الحادثة.. والفرص المهدرة

الحادثة.. والفرص المهدرة

العدد 567 صدر بتاريخ 9يوليو2018

العرض المسرحي الحادثة الذي قدمه مسرح الغد من إخراج عمرو حسان وتأليف لينين الرملي دون أي إشارة للمصدر الأصلي – من وجهة نظري - الذي تمثل في نص “صائد الفراشات” سواء بنسخته الأولى المكتوبة أو السينمائية، هو عرض يجب أن يثير الكثير من الأسئلة حول مستقبل المسرح المصري خصوصا أن عمرو حسان واحد من جيل الشباب الذين في القريب العاجل سيصبحون هم الكبار والمتحدثين باسم هذا المسرح، رغم هذا المستوى من الجودة الذي لا بأس في عملية التقديم هذه.
وللوصول للبعض من تلك الأسئلة ربما وجب علينا أن نستعرض هذا التقديم، الذي تمثل بداية في شاشة يتنزل عليها مادة فيليمة بالأبيض والأسود تشرح المضايقات التي تمر بها أنثى أثناء عملية الوجود بالشارع المصري، ثم عملية اختطاف لها عن طريق التخدير، مع إشارة بأن هناك من كان ينال من الذين يقومون بمعاكستها بشكل فج في هذا الطريق، ثم النقل للمكان الذي تمت فيه عملية حجز المختطفة، ثم عملية لعبة القط والفأر، اللذان مارساها مع بعضهما البعض؛ هي لمحاولة الخروج، ولمحاولة الاستحواذ عليها ولكن برغبتها، وتمر هذه الحيل والألعاب التي استخدم فيها كل شيء تقريبا من جانب الأنثى سواء بالتمثيل أو الخداع، ولكن لا مفر إلا أن تتمادى في عملية تمثيل بأنها مريضة جدا ويفكر في الذهاب والإتيان بطبيب وينسى ساعتها مفتاح الباب المصفح في الباب فتستحوذ عليه، ولكن شكها من أن تكون عملية الترك للمفتاح هذه ما هي إلا اختبار من اختباراته تتباطأ في الخروح فيلحقها فلا تجد بدا من إلقاء المفتاح من النافذة لتحكم على كليهما بالموت جوعا وعطشا.
الحقيقة، إن عمرو حسان ركز اهتمامه فقط على ما شرحناه سابقا وحاول فقط أن يجد تبريرا لما يحدث، فقدم لنا المختطف وهو يعاني من ازدواج الشخصية فقط، فهو تارة يقدمها لنا بأداء طفل يتلعثم وضعيف أمام من يحبه في عملية الاستحواذ، وتارة أخرى يقدمه بأداء البالغ المتحكم، ولم يتطرق في لماذا كان هذا البالغ هذا الشكل؟ لا حتى الطفل.
وحتى يخرج من وجهة نظره من عملية الملل في تكرار الصورة المعتمدة على شخصين فقط في الأغلب، ثم وجود الزائر - الذي سيكون لنا معه وقفة تتحدث عن الفرص المهدرة لاحقا - بالإضافة للفتاة التي دخلت في المشهد لمحاولة إثارة الغيرة لدى المختطفة، فأضافت تلك المحاولة بعدا نفسيا وجد أنه قد يكون متطابقا مع عملية التفسير بالمرض النفسي، وضع مجموعة من الأشباح تخرج فجأة من خيال المختطفة لتبعث فيها الرهبة والشعور باللاجدوى، ثم عندما قامت المختطفة بإلقاء المفتح حاول أن يبدل الحالة بوضعها هي القاهر والمختطف هو المقهور؛ ومن ثم قام بدفع تلك الأشباح بنفسها وبتكرار هيئتها للمثول أمامه، بل وقام بتغيير صورة الخاطف التي كانت ماثلة أمام أعيننا وعين المختطفة في تعليقها على الجدار الماثل أمامنا، واستبدلها بصورة المختطفة، وهو تصرف جيد بلا شك لو كان هذا التعيير من منظور المختطف لا منظورنا نحن الذي أوحى بتغيير المكان مع أنه لم يكن كذك، وأعتقد أن التعامل مع تلك المشكلة البسيطة هو يسير وهين؛ قد يتطلب فقط جهدا من محمد فتحي مصمم الديكور أو عز حلمي مصمم الإضاءة، مع اعتقادي بأن الحالة النهائية التي وصل إليها العرض في عملية التبديل هذه ربما لا تتناسب مع المقدمة السينمائية التي كانت تنقل لنا واقعا بصورة طبيعية، مع التأكيد بأننا لو لم نرَ هذا المشهد الذي اعتمد على المادة السينمائية لربما كان أفضل.
كما قلت هو اعتمد على المفهوم لا طريقة إيصاله بحكم أنه لن يوجد من سيسأل كيف تم هذا؟ ربما لخبرته الكبيرة رغم حداثة عمره بما يقوله الآخر شبه المتخصص عن عروضه، فمثلا عملية الخلع والضياع والتشتت والتبديل بعد إلقاء المخطوفة لمفتاح الباب من النافذة لم يكن له ما يبرره، فطبقا لما هو موجود أمامنا فالنافذة قريبة جدا ويمكن تسلقها، ولم يوجد هناك أي إشارة إلى أن هناك سلما يوصل بين الخارج والباب لا من جهة الخاطف ولا الزائر، أي أن المكان هو بالدور الأرضي، إذن عملية الانتقال عبر النافذة خاصة من جهة المختطف مع بنائه الجسماني ولياقته، وأيضا وجود التليفون الأرضي - فهو قال إن إشارات المحمول لا تصل هذا المكان – لا يبعث بحتمية النهاية ولا هذا الهلع.
ولكن لنأتِ لهذا الزائر الذي هو أجنبي كان يتعامل مع صاحب المنزل الأساسي الذي هو قريب أو عم الخاطف، في شراء الآثار منه، وفعلا كان هناك تمثال قيل إنه وجد في القبو أو تحت الأرضية وتمت عملية بيعه وشرائه، مع الإشارة إلى أن صاحب البيت الأصلي قد أودع من قبل المختطف بمستشفى الأمراض العقلية، هل كانت تلك المعطيات التي أوردت في نص العرض؛ من الممكن أن تخرج بالمعنى العام للنص ليكون أكثر اختصاصا بالآن ونحن في مصر تحديدا دون الانتقاص من عملية الشمول فيما يخص بالجانب الإنساني التي حاول المخرج أن يركز عليها؟ وهل كانت الإشارات والكلمات التي كانت على لسان المخطوفة والتي أشير صراحة إلى أنها تنتمي للطبقة الفقيرة والكادحة ما يمكن أن يؤكد هذا التخصيص؟ وهل لو كان هناك تأكيد على الحالة التي يعيشها الخاطف خاصة المادية وعملية الإرث هذه، ما يجعل هناك تباينا بين الخاطف والمخطوف؟ وهل كانت عملية تعامل الخاطف مع قريبه أو من ورث منه من المكن أن تؤكد على شيء ما، خاصة في تعامل هذه الطبقة مع بعضها البعض حتى يصيب أحد أفرادها الوهن ويصبح بالإمكان الانقضاض عليه، خاصة أن ما يعانيه من مرض ربما هو ذاته ما يعانيه بطلنا؟ وهل لو تم التعامل مع الفتاة المستجلبة بما يوحي بأنه ربما غير قادر على الفعل كان سيؤتي شيئا؟.. إلخ.
أعتقد أن هذه النقاط الموجودة فعلا أمامنا ومررنا عليها سريعا ربما كان لتوظيفها بما هي عليه فعلا دون التفاف أو تقعير سيمنح مجالا للدخول في العملية المجتمعية والاقصادية والسياسية التي يعيشها المجتمع المصري، وربما لو كانت هناك فطنة لهذا لربما نقل المكان من فيلا بالصحراء! (مع أنني لا أدري كيف هي فيلا بالصحراء والتاجر الخواجة رايح جاي هو وأصدقاؤه) إلى مجتمع من مجتمعات (الكومباوند) وليكن جديدا لم يكتظ بعد بالسكان ليحقق العزلة المطلوبة.
بالطبع، لن أجيب على هذه الأسئلة وأترك لكم الإجابة، وليكن حديثنا عن الدافع وراء وصفي هذا العرض بالجودة رغم كل تلك الفرص المهدرة في التعامل مع الواقع أو حتى النص نفسه بشكل أكثر حنكة، أعتقد أن ما برع فيه عمرو في الأساس هو اختيار عناصره التمثيلية وكان شرطه هو الكفاءة لا ذيوع الصيت، ربما كان عنصر المجايلة عنصرا مهما من عناصر الفهم المشترك وصولا للمرجو، أتحدث عنهم جميعا بلا استثناء: ياسمين سمير (المخطوفة)، زهرة، ومصطفى منصور (الخاطف)، عاصم، وريهام أبو كير (الفتاة)، وفتحي الجارحي (الخواجة)، وإن كنت سأشيد أكثر بياسمين سمير، وأيضا مصطفى منصور الذي كان اكتشافا بالنسبة لي، فهذا قد يعود لأن مساحة الدور وتفاعلاته أتاحت لهما فرصة أكبر في التعبير عن إمكانياتهما وهو ما لم يناله لا ريهام أبو بكر ولا فتحي الجارحي، مع التأكيد بأن الحكم العام على الأداء كان أكثر من جيد وهو شيء يحسب لعمرو قبل أن يحسب للمؤدي لأن عمرو هو من اختار ممثليه.
باختصار شديد، ورغم كل ما قلته، فإن هذا العرض يعتبر البداية الحقيقية لعمرو حسان كمخرج عن طريق التمكن لا المحاولة، فمن وجهة نظري هو تعدي مرحلة المحاولة بهذا العرض وقدم نفسه كقادر على التحكم والإيصال، ومع الأيام والتجارب سيكتسي قدرا أكبر من الثقة ستدفعه بالفعل لتحقيق التفسير الخاص به مهما تعددت التقديمات للنص.
 


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏