محمد الطايع: «الفندق» مساحة بين الحياة والموت.. وحاولنا تبسيط الفلسفة دون أن نفرّغها

محمد الطايع: «الفندق» مساحة بين الحياة والموت.. وحاولنا تبسيط الفلسفة دون أن نفرّغها

العدد 931 صدر بتاريخ 30يونيو2025

فى تجربة مسرحية مختلفة تمزج بين الفلسفة والرمزية والبعد الإنسانى، قدّم المخرج الشاب محمد الطايع عرضه “الفندق”، المأخوذ عن نص “فندق العالمين” للكاتب الفرنسى إيمانويل شميت، ولكن برؤية مصرية معاصرة تمزج بين البساطة والعمق، وبين الرموز العالمية والطرح المحلى.
العمل الذى قُدِّمته فرقة مسرح الشباب التابعة للبيت الفنى للمسرح، حمل فى طيّاته تساؤلات كبرى حول الحياة والموت، الإيمان والاختيار، ولامس مشاعر الجمهور بأسلوب فنى بعيد عن الوعظ ومليء بالتأمل.
فى حواره لجريدة مسرحنا، يتحدث المخرج محمد الطايع عن رحلته مع النص، وتفاصيل المعالجة والإخراج، والتحديات التى واجهته، كما يفتح قلبه للحديث عن رؤيته للمسرح فى مصر اليوم، والدور الذى يجب أن يلعبه هذا الفن فى المجتمع، بالإضافة إلى آرائه فى قضايا الإنتاج، التجريب، ودور الإعلام، وتأثير الجوائز على المخرجين الشباب.

ما الذى جذبك لنص “فندق العالمين” تحديدًا؟ وما التحدى الذى شعرت به عند تحويله إلى عرض مسرحى، وهل هناك تعديلات أو إضافات قمت بها على النص الأصلي؟ وما الهدف منها؟
فى البداية، أحب أن أوضح أن العرض يحمل عنوان “الفندق”، وهو مأخوذ عن نص “فندق العالمين”، لكننا أجرينا عليه معالجة درامية، وأضفنا شخصيات جديدة، وقدمناه باللهجة العامية، على عكس النسخة الأصلية التى كُتبت بالفصحى.
وما جذبنى فى النص هو فكرته المحورية التى تمسّ كل إنسان فى هذا العالم، وهى فكرة الحياة والموت. هذا التساؤل الدائم: “ماذا يمكن أن يفعل الإنسان فى حياته؟ هل يظل كما هو، أم بإمكانه أن يتغير؟” هذه الأسئلة الفلسفية العميقة هى ما لفت نظرى وجعلنى أتحمس للعمل عليه.
أما التحدى الأكبر، فكان فى الطبيعة الفلسفية للنص، إذ إن هذا النوع من النصوص قد يبدو ثقيلًا بعض الشيء على المتفرج، خصوصًا وأننى أقدمه على مسرح الدولة من خلال فرقة مسرح الشباب. لذلك قررت أن أُقدّمه باللهجة العامية لتقريب الفكرة من الجمهور، دون أن أفقد عمق المضمون. وهنا واجهنا تحديات كثيرة، سواء فى كتابة المعالجة أو فى تنفيذ الرؤية الإخراجية.
عملت مع الدراماتورج فادى نشأت على تبسيط العرض، مع الحفاظ على الروح الفلسفية للنص. وكان من أهم التحديات أيضًا تحويل النص للفصحى إلى العامية المصرية، وهو أمر غير سهل، خاصة أن النص قائم على فكر فلسفى عميق. لكن بحمد الله، توصلنا إلى نسخة نهائية أرضتنا أنا وفادى، واستطعنا إيصال الفكرة للجمهور.
أضفنا أيضًا شخصيتين جديدتين غير موجودتين فى النص الأصلى. الأولى هى شخصية الطفل أوسكار، المأخوذة عن مسرحية “أوسكار والسيدة الوردية” لنفس المؤلف، إيمانويل شميت، وهو كاتب نص “فندق العالمين” أيضًا. وجود طفل فى هذا الفضاء الذى يقع بين الحياة والموت – كما يرمز له الفندق – كان له أثر كبير فى التأثير على المتفرج، خاصة حين لا يكون واضحًا هل سيعيش هذا الطفل أم يموت.
أما الشخصية الثانية فهى سوزانا، وهى لاعبة أكروبات ونجمة شهيرة تسقط أثناء تأدية أحد عروضها، ووجودها أضفى بعدًا آخر للعرض، وساهم فى تعميق الفكرة المطروحة.
كيف قدّمت “الفندق” على خشبة المسرح؟ وما الفكرة التى انطلقت منها رؤيتك؟
“الفندق” الذى قدّمته على المسرح لم يكن مجرد مكان تقليدى أو موقع تدور فيه الأحداث، بل هو فكرة وحالة رمزية فى آنٍ واحد. تخيلتُ هذا الفندق كمساحة خيالية تقع ما بين الحياة والموت – عالم غير معلوم لا نعرف ما يوجد فيه بالتحديد، ولا كيف تُدار تفاصيله.
الشخصيات التى تعيش داخل هذا الفندق ليست ميتة وليست حية تمامًا، بل هى فى حالة غيبوبة على الأرض، بسبب حوادث مختلفة: محاولة انتحار، مرض خطير، أو حوادث مرورية أدخلتهم فى هذه الحالة الحرجة. فكل شخصية فى هذا الفندق هى فى الأصل شخص حى فى العالم الحقيقى، لكنه غائب عن الوعى.
الفترة الزمنية التى يقضونها داخل الفندق تمثل اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت، تلك اللحظة التى لا نعرف عنها شيئًا فى الواقع. ومن هنا نشأت الفكرة الدرامية.
يُدار الفندق من قبل شخصية تُدعى الدكتورة “إكس”، وهى شخصية رمزية تركنا تفسيرها مفتوحًا أمام الجمهور. قد يراها البعض كرمز للقدر، أو كرسول من الله، أو تجسيد لقوة خارجة عن الإرادة البشرية. لكنها داخل العرض المسرحى تمثل المديرة والمسؤولة عن الفندق، وبشكل خاص هى المسؤولة عن المصعد (الأسانسير) الذى يحدد مصير كل نزيل.
فإذا نزل المصعد بالشخصية إلى الأسفل، فهذا يعنى أنها ستعود إلى الحياة وتفيق من الغيبوبة. أما إذا صعد المصعد إلى الأعلى، فهذا يُشير إلى أن الشخصية قد فارقت الحياة.
وعلى المستوى البصرى، تعاونى مع مهندس الديكور محمد فتحى كان محوريًا فى تجسيد هذه الفكرة المجردة. صممنا ديكورًا يُشبه الفندق فى مظهره، لكنه فى جوهره لا يُشبه أى فندق تقليدى. اعتمدنا على اللون الأبيض فقط، ليُهيمن على المشهد بأكمله – من الجدران إلى الأثاث وحتى النباتات. الأبيض كان مقصودًا كرمز للغموض، الطهارة، وربما العدم، ليعزز شعور المتفرج بأنه فى مكان خارج حدود المنطق والزمن.
بعد تقديم هذا العرض، ما هى الرسالة الأساسية التى تأمل أن يخرج بها الجمهور؟ وما هو تأثير هذا النص على الجمهور العربى بشكل خاص؟
الرسالة التى أتمنى أن تصل إلى الجمهور تتجسد فى جملة تُقال فى نهاية العرض على لسان شخصية الدكتورة “إكس”، مديرة الفندق، عندما تخاطب البطل “جوليان” قائلة:
“الإيمان شعلة صغيرة لا تُضيء الكثير، لكنها تُدفئ.”
هذه الجملة تأتى فى سياق نقاش بين “جوليان” والدكتورة “إكس”، حين تخبره أن الحياة هى هدية، فيسألها: “ومن الذى أهدانا إياها؟” ليصلا معًا إلى أن الله هو من منحنا الحياة. ومن هنا تتشكل الرسالة الجوهرية للعرض:
أن الحياة هدية إلهية ثمينة، يجب علينا أن نقدّرها ونحافظ عليها.
الرسالة الأعمق هى أن الإيمان وحده لا يكفى، بل يجب أن يقترن بالتفكير والوعى، وبالعيش الحقيقى المليء بالحب والخير والسعادة. نحن مطالبون بأن نعيش حياتنا كما ينبغى، وأن ننتبه لقيمتها، لأنها ببساطة رحلة قصيرة قد تنتهى فى أى لحظة. لذلك، على الإنسان أن يُراجع نفسه ويُعيد حساباته، ليكون مستعدًا للرحيل وقتما يشاء الله، وهو راضٍ عن حياته، وربه راضٍ عنه.
ورغم الطابع القاتم للعرض، إلا أننا حرصنا على إدخال لمسات كوميدية خفيفة، تُساعد فى إيصال الرسائل للجمهور بشكل أكثر سلاسة وإنسانية. وهذا التوازن بين العمق والشجن، وبين الجدية والابتسامة، هو ما جعل الكثير من الجمهور يشعرون بتأثر بالغ، وبعضهم بكى خلال العرض، لأنه يلامس شيئًا عميقًا فى داخل كل إنسان.
والأجمل من ذلك، أن العرض يترك الناس فى حالة تفكير وتأمل فى حياتهم الشخصية بعد انتهائه، وهذا هو الهدف الحقيقى للفن بالنسبة لى.
كيف تعاملت مع عناصر السينوغرافيا والإضاءة والموسيقى لخدمة رؤيتك الإخراجية؟
عندما بدأت التفكير فى تصميم الصورة المسرحية، تخيلتُ المكان بأكمله بلون أبيض ناصع، كما ذكرت سابقًا فيما يخص الديكور. كان هدفى من ذلك أن أُشعر الجمهور بأنهم داخل مكان غريب، قد يبدو فى ظاهره فندقًا، لكن تفاصيله غير مألوفة. كل الإكسسوارات – من الساعات المعلقة، واللوحات، والنباتات، وحتى الكراسى والطاولات – كانت بلون أبيض موحد. هذا الاختيار منح المكان إحساسًا بالغربة، وفى الوقت ذاته أضفى عليه مسحة من النقاء والصفاء، وكأنه مكان روحانى أو خارج الزمن.
ولتعميق هذا الإحساس بالغربة وتعزيز الإبهار البصرى للصورة المسرحية، اعتمدنا على الإضاءة الملونة التى تنوعت بين الأحمر، الأزرق، والأخضر، بما يتماشى مع كل حالة درامية فى العرض وتفاصيلها. كما استخدمنا تقنية الفيديو التى صمّمها محمد المأمونى، بينما توليتُ بنفسى تصميم الإضاءة. كان الفيديو يُبث باستمرار على خلفية الديكور الأبيض، مما خلق تفاعلًا بصريًا غنيًا ومتناغمًا مع الحالة المسرحية العامة.
كيف ترى واقع المسرح فى مصر الآن؟ هل ترى أننا فى حالة تطور أم جمود؟
المسرح المصرى، والحمد لله، لا يزال قائمًا، وموجودًا بقوة، ويتميز بتنوعه واختلافه. لكن ما ينقصه فى رأيى هو تسليط الضوء عليه بشكل أفضل. ما ينقصه هو الإعلام الحقيقى، والدعاية الفعالة التى تتجاوز مجرد البوسترات أو البانرات.
أقصد بالدعاية هنا الوجود الإعلامى المستمر والممنهج، عبر مختلف وسائل الإعلام، لتغطية العروض المسرحية التى تُقدَّم من خلال وزارة الثقافة، سواء فى البيت الفنى للمسرح أو باقى قطاعات الوزارة.
كل هذه الجهات تقدم أعمالًا مسرحية مميزة ومختلفة، لكنها تفتقر إلى التغطية الإعلامية الكافية التى تُعرّف الجمهور بها، وتمنحها المكانة التى تستحقها. وهذا ما أراه ضروريًا فى الوقت الحالى.
ما أهم التحديات التى تواجه المسرحيين حاليًا، خاصة على مستوى الإنتاج والتجريب؟
بصراحة، لا أرى أن هناك مشكلة حقيقية فى الإنتاج المسرحى حاليًا، بل على العكس تمامًا. كما ذكرت من قبل، وزارة الثقافة تُنتج عددًا كبيرًا من العروض المسرحية عبر مختلف قطاعاتها، وهذا يعنى أن الإنتاج متوافر، ولا يمثل عائقًا فى الوقت الراهن.
أما فيما يخص التجريب، فأرى أن هذه المساحة تعود بشكل أساسى للمخرج نفسه، وليست مرتبطة بالإنتاج. فالمخرج الذى يرغب فى تقديم تجربة مسرحية مختلفة أو تجريبية، بإمكانه أن يفعل ذلك داخل حدود إنتاج العرض، إذا كانت لديه الرغبة والقدرة على ذلك. إذن، التجريب ليس مقيدًا من جهة الإنتاج، بل هو خيار إبداعى يخص الفنان نفسه.
فى رأيك، ما الدور الذى يجب أن يلعبه المسرح فى المجتمع اليوم؟
فى الحقيقة، الدور الذى يلعبه المسرح فى المجتمع اليوم أصبح أقل مما كان عليه فى السابق، لكنه لا يزال قائمًا ومؤثرًا. ونحن نأمل أن يستعيد هذا الدور قوته ويتسع تأثيره من جديد، لأن المسرح فى جوهره وسيلة تواصل مباشرة مع الجمهور، وقادر على إحداث تأثير عميق فى وعى الناس وثقافتهم.
وربما أحد الأسباب الرئيسية لتراجع هذا التأثير هو ضعف الترويج والدعاية للمسرح، وغياب التغطية الإعلامية الكافية. تسليط الضوء الإعلامى على العروض المسرحية بشكل أوسع يمكن أن يكون عاملًا مهمًا فى إعادة المسرح إلى مكانته، وتعزيز دوره فى التأثير على المجتمع المصرى.
برأيك، ما المطلوب من الشباب لصناعة مسرح جاد ومعاصر؟
بالنسبة لما هو مطلوب من الشباب لصناعة مسرح جاد ومعاصر، فأعتقد أن الأمر يبدأ بالاجتهاد والإخلاص الحقيقى فى العمل. عليهم أن يعملوا بجد، وأن يكون لديهم وعى ومسؤولية تجاه ما يقدموه. المطلوب منهم أن يفكروا بجدية وعمق فى اختياراتهم الفنية، وأن يقدموا أعمالًا نابعة من قناعاتهم، تعبر عن واقعهم، وتعكس رؤيتهم للمسرح.
ببساطة، عليهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم، وأن يعاملوا المسرح كفن حى وجاد، يستحق التفكير والاجتهاد والالتزام.
هل ترى أن الجوائز تؤثر فى مسار المخرج أو تضع عليه عبئًا مضاعفًا؟
مسألة تأثير الجوائز على مسار المخرج بتختلف من شخص لآخر. فى مخرجين يتأثروا فعلًا بفكرة الجوائز، وتشكل عندهم نوعًا من الحافز أو التغيير فى مسارهم. وفى مخرجين آخرين، الجوائز لا تؤثر عليهم، وبيكملوا بنفس الشغف والرؤية سواء حصلوا على جائزة أو لا.
أما بالنسبة لى، فالحمد لله رب العالمين، حصلت على عدد من الجوائز، لكن فى النهاية أنا مش بشتغل علشان الجائزة، بشتغل علشان المسرح نفسه، ولأنى بحب اللى بقدمه.
من المخرجين أو الكُتاب الذين تتمنى العمل معهم أو إعادة تقديم أعمالهم؟
أتمنى دائمًا أن أعمل مع أى كاتب، سواء كان من الجيل الجديد أو من الكتاب الكبار، بشرط أن يحمل فكرًا محترمًا وناضجًا، ويكون قادرًا على التعبير عن قضايا مجتمعنا الحالى بصدق ووعى.
ومن بين الكتاب الذين أعتز بالتعاون معهم وأحب العمل معهم باستمرار هو الكاتب الكبير الأستاذ سامح عثمان، لما يحمله من فكر جاد ومحترم يتوافق تمامًا مع رؤيتى وتوجهاتى الفنية.


صوفيا إسماعيل