في كرنفال المسرح الكوميدي الأمل يحزم أمتعته إلى بني سويف

في كرنفال المسرح الكوميدي الأمل يحزم أمتعته إلى بني سويف

العدد 576 صدر بتاريخ 10سبتمبر2018

استأثرت القاهرة عبر تاريخها بالكثير، يتركز فيها المختصون والأكاديميون حيث لا يوجد أكاديمية للفنون في كل محافظة أو إقليم، وتعددت المسارح فيها وتنوعت أنماطها بعدد كل مسارح أقاليم مصر مجتمعة.
وعلى الرغم من كل هذا فإن المسرح الذي يقدم في الأقاليم سواء من فرق الثقافة الجماهيرية أو من فرق الهواة يجاهد بكل عزيمة التجاهل والتهميش واحتكار الفرص والإمكانيات الفنية والقيود الإدارية والبيروقراطية ليبث من مواقعه فنا أصيلا لا يقل عما يقدم على مسارح القاهرة من قبل صناع محترفين أو أكاديميين؛ بل بإمكانه أن يتفوق عليهم، إذا أراد.
تحت لافتة كرنفال المسرح الكوميدي قدمت على خشبة قصر ثقافة بني سويف خمس تجارب مسرحية متفاوتة الخبرة والمهارة، مبشرة بطاقات تحمل الكثير لفن المسرح على مستوى التمثيل أو الإخراج فقط. لكن السؤال أي مفهوم من مفاهيم الكوميديا منذ أريستوفانيس وحتى اليوم انطلقت منه العروض الخمسة؟
قدم أحمد عبد العليم عرض «حزر فزر» وهو عبارة عن اسكتشات «توعوية»، إن جاز التعبير، تناول خلالها دور الأسرة والمدرسة وغيرها من المؤسسات الاجتماعية، فجاءت الشخصيات متخمة بالبوح واستدرار التعاطف. وهذا يأخذنا بعيدا عن التعريف الفني للشخصية الكوميدية من حيث كونها مثيرة للضحك.
قدم علاء رجب عرض «فاترينة إزاز» لأحمد سمير في دراما رمزية، وكذلك قدم محمد سيد نفس النص تحت عنوان «بني كان» فجاءت مناطق الإضحاك التي تخللت العرضين قليلة ومفتعلة، فهي ليست أكثر من إفيهات أو قلشات جاءت زائدة على حالة تراجيدية عن مانيكان يحلم أنه صار بشرا.
في عرضي كامل كمال وعمرو منير، جاء الجو العام سيكولوجيا، حيث قدم كامل كمال عرض «جرعة فورمالين» في مستشفى أمراض نفسية وهو بهذا جعل الشخصيات هذيانية بدلا من تسطيحها حتى تصبح الشخصية كوميدية بالفعل، فجاءت شخصيات العرض لها مواقف فكرية وتثير قضايا كبرى كالحرية الاجتماعية والتمرد.. إلخ.
نفس الأمر في عرض «لمّا روحي طلعت» لعمرو منير، إلا أنه قدم «فتحي» المثقف الجامعي العواطلي الذي يسكن السطوح، فجاءت مناطق الإضحاك كتمهيد في بداية العرض معتمدة في معظمها على تناقض الشخصيات مع شخصية «فتحي» جاعلا منها نقطة ارتكاز الهيكل الدرامي. وكما أن “فتلة” مغيب عن الواقع بالحشيش، فإن “فتحي” غارق في مأساة الواقع لكن من خلال معرفته وثقافته. ولأنه هزيل وضعيف ومهذب اللسان؛ فيهرب من مواجهة كماشة بلطجي الحتة، و”أم لوزة” جهورة الصوت حادة الطبع غبية السلوك. بالإضافة لعناصر كالمفاجأة والإدهاش، ومساهمة اللغة في صياغة كوميديا أكثر حقيقية لكن استخدامها كان أقل بكثير في هذا العرض عن بقية العروض.
لكن الشخصية الرئيسية في كل العروض لم تصمم على أساس تناقض قوي لإدراجها ضمن حالة المسرح الكوميدي، فلا الدكتور منير ولا فتحي ولا نيجرو ولا عم أنتيكا شخصيات كوميدية في تكوينها. بعكس مثلا شخصية دون كيخوتة لثيرفانتس حيث التناقض في الشخصية أبرزها كوميدية خالصة أو كما قدمها أسامة أنور عكاشة في أبي العلا البشري.
إخراج الدراما على المسرح في حاجة إلى عدسات تعبيرية مختلفة يدرك من خلالها كيفية التعامل مع الواقع على خشبات المسارح. فالعبرة بالسياق؛ هو الذي يحافظ على الأفكار والأحداث في إطار الفن ويحميها من الاسفاف، فاقتصاص ثدي الفلاحة من تمثال محمود مختار يجعله بذيئا ومسفا، بينما وجوده داخل التشكيل الفني هو ما يُدخله إطار التلقي كأثر فني. وعلى ذلك لا ننكر الهوس بنقل أغاني المهرجات الشعبية والرقصات العشوائية إلى عروض المهرجان؛ وأصفها بالنقل لأنها مقتصة من سياقها الاجتماعي الذي نشأت فيه ولم يبذل عناء واضحا في خلق سياق دارمي لها؛ فجاءت فجة ومبتذلة ومسفة.
لعل ما يواجهه مسرح الهواه من ندرة الدعم المادي والمشاركة في المهرجانات خارج بيئته المحلية هو ما يقتل أهم شرط من شروط النمو الفني والدرامي بسبب غياب المنافسة الحقيقية وهذا قد يعطي انطباعا أوليا بنمطية مسرح الثقافة الجماهيرية؛ حيث كل أمور الصناعة تتم بالاجتهاد وتتطور بالتجريب وتنمو بالحدس الفني الخالص بسبب عدم توافر الفنيين والمختصين بالصوت والإضاءة والتصميم الاستعراضي والديكور، بالإضافة إلى غياب الحوار النقدي حول الأدب والمسرح؛ حيث إن معظم هذه العروض يحضرها جمهور خام يحتاج إلى تقويم ذوقه الجمالي والفني طوال الوقت، وهذا يلقي بالعبء على المسرحيين هنا ليدركوا المسئولية الملقاة عليهم حيث إنهم مطالبون طوال الوقت بتربية ذوقهم الجمالي عن طريق موسوعية الاطلاع والمشاهدة وجرأة المغامرة والتجريب والحذر من الخط الفاصل بين التجريب والتخريب ولعل تكرار نص «فاترينا إزاز» لأحمد سمير في عرضي علاء رجب ومحمد سيد ضمن فعالية واحدة يدل على مدى ضيق المساحة الدرامية التي يختار منها المخرجين نصوصهم فنلاحظ ظاهرة تكرار النصوص واضحة بجلاء دون أسباب ودوافع قوية لتكرار هذه النصوص عينها، حيث إن معظمها نصوص ضعيفة على المستوى الفني والفلسفي وتتشابة في بثها كوميديا لفظية ودراما توعوية ورسائل وعظية. ونجد المسرحيين يتجاهلون النصوص الكبري والكلاسيكيات التراجيدية ويمكن أن نجد تجربة مسرحية عمرها يزيد على 15 عاما ولم يقدم خلالها نصا واحدا من نصوص شكسبير أو موليير أو ابسن أو بريخت أو حتي من نصوص المسرح العربي المعروف مثل بسيسو وسعد الله ونوس وميخائيل رومان وألفريد فرج وعلي سالم، بل نجدها تبتعد عن تقديم أي نص باللغة العربية الفصحي، وهذا ما كان واضحا في العروض الخمسة في المهرجان، بل إن في أحد العروض إذا تحدثت إحدى الشخصيات بالفصحى فذلك على سبيل الكوميديا والتهكم لا أكثر.
وعلى ذلك لم تخلُ كل العروض من خلل في بناء الدراما وأخطاء في مفاهيم طبيعة الدراما المسرحية وطريقة تعبيرها عن الواقع، ورغم ذلك جاءت الدراما في أضبط حالاتها في عرض «لما روحي طلعت» من تأليف مصطفى حمدي وإعداد وإخراج عمرو منير، رغم ذلك شاب هذه الدراما ما يمكن وصفه بالتناص أو الاستهلالك لثيمات وجمل وعبارات قديمة تم استخدامها من قبل. ولا يفوتنا توضيح مدى صعوبة التجربة الإخراجية الأولى لعمرو منير التي كانت رغم ذلك أقل العروض المقدمة وقوعا في أخطاء إخراجية.
إن الحالة المسرحية تعاني، ولكن لا تتحلل، والدليل على ذلك إقبال الجماهير وتفاعله مع العروض حيث يلقي ذلك على الفنانين مسئولية كبيرة في رفع الذوق المسرحي وإبراز جماليات هذا الفن الرفيع لكل مشاهد في كل قرية، فالأمل تفجر عندما صعدت السيدة إجلال عامر رئيس إقليم شمال ووسط الصعيد الثقافي لتعلن اعتماد هذه الفاعلية التي ساهمت خمس فرق محلية في إنجاحها ككرنفال إقليمي يتنافس فيه فرق خمس محافظات (المنيا، بني سويف، الفيوم، الجيزة، القليوبية) على مسرح قصر ثقافة بني سويف كل عام في نفس التوقيت.


محمد علام