الكاتب والناقد ياسر علام: من الضروري تكسير الصورة النمطية لفكرة الورشة

الكاتب والناقد ياسر علام: من الضروري تكسير الصورة النمطية لفكرة الورشة

العدد 574 صدر بتاريخ 27أغسطس2018

ياسر علام كاتب وناقد مسرحي ومحاضر بقسم الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، صدرت له عدة مسرحيات ترجمت لأكثر من لغة، وقدمت أعماله بالكثير من المواقع الثقافية والفنية داخل وخارج مصر، معني بعلاقة الثقافة والفنون بالتنمية بتنويعاتها ومعانيها، شارك في التدريب وفي تأسيس ورش في حرفيات وفنيات الكتابة الإبداعية لمراحل عمرية مختلفة، وتكوينات ثقافية متعددة. مؤخرا قام بالتدريب في ورشة مسرح ما بعد الدرامي، إحدى مجموعة الورش التدريبية ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح في دورته الـ11 دورة الكاتب محمود دياب. حول هذه الورشة والمهرجان وقضايا مسرحية أخرى كان لنا معه هذا الحوار..
 - بداية، ما رأيك في المهرجانات المسرحية بشكل عام؟ وكيف ترى دورها وتأثيرها؟
المهرجانات المسرحية مادة ثرية يمكن أن تحقق منها عدة فوائد، أبرزها أن يشاهد المسرحيون أعمال بعضهم البعض، بالإضافة لكونها تتيح مساحة للعروض المختلفة أن تقدم فيها على اختلاف أنماط الإنتاج في بلدنا، أي أنها فضاء صحي يسمح بتقديم التجارب المختلفة والمقارنة بينها بما يحقق الفائدة للجميع.

 - ما رأيك في المهرجان القومي للمسرح المصري بشكل خاص ودوره؟
القومي للمسرح فكرة جيدة، فهو لا يقوم على ثيمة محددة، ولا نظام إنتاجي بعينه، فهو أشبه بكرنفال من مجموعة عروض تم إنتاجها بكل الأشكال الإنتاجية المختلفة التي قدمت خلال عام تتجاور في بيئة واحدة صحية، والمشكلة الحقيقية تكمن في التنافسية، وأطمح أن يتجاوزها، فهذه رؤيتي، فأنا ضد التنافسية في الإبداع، لذا أرى أن المهرجان التجريبي، مثالا، أخذ خطوة قوية للأمام، في تقديري، بتجاوز مفهوم التنافس والجوائز، وقد أشادت بذلك بعض الأقلام خارج مصر، لذا أتمنى أن يكون لدينا الكثير من المهرجانات غير القائمة على التنافس، وأن يتم الاستفادة بالمخصصات المالية للجوائز في استضافة مزيد من العروض، فهذا، من وجهة نظري، صحي أكثر.

- ما رأيك في فكرة الورش المسرحية ضمن فعاليات المهرجان؟
الورش في حد ذاتها تحقق فائدة، ولكن لا بد أن يكون الهدف واضحا في ذهن صنّاعها، لذا اجتمعنا كمدربين في الورش المقامة ضمن فعاليات المهرجان القومي (الارتجال، والسينوغرافيا، ومسرح ما بعد الدرامي) تبادلنا الأفكار حول خطة العمل داخل الورش، مع إعطاء الحرية للمدرب أن يقدم اجتهاده، فالورشة هي مجموعة تحاول تبادل المعرفة للوصول لنقطة محددة.

 - ماذا عن ورشة مسرح ما بعد الدرامي؟ كيف بدأت؟ وإلى أين وصلت؟
موضوع الورشة هو مسرح ما بعد الدرامي، خاصة وأن مصر حجم إسهامها في هذا المجال يكاد لا يذكر، فهو ليس سهلا، ولا أعلم عن ورش في مصر تمت في هذا الصدد، بينما المغاربة (دولة المغرب) لهم إضافة جيدة في هذا المجال. فإذا كنا بصدد ورشة ونريد أن تكون حقيقية، فمن الضروري تكسير الصورة النمطية لفكرة الورشة، فمن السهل صياغة معلومات تاريخية حول نشأة المسرح وصنّاعه، وتقديم نماذج من العروض وكفى، لكنني أرى أن الأفكار والمعلومات على قارعة الطريق، وما أسهل أن تسأل محرك البحث جوجل، فالتحدي ليس في كم المعلومات المصمتة، بقدر صياغة معلومات تفاعلية، بمعنى كيف تستطيع بناء منهجية وطريقة تفكير تسمح للمتدرب بالتعرف على المنهج، منطلقاته، وأسسه الجمالية. في كل يوم أطرح على «شركاء الورشة»، وهو المسمى الأصوب من وجهة نظري، ما هو الموضوع الذي سنعمل عليه، وفي اليوم الأول اخترنا كتاب أرسطو فن الشعر، وكشف البحث السياق الزمني لظهور أرسطو، ومدى تفاعله مع بنيات مشهدية عبر نصوص مسرحية أو عبر عروض كشفت عما يمكن أن أسميها بالحقائق الغائبة. فأرسطو لم يقابل هوميروس، ولا إسخليوس، ولا سوفوكليس، ولا يوربيديس، حتى أريستوفانيس مات قبل ميلاد أرسطو بعامين، وبالتالي تأكدنا أن أرسطو قد اطلع على النصوص لكنه لم يرَ عرضا مسرحيا واحدا منها. إذن، لو كان هناك قديما أدوات لحفظ العروض، بالطبع كان المشهد سيختلف (تفكيك أرسطو) وهذا لا يمكن عمله بدون ورشة، وهذا مثال ليوم واحد. وفي اليوم التالي دار النقاش حول أدبية النص المسرحي، وفي اليوم الثالث درامية النص المسرحي ونقله إلى الفرجوية، واليوم الرابع الامتدادات الفلسفية والفكرية لتيارات اختلف معها مسرح ما بعد الدرامي، ومحاولة اكتشاف قواسم مشتركة ومساحات سمحت ببزوغ هذا المسرح من بعدها، فهذا ما أسميه (ورشة).

- ما هي آلية اختيار المتدربين/ شركاء الورشة، حسب تعبيرك؟
ليست لدي معلومات حول آلية اختيارهم، ولكن في تواصلي مع إدارة المهرجان تساءلت حول طبيعة الفئة المستهدفة، علمت أنهم بعض الحاصلين على جوائز في سباقات مختلفة، وبناء عليه تم توفير الإقامة لهم مدة الورشة لإثراء تجربتهم.

 - بصفتك محاضرا في المعهد العالي للفنون المسرحية، ونحن على أبواب عام دراسي جديد، بمَ تنصح آلاف الشباب ممن يحلمون بالالتحاق بالدراسة في المعهد؟
المعهد ليس نهاية المطاف، لست أقصد إحباطا، بالعكس، ولكن الإنسان مسئول مسئولية كبيرة عن إتمام مشروعه بنفسه، الأكاديمية ليست سوى مجرد أداة تتيح له بناء نفسه، المسئولية أكبر من إلقائها على المعهد، فهو من الممكن أن يكون أداة إضافة أو سلب، الإنسان مسئول عن تنوع مصادر معرفته الحيوية، وامتصاص المعلومات والمعارف لبناء عالمه، الأكاديمية بنيت لكي تساع عددا معينا من الناس في وقت كان عدد سكان مصر 10 ملايين نسمة، لذا لا بد أن يكون لها 10 أفرع في 10 جامعات مصرية، فهناك 20 ألف شاب على الأقل كل عام يرغبون في دراسة الفنون، فهل يدرسونها في دولة أخرى؟!

 - ما الذي ينقص الحركة المسرحية في مصر؟
على الرغم من كل المعوقات والصعوبات والأشياء التي تدفع للإحباط، فإننا مع ذلك نرى في مهرجانات بسيطة في جامعات وأقاليم، شبابا قادرين على تطوير أنفسهم، وهم الأمل الحقيقي، إذا كنا نريد نهضة مسرحية حقيقية، وهذا مشكوك فيه، فالمؤشرات تقول غير ذلك، والعلماء عليهم قراءة المؤشرات. ومن هنا أؤكد مرة أخرى على ضرورة أن تكون المهرجانات غير تنافسية، وأن النضال القادم الذي ينبغي أن يفهمه كل المسرحيين أن تكون تقارير اللجان في كل المهرجانات تقارير معلنة وشفافة، يحزنني جدا مساحات التشكيك والإحباطات المتراكمة، فكل مهرجان ينتهي بنكبة ولا سبيل لتجاوز ذلك بأن نظل نقول بوجوب قبول قرارات اللجان فهو خطاب سلطوي فج يخفي عدم الرغبة في تشارك المعلومات الحقيقية للشباب قبل وأثناء وبعد المهرجان، تقارير وحيثيات معلنة وشفافة.

 - وماذا عن مسرح الدولة بشكل خاص؟
الممارسة الفنية جزء من المعادلة، فهناك مسئولية تتعلق بجودة المنتج، شروط إنتاجه وأساليب الدعاية والترويج، وعملية إدارة وتوزيع، ما لم تكن هناك رؤية واضحة ماذا سنفعل؟ ولمن؟ وكيف سنصل؟

هناك قصور في التوازن في لعبة الفن التي تتطلب آليات تجدد دماء المسرح المصري بعناصر حتى من خارج المؤسسات الرسمية، وهذا ليس عيبا، فعلى المسئولين أن يعلموا أنهم معنيون بالشعب المصري.

 - ختاما، ما أمنياتك وطموحاتك للمسرح المصري؟
أمنياتي لصناع المسرح الحقيقيين القابضين على الجمر المتمسكين بفن محتضر، أقول لهم إن أي مهنة من الممكن أن تحقق مكسبا ماديا، وعلى مستوى التحقق، بين أيديكم لذة لو عرفها الملوك لقاتلوكم عليها بالسيوف،
عزاؤنا أننا نحاول أن نصنع الخالد من العابر.

 


عماد علواني