«قمر الغجر».. في المسرح الاستعراضي

«قمر الغجر»..   في المسرح الاستعراضي

العدد 870 صدر بتاريخ 29أبريل2024

أوبريت «قمر الغجر» الذي تقدمه «الفرقة الغنائية الاستعراضية» بقطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، بعدما تم مد وتجديد فترة عرضه، نموذج مشرف للأعمال الغنائية الاستعراضية التي تعيد إلى الأذهان مجموعة الأوبريتات الكبيرة التي قدمت بهذه الفرقة بدءا من ستينيات القرن الماضي (كالليلة العظيمة، والقاهرة في ألف عام، والحرافيش، ووداد الغازية، ومهر العروسة،)، حيث يتضمن الأوبريت تسعة استعراضات كبيرة بالإضافة إلى بعض الاستعراضات الفردية والثنائية، وجميعها استعراضات تشكل نصا موازيا، كما تشكل جزءا مهما في نسيج العمل وهي تتميز بتكاملها مع الأحداث الدرامية، بحيث يستحيل حذفها ، كما يصعب تغيير موقعها، والجدير بالذكر أن الأوبريت الذي تدور أحداثه الدرامية في ثلاث أجواء مختلفة وهي: (طلبة الجامعة المعاصرين، وعالم الصيادين بعاداتهم وتقاليدهم، وعالم الغجر بفنونهم واستعراضاتهم، يشارك في تقديمه نخبة متميزة من المبدعين، فهو كتابة وإخراج/ د. عمرو دوارة عن فكرة للأديب/ محمود مكي، وأشعار وأغاني/ سعيد شحاتة الألحان والموسيقى التعبيرية  للمبدع/ أحمد الناصر، وتصميم الاستعراضات للفنان/ محمد زينهم، كما قام بتصميم الديكورات للفنان/ د.محمود سعد ، وتصميم الملابس للمبدعة/ د. مروة عودة، والإضاءة من تصميم م أبو بكر الشريف، وشارك بإخراج المقتطفات السينمائية الفنان/ ضياء الدين داود،   ويحسب لهذا الأوبريت تحقيق كثير من أهداف الفرقة ومن بينها: إتاحة فرصة التألق لعدد كبير من أعضائها وفي مقدمتهم الفنانين: سيد عبد الرحمن (الريس حميدو)، محمد نيازي (مطرب الصيادين)، بهجت لطفي (مطرب الغجر)، إبراهيم غنام (الصياد متولي)، حسام رسلان(تاجر السمك الجشع)، مها عثمان(فاطمة الزوجة الأولى لمتولي)، وفاء سليمان (زينب الزوجة الثانية لمتولي)، وذلك بالإضافة إلى مشاركة بعض أعضاء الفرقة في هيئة الإخراج (هشام الحصري المخرج المنفذ، وكل من هالة الصباح، سعاد الجوكر، أحمد طارق)، ويحسب للعرض مشاركة المبدعبن من أكثر من جيل حيث يشارك كل من الفنانبن: آمال رمزي، وسيف عبد الرحمن كضيفين شرف فكان كل منهم إضافة مهمة للعرض ومن عناصر تميزه، بجانب النجوم/ ميرنا وليد (التي تعيد أمجاد الفنانة/ نعيمة عاكف كفنانة شاملة)، علاء حسني(في أول بطولة مطلقة له بالمسرح الاستعراضي)، ونجوم الكوميديا: فتحي سعد، حسان العربي، وفاء السيد،  المطربة المتألقة صاحبة الحنجرة الذهبية/ نهلة خليل والتي أبهرت الجمهور بغناء بعض اغاني كوكب الشرق بدون مصاحبة فرقة موسيقية، وعصام عبد الله الذي جسد شخصية عازف الناي وشاعر الغجر بحضوره المحبب، ويضاف إلى رصيد هذا العرض تقديمه لعدد من الوجوه الجديدة مع إعادة اكتشافه لبعض النجوم، المبشرة بكل الخير وبمستقبل فني كبير، بعدما نجحت في لفت الأنظار إلى موهبتها، وفي مقدمتهم مجموعة الفنانبن: أحمد السباعي في شخصية «فادي» الطالب الروش، مطرب الجامعة الشاب/ فارس وليد، بوسي الهواري في شخصية «سهام» (الطالبة  المتعجرفة المغرورة، وأمل عبد المنعم في شخصية «نرمين» الطالبة الوديعة، وأيضا الفنان/ محمد زينهم (نجم فرقة رضا للفنون الشعبية) في شخصية الوزير والد الطالب/ أمير، أحمد مصطفى الذي جسد شخصية مندوب فندق «الشاطئ المسحور» سعيد مسعود أبو السعد سعداوي. وذلك بالإضافة إلى مشاركة كل من الفنانين: حسن فهيم، ومصطفى عثمان، وعلي صلاح. 
تدور الأحداث الدرامية المعاصرة فى إحدى القرى السياحية بالساحل الشمالى، وتتناول قصة العشق التى جمعت بين «قمر الغجرية»ضاربة الودع (ميرنا وليد) وابن الوزير الفنان التشكيلى «أمير» (علاء السباعي)، وبالتالى فإن الأحداث تجمع بين ثلاثة أجواء مختلفة هى عالم الصيادين بالساحل الشمالي، وعالم الغجر بتفرد عاداتهم تقاليدهم، وأيضا أجواء طلبة الجامعة بثقافتهم المعاصرة تحت إشراف/ الأستاذ الأكاديمي والفنان التشكيلي المبدع/ رؤوف عبد المجيد (شخصية واقعية)، وتتضح تلك الأجواء الثلاث بنهاية العرض حيث بمشاركة كل مجموعة بفنونها بحفلات السمر التي تقام بحي الغجر (بالمشهد الثاني بالفصل الأول)، وكذلك بحفل الزفاف بالمشهد السادس والأخير (بالفصل الثاني) حيث تقوم كل مجموعة بتقديم بعض الفقرات التى توضح مدى تنوع وثراء فنوننا الشعبية. وتدور أحداث  الحبكة الدرامية الرئيسة حول قصة العشق التي جمعت بين كل من «قمر الغجرية» وابن الوزير الفنان التشكيلي «أمير السنهوري» (علاء حسني)، وكذلك بين زميله بالكلية فادي، والغجرية نوارة (صديقة قمر)، وهي قصص الحب التي واجهت كثير من الصعاب نظرا لارتقاء المستوى الاجتماعي والمستوى العلمي لابن الوزير وصديقه وبالتالي وجود فارق اجتماعي كبير بينه وبين بنات الغجر ، وذلك بالإضافة إلى تلك التقاليد والعادات الاجتماعية المتوارثة  من جهة أخرى ورفض الغجر – طبقا لعادتهم جواز بناتهم من أغراب (من خارج قبيلتهم)، لأنهم يفضلون دائما العيش في عزلة ومجتمع مغلق، ويتمسكون بتطرف وتعصب بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة، ولكن الخطاب الدرامي بالعرض ينتصر للحب الذي ينجح في إلغاء جميع القيود وتكسير جميع الحواجز، بفضل ثقافة د.رؤوف ومؤازرة وتشجيع جماعة الصيادين، حيث يرفض العرض تلك التقاليد والعادات القديمة المتوارثة ويدعو إلى نبذ الطائفية ومواجهة جميع مظاهر التعصب والتطرف والتزمت.   
وتجدر الإشارة إلى أنه برغم أن جميع الأحداث الدرامية تجرى بمصر، إلا أن العرض يؤكد أيضا على عمق البعد العربي لمصر وعلاقتها الوطيدة مع كافة الأشقاء العرب، وذلك من خلال شخصية الأديبة اللبنانية والأستاذة الأكاديمية بجامعة بيروت/ د.وطفاء حمادي (وهي أيضا شخصية واقعية قامت بتجسيدها ببراعة الفنانة الكبيرة/ آمال رمزي نجحت في إظهار دى اعتزازها بعروبتها وعشقها لمصر بصفة خاصة.)، حيث تظهر الأحداث الدرامية أنها قد  جاءت لمصر للاستجمام وإنهاء بعض الأبحاث وأقامت بنفس القرية السياحية حيث نشأت بينها وبين «قمر الغجرية علاقة صداقة قوية، وكذلك بينها وبين طلبة كلية الفنون الجميلة  والمشرف على رحلتهم ومشروعات التخرج لهم / د. رؤوف (سيف عبد الرحمن). 
وتجدر الإشارة إلى أن هذا هو العرض الرابع لمخرجه الذي يتناول قضيىة الصراع العربي الصهيوني حيث سبق له إخراج عرض حاصل الضرب والقسمة لفرقة المسرح الارتجال عن أحداث صبرا وشاتيلا وكذلك عرض «النار والزيتون والدم» لألفريد فرج، وعرض «اغتصاب» لفرقة فرسان المسرح من تأليف/ سعد الله ونوس،  و»عفوا أيها الأجداد» لنبيل بدران، وعرض «عريس لبنت السلطان» لمحفوظ عبد الرحمن.
ويبرز العرض حياة وعادات وسلوكيات جماعات «الغجر» الغريبة كانت الملهمة لعدد كبير من المبدعين لتقديم بعض شخصياتهم ولقطات من حياتهم. 
ويحسب لأوبريت «قمر الغجر» وصناعه أنها المرة الأولى التي يتم من خلالها تقديم صورة متكاملة لحياة الغجر ومعلومات كاملة عن تفاصيل حياتهم ونشأتهم وأماكن تجمعهم وأهم المهن التي يمارسونها، كما أنها المرة الأولى أيضا التي تم تقديم بصورة إيجابية بعدا عن تلك الصورة السلبية التي قدمت بعدد كبير من الأعمال الدرامية كعمل المرأة الغجرية كغازية وبالدعارة أو بالسحر والشعوذة، وعمل الرجال  بالنصب والفتونة والدجل أيضا.
ومما سبق يمكن القول بأن مخرجنا يخوض مغامرة جديدة فى كل مرة تجربة مسرحية يتصدى لإخراجها، وهذا هو قدر الفنان الأصيل الذي احتفظ بمساحة الهاوى بداخله، فهو يكره استغلال نجاحاته بتكرار تجاربه السابقة، وبالتالي فقد عمل على تقديم تنوعا كبيرا فى المناهج والأشكال المسرحية طبقا لما يمليه عليه طبيعة النص، وإن كان في تجربته الأخيرة يتقحم عالم الاستعراض وفن «الأوبريت». 
وتجدر الإشارة أيضا إلى تلك المساهمة الفعالة للمسرحي/ د.عمرو دوارة فى إثراء وعى المتلقى وتنشيط حركة مسارح الهواة فى «مصر» وفى البلاد العربية أيضا من خلال مشاركاته فى العديد من المهرجانات المسرحية العربية وإدارته الناجحة لمهرجان «المسرح العربى» – ويبقى فى النهاية مشروعه الطموح فى إعداد وتقديم «موسوعة المسرح المصرى المصورة»، والتي نجح من خلالها فى اقتناء وتوثيق وتسجيل الوثائق والصور الخاصة بأكثر من سبعة ألاف مسرحية من المسرحيات التى تم عرضها فى «مصر» على مدى مراحل تطور المسرح المصرى منذ بداياته وذلك بشكل علمى نموذجى موظفا دراساته وخبراته فى مجال هندسه النظم.
جدير بالذكر أن هذا الأوبريت هو  العرض الثالث للمخرج/ د.عمرو دوارة  بقطاع «الفنون الشعبية والاستعراضية»، حيث سبق أن قدم عرضين وهما : قطار الحواديت (لفرقة «تحت18»- عام 1998)، وعرض وعصفور خايف يطير( لفرقة أنغام الشباب عام 2003) 
المهرجان الأول للمونودراما بالفجيرة بالإمارات المتحدة عام 2003 ، مهرجان «طقوس المسرحية» بالمملكة الأردنية عام 2009، والمهرجان الوطني بالجزائر عامي 2006، 2007،  بعرض «أجنحة الأقوال»، مهرجان «المسرح الأمازيغي بالمملكة المغربية عام 2008، ومهرجان «سلا للمسرحيات القصيرة» 2008 بالمملكة المغربية عام 2008، بعرض «عاشقة نجيب محفوظ»، وبمهرجان « العراق « الوطني عام 2013 بعرض «شرف الكلمة».
يشير النجاح لأوبريت «قمر الغجر» الي الكثير من التساؤلات الفنية، فإذ كنا قادرين على تقديم مثل هذا المستوى الفني المتميز، ولدينا فرقة  كبرى متخصصة في هذا المجال، وهي «الفرقة الغنائية الاستعراضية»، وبها عدد كبير من المبدعين (أعضاء الفرقة) الذين تم تقديمهم بصورة مشرفة من خلال هذا الأوبريت، (للأسف تم التعرف على مواهب الكثير منهم لأول مرة ) فلماذا لا تستمر الفرقة في تقديم مثل هذه الأعمال العصرية بصفة دورية طوال العام، ولماذا يمر في أغلب الأحيان أكثر من خمس سنوات لتقديم عرض جديد!! ولماذا لا تهتم الفرقة بالدعاية لعروضها ولنجومها !! فهل يعقل  أن يستمر تقديم مثل هذا العرض الناجح لمدة تزيد عن الشهر والنص دون أي دعاية تذكر!! (لا برنامج للعرض «بانفلت،  ولا بوستر للدعاية او مطبوعة ورقية صغيرة باسم العرض ومواعيد تقديمه وأسماء النجوم المشاركين به !!. )ولماذا تحصر الفرقة نفسها فقط في إحياء ذكرى بعض المبدعين( بليغ حمدي/ سيرة الحب، ألمظ وعبده الحامولي» و»يا شيخ سلامة»، «شقيقة المصرية»)!!ولماذا لا تضع في خطتها هدف اجتذاب الشباب بالموضوعات المعاصرة !!
ويحسب للمؤلف والمخرج/ د.عمرو دوارة توظيف حساسيته الفنية وخبراته المسرحية الكبيرة في اختيار جميع مفردات عرضه بدءا من اختياره النص المناسب الذي يتناسب مع طبيعة الفرقة وأهدافها، حيث يتيح النص بفكرته المبتكرة وأحداثه الدرامية التي تدور من خلال ثلاث أجواء مختلفة ومتنوعة (الطلاب المعاصرين، عالم الصيادين، عالم الغجر)،وبالتالي قد أصبحت الأغاني والاستعراضات بالعرض جزءا محوريا بنسيج العصر ولا يمكن حذفها أو الإستغناء عنها، خاصة وقد تم توزيعها على المشاهد الستة المتتالية بحرفية كبيرة، وتتناسب كذلك مع أصوات مجموعة المطربين بالفرقة وفي مقدمتهم نهلة خليل، ومطرب قبيلة الغجر/ بهجت لطفي، ومطرب الصيادين/ محمد نيازي، ومطرب الشباب/ فارس وليد.  
وليتم في النهاية تتويج تلك الكلمات المعبرة والألحان البديعة المتنوعة بعد ذلك بإبداعات مصمم الاستعراضات الفنان القدير/ محمد زينهم.  
وفق المخرج أيضا في اختيار أربعة مبدعين ساهم كل منهم في إثراء المشهد البصري، فتكاملت إبداعاتهم لتقديم سينوغرافيا معبرة وجميلة ومبهرة وهم المبدعون مصمم الديكورات/ د.محمد سعد، والذي وفق في تحقيق رؤية المخرج بتقديم تصميمات لمشاهد المتتالية تتيح فرصة يمكن سهولة وسرعة التغيير، مع ترك منطقة وسط المسرح فارغة (خالية) لتوظيفها في تقديم الاستعراضات المتتالية بسهولة ويسر، ويجب الإشارة عند تناول «السينوغرافيا» بهذا العرض الإشادة بالدور الكبير للشاشة بخلفية المسرح والتي أبدع الفنان/ ضياء داود في تصميم اللقطات والمشاهد المتتالية بها لتتكامل مع قطع الديكورات والإكسسورات على خشبة المسرح، وكذلك مع الأحداث الدرامية ويحسب له تقديم لقطات البحر باختلاف التوقيت)الشروق، الغروب، واختلاف حالاته الهدوء، الأمواج العاتية، واختلاف المنطقة التي بها الشاطئ الخاص، منطقة الصيد).
وكعادته بجميع عروضه يحرص المخرج على التوظيف الجيد لمهارات وقدرات مجموعة النجوم والممثلين وفي مقدمتهم مجموعة النجوم والممثلين الذين ساهموا كثيرا في نجاح العرض، وذلك مع حرصه على تقديم بعض الوجوه الجديدة في كل عرض فقدم في هذا العرض كل من فارس وليد (مطرب الجامعة ) أمل عبد المنعم (الطالبة / نرمين)، أحمد السباعي (الطالب فادي)، أحمد مصطفى (مسعود سعيد)، علي صلاح طالب جامعى)، حسن الفططري (صياد)، مصطفى عثمان(صياد). 


عبد الغنى داوود