سامية حبيب: أبحث عن ورثة جاذبية صدقي وصوفي عبد الله لنشر نصوصهما المجهولة

سامية حبيب: أبحث عن ورثة جاذبية صدقي وصوفي عبد الله لنشر نصوصهما المجهولة

العدد 556 صدر بتاريخ 23أبريل2018

«صورة المجتمع في مسرح الكاتبات المصريات» هو عنوان رسالتها للدكتوراه التي نوقشت عام 2000، والتي أحدثت وقتها ضجة كبيرة لكونها أول دراسة تهتم بكاتبات المسرح، خصوصا أن هؤلاء الكاتبات تم التعتيم عليهن بشكل أو بآخر، هذه الرسالة طُبعت في كتاب بمشروع مكتبة الأسرة عام 2003، بعنوان «مسرح المرأة في مصر». مع الدكتورة سامية حبيب رئيس قسم النقد الأدبي بالمعهد العالي للنقد الفني صاحبة هذه الرسالة والقضية التي كلفتها الكثير من الوقت والجهد كان حوارنا..

ما هي المعايير التي يتم على أساسها تصنيف العمل الفني بأنه إبداع نسائي.. القضية أم الشخصيات أم ماذا؟
المرأة تطرح قضايا خاصة بها بدقائقها وتفاصيلها، حيث تتناول شيًا يخصها أو يخص النساء عمومًا، علاقتها بالرجل، علاقتها بالمجتمع، بأولادها، بعملها، علاقتها بنفسها، هذه خصوصيات لا نجدها في كتابات أخرى، في رجال كثيرين تناولوا معاناة المرأة مثل إحسان عبد القدوس، لكن المرأة نفسها حين تتناول هذه المعاناة سواء كانت كاتبة أو مخرجة أو ممثلة، يكون لها وقع خاص، وهو ما نطلق عليه إبداع نسائي أو إبداع امرأة.
لماذا اخترت هذا الموضوع تحديدًا لرسالة الدكتوراه؟
دائمًا الباحث يدور على موضوع جديد يحاول من خلاله أن يثبت نفسه، فكان وقتها موضوعًا جديدًا، وكنت أول من طرحه، بعد ذلك زميلات كثيرات من مصر وعرب تناولوه، فقد كنت أعرف بوجود مسرحيات لكاتبات نفذت في المسرح ثم أقرأ كتابًا عن المسرح المصري لم أجد ذكرًا للكاتبات ولا للمسرحيات، ومن هنا كان السؤال: لماذا أغفل ذكر الكاتبات تحديدًا والمخرجات في المسرح المصري؟ كنا وقتها نتابع مهرجان المسرح التجريبي ونشاهد عملاً لرجاء بن عمار من تونس، من ثم جاءت الفكرة، فلدينا كاتبات ومخرجات، وبدأت أبحث فوجدت معلومات كثيرة جدًّا تم إسقاطها من كل كتب تاريخ المسرح المصري، وعثرت عليها من الوثائق المنسية بالمركز المصري للمسرح والمكتبات القديمة، فعثرت على نصوص لكاتبات مثل جاذبية صدقي وصوفي عبد الله، وفوزية مهران، ونوال السعداوي، لدينا كاتبات شهيرات في الأدب، لكن لا يذكرن ككاتبات للمسرح، ومي زيادة رغم أنها أشهر كاتبة عربية لم تذكر ككاتبة مسرح، فقد كتبت مسرحيتين من فصل واحد ونشرتا في مجلة الهلال سنة 1920، 1922، من هنا كان التحدي كبيرًا لهذا الموضوع؛ حيث بدأت من أرض خالية تمامًا، فلم يسبقني أحد بالكتابة في هذا الموضوع، فقد عاصرت فتحية العسال وصديقات في جيلي، مثل فاطمة قنديل مثلاً، شاهدت لها مسرحية في مسرح الغرفة، فبدأت أجمع وأرتب مثل لعبة البازل التي بدأت من لا شيء حتى وصلت إلى مربعات ناقصة أبحث عنها فأجدها في مكان بعيد، بعد البحث والاستكشاف، إلى أن اكتملت الصورة وهذا الجهد الذي بذلته طبعًا فخورة جدًّا به.
ولدي الآن نصان لا أستطيع نشرهما للراحلتين جاذبية صدقي وصوفي عبد الله، هذان النصان قدما للمسرح الحديث؛ الأول إخراج يوسف وهبي، والثاني إخراج حمدي غيث، لعدم معرفة الورثة احترامًا لحقوق الملكية الفكرية، فالورثة لا بد من موافقتهم كتابيًّا على النشر، هذان النصان مهمان جدًّا لتناولهما قضايا اجتماعية ولما يتسمان به من حيوية وروح مصرية جميلة جدًّا لم يقرأوا أبدًا في تاريخ المسرح رغم تقديمهما عامي 1955، 1956 على خشبة المسرح وشارك في التمثيل بهما فنانون كبار، هذا تاريخ مهمل.
هل تعتقدين أنه يمكن تقديمهما الآن رغم تغير المجتمع وما مر عليه من ثورات؟
النصان بهما قضايا مستمرة أو ممتدة ويجوز إجراء إعدادات لهما كما يحدث مع نصوص شكسبير، فيجوز إعادة قراءة كل نصوص المرأة وإعادة دراستها أيضًا، فأكثر من باحثة مصرية وعربية طلبن مني نصوصًا وأعطيهن، فيجوز وجود قراءات أخرى غير قراءتي وتحليل وتفسير آخر، على سبيل المثال مسرحية «عالرصيف» لنهاد جاد، هذه المسرحية قُدمت بشكل كوميدي وأخرجها جلال الشرقاوي، وكانت بطلتها سهير البابلي وحققت وقتها نجاحًا كبيرًا، من الممكن أن تعاد قراءتها وتقدم بأسلوب إخراجي وتمثيلي مختلف تمامًا، فهي تتسع لذلك وتحمل قضايا اجتماعية هامة منها سفر المرأة وعملها بالخارج واستغلال زوجها لها، فهذه القضية ما زالت موجودة في المجتمع، وأنا مهتمة جدًّا بإعادة طباعة الأعمال الكاملة لكل الكاتبات الراحلات، وقد عرضت ذلك على المسئولين عن النشر، وكذلك إعادة تقديمها على المسرح.
فطوال فترة دراستي وأنا طالبة وحتى بدأت في إعداد الدكتوراه وأنا لم أدرس نصًّا واحدًا لكاتبة مصرية، ولم أسمع عن كاتبة أصلاً في قاعات الدراسة، فتوجد حالة إنكار، حالة الإنكار هذه لا تعني اللاقيمة، بالعكس وفي رأيي أن هناك كاتبات كثيرات أهم من كتاب كثيرين حاصلين على شهرة واهتمام.
هل راعيت ذلك في التدريس للطلبة؟
المقررات قلما تسمح بذلك، لكن حينما أدرس مقررًا عن المسرح المصري أراعي أن أذكر الكاتبات، واضطر أصور النصوص من مكتبتي لأنها غير متاحة، فكل نصوص فتحية العسال أو نهاد جاد أو فوزية مهران طبعت في الثمانينات ولم تعد موجودة الآن، كما أن نصوصًا كثيرة لم تطبع فاستعنت في دراستي لها على المخطوطات، ومسرحيتان لفاطمة قنديل ووفاء وجدي حصلت عليها على شرائط كاسيت من المسرح وقمت بتفريغها، وكتابتها ومراجعتها معهما، لأن المسرح نفسه لم يحرص على توثيق النص المخطوط الذي قدم إليه، وأخذاه مني ليقوما بنشرهما، وأعتقد أنهما لم يجدا سُبلاً للنشر، هذا يوضح مدى الإهمال في توثيق جزء مهم من تاريخنا في المسرح المصري.
هل تناول بحثك جمع وتحليل هذه النصوص فحسب أم تناول جوانب أخرى؟
استهدف البحث أيضًا التركيز على استقراء صورة المجتمع والكشف عن أبعادها والعلاقات المتشابكة فيها، كما تجلت في هذا المجال الإبداعي، مع العناية في الوقت نفسه بتوضيح التطور الذي لحق بهذه الصورة في السياق التاريخي، خصوصًا أن البحث يحاول أن يغطي فترة تاريخية تمتد من بواكير الخمسينات التي شهدت أولى الأعمال الدرامية للمرأة العربية مقدمة فوق خشبة المسرح وحتى وقت إعداد الرسالة، إنها تمتد قرابة نصف قرن من الزمان شهدت فيها مصر كثيرًا من التطورات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي أثرت دون شك في المجتمع والناس، وكان من الصعب قراءة دراما الكاتبة المصرية دون ربطها بالسياق الاجتماعي الذي عاشته بلادنا منذ مطلع هذا القرن، وبحث مدى جدية دور المرأة فيه ومدى اعتناء العمل السياسي والوطني بمشاركة المرأة ووجودها به، كما أن البحث حول السياق الإبداعي للمرأة المصرية في كل مجالات الإبداع، رافد هام من روافد تأصيل الجذور قبل الاهتمام بالأغصان.
أي الفترات الزمنية كانت أكثر نشاطًا وتفاعلاً للمرأة في المجمع؟
تعد فترة الأربعينات من القرن الماضي فترة خصبة في حركة المرأة المصرية تجاه حقوقها، وفيها تبلورت القضايا الحيوية التي بدأت منذ مطلع القرن، وهي المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وتبني قضايا تخص النساء من كل الطبقات لحقوق العاملات والمساواة مع العمال وحقهن في إجازات وضع بأجر، كما طالبت بتعديل قانون الأحوال الشخصية، وكان دخول المرأة إلى الجامعة في عام 1928 فالتحقت فتاة واحدة بكلية الحقوق، وفي عام 1931 التحقت فتاة واحدة بكلية التجارة، وبدأ التحاق الفتيات بكليتي الهندسة والزراعة عام 1945.
وفي هذا السياق تعلق لطيفة الزيات قائلة: (في فترة الثلاثينات والأربعينات بدأ السلم الطبقي الاجتماعي راسخًا رسوخ القدر، والغنى فاحشًا والفقر مدقعًا ولا لقاء بينهما، وتمثل الفكاك من رسوخ السلم الطبقي بعض الفكاك لا كل الفكاك في التعليم والعمل. وكان العمل الدائب والدؤوب لتجاوز كل الصعاب أيًّا كانت شريعة الطبقة الوسطى التي أعلنت قيمة العمل في حياتها وثقافتها معًا، حرج بعض من أبرز مثقفات المرأة وأعندهن وأقدرهن على الاستمرار والتحدي).
من هن الكاتبات المتميزات الآن من وجهة نظرك؟
رشا عبد المنعم، ياسمين إمام شرف، ورأيي أنهما كاتبتان مهمتان في تقديري، أما الإخراج ففيه كثيرات جدًّا: عبير علي، عفت يحيي، نورا أمين، كما أن هناك كاتبات تكتبن سينما ودراما تلفزيونية، فالظروف اليوم مختلفة عن قبل لذلك فالمسألة كانت تحتاج لجهد كبير، أما الآن كل الناس تعرف مريم ناعوم رغم أن منذ عشرين عامًا كان لدينا كاتبات مثل وفية خيري، ولم يهتم بهن أحد، فالميديا والتطور والإعلام أعطى لكاتبات اليوم حقوقًا لم يحصلن عليها الكاتبات من قبل، ففتحية العسال كتبت أعمالاً درامية كثيرة جدًّا ومع ذلك لم تُذكر أنها من الكاتبات الكبيرات، إلا حين قُدم «سجن النسا» مؤحرًا كمسلسل، رغم أنهم أفسدوا النص، فمنذ بدأت الإذاعة وبدأ التلفزيون كان لدينا كاتبات مثل كاتبات المسرح لكن نفس النظرة التي أوجدت حالة من التعتيم عليهن، الآن لدي طالبة ماجستير موضوع دراستها عن كاتبات الإذاعة والتلفزيون، وهذا استكمالا للجهد الذي بدأته أنا كباحثة، فحين نوقشت رسالتي للدكتوراه عام 2000 أحدثت صدى قويًّا جدًّا لجدة الموضوع، وأنا أستكمل المشوار مع طالباتي، فعندي طالبة أخرى رسالتها عن فتحية العسال وعن كتاباتها للإذاعة والتلفزيون والمسرح، فمعظم الكاتبات في الخمسينات والستينات كتبن للإذاعة، فكان وقتها الأفق مفتوحًا لكن لم يوثق ذلك، كما أن طالبًا آخر قدم مقترحًا للمقارنة بين نوال السعداوي وكاتبة أوروبية ورحبت بموضوعه، فهذه الدراسات تظهر تفاصيل كثيرة منها مثلاً أن نوال السعداوي كتبت مسرحيتين لا يعرف عنهما أحد، هذه المسرحيات موجودة في كتابي، وفاء وجدي عُرفت كشاعرة ولم يشجعها أحد على الكتابة للمسرح، فاطمة قنديل مسرحيتها الوحيدة قدمتها فقط لأن المخرج كان صديقًا مخلصًا لها وشجعها، هذا المُناخ نادر جدًّا، ومن تجتهد تعتمد على نفسها فقط دون تشجيع ولا تقدير، الآن أصبح الُمناخ أفضل والشهرة أوسع خاصة لكاتبات التلفزيون والسينما، رغم أنهن أقل كفاءة عن الأجيال التي ظُلمت.
هذا العام أقيمت عدة احتفاليات وندوات في يوم المرأة.. كيف ترين ذلك؟
تقديم احتفالية واحدة كل سنة أو مجموعة فعاليات، هذا جهد محمود لكن ليس كل الجهد، فالآن توجد كاتبات كثيرات متميزات جدًّا على المستوى الأدبي (القصة والرواية) ليس فقط السينما والتلفزيون والمسرح، فلا بد من الاهتمام النقدي للكاتبات، وهذا ليس قاصرًا على الكاتبات فحسب، فبعض الكتاب أيضًا لا يوجد اهتمام نقدي بأعمالهم، فهي إشكالية، دائمًا يوجد إنكار، وذلك ربما لأن قراءة العمل الأدبي أصعب من مشاهدة المسلسلات.


نور الهدى عبد المنعم