سيرة الحب كما ينبغي لها

سيرة الحب كما ينبغي لها

العدد 599 صدر بتاريخ 18فبراير2019

في الحقيقة، أإنك حينما تشاهد عرض (سيرة الحب) للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية؛ وأنت يدور في ذهنك آليات العرض المسرحي أو الأوبريت، سواء ما كان منها قديما أو حديثا كما يحلو للبعض أن يقول عن الكتابات جديدة أو المغايرة. فإنك سوف تفقد نفسك عامدا متعمدا فرصة الاستمتاع بما تراه وتسمعه.
فالعرض كما تقول عنه المعلومات المتوافرة خرج بناء على تكليف من السيدة وزيرة الثقافة بالاعتناء والاحتفاء برموز الموسيقى في مصر. وكان الاختيار الأول لبليغ حمدي نظرا لظروف معينة أو أذواق سائدة ومتحكمة.
فلا يمكن أن تضع ما كتبه أيمن الحكيم تحت بند النص المسرحي؛ بل أنت لا يمكنك أن تصنفه نوعا من أنواع الدراما أيا كانت، إلا بتجاهلات كثيرة وغض النظر أكثر عن بعض النقاط الرئيسية التي تفصل الدراما بكافة صورها عن باقي أنواع الكتابة أو السرد.
جل الأمر أن النص هو بمثابة تكأة لتذكيرنا بألحان بليغ حمدي، وخلق عدة فرص سانحة للاستماع للموسيقى أو الغناء. ورغم أن النص بدأ من مرحلة هروب بليغ لفرنسا إبان الحكم عليه في قضية (سميرة مليان) الشهيرة؛ تلك التي ألقت بنفسها عارية من نافذة منزله، تلك التي قال عنها إنه لا يعرفها وإنها أتت مع بعض الأصدقاء الذين كان منزله بيتا مفتوحا لهم بأي وقت. وبين مقابلة المحامية وزوجها في باريس لبليغ؛ ثم العودة لمصر بعد قبول درجة من درجات التقاضي، كانت الإشارة لبعض الأشياء التي مرت في حياته ومن ثم ألحانه وأغانيه، مثل محاولة خطبته الفاشلة لابنة عبد الوهاب، وحكاية حبه وارتباطه بوردة الجزائرية وعلاقته بعبد الحليم والأبنودي خاصة في فترة ما بعد 67، ولقاءته بأم كلثوم وموقف اللحنين الكبار منه خاصة رياض السنباطي.. إلخ. إلا أن كل هذه الإشارات التي كان من الممكن أن تخلق دراما لو شاء المؤلف، لم يكن لها من داع سوى التأكيد على أن حب بليغ للموسيقى يجُب أي شيء، لدرجة أنه نسي أنه ذاهب للخطوبة بمجرد أن شاهد عود عبد الوهاب، فمدحه، ثم لمعت في ذهنه فكرة لحن فانصرف.
والحقيقة، إنني لا أعد الانصراف عن الاهتمام بخلق حالة درامية عيبا، فالواضح أن المؤلف، أو إن شئت الدقة واضع الإطار العام لاستدعاء الموسيقى والأغاني، لم يكن يعنيه هذا بقدر ما يعنيه التركيز على فكرة الاستدعاءات هذه وخلق حالة شبه مبررة لوجودها هي بالذات دون سواها.
وبما أن العرض لم يحمل صفة المسرحة من قريب ولا بعيد، وحتى من قاموا عليه لم يذكروا هذا، بل تطوع بعضا من الصحفيين في لصق وصف (الأوبريت) عليه غصبا، واكتفى صانعه بالقول إنه عرض غنائي استعراضي، فمن الواجب أن تقول إنهم نجحوا في هذا.
ما لا أوافق عليه فقط وهو المحاكمة التي أقيمت لبليغ، لكي يشهد على عبقريته الكثير من أقطاب الموسيقى والغناء بما فيهم أم كلثوم وعبد الوهاب والشيخ النقشبندي، فقد كان تنفيذها تحت لافتة مكتوب عليها (محكمة الفن)، وربما غاب على المؤلف أن هناك مسنين مثلي سيشاهدون هذا العرض، وعلى الفور سيذهب تركيزهم للبرنامج الإذاعي القديم (محكمة الفن الغنائية) التي تصدر أحكاما فكاهية! أعتقد أن وجود هذه اللافتة أضر بمن هم في عمري، ولو أزيحت ما حدث أي شيء.
ومع أنني خرجت من العرض بحالة من الارتياحية للطريقة التي تعامل بها الدكتور عادل عبده كمخرج للعرض، فهو قد أثبت أن لدينا أصواتا رائعة لا نحتفي بها ولا تنال المكانة التي تستحقها، وأبرزهم مروة ناجي التي كلما تسمعها تشعر أن هناك خللا في العملية الفنية الغنائية في مصر نتيجة عدم حصولها على ما تستحقه، ومثل هذه العروض قد تعتبر شيئا من الاعتراف بقدراتها. ثم من قامت بدور أم كلثوم، واضح أنها فعلا مطربة عن حق، ثم الاستعانة بممثلين لهم وجودهم وحضورهم مثل مجدي صبحي في دور عبد الوهاب الذي أضفى مسحة كوميدية نتيجة تعامله مع المعروف عن وسوسة تلك الشخصية، وأعتقد أنه كان اختيارا موفقا، واختيار إيهاب فهمي لدور البطولة، بليغ حمدي كان موفقا كثيرا من ناحية التشابه وكان على قدر المسئولية، لا يعاب عليه سوى بعض العور بعد الاتساق اللحني عندما كان يغني مع المطربين، وهذا أمر معالجته بسيطة سواء بالتدريب أو السكوت.
ثم إصرار عادل عبده أن تأتي الموسيقى حية والاستعانة بأوركسترا، بعدما فقدنا هذا الوجود من زمن، وأصبحت الموسيقى الحية أداء وطربا هي المسيطر العام على حالة التلقي، ويجب أن نشيد بمحمد أبو اليزيد قائدها وفرقته.
كما صنع عادل عبده نوعا من الإبهار على مستوى الصورة، ليتفق مع الحالة الاحتفائية للعرض، فاختيار محمد الغرباوي كمصمم للديكور كان موفقا لتلك الحالة، وسمح للوسيط السينمائي أن يتدخل سواء في وصف الأماكن والمقابلة بين مصر وباريس سواء في الشارع أو المنزل، مع التأكيد على أن الاستخدام للمادة الفيليمة كان جيدا سواء بالمقابلة والإبهار أو الاستعانة ببعض اللقطات الأرشيفية للشخصيات الحقيقية، ثم خلق حالة من التداخل بينها وبين ما يحدث الآن على خشبة المسرح، بحيث خلق امتدادا زمنيا للشخصيات التي أمامنا ليجعلنا ندخل في حالة من الإيهام بأننا نشاهد الأبطال الحقيقيين فعلا، ولكن بصورة أخرى.
كما تعامل عادل عبده مع خشبة المسرح كلها وصنع حالة من الارتياحية لمؤدينه في حالة الحركة على المسرح.
ولكنني من الناحية الاستعراضية، وعادل عبده هو من هو في هذا المجال، شعرت بعدم الارتياحية، وأكاد أجزم بأن العرض خاصة من الناحية الاستعراضية لم يحظَ بالتدريبات الكافية، خصوصا أن معظم الفرقة الاستعراضية في أوائل مرحلة الشباب والتكون. نعم، من الممكن أن تلمح حركات جديدة ومتسقة مع الحالة، ولكنها لم تؤدِ جيدا، وهناك حركات كانت لغرض الإبهار، وهذا شيء في محيطنا لا غبار عليه، ولكنها أضيرت أيضا بعدم التنفيذ الجيد.
خلاصة الأمر، أنك أمام عرض غنائي استعراضي يحاول أن يلقي الضوء على إسهامات بليغ حمدي في الموسيقى المصرية، بشكل طربي وغنائي وموسيقي جيد وقد نجح في هذا، وعليه فإن الإطار العام للنص كان في خدمة هذا الطرح، حتى لو أشار من بعيد لحالات إنسانية أو من الممكن أن تخلق دراما جيدة.
وبالفعل، هذا من النوع من العروض له مطلوب لخلق تلك الحالة من الاستمتاع لدى المشاهد والاحتفاء بالرموز خاصة في المجالات التي تسمح بهذا، فنحن أمام ما قدم بليغ للموسيقى، وليس كيف عاش وكيف خرجت.
الخلاصة أنك لو دخلت دون أن يكون لديك تصور مسبق لما يجب أن يكون عليه العرض فستخرج وأنت راض، أم إن دخلت ومعك (مازورة) لما يجب أن يقدم على خشبة المسرح، فستخرج دون ذلك، عليك فقط أن تتذكر أنه ليس كل ما يقدم على خشبات المسرح ينتمي للدراما المتعارف عليها، فالموسيقى والغناء والاستعراضات.. إلخ، تقدم على خشبات مسارح، وأنت أمام عرض حاول أن يجمع كل ما سبق معا.


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏