شغل المسرحيين كثيرا واختلفت حوله الآراء التجريب في المسرح المصري.. قاطرة تقدم أم قوة تدميرية؟

شغل المسرحيين كثيرا واختلفت حوله الآراء التجريب في المسرح المصري.. قاطرة تقدم أم قوة تدميرية؟

العدد 576 صدر بتاريخ 10سبتمبر2018

ثلاثون عاما من التجريب في المسرح المصري بمفهومه الحديث. لماذا نجرب؟ وإلى أين وصلنا بعد كل هذه السنوات؟ هل حقا هناك تطور حقيقي في الحركة المسرحية، أم أنها مجرد تخبط دون هوية حقيقية؟ فما مدى تأثير التجريب على الحركة المسرحية في مصر في السنوات الأخيرة؟ هل بالإيجاب مما أدى إلى تطور المسرح كما حدث في ستينات القرن الماضي على يد سعد أردش بدخول المسرح الملحمي في مصر وظهور المسرح الطليعي، ثم إنشاء أول جماعة تجريبية للمسرح (جماعة الاجتياز) بالإسكندرية على يد فاروق حسني والسيد حافظ، حتى ظهرت بعد ذلك الورش المسرحية والمختبرات على يد د. نبيل منيب ثم الانقلاب الذي أحدثه الراحل منصور محمد بمسرحية اللعبة؟ أم أن التأثير كان سلبيا بنسبة أكبر فكان الناتج المسرحي مجرد اهتراءات بلا ملامح أو فكر أو عمق فني؟ هل توقف الفكر التجريبي عندنا عند مجرد تقديم صورة للتعبير الحركي والمسرح الراقص مما كان السبب في ثبات الرؤى دون جديد حقيقي يذكر، ومما أصاب الشكل الحركي في المسرح بالتقليدية دون جديد؟ أين هوية المسرح المصري والتأصيل له فيما يقدم من عروض يطلق عليها صفة التجريب؟ هل صار التجريب هو محاولة للتخلص من النص ومن المؤلف سيرا نحو فكرة موت المؤلف المسرحي؟
 كل هذه الإشكاليات كانت المحاور الرئيسية في تناولنا لموضوع التجريب في المسرح المصري، التي شارك في الإجابة عليها مجموعة من كبار الفنانين يمثلون ثلاثة أجيال مختلفة؛ جيل السبعينات وجيل الوسط وجيل الشباب، وكذلك تنوعت إبداعاتهم ما بين مؤلف ومخرج وناقد وممثل. فتنوعت الإجابات التي تحمل تأييدا أو اتهامات أو تنطوي على صراعات خفية ما بين أجيال مختلفة وأفكار متنوعة.. وهو ما أردنا طرحه على القارئ في هذه الأيام التي نعيش فيها مع فعاليات الدورة الـ25 للمهرجان الدولي للمسرح المعاصر الذي عرف منذ نشأته بالمهرجان التجريبي.
 البداية مع المخرج الكبير فهمي الخولي، وهو من مؤسسي المهرجان التجريبي في مصر، وصاحب تجارب وخبرة فنية كبيرة، وهو يعشق تشجيع الشباب والتجارب الجديدة وكل ما هو جديد في المسرح، يقول: أغلب المخرجين من شباب المسرح هذه الأيام كل منهم يفكر في نفسه، فأولا لا يحسن انتقاء النص، فهو يختار النص الذي يثبت فيه أنه مخرج جيد فقط لكن صاحب الرسالة الذي يحاول أن يقدم للناس ما يهمهم برؤيته هو وإبداعه هو، وبخياله هو قليل، هؤلاء هم من يمكن أن يغيروا شكل المسرح وبدأوا فعلا في تغيير شكل المسرح بأنهم أصحاب رؤية ويحاولون تقديم ما يجب أن يكون، والتجريب لا ينتهي، فما زلنا في حاجة إلى التطوير والتجديد والتجريب، وفي الفن لا يوجد خطأ وما تراه اليوم خطأ هو صحيح الغد، غدا يصبح هو الصحيح، وبعدما يصبح هو الصحيح وتعودت الناس عليه، فيكتشفون صحيحا آخر، شيئا مختلفا، والحياة تتجدد وإلا سيكون الفن متجمدا، فن غير متطور، والآن ظهرت مهنة مصمم الإضاءة من أثر التجريب ولم تكن موجودة من قبل، واستخدام تقنيات جديدة في الإضاءة، هذا غير مصممي السينوغرافيا، وللعلم فإن المسرح المصري تغير باثنين أو ثلاثة فقط من المخرجين، فعندما عاد نبيل الألفي وحمدي غيث من بعثتهما في فرنسا، اثنان فقط غيرا شكل المسرح المصري، ألغيا مسرح عبد الرحيم الزرقاني المغرق في التقليدية، وكذلك زكي طليمات المجدد الأكبر والأستاذ العظيم، والرائد الأول كما أسميه، وأيضا الآن نشأ الدراماتورج الذي كان مهمة المخرج من قبل، والسينوغرافيا التي تشمل كل المؤثرات البصرية على المسرح، كل هذا نتاج المسرح التجريبي.
 أما الناقد والمخرج والمؤلف الكبير حسن سعد، فقد اختلف رأيه تماما عن المخرج فهمي الخولي، حيث يقول: إن التجريب أهدر كرامة أجيال مسرحية كثيرة، ودمر ما يسمى بالمسرح المصري، فقبل أن يوجد تجريب كان يوجد مسرح مصري، بعد التجريب اختفى المسرح المصري. توجد الآن عروض مسرحية، لكن لا علاقة لهم بالمسرح المصري من حيث الهوية المصرية والشخصية المصرية، فالمسرح المصري توقف عند مسرح الستينات وبيننا وبينهم فجوة عميقة. أما في السبعينات فبدأ الترهل، ماعدا بعض التجارب القليلة على استحياء، لكنهم لا يشكلون ظاهرة ولا يوجد لها امتداد، لماذا نجح سعد أردش من قبل؟ المسرحيات التي قدمها قليلة جدا، لكننا نقول إنه عملاق بجيله وليس بذاته، وكذلك كرم مطاوع، فقيمته في المجموعة المحيطة وفي الجيل ككل، أبدعوا جديدا معا، قدموا المسرح الطليعي كما ينبغي، والطليعي شيء والتجريبي شيء كل منهما اتجاه مختلف، لكن نحن نتحدث عن التجديد في الفكر المسرحي في مصر، أما يحدث الآن فلا يوجد مسرح، فلا يغرك ما يقال عن (يوم أن قتلوا الغناء) أو (قواعد العشق الأربعون) فهي ليست بتلك الدعاية الزائفة الكبيرة لها وهي بها إشكالية دينية خطيرة، فلا يوجد مسرح في مصر يندرج تحت مصطلح المسرح المصري رغم وجود زخم مسرحي لكنه لا ينتمي لمصر كهوية وكشخصية، ومع بداية الثمانينات ووجود فاروق حسني وزيرا للثقافة نعم له إنجازات لكن أيضا عليه بعض التحفظات، عندما أدخل التجريبي حذرنا مرارا، فالتجريبي لا فلسفة ولا نظرية، فالتجريبي مجرد اجتهاد لبعض الكتاب لو كان التجريب في المضمون، ولبعض المخرجين لو كان التجريب في جماليات العرض المسرحي، فالتجريبي قذف بالمسرح في جهنم لأنه نزع عنه شخصيته لأنه اعتمد على التقليد الأعمى وتشويه النصوص الأجنبية والعربية والمصرية وألغى الحوار تماما، وكلمة تجريب تعني التطوير والتحديث والبحث عن ما هو جديد، فكيف أعود بالتشكيل وأسميه تجريب وتطوير فهذا قمة الجهل والتخلف، إذن أنا بدأت من حيث إنتهى المسرح عند اليونانيين القدماء من التشكيل والتعبير الحركي، ثم نأتي اليوم في نهايات القرن العشرين وبدايات الواحد والعشرين وأدعي أن التعبير الحركي والتشكيل الحركي والمصطلحات الغريبة التي نسمعها أنها مسرح تجريبي؟ فالمسرح الحقيقي قوامه النص المسرحي، لذا فإن من جرائم المسرح التجريبي أنه رسخ لمصطلح موت المؤلف المسرحي، عندما بدأ التجريبي وبدأت دوراته ابتعد وانكمش كتاب المسرح وهاجروا، منهم من هجر إلى غربته في بيته ومنهم من هجر إلى الكتابة للتلفزيون أو السينما أو ما شابه ذلك، إذا أردنا علاجا للمسرح المصري لا بد أن يعود أولا الكاتب المسرحي، وليس الكاتب فقط، بل الكاتب المسرحي المفكر، في الماضي كان الكاتب مفكرا، عندما انتهى وجود المفكر المسرحي، مات المسرح المصري وماتت هويته، وماتت شخصيته، ناهيك ببعض التجارب القليلة التي يقدمها البعض. فبداية التجريبي كانت إعلانا رسميا لوفاة المسرح المصري.
 أما الكاتب المسرحي الكبير السيد حافظ فقد أكد على ضرورة الكلمة في التجريب والبحث عن الهوية المصرية أولا، حيث قال: إن مشروع المسرح التجريبي كفكرة بدأت معي سنة سبعين، كان هدفها البحث عن هوية أو شكل للمسرح المصري والعربي، حيث إني اعتقد أن المسرح غربي في الأصل، وإن هناك محاولة لتأصيل المسرح المصري أو العربي على أساس أن هناك ظواهر مسرحية، لكن الظواهر المسرحية لا تمثل تعميق لحركة تأريخ أو تأصيل الشعوب، فالحقيقة أنه بعد نكسة 67 كنا في مفترق طرق، من نحن؟ وكيف انهزمنا؟ وكيف نواجه ذاتنا؟ أو قبل أن نواجه عدونا كانت الإشكالية الكبرى من أين نبدأ؟ فبحثت عن شكل للمسرح التجريبي، رغبة واستراتيجية في الوصول لشكل للمسرح المصري، بالطبع كان هناك ما يسمى بالمسرح الملحمي قدمه أستاذنا سعد أردش، وقدم مسرح المائة كرسي في بعض المسرحيات ولكنها كانت تقدم كنوع من الاحتفالية، كنوع من الرفاهية الثقافية، وكذلك وما تم بتقديم المسرح الفقير وجروتوفسكي، وغيره من ظواهر. كان معنا في جماعة (الاجتياز) سنة 1970 الوزير الفنان العبقري فاروق حسني وكان متحمسا جدا لفكرة التجريب التي كنت أقوم بها مع مجموعة من الشباب، وقدمنا بعض المسرحيات التي تبحث عن شكل فني جديد للمسرح، وكانت هذه أول جماعة أو فرقة تتكون خصيصا للمسرح التجريبي وأول مسرح يهدف للبحث عن شكل مصري للمسرح، وبعد تولي فاروق حسني منصب الوزير تبنى الفكرة وأنشأ المهرجان التجريبي، هذا التبني كان يطمح إلى وجود شكل من أشكال المسرح المصري الخالص، جاءنا المسرح الراقص في المهرجان التجريبي، وللأسف انبهر شبابنا وقدموا مسرحيات راقصة، أنا لست ضد المسرح الراقص ولكنه ينتهي بمجرد انتهاء العرض، وانتهى الجمهور من المشاهدة، واستمتع الجمهور برؤية حركية جسدية جميلة جدا، ثم ينسى هذا الموضوع، فهو لا يبقى في ذاكرة شعوب ولا ذاكرة تاريخ، يبقى سطرا في ورق، أما المسرح الحقيقي فهو الذي له نص، في الأصل. هذا النص مكتوب، ويقدم عبر العصور مثل نصوص شكسبير، برنارد شو وتشيكوف، وبريخت، بيكيت ويونيسكو، وبنتر، هذه النصوص تبقى لمئات السنين، فنحن نعيش في كارثة فكرية، أو عدم نضج لفهم أن حركة التاريخ لا بد من تثبيتها بوثائق، والوثائق هي النص، العروض التي ليس لها نص، ليس لها أب ولا أم وهي غير شرعية فهي جميلة وتنتهي في حادث ساعة وهي حدث مشاهدة المسرحية.
 ويؤكد المخرج إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح على ضرورة توافر الخبرة والمخزون الثقافي والفني لدى المخرج قبل أن يلجأ إلى التجريب، فيقول: إن منهج جروتوفسكي أو كل الأشكال المسرحية والمختبرات التي أقيمت في تاريخ المسرح على يد كبار المسرحيين، تميزوا بأنهم كانوا متبلورين مسرحيا، ويبدأ كل منهم أن يعمل نوع من أنواع التجريب على بعض الأدوات أو المعاملات المسرحية حتى يستطيع أنه يصل لشكل من أشكال التطوير أو إثبات فكرة معينة أو ما إلى ذلك، والمشكلة أنه عندما طرح المهرجان التجريبي طرح على أساس أن يعمل نوع من أنواع الحراك للأدوات المسرحية لإيجاد أشكال مسرحية جديدة، نجح في جوانب ونجح في تحريك بعض العناصر، لكن في نفس الوقت اتخذ البعض تلك المسألة كمطية لتبرير الفشل، بادعاء أن ما يفعله دون فهم أو وعي بأنه تجريب. لكن لدينا ما قام به د. نبيل منيب ثم الراحل منصور محمد ثم أحمد كمال وأحمد مختار، وكذلك د. هناء عبد الفتاح ود. محمد عبد الهادي كل هذه مختبرات أثرت الحركة الفنية المسرحية، واستكمل بعدهم أساتذة كبار ثم خالد جلال وجيله كل هذا ساهم في ظهور وانتشار وصعود مبدعين جدد، فكان هذا من ضمن الإيجابيات بظهور مسرح الصورة ومسرح الجسد وما إلى ذلك، لكن في نفس الوقت التجريب لا بد أن يكون له مقومات أساسية في اختمار الخبرة المسرحية كي يمكنك التجريب لكنك لن تبدأ بالتجريب لأنك في هذه الحالة تقوم بالتجريب فينا نحن، فمن هنا أرى أن هذه هي السلبيات لأنك تجرب دون أن يكون لك خبرة مسرحية قوية تؤهلك لخوض التجريب وأن تبدأ في العمل على العناصر المسرحية.
أما المسرح الحركي المنتشر منذ فترة فهو لون مسرحي موجود وقد بدأ التبلور في تجارب شباب المسرحيين وهذا لم يكن معروفا من قبل، لكن مثلا ما أبدعه الراحل منصور محمد وما تلاه من أشكال ظهرت في المهرجان التجريبي استطاعت أن تخلق شكل المسرح الراقص والتعبير الدرامي الحركي، وهذا تأثير أساسي وهناك أشكال أخرى بدأت في الظهور بناء على دخول حركة التجريب في مصر.
 أما د. محمود زكي أستاذ التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، فيرى أن البداية لا بد أن تكون من خلال الجمهور مع تطوير تقنيات المسرح: إن كل عرض جديد هو تجريب، فمسألة التجريب وتخصيص جزء له في حركة المسرح العالمية، أنا ضد هذا التوجه لأن كل عمل به تجريب، لكن مثلا عندنا قبل المسرح الطليعي قديما، جاءنا د أحمد عبد الحليم بعد عودته من الخارج بمسرح المائة كرسي، فكان هذا تجريبا في وقتها، وكذلك مسرح الجيب، فكانت تقام العروض التي تعتمد على الفكرة التي بها خروج عن المألوف أو شذوذ في التوجه سواء من ناحية النص أو غيره، لكن نحن ما زال لدينا المسرح وسيلة متخلفة عن العصر في مصر، فما زلنا نستخدم في مسارحنا كل الوسائل التقليدية من الناحية التقنية، وسائل بالية وقديمة جدا حتى بعد تجديد مسارحنا ما زلنا نستخدم الحبال والمنافيلا في تغيير الديكور وما إلى ذلك، فالمتلقي الآن ليس على استعداد لترك منزله ويذهب مع أسرته وأولاده ليشاهد أناس يتكلمون أيًا كان هذا الكلام، أمام بعضهم، لأنه عنده مليون قناة تلفزيونية تستطيع أن تحقق له ذلك، إنما يمكنه الذهاب للمسرح لو قدم له إبهارا، فالتقدم التكنولوجي من حيث التقنية والموجود في أوروبا منذ مائة عام حتى الآن غير موجود لدينا في مصر، فما زلنا نعتمد على المسرح القديم منذ الأربعينات وحتى الآن، المسرح كلمة وممثل، فهذا ما صرف الجمهور عن المسرح، هذا هو ما أثر على المسرح وليس العروض التجريبية بكل ما تحمله، فإذا كان لها تأثير إيجابي هو فقط مجرد تجميل للعرض سواء برقص أو تشكيل حركي وغيره، فاليوم لا يمكن أن أقوم بعرض جماهيري كاملا دون الكلمة، فالمسرح هو الكلمة، لا بد أن يكون هناك كلمة، فأغلب العروض بمسرح الدولة نصوص قديمة، والمسرح المصري تدهور، مقارنة بكم الإنتاج مع عدد الرواد ما بين الآن وما بين فترة الستينات والسبعينات، فكان الإقبال شديد جدا على المسرح أما الآن فمهما كان عدد العروض كثير، حتى المسرح الراقص أو التعبير الحركي الخالص المنتشر كمسرح تجريبي، لا يعلق في ذهن المتفرج، ولا يرتادها على أنها مسرح فلا اعتقد أن هناك متلقي مسرحي سيذهب إلى عرض قد كتب عليه أنه عرض مسرحي راقص بدون حوار مسرحي، لأنه غير مصنف عند المتلقي أنه مسرح بل سيقول إنه استعراض مجرد رقص وغناء أو فرجة شعبية.
 ويؤكد د. مصطفى سليم أستاذ النقد والدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية على ضرورة البحث عن التأصيل للمسرح المصري قال: منذ أوائل الستينات توجد رغبة عند المبدع المصري لفتح آفاق جديدة، فمجموعة المبدعين الذين سافروا للخارج وتعرفوا على المسرح الطليعي الأوروبي، جاءوا بفكر جديد حدث بينه وبين الفكر السائد مزج أو ديالكتيك أنتج تجارب هامة جدا مثل تجربة ياسين وبهية التي أخرجها كرم مطاوع من تأليف نجيب سرور، وتجربة إميل جرجس في الثقافة الجماهيرية عن عطيل وأسماها عطا الله، وتجارب سعد أردش في مسرح الجيب، التي استفاد منها بعد ذلك المسرح المصري بشكل كبير وقدم مجموعة كبيرة من الأعمال التي سبقت المهرجان التجريبي وسبقت التفكير فيه، بالفعل كان هناك تجارب، مثل مسرح الفلاحين لهناء عبد الفتاح في الأقاليم، مسرح السرادق، المسرح السياسي الذي كان يقدمه لطفي الخولي، مسرح المقهى الذي حاول أن يقدمه صالح سعد، وهنا التقت وجهة نظرنا في مسرحنا المصري مع وجهة النظر الطليعية القادمة من الخارج وقاموا بتشكيل عملية التأصيل، المبدعين كانوا على وعي تام ودراسة، فتمكنوا من إنتاج أشكال رائدة لا نستطيع الآن أن ننتج ربعها. فقديما كان لكل هذا تأثير حقيقي في المسرح المصري لدرجة أنه قدم مسرحا في الأقاليم. أما الآن فالمسرح الذي يقدم اللغات غير الكلامية لو كان أصيلا لأثمر، بمعنى أنه لو تجذر في المجتمع المصري لأنتج تيارات، لكنك لا تستطيع أن تذكر عرض شعبي في هذا الإطار مثل مسرحية اللعبة لمنصور محمد، هذه هي الحالة الفريدة جدا في كل هذا الإطار، أما ما قدم بعد ذلك في الأوبرا وفرق الرقص الحديث ما هو إلا مسرح نخبة، وليس مسرحا جماهيريا على الإطلاق بدليل أن الحالة الفريدة الوحيدة التي قدمت مسرحا جماهيريا كانت اللعبة لمنصور محمد ولم يكمل مشروعه، لكن المسرح الحركي لم يتجذر في المجتمع المصري، ولم ينتج تيارا مسرحيا حقيقيا حتى الآن، حتى أن كل اللغات غير الكلامية ما زالت لغات غير أصيلة في المسرح. فلو كانت هذه الأشكال قائمة على موضوع وكلمة وفكر مرتبط بالناس قبل الشكل الحركي لأثمرت. مثل اللعبة لمنصور محمد، فهو فيها لعب على أوتار وقضايا تخص كل طبقات المجتمع تخص الناس وعبر عنها بطريقة الناس، فاستطاع أن يقدم عرضا لمدة ساعة ونصف بدون كلام ومع ذلك فكله ضحك ومعرفة وفكر، وأي شخص من أي طبقة يمكن أن يفهمه، فمنصور رصد سلبيات المجتمع وكانت مفهومة جدا، فنحن لم نتبنى المسرح الحركي بالطريقة التي تناسب مع مجتمعنا، وبالتالي لم يستطع أن يشكل تيارا في مصر. فالمجتمع المصري يحتاج إلى مسرح حتى لو بدون كلام يخاطب كل طبقات الشعب فنحن يجب أن نبدأ من الناس.
 ويرى المخرج الكبير حسام الدين صلاح أن التجريب كان له أثرا سلبيا شديدا على مسيرة المسرح في مصر، حيث قال: نتائج التجريب في المسرح في السنين الماضية كانت ضارة بالمسرح المصري، فالمسرح في مصر كان يتطور بشكل طبيعي ذاتي يعكس فيه تراثه وفولكلوره ويتخلص من بعض الأشكال الأوروبية ويبقى على شكل ما متميز، فالمسرح رغم أن أغلبه علبة إيطالية إلا أنه كانت هناك محاولات للخروج من العلبة المغلقة نحو تراث وفولكلور ووجدان نحو مسرح يعبر عن مصريتنا، فالمفروض أن يكون لنا ملمح خاص. التجريبي أثر بالسلب، فالمسرح التجريبي أضر بالمسرح المصري، والنتيجة أننا الآن لا نستطيع إبداع عرض كلاسيكي ولا عرض صورة، وموقعنا في الفرجة المسرحية ضعيف، فلا زادت الفرجة ولا التكنيك بالعكس نحن في حالة خواء مسرحي وحالة ركود مسرحي بعد كل هذه السنين من التجريب، فالتجريب كان خاطئا من البداية، وكان هذا رأيي منذ البداية ولم أشارك فيه على مدار عمري، لعدم قناعتي به، فلا يوجد في العالم كله مسرح اسمه مسرح تجريبي، فأنت كمخرج مطالب في كل مسرحية تخرجها أن تستوعب كل ما حدث في الإخراج لكل المسرحيات في العالم وأن تضيف جديدا، أما أنني أكون مطالبا فقط أن أضيف جديدا في المطلق، أن أصنع مسرحية فقط لمجرد تحطيم القواعد، وأن أصنع شيئا لم يحدث من قبل هذه الفكرة خاطئة في المسرح، لأن المسرح غير مطلوب به هذا التحدي، إنما كل ما هو تجريب تدعيه لمجرد التجديد لماذا وما الغرض؟ طالما ليس هناك غرض فسيكون هناك ضرر بسير الأحداث التاريخية للمسرح المصري، الأستاذ الراحل منصور محمد أقام عرضا رائعا اسمه اللعبة، به كلمة به حكاية كان عرضا خاصا به هو، ليس له علاقة بالمهرجان التجريبي وإنما صادف أنه عرض بالتجريبي، لكن بعيدا عن المهرجان لكان منصور أقام هذا العرض الرائع قبل ذلك خمسين مرة في كل مكان ينجح به، وهو عبارة عن مجموعة من الأحداث والقصص ذو دلالات واضحة من خلال مسرح راق، وهذا العرض يمكن أن يقدم سواء داخل التجريبي أو خارجه، وكان عرضا عاديا لم يطلق عليه وقتها صفة التجريبي وكان يعتبر نقلة وتحول في المسرح المصري، قبل التجريبي كانت هناك محاولات للبحث عن هوية للمسرح المصري يحاول يوسف إدريس أن يصنع شكلا للمسرح المصري، حتى كانت في كتابات المؤلفين، أما ما بعد التجريبي اليوم فأي كاتب ماذا يستهويه كي يكتبه، فكل ما هو موجود مبني على الكلمة التي ماتت على المسرح، فكيف استغنى عن الكلمة في المسرح والكلمة يقولها ممثل يصلني بإحساسه وأداءه ويحرك مشاعري فكيف ألغي دفء وصوت الممثل فلا يجوز إلغاء الكلمة، فإذا حدث ذلك فهل يستمتع المتفرج، فكل ما يحدث الآن خزعبلات. فنحن لسنا جادين في حبنا للمسرح.
 أما د. عاصم نجاتي أستاذ مساعد التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية فيؤكد ضرورة وجود القضية والموضع حتى نضع قدمنا على أسس تجريبية سليمة: المسرح العربي أصلا بدأ مسرح كلمة، وبالتالي عندما أفرغه تماما من الكلمة وأجعله مسرح حركي خاص أو مسرح أقيم به تجريب فهذا يتطلب أن أبدأ من مسرحنا العربي ثم انطلق بعد ذلك بعد هضم هذا المسرح ننطلق نحو التجارب الجديدة، وأي تجربة مسرحية في حد ذاتها هي تجريب حتى مسرح الكلمة هو تجربة، ما حدث في ال 22 سنة الماضية بوجود المسرح التجريبي، كان يستحضر عروضا من الخارج تعتمد على ثقافة من الخارج وعلى طبيعة ممثل من الخارج، وعلى ظروف اجتماعية خاصة بالممثل في الخارج، وهو ينقل هذه الصورة التي يعيشها في بلده على المسرح أمامنا، وبالتالي جاء جيل من الشباب وأنا كنت منهم، بدأوا في نظر هل ننقل التجريب كما هو، أم نظل كما نحن في الكلمة، أنا شخصيا كنت أمسك بالعصا من المنتصف، فنحن لا نتنازل عن مسرحنا وعن الكلمة الخاصة بنا، ثم نضع لها شكل مرئي، فيكون التجريب على الصورة وليس على النص، وأنا اعترض على اعتبار الرقص مسرح تجريبي، فالرقص الحديث له ناسه، هذا من وجهة نظري لا يلائم المسرح المصري، فلو المسرح المصري يريد أن يستمر في النهضة التي كانت موجودة منذ التسعينات وصاعدا حتى 2007 أو 2008، ثم بعد ثورة يناير، ذهب الشباب في اتجاه آخر به نزعة ثورية، فهؤلاء الشباب لم يعش بالقدر الكافي، شابا عمره عشرين عاما، لم يحمل من خبرات الوضع الاجتماعي ما يكفي، لأنه عندما بدأ وعيه كان عنده عشر سنوات، من أين يأتي بإبداع من خلال عشرة سنوات خبرة حياتية ومسرحية، هم حاولوا أن يجتهدوا، لكني أرى أنه لا شيء، متى بدأ يظهر الشباب؟ في الثلاث سنوات الأخيرة، فشاهدنا لتامر كرم أنتيجون ثم يوم أن قتلوا الغناء فهو يعتمد على مسرح حقيقي مسرح كلمة، به غناء وبه شكل، فتتوازن هذه المعادلة، غير هذا لا أرى أي أحد يقدم مسرحا وهو في ذهنه واقع اجتماعي أو قضية أساسية يستطيع أن يطرحها، فالمسرح التجريبي مهم أننا نشاهده لكن عندما نطرحه على خشبة المسرح المصري بمفردات مصرية لا بد أن يكون لدينا الإمكانيات التي تقدم هذا بشكل جيد، دون التخلي عن جذورنا المسرحية.
 ويرى المخرج الشاب محمد مكي أن الأزمة تكمن في عدم تطور حركة النقد وعدم تواكبها مع التجديد في المسرح إذ يقول: لا أرى أن التجريب قائم على منهج أو كاتب أو مؤلف بحد ذاته، ولكن العملية المسرحية حتى لو كانت عرضا للجمهور هي تجريب، تجربة يخوضها المخرج يريد أن يقول فكرا معينا، والموضوع المطروح هو الذي يحمل التجريب، لماذا تريد أن تطرح هذا الموضوع، وماهي أوجه تجاربك فيه؟ ماذا تريد أن تقول؟ المشكلة ليست في المجرب، أو الفنان لكن المشكلة في تلقي الجمهور، هل هو يستوعب هذا؟ ثانيا النقد هو أهم ما يميز إن كان هذا تجريب أم لا، لأنه دائما القائمون على النقد يتحدثون عن العمل المسرحي بطريقة واحد زائد واحد يساوي اثنين، لا.. أنا اعترض فالمخرج من حقه أن يجرب، ومن حقه الإضافة والحذف على النص، هذا في حد ذاته تجريب، توجد مشكلة في النقد وهي أن المخرج إذا أضاف شيئا للنص يعتبرونه مؤلفا وكاتبا مع أنه فقط يجرب، فالنقد يمكن أن يوقف المسيرة الفنية هنا، فلا أحد يحكم على العرض إن كان تجريبا أم سوى المخرج نفسه في تجربته، التجريب ليس أبدا أنني أعمل عرضا صامتا، وليس عرضا راقصا، لكن كل ما يستعيره المخرج ويضعه على خشبة المسرح، فهو تجريب لأنه يؤول إليه هو وليس عن طريق الدراسات واحد زائد واحد يساوي اثنين، فنحن نريد لمحة نقدية تحتوي العروض والفكر، فلا يصبح الفكر مانعا، ونحن ليس لدينا سياسة تقبل التجريب في مصر، وأضيف أن المهرجان التجريبي الذي يحمل اسم التجريب يعرض فيه عروض مسرح العلبة الإيطالي، إن كل مخرج صاحب رؤية هو مجرب، ونحن لدينا طفرة كبيرة لدى شباب المخرجين في المسرح المصري، وبدون نجوم، وكل واحد أصبح له مدرسة خاصة به هو وليست خاصة بفكرة عما يتحدث التجريب، فعندما أشاهد ليلة أن قتلوا الغناء لتامر كرم، بها مزيج من التجريب، ومزيج من العرض الجماهيري، فتامر كرم له مدرسة خاصة به لكن للأسف في مصر نحن نبحث عن شيء كبير أو صغير كي ننتقده، فتوجد طبعا طفرة ويوجد مخرجين جيدين، فتامر كرم له صورته وأنا محمد مكي أزعم أنني وسط الشباب موجود ولي شكل خاص بي في اختيار الموسيقى والاستعراضات والقالب المسرحي، فهذه مدارس مختلفة، فتوجد طفرة مسرحية لكن على النقد أن يتطور معها ولا يحد من حرية وإبداع المخرج.
 أما المخرج أحمد السيد المدير السابق لمسرح ملك، فيرى ضرورة الخروج من التقليد ومسرح العلبة الإيطالية وتطوير بنية المسارح وتقنياتها يقول: الحركة المسرحية في مصر بدأت في الستينات على يد الفنانين العائدين من البعثات الأوروبية، نقلوا إلينا دراستهم وخبراتهم الأوروبية، وكانت الميزة أنهم يقدمون لنا الجديد في أوروبا والعالم فكان هناك تطور مسرحي على مستوى المسرح الطليعي ومسرح الجيب والأفكار، كل هذا أنتج رافدا مسرحيا مهما، لكن في المرحلة اللاحقة لدكتور نبيل منيب وتلاميذه مثل علاء قوقة ومنصور محمد اهتموا بالتطوير عن طريق الممثل، فأنتج الورش المسرحية لتطوير أدوات الممثل، واستخدام الممثل العارض الذي يرقص ويغني ويمثل وصقل مهاراته المختلفة وهذه كانت نقلة نوعية أضافت تغييرا كبيرا في المسرح المصري. أضاف: أول ما بدأ دخول المسرح التجريبي كان أول اختلاط بين الأفكار المصرية لتلاميذ الأساتذة الذين عادوا من بعثات الستينات والسبعينات، فأصبح التلاميذ يبحثون عن هوية للمسرح المصري، وبدأ يظهر مسرحا مختلفا، مثل تلاميذ د. نبيل منيب مثل منصور محمد الذي قدم مسرحا مختلفا والذي اعتقد أنه أقرب الأمثلة المسرحية لتشكيل مسرحا مصريا، لأنه كان يعتمد على الأفكار والمشكلات التي نعيشها وعلى طرق العرض المسرحية المصرية، واستخدم أدوات وإكسسوارات مرتبطة بمصر أكثر من تقليد الغرب واعتمد على الفكرة والإنسان أكثر من الشكل مع أن الشكل عنده كان عظيما وكان يبدع في الفراغ تكوينات جميلة بأفكار وأدوات بسيطة مثل القماش والبراميل والممثلين وهكذا، فكان منصور محمد طفرة، وكان التجريبي هو الرافد الجديد الذي نرى منه ما يحدث في العالم المتقدم، فالتجريبي ظل يمثل الدور التنويري والدور الأساسي في تعليم المسرح لأجيال مختلفة، والفكر التجريبي في المسرح هو دائم، فالتجريب هو كل فكرة جديدة تقدمها على المسرح تصلح للتأثير في الناس هي تجربة، لكن نحن قصورنا الذهني وتخلفنا المسرحي أدى إلى أن يقال على ما هو بدون كلام تجريبي فلجأنا إلى عروض بدون كلام واتجهنا إلى أن يكون معظم العروض غنائي تراثي مسرحي أو راقصة أو أدوات تعبيرية لمجرد فقط الخروج من الاعتماد على الكلمة حتى يفهمها الناس، لكن اللغة المسرحية هي لغة عالمية، فالإيماءة والحركة والرقصة والكلمة هي عناصر للتوصيل المسرحي، فإذا لم تملك هذه الأدوات فلا تلجأ لأن تلغي أحدهم، فلا تلغي الحوار وتقول إن هذا هو التجريب، فالمطلوب منك أن يفهم الناس ما تقدمه سواء اعتمدت على الكلمة أو الحركة أو غيره، ويمكن أن نقدم عرض مسرحي دون الاعتماد على الكلمة لكن لا بد أن يكون هناك تواصل ليس بالضرورة أن تكون مثل عروض وليد عوني التي ليس بها أي تواصل.تابع: وللأسف فمعظم المسارح لدينا تقدم مسرح العلبة الإيطالي دون محاولة الخروج من هذه النمطية إلى أشكال أخرى مثل المسرح الدائري أو استخدام القاعة متعددة الأغراض مثل قاعة الغد الوحيدة في مصر متعددة الأغراض، ولكن كل المسارح مصممة كعلبة إيطالي وهذه أحد المشكلات من حيث البنية، وهذا شكل واحد فقط من أشكال المسرح. والعروض التي لها تأثير حقيقي في حياتنا قليلة جدا على عكس أوروبا فعندهم المسرح مؤثر جدا في المجتمع ومغير فيه وفي مشاعرهم.
 المخرج الشاب تامر كرم مبدع عرض يوم أن قتلوا الغناء، يرى أنه يجب البحث عن الجمهور أولا قبل أن نبدأ في التجريب، قال: لدينا عروض كثيرة حققت نجاحا كبيرا وإيرادات كبيرة، لذا اعترض على فكرة وجود أزمة أو انحدار في المسرح، رغم أننا من عام 2015 نعيش حالة ازدهار مسرحي، صحيح لم نكون حركة مسرحية جماعية كبيرة بعد، لكن في النهاية لدينا تجربتين أو ثلاثة على الأقل في كل موسم تحقق حضورا جماهيريا كبيرا، فيوجد جنين تم ميلاده بعد الثورة التي حركت المتغيرات بشكل عام وكسرت الثوابت كلها، فالرأكد الذي كان بالمسرح تم تحريكه وصار يوجد جمهور بعد الثورة وهو الجمهور الباحث عن الابتسامة وعندما ظهر مسرح الفضائيات عاد الجمهور مرة أخرى للمسرح بسبب الابتسامة للبحث عن ابتسامة، فنحن نتحدث عن متغير حدث ووصل لمسرح الدولة بعدها بسنتين أو ثلاث، وتبلور في عام 2015 عندما نجحت تجارب مثل أنتيجون وروح وتجربة الأستاذ خالد جلال، كلهم في عام واحد حققوا نجاحا كبيرا، والان نحن في عام 2017 توجد تجارب مهمة مثل يوم أن قتلوا الغناء التي اقترب إيرادها من المليون جنيه، وكذلك قواعد العشق وشامان، فنحن لسنا في أزمة، بالعكس نحن في تطور وتقدم مسرحي يحتاج لدعم الجميع ودعم الدولة، بأن تنظر للمسرح بعين أفضل، ونحتاج لتغيير بعض القوانين بالبيت الفني بوزارة الثقافة، وبالطبع فإن المهرجان التجريبي له تأثير إيجابي كبير لأننا ننفتح على ثقافات مختلفة من دول العالم مما يزيد من رصيدك الثقافي ورؤيتك للمستقبل وللمسرح، فطبيعي أن أي تجربة تشاهدها سواء أكانت ديجيتال أو مسرح صورة أو أبيض وأسود أيا كانت فالفنان المسرحي لا بد أن يستفيد، لكن هذه التجارب التجريبية لا يريدها الجمهور، فالجمهور يريد مشاهدة مسرح يعبر عنه وعن ما يدور في عقله وقلبه، ولا يبحث عن ممثل يطير أو ما إلى ذلك، فحتى الدهشة المسرحية لا بد أن تكون في إطار الموضوع، أنا لست ضد التجريب لكن علينا أولا إيجاد حركة مسرحية مستقرة ثم نبحث عن التجريب، وبعدما يمل المتلقي من الاستقرار فنقوم بثورة مسرحية، لكننا الآن نحاول إيجاد مسرح حقيقي ونحاول جذب الجمهور، فلا يصح ان نقيم له الآن تجارب تجريبية لينفر من المسرح ويتركه مرة أخرى.
 وفي النهاية يرى د. سامح مهران رئيس المهرجان التجريبي والمعاصر أنه لا بد من الاعتماد على التراث من أجل الخوض في غمار التجريب إذ يقول: أولا يجب أن نعرف ماذا تعني التجربة؟ فالقيمة مستمدة من فعل التجربة ذاتها وليست سابقة على فعل التجربة، وبالتالي فالتجريب بهذا المعنى يعني مساءلة الثوابت ومساءلة التراث ذاته، عدا ذلك يكون التجريب شكليا، ثانيا منذ أيام فاجنر يقول الجميع إن المسرح فن تركيبي أي يندمج فيه الرقص والغناء والموسيقى مع الدراما في كل متوحد، أما الآن في العالم كله انفصلت هذه العناصر وأصبحت مرجعية ذاتها، فلا يوجد تحليل خارج عن هذا السياق الذي يوجد هذا التجريب، والتجريب يرفض العوالم سابقة التجهيز، ونحن في بلد تعود إلى الخلف فطوال الوقت ننظر للماضي ولا تستطيع النظر للجديد إطلاقا، أولا لأن الثقافة المسرحية تكاد تكون منعدمة، والاطلاع على وسائل التقدم الحقيقية في الغرب تكاد تكون منعدمة، ومعرفة السياقات التي أنتجت هذه التجارب تكاد تكون منعدمة، لكن هل يوجد تجريب شكلي ينحاز للرقص والتعبير الحركي وما إلى ذلك في مصر بدون أي مفهوم، لكن في الخارج يوجد لديهم مفهوم، فنحن من خلال مساءلة التراث سواء تراثنا أو تراث الغرب يمكن أن نصل إلى قيم أخرى، أما الدعاية لفكرة إيجاد شكل مسرحي عربي أو مصري فالشكل لا يفرض بشكل فوقي، فالشكل يحدث نتيجة تطور في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، فالشكل في تعريف بسيط ودقيق هو مضمون تشيأ فأصبح شكلا، فمن خلال تشكل المضمون نحصل على الشكل.
أما انتشار المسرح المعتمد على الصورة فهو نتاج لما قيل منذ زمن أنه لا بد من وضع الحقيقة للتأكد المرئي لأنه قد تعارض الإشارة المشهد المكتوب، فأنت تستطيع عبر لغة الصورة ولغة الجسد أحيانا أن تتغلب على مشكلات رقابية أو مشكلات تقنية والكلمة تعجز عن هذا التغلب.
فمن أجل خوض التجريب يجب على المبدع أولا أن يعرف فكرة التجريب على التراث والتراث الغربي وامتلاك شجاعة التجريب وقادرا على استنتاج قيمة من هذا التفاعل الثقافي. وعليه ادراك الثقافة العامة وإدراك السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يتحرك من خلاله وحتى السياق الأخلاقي والنظرية الأخلاقية التي أفرزت المسرح الغربي للفنون الأدائية، والثقافة المسرحية والاطلاع على تجارب أخرى، وامتلاك أدوات التحليل وامتلاك ثقافة المسرح التقليدية وثقافته هو، وسياقه التاريخي، ومساءلة الثوابت، فمن يساءل الثوابت يكون قادرا على استنباط قيم جديدة للتعامل مع العالم وبالتالي تستدعي أدوات جديدة للتعامل معها أيضا وقد تكون حركة الجسد مثلا.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏