حسن سعد: مازلت مصرا على تقديم المسرح السياسي

حسن سعد: مازلت مصرا على تقديم المسرح السياسي

العدد 567 صدر بتاريخ 9يوليو2018

عرض “ودنك منين يا حجا” جزء من رباعية مسرحية تبدأ بكلمة جمهورية، اسمه الأصلي “جمهورية جحا” ونتيجة حالة القلق الرقابي تم تغييره إلى “ودنك منين يا جحا”، المسرحية الأولى في الرباعية هي “جمهورية مصرفونيا العليا”، المسرحية الثانية “جمهورية الخوالي”، الثالثة “جمهورية التفاصيل والحكايات”، والأربع مسرحيات يدورون حول الفترة العصيبة التي عشناها إبان ثورة يناير وما قبلها وما بعدها، ونغوص في المجتمع ونكشف كل تفاصيله السياسية والاجتماعية والدينية وكل ما حدث في هذه الفترة. من خلال استدعاء شخصية جحا من التراث، وهو استدعاء افتراضي كمجرد اسم وليس كتفاصيل كما هو في التراث، وله هنا زوجة اسمها نبوية وابن اسمه جحا الصغير، ومن خلالهم ندور ونغوص في المجتمع كي نبحث ونفتش في جميع تفاصيله، بحيث نوضح أسباب وحيثيات ثورة يناير وفترة حكم الإخوان وما قبل وما بعد، ونحاول من خلال كل هذه التفاصيل أن نسقط الكثير من الأقنعة عن بعض الرموز السياسية التي كنا ننظر إليها على أنها رموز لها دور ولها فكر، ونكتشف أن كل رمز منهم يعمل لصالحه هو فقط وليس لصالح الوطن، بالتالي نسقط الأقنعة فعلا ونكشف المتلونين والمتحولين في هذه الفترة، وكيف سقطت عنهم الأقنعة وكيف هم مزيفون، بالإضافة لخط درامي آخر وهو البعد الخارجي وهو أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية، ونكشف قدر ما كانوا يريدون تنفيذ فكرة تقسيم مصر، فهم يتناسون عدة أشياء وهي أن مصر عصية على التقسيم لسببين جوهريين يجسدان عبقرية الشعب المصري، أن هذا الشعب في عز الأزمات والأوقات العصيبة يكون يدا واحدة، الغني والفقير والمتعلم وغير المتعلم وحتى اللصوص ومتعاطي وتجار المخدرات، حينها يختفون مع الظروف العصيبة. الثاني هو أن هذه البلدة لا تستطيع أي قوة على وجه الأرض اختراقها أو تحطيمها أو تقسيمها لأنها في حماية ربنا عز وجل، فعلى مر العصور كم غازيا وكم مستعمرا دخلوها وذهبوا وتظل مصر. لماذا؟ لأنها في حماية الخالق العظيم.
 - بماذا تخبرنا “ودنك منين يا جحا”؟
«ودنك منين يا جحا» تجربة مسرحية جديدة تتعرض للأحداث السياسية التي عاشتها مصر في السنوات السابقة، تعرض بمسرح البالون من إنتاج قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، من تأليف وإخراج الناقد الصحفي والكاتب والمخرج حسن سعد. حول العرض ورؤيته للأحداث السياسية والاجتماعية، ونظرته لبعض قضايا المسرح المصري الشائكة كان لنا معه هذا الحوار.
 - لماذا وظفت شخصية جحا دون استلهام تفاصيله التراثية؟ وما الفرق إن استخدمت شخصية أخرى معاصرة؟
لقد استخدمت جحا كاسم فقط لسببين: لحساسية الموضوع المعالج وأن الموضوع به من الخطورة والحساسية ما يضعنا في تصادم سواء مع الرقابة أو مع الدولة لانعدام الفهم والوعي واختلاط كل الأفكار، وألخص هذا كله في مصطلح “هزيمة الوعي” حيث نجحت كل القوى التي كانت في أيديها كل المقاليد أن تجسد صور هزيمة الوعي لمصالح خاصة أو لمصالح خارجية أو لمصالح داخلية، ولكل التفاصيل التي نعيشها، ولذلك وظفنا هذا الاستدعاء هروبا، استدعينا شخصية جحا وألبسناها سترة الواقع، كان يمكن أن نستخدم شخصية واقعية معاصرة لكنها كانت ستُرفض من الجميع، فحاولنا الهروب في شخصية جحا وأجواء الشخصية. والبعد الأهم في اختيار شخصية جحا أنه شخصية كاريكاتيرية ضاحكة وساخرة وتلعب دور الأراجوز وتمارس الضحك والفرفشة، وأردت تقديم الوجبة الدسمة من خلال الشخصية الساخرة، وهي شخصية تسخر من الواقع وتفاصيله، فعندما ترغب في توجيه صورة نقدية كاريكاتيرية يفضل أن تكون من خلال شخصية في الأصل هي ساخرة.
 - نحن إذن أمام عرض سياسي.. فهل المسرح السياسي قادر على تغيير الفكر والوعي؟
ينبغي على الدولة أن تعي أنه لا خوف تماما من المسرح سواء كان سياسيا أو انتقاديا، مهما كانت الكلمة فيه جريئة، لأن المسرح يدعو إلى التفكير ولا يدعو إلى حمل السلاح، وأقول هذا الكلام مرارا وتكرارا لسنوات، لا خوف من المسرح، فالمسرح يشكل حالة جدلية ويدعو إلى التفكير الإيجابي ولا يدعو لحمل السلاح على الإطلاق، لأن المسرح بكل جمالياته سواء في الديكور أو الاستعراض أو الأداء التمثيلي يمثل حالة فرجة. ونحن نقدم في “ودنك منين يا جحا” حالة فرجة، نقدم من خلالها المسرح السياسي ولا يوجد في مصر مسرح سياسي، أقولها بكل تواضع، الوحيد الذي يقدم المسرح السياسي في مصر هو العبد الفقير إلى الله، رغم صعوبة الموقف والأجواء ورغم صعوبة المسرح السياسي والتصادم المستمر مع الرقابة، فهناك تصادم بطبيعة الحال مع الرقابة التي تواجه المسرح السياسي بعنف، الرقابة والدولة تتعامل مع المسرح السياسي بعنف شديد بل وترفضه تماما باعتبار أن المسرح السياسي هو الذي يحرك الوجدان والوعي ويدعو إلى التفكير، المسرح ليس مسرح أشرف عبد الباقي أو مدرسة المشاغبين، وليس هو المسرح الذي كان يقدمه القطاع الخاص في الماضي، انظر إلى تاريخ المسرح بداية من الدراما الإغريقية وحتى اليوم، المسرح بدأ سياسيا، لذلك أنا لا أفهم لماذا يحارَب المسرح السياسي، هو موجود ولكنه يحارب ويتعرض للإلغاء، وأحب أن أطمئن المسئول أن المجتمع لن يتغير إلا بوجود المسرح السياسي، لن تكون هناك دولة ذات قوام إلا بوجود المسرح السياسي، لن يكون هناك شباب سوى بوجود المسرح السياسي، لن يكون هناك مجتمع مستقيم يدعو إلى النور والتنوير إلا إذا كان هناك مسرح سياسي، وأنا أدعو الدول لفك الحصار عن المسرح السياسي.
 - هل حصار المسرح السياسي يمكن أن يعيد الرمزية للمسرح؟
هذه الأمور انتهت منذ زمن، فأنا ككاتب لا أستطيع أن أقول: أنا سأكتب مسرحية عبثية، أو في الكلاسيكية الجديدة أو التكعيبية، فالكاتب يكتب وأمامه هدفان: البلد وعشقه وحبه لها بالإضافة لإيجاد حالة تنويرية، فبدون المسرح الجاد والحقيقي لن يكون هناك تنوير أو وعي ولن يكون هناك تقدم بدون المسرح، المسرح هو الحياة، الحوار مسرح، والنقاش مسرح، المسرح هو المرادف للحياة، اتركوا الحياة. لكن عندما أعرِّض المسرح للأغلال والقيود فأنا أفرض قيودا على البلد وليس على المسرح، فإذا عدت إلى الوراء سأقول أنا سأحبس الناس وأحبس المسرح، وهذا شيء طبيعي وغير لائق وغير صحي بالمرة.
 - بعد مرور عام على حجب جائزة التأليف في القومي.. كيف ترى أزمة التأليف؟
هذه أزمة حقيقية في التفكير وفي الوعي. أنا أدين من حجب جائزة التأليف في المهرجان القومي السابق، فالمسابقات التي تقام كلها مسابقات هلامية، ومصر غنية جدا بكتّاب المسرح، لكن من يلتقط الكاتب المتميز الذي يمكن تقديمه للساحة المسرحية؟ يوجد في مصر كتاب جدد وقدامى وجيل وسط، ولكن أين كل هؤلاء؟ كل هذا (لعب عيال وهزار) وسد خانات، لا بد للجهات الإنتاجية أن تعمل على تواصل الأجيال. توجد أزمة حقيقية، فمن يقوم بالمؤامرة ضد المؤلفين؟ فالمؤلفون موجودون من جميع الأجيال لكن أين هم؟ لقد عشنا فترة طويلة منذ خمسة عشر عاما لا يوجد اسم مؤلف على العروض المسرحية، ولكن يوجد دراماتورج، وأنا أرى أنه لا شيء اسمه دراماتورج، هناك مرض وبائي اسمه دراماتورج، ليس من اللائق وليس من الطبيعي أن أستحضر نصا لتوفيق الحكيم أو يسري الجندي أو عبد الرحمن الشرقاوي أو نصا عالميا وأقول: تأليف فلان ودراماتورج فلان، فما هي وظيفة الدراماتورج؟ هل يكتب أو يصلح أو يقدم إعدادا لكاتب راسخ؟ هذه فوضى وعبث، الدراماتورج يعمل على المؤلف المبتدئ، كي يصلح له البناء الدرامي أو الحوار أو الفكر، فأنا لو أخذ أحد نصا لي كي يعمل له دراماتورج سأضربه بالنار، من أراد أن يؤلف فليؤلف، الدراماتورج مؤلف فاشل، والعبث بمؤلفات شكسبير مثلا هذه فوضى. لكن عندنا في مصر مؤلفين، وعلى المهتمين بالحركة المسرحية أن يتخلوا عن نزعاتهم الشخصية ويلتقطوا الكتاب الجيدين، مثلما حدث معنا في الماضي، فأنا كنت كاتبا صغيرا واكتسبت خبرات حتى وصلت إلى موقعي.
 - إذن أين تكمن الأزمة؟
الأزمة أزمة إدارة، أزمة مدير فاشل لا يعي ماهية الإدارة، فهناك فارق بين إدارة مصنع أو متجر وإدارة مسرح، معظم المسئولين لا يفقهون شيئا عن المسرح.
 - يرى شباب المسرحيين أنهم بدأوا مسار نهضة مسرحية قادمة.. فما رأيك؟
علينا أن ننتظر، ولن توجد نهضة مسرحية قادمة إلا بعودة المؤلف المسرحي المفكر وليس بمسرحيات القص واللصق وتلك المسرحيات الجيلاتينية المنتشرة، انظر لمسرح الستينات كان هناك كتاب متنوعون، المسرح الشعبي، والمسرح الغنائي، والمسرح الملحمي، والتاريخي، والكلاسيكي، والواقعي، كنت تجد مسرحا ذا قوام ويوجد مؤلف ومفكر خلف العمل وليس دراماتورجا أو كولاجا مسرحيا الذي هو عبارة عن أداء وصراخ وأغنية هنا وأغنية هناك ثم (تزييط) على الفيسبوك، المسرحيات لا تأخذ شهرتها من الهيصة الفيسبوكية، المسرحية تأخذ شهرتها ووجودها من وجود مؤلف خلف العرض المسرحي يتمتع بفكر، قديما كان اسمه المفكر المسرحي، ولا بد أن يكون المؤلف واحدا للنص، التأليف الجماعي بدعة وهذا خطأ وفوضى وعبث، فالمفكر يعني أنه يفهم في السياسة والاقتصاد والعلوم والدين والعلاقات بين الدول، المؤلف كشاف لما يحدث وبعد ذلك يجسد ما اكتشفه من خلال فكره كمؤلف مسرحي.
 - هل علينا أن نعود للتراث؟
التراث هو خط الدفاع الأول لمصر وللعالم العربي، لذلك يحارَب التراث من العالم الخارجي، فقديما كان هناك ملتقى يسمى ملتقى المسرح العربي ورغم نجاح الدورة الأولى له فإنه وُئِد، كان يتم في هذه الفترة الترويج لفكرة الشرق أوسطية، وكان هذا الملتقى قائما على فكرة العروض المسرحية التي تعتمد على التراث فقط لأن التراث هو الجذور والأصالة، إن أي شخص يتقدم لفتاة يُسأل من عائلته؟ وعلى أساس أصوله وجذوره أقبله أو لا، لذا فنحن نحتمي بالتراث والتراث يحارب حربا شديدة، ولذلك لكي يعود الوطن العربي وعلى رأسه مصر إلى إثبات الوجود لا بد من عودة التراث الذي بدونه لن يكون لنا وجود. انظر إلى معظم دول أوروبا، مصر تمتلك ثلث آثار العالم، والدول الأوروبية منها من لا يمتلك تراثا نهائيا، ومنهم من يدعي أن لديه تراثا، ومن لديه جزء من التراث الحديث وليس القديم، ولكنهم يحافظون عليه تماما لأن هذه جذورهم وعراقتهم. أمريكا تحاربك لأنها ليس لديها تراث وعمرها لا يزيد على ثلاثمائة عام، فلا بد أن تحاربك في تراثك، عندما تقول مصر تعني الأول، الأول في العلوم والطب والهندسة والنحت والفنون والثقافة، الأول في كل شيء. إذا سئلت من مخترع كذا؟ ستقول مصر. فن التمثيل أين كان؟ كان في مصر، ربما لم يتطور لأنه ظل في المعابد ولم يخرج إلى الحياة، والمسرح نؤرخه لليونان فبدأ ملكيا للملوك والحكام وبدأ ينزل للناس وتجد الشخصيات العامة موجودة في النصوص المسرحية، فمصر تعني الأول في كل شيء، أول من أغمض عينيه وأول من فتح عينيه مصر، أول حكومة على وجه الأرض في مصر، مصر بلد الاستقرار، فالحكومة تعني استقرارا، والنيل هو الذي صنع الاستقرار، وُجد نيل ومياه وزراعة وحصاد فقامت الحكومة وقام كيان الدولة، أول دولة على وجه الأرض في مصر، ولذلك تحارَب عسكريا ودينيا، ألم يصنعوا الصور المسيئة للرسول وأهانوا المسيح، وأوروبا أساءت لكل أصحاب الأديان. منذ عشرين عاما وأنا أطالب برجوع ملتقى المسرح العربي، فلماذا يصرون على المسرح التجريبي؟ كي يهدمك، ومع أول دورة من دورات المسرح التجريبي طُمس المسرح المصري وطُمست هويته وطُمست الشخصية المصرية، في أحد العروض جلس ممثل على حمام سباحة عاريا فهل هذا مسرح؟ وعاش كل المسرحيين التقليد الأعمى. أما الثمرة الوحيدة من المسرح التجريبي فهي مطبوعاته، لذلك اقترحت أن نقيم سنة «تجريبي» وسنة «ملتقى» للحفاظ على هويتنا وشخصيتنا، أما المهرجان القومي فكنت في اللجنة العليا له في الثلاث سنوات الأولى وكنت أول المعارضين لمسألة الجوائز ومشاركة أي أحد فيه. فالهدف منه لم يكن المهرجان بل التسابق على شاكلة مسابقة السينما للأفلام القومية كل عام، بحيث تتشكل لجنة من النقاد والمسرحيين المتخصصين تشاهد العروض على مدار العام وتحدد الجوائز، لكن كيف تقيم مسابقة وجوائزها معلومة مسبقا؟ نتجاوز المهرجان ونصل لبدعة السينوغرافيا، من قال إن السينوغرافيا ديكور وإضاءة وملابس، فالمسئول الأول عن السينوغرافيا هو المخرج لأن كل ما هو موجود على المنصة هو سينوغرافيا من ضمنها أداء الممثل وحركته وزيه، فهي التشكيل في الفراغ، ولكن تم الاستعاضة عن كلمة ديكور بكلمة سينوغرافيا أو رؤية تشكيلية وهذا جهل، هي جزء أصيل من عمل المخرج نحن نعبث ونلهو ونوزع العطايا على المسرحيين لأغراض هم يعلمونها ولا داعٍ لذكرها.
 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏