندات والمقاهي الشعبية، ثم تنقلت بعد ذلك في أكثر من مكان في «المحروسة»، معتمدة في أكثر عروضها على نصوص من تأليف مرقس جرجس شقيق صاحب الفرقة ميخائيل جرجس. ولم تقتصر عروضها خلال المواسم المتتالية على «القاهرة» وحدها، وإنما كانت تطوف الأقاليم لتقديم عروضها وخصوصا في الوجه القبلي، وذلك في محاولة للهروب من تلك المنافسة الشرسة بين الفرق الكبرى في كل من محافظتي «القاهرة» و«الإسكندرية»، وبالتالي فهي تعد من أولى الفرق المسرحية الجوالة التي ساهمت في غرس الفنون المسرحية بالتربة المصرية، ومن حسن الحظ أن جريدة «الأهرام» كانت تتابع بعض جولاته حتى أنها نشرت بدءا من العدد 3482 بتاريخ 30 يوليو عام1889  والأعداد التالية أخبار عن جولته المسرحية بمحافظة «أسيوط» التي استمرت عشرة أيام )قدم خلالها مسرحيات: الملك بختنصر، الخلين الوفيين، عائدة، متريدات)، والتي أعقبها بجولته المسرحية التالية إلى محافظة الفيوم» ومنها ختام جولته المسرحية بمدينة «بني سويف». وهكذا كما تتوالى بعد ذلك أخبار الفرقة فنجد أن الفرقة قد قدمت عروضها عام1894  بمدينة «بني سويف» مرة أخرى، كما أنها في عام1896  قامت بعدة جولات مسرحية في مدن «المنصورة» و«المنوفية»، كما تضم قائمة الأقاليم الأخرى التي قدمت فيها عروضها–  خلافا لما سبق - كل من: طنطا، المنيا، أبو تيج بأسيوط، سوهاج، قنا.
وبخلاف ما تم ذكره من جولات بالأقاليم حرصت الفرقة أيضا على تقديم عروضها بمختلف الأحياء الشعبية بالعاصمة، وقد سجلت بعض الصحف تقديمها لعروضها المسرحية ببعض أحياء محافظة «القاهرة» ومن بينها:. الناصرية، وباب الشعرية، وكلوت بك، وبولاق، ومما ساعد على تنقل الفرقة من إقليم إلى الآخر ومن حي إلى آخر أن مسرحها كان خشبيا متنقلا سهل التركيب، وفي أحيان كثيرة كان عبارة عن خيمة متنقلة!! ومن الواضح من خلال الأخبار المنشورة أن الفنانة لطيفة عبد الله قد شاركت الفرقة طوال فترة إنتاجها وقامت ببطولة جميع عروضها كما تجولت معها في جميع جولاتها المسرحية.
وتجدر الإشارة إلى أننا حينما نتحدث عن الفرق الجوالة التي تقدم الفنون المسرحية فإننا نقصد بالطبع الفن المسرحي بقالبه الغربي بعيدا عن تلك الإرهاصات للمسرح العربي والتي يندرج تحتها بعض الفنون الشعبية كصندوق الدنيا وخيال الظل والحكواتي وشاعر الربابة والأراجوز وفرق «المحبظاتية»، تلك الفرق التي كانت تتجول بصفة دائمة في الأقاليم لتعرض فنونها في التجمعات الشعبية أو في بيوت بعض الوجهاء أصحاب النفوذ.
مشاركاتها المسرحية:
جدير بالذكر أن الفنانة لطيفة عبد الله قد شاركت في بطولة جميع عروض جوق «السرور»، وأن أغلبية تلك العروض قد تم تقديمها أكثر من مرة قبل ذلك من خلال عدة فرق مسرحية أخرى، وذلك نظرا لغياب مفاهيم الملكية الفكرية خلال تلك الفترة الزمنية فاعتمدت الفرقة على إعادة تقديم نصوص تلك المسرحيات التي حققت نجاحا جماهيريا كبيرا من خلال الأجواق الكبرى.
 - جوق «ميخائيل جرجس» )السرور): بختنصر ملك الفرس (1887)، عواقب الأمور في حكم القدر والمقدور (1888)، ناكر الجميل (1890)، الخل الوفي، الهوى العذري، أنس الجليس، بلقيس، حب الوطن، قوت القلوب، هارون الرشيد )الصياد(، يوسف الصديق (1891)، عايدة )عائدة) (1892)، الأمير أبو العلا، الأمير محمود )أسر الأمير محمود)، انتصار المؤمنين واجتماع المحبين، إظهار الحق، أحوال العشاق، أوتللو (القائد المغربي)، تليماك، جينفياف، كليوباترة )الملكة كليوباترة)، ميتريدات (1893)، الأمير حسن )محاسن الصدف)، العلم المتكلم، الفتاة المفقودة، شهداء الغرام، كرم العرب، نبوخذ نصر ملك بابل (1894)، بديع الزمان، حفظ الوداد، صلاح الدين الأيوبي (1895)، عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة (1896)، السيد، المعتمد بن عباد، الملك العادل، عنترة العبسي، نابليون (نابليون بونابرت) (1897).
وأخيرا يجب أن أقرر - وللأسف الشديد - بإن كل المعلومات والبيانات الواردة في هذا المقال سواء عن فرقة «ميخائيل جرجس» وإنتاجها المسرحي أو عن الممثلة والمؤلفة الرائدة لطيفة عبد الله أو عن مسرحية «بلقيس» لم يتضمنها مقال بدورية أو فصل في كتاب أو مذكرات أو دراسة مرجعية أكاديمية ولكنها اعتمدت بالدرجة الأولى على مجرد اجتهادات تتكامل مع بعضها في محاولة تجميع أجزاء الصورة الممزقة ومد الخطوط لاستكمال بعض النقاط والملامح الغائبة في محاولة لاستعادة الملامح الكاملة الغائبة لحياتنا المسرحية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وأكرر مرة أخرى أننا كباحثين ومؤرخين ما زلنا نتعاون ونبذل قصارى الجهد في سبيل استكمال بعض تلك النقاط الغائبة والمعلومات الناقصة عن طريق تجميع ودراسة وتوثيق بعض الأخبار والإعلانات المتناثرة ببعض الدوريات القديمة المطوية التي يصعب الوصول إليها، ولكن ما زال أمامنا الكثير وخصوصا بفترة بدايات المسرح العربي، ومع ذلك نعمل ونتعاون ونتفاءل فقد تحمل لنا الأيام القادمة كثير من الإكتشافات والإضافات عن هذه الفترة وعن الفنانة الكاتبة لطيفة عبد الله.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏