كانى مانى كوميديا بروح الفارس تنتهك تابو

كانى مانى  كوميديا بروح الفارس تنتهك تابو

العدد 549 صدر بتاريخ 5مارس2018

قدمت مسرحية “كاني وماني” على خشبة مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة والثلاثين، من تأليف صالح سعد ودراما تورج وإخراج أحمد سعد والي.
يستحضر العرض روح كوميديا الفارس القديمة التي يظن البعض أنها تهدف للإضحاك فقط بينما يؤكد آخرون على ما تستهدفه من وظيفة قيمة بوسيلة الإضحاك – وهو ما نميل إليه ولا سيما ما أدرجه الكاتب “أريك بنتلي” في مقدمة ترجمته لمسرحية “دعنا نحصل على الطلاق” للكاتب الفرنسي الهزلي “فيكت وريان ساردو” قائلا: “إن الهزل يقدم وظيفة قيمة إذ إنه وسيلة فنية للترفيه، والكشف النفسي عن الإحباطات والمكبوتات التي فرضتها الحضارة الحديثة عليى الإنسان، فهو يعالج الرذائل الموجودة في المجتمع”.
ولإبراز هذه الوظيفة تقوم كوميديا الفارس على مثلث شهير يجمع «الزوج والزوجة والعشيق/ ة» ومسرحيتنا تتماس معه بشكل كبير وتحديدا في مثلث عبده وكاني زوجته وماني محبوبته، إن «عبده» الذي يقوم بعرض مسرحية روميو وجوليت مع صديقته “ماني” - الذي يحبها – يفاجئ باقتحام المسرح عن طريق زوجته “كاني” الحامل بصحبة أطفالهما العشر فلذات أكبادهما، مقررة بأنه يتركها مع الأطفال ويلهو في المسرح مع محبوبته «ماني» التي تفاجأت هي الأخرى بردة فعل هذه المرأة الشعبية الطابع، الاقتحام الذي أزعج مخرج المسرحية الذي طلب مرارا وتكرار من “كاني” إخلاء المسرح لأن ما تتحدث عنه متعلق بما هو خارج المسرح فقط؛ إذ يمكنها عمل ذلك بعد الانتهاء من العرض المسرحي لروميو وجوليت.
من هنا تنطلق المفاهيم الرئيسية التي تطرحها المسرحية وتتراوح بين الحب والخيانة والهروب والتعامل مع المرأة كسلعة للبيع في علاقات الرجل والمرأة في المجتمع، مرتكزة على علاقة زواج بين «عبده» و«كاني» وعلاقة حب بين «عبده» و«ماني» من طرف الأول فقط.
فعلى مستوى علاقة الرجل «عبده» بالمرأتين يتضح لنا من تطور الحدث الدرامي أنه تزوج “كاني” بعد خطبة دامت طويلا إثر ضغط وإجبار وتغفيل - إن صح التعبير - من والدتها وجدتها ووالدها فاقد الذاكرة، فكانت طلباتهم مبالغا فيها بشكل كبير، ورغم ذلك تزوجها لأنه يحبها، لكنها تغيرت بعد الزواج فأصبح همها الأول والأخير تربية الأطفال وتحضير الطعام؛ مما أدى إلى تركه إياها وتوجيه ما يكبته من عواطف جياشة إلى «ماني» صديقته في التمثيل التي تحبه كصديق فقط. أما عن “كاني” فترى أنها مجرد سلعة للبيع اتفق كل من والدها ووالدتها وجدتها على بيعها بسعر يرضيهم، فهي ولدت كي تعيش أولا كامرأة لا حرية لها مضطهدة من قبل أسرتها ككل، وثانيا كزوجة تربي الأطفال وتهتم بمنزل زوجها ليس إلا، تحرضها “ماني” على ترك زوجها - الذي طلقها فور الانتهاء من عرض مسرحية روميو وجوليت إذ إنه يريد الزواج من ماني - طالما أنه لا يريدها ولا يحبها، فترفض معللة ذلك بأنها لا تقدر على تربية الأطفال بمفردها لأنها لا تعمل ومرتب زوجها هو الذي يجعلها على قيد الحياة وقادرة على تربية الأطفال، إلا أن هذا التعليل لا يرضي “ماني” المتحررة من كل القيود غير المتزوجة التي تحب الجميع كأصدقاء لها. وتنتهي المسرحية بعودة الحياة الزوجية بين “عبده” و”كاني” لمجاريها بعد وضعها الطفلة التي يقرر “عبده” تسميتها بـ«ماني».
اتسم الجو العام للعرض بالمبالغة كمسرحيات الفارس ولا سيما المبالغة في عدد الأطفال أبناء وبنات “عبده” و”كاني”، بالإضافة للتنويعة الرائعة داخل مجموعة الأطفال الذي وصل العدد داخلها لعشرة أطفال من بينهم الراقصة والبلطجي والأكول والمحترم وهكذا، بالإضافة إلى المبالغة في حفر الشخصيات الرئيسية في العمل ككل كشخصية الأب المصاب بألزهايمر المبالغ فيه وشخصية الجدة (الأرشانة) وشخصية “كاني” ذات الطابع الشعبي الدنيء و”ماني” (الهاي كلاس)، هذه التنويعة جعلت من المسرحية أشبه بفارس عصري يستخدم الوسائل المضحكة اللغوية مثل: النكات – القفشات – التعليقات اللفظية السريعة – المفارقات – التوريات والقافية.

وإذا تطرقنا إلى الحديث عن الممثلين والتمثيل وما يعتمده الأخير من أسس الأداء والإلقاء، فقد نجح المؤدون في الاقتراب من التقاليد الأدائية الخاصة بكوميديا الفرس من المبالغات الأدائية واستخدام الإكسسوارات الشخصية. بداية، وفق رشدي في الفصل بين روميو وعبده بطريقة سلسة كما فعلت رنا خطاب مع شخصية جوليت وماني، بالإضافة لإتقان اللغه العربيه في مشاهد روميو وجوليت. أما عن مريم أحمد التي لعبت دور كاني وجدتها، فقد كانت أحد العناصر الأكثر تميزا بالعرض؛ حيث نجحت في تحقيق جاذبية وحيوية للدور من البداية للنهاية، فأجبرت جمهور النظارة على مشاهدتها سواء في المشاهد الكوميدية أو التراجيدية. أما عن محمود فايز فكان أكثر تركيزا في شخصية عماشة الأخ الأكبر لكاني منه شخصيتا مساعد المخرج علان والمأذون. وأخيرا كان النصيب الأكبر من كوميديا المبالغة لأحمد سعد والي الذي لعب دور أبو عماشة وكاني بحرفية شديدة، بالإضافة لدور فلان المخرج.
ساعدت بقية عناصر المسرحية من إضاءة وموسيقى وديكور على وضوح الجو العام للعمل ككل فالأولى كانت فول لايت في أغلب الأحيان مع استخدام بعض البقع الضوئية عند حديث كل شخصية عن معاناتها، والثانية تماشت مع حالة المشاهد والثالث عبر عن مناظر المسرحية بشكل يحسب لمصممه.
في النهاية، يمكننا القول إن المسرحية لا تهدف للترفيه؛ إذ إن كوميديا المبالغة التي مالت إليها تكشف عما يدور في خلدنا من إحباطات ومكبوتات فرضتها الحضارة الحديثة على الإنسان، ولعل المسرحية ترمي - بشكل أو بآخر - إلى انتهاك لبعض التابوهات أو المحظورات المتعلقة بالعادات والتقاليد ولا سيما ما ورد في المسرحية من الحديث عن المهر والمؤخر والقائمة الخاصة بالزواج وما شابه، هذا التابو الذي نخاف اختراقه من أجل حياة أفضل ومن أجل الحصول على من نريده زوجا لنا، وكذلك ما تعلق بالإنجاب فعندما يزيد عن حده يصبح تابو لا نستطيع الفرار من أرواحه الشريرة التي تلاحقنا.
 


أسامه القاضي