عصام السيد: مصر بها مشكلات أهم من تقديم عروض للرفاهية

عصام السيد: مصر بها مشكلات أهم من تقديم عروض للرفاهية

العدد 548 صدر بتاريخ 26فبراير2018

على خشبة المسرح القومي تقدم مسرحية «اضحك لما تموت»، وهي التعاون رقم (9) بين الكاتب الكبير لينين الرملي والمخرج الكبير عصام السيد. عن هذه التجربة والتجارب التي سبقتها، وموضوعات أخرى تتعلق بالمسرح والمسرحيين، دار الحوار مع المخرج عصام السيد، صاحب البصمات الواضحة التي لا يمكن تجاهلها في المسرح المصري. حيث أخرج ما يزيد على خمسين عملا مسرحيا منذ عام 1981 في مسرح الدولة والقطاع الخاص، والتلفزيون، والثقافة الجماهيرية. حقق نجاحا جماهيريا ونقديا. قام بنشاط متصل في مجالات المسرح المتعددة: إخراجا وتدريبا ونقدا وتنظيرا وإدارة على مدار خمسة وثلاثون عاما، مثلت أعماله مصر في عدة مهرجانات عربية وعالمية. شغل منصب مدير عام المسرح الكوميدي التابع لوزارة الثقافة (1995 - 2002). أشرف على الإنتاج المسرحي بقطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري (2003 - 2004). عمل مستشارا فنيا لرئيس قطاع الإنتاج الثقافي. تولى منصب مدير عام إدارة المسرح بالثقافة الجماهيرية 2008، ثم رئيسا للإدارة المركزية للشؤون الفنية بالهيئة العامة لقصور الثقافة2011، تولى رئاسة البيت الفني للفنون الشعبية حتى خروجه للمعاش في 2012، حصل على جائزة الدولة في التفوق في الفنون عام 2013، وكرمه مهرجان دمشق المسرحي عن مسيرته المسرحية عام 2010. وحاز ميدالية القوات المسلحة عام 2009 تكريما لدوره في احتفالات القوات المسلحة. تم تكريمه من وزارة الإعلام عام 2005.


• ما الكيميا التي عملت على استمرار التعاون بينك ولينين الرملي في عدد كبير من المسرحيات؟
اشتركنا في تسعة مسرحيات، في القومي قدمنا: أهلا يا بكوات، وداعا يا بكوات، زكي في الوزارة، في بيتنا شبح، اضحك لما تموت. وفي القطاع الخاص: الحادثة، تكسب يا خيشة، اعقل يا دكتور. وفي الهناجر: عين الحياة، وهذا يرجع لوجود مشتركات بيننا، فلنا تصور معين في الشغل يؤدي إلى حالة الانضباط التي تحدث في العرض، كما أننا متفقون على أن الكوميديا مدرستان: الأولى تقدم بأداء جاد جدا وهذا يُضحك أكثر، أما الثانية فهي التي يقدمها ناس يحبون الهزار، وهذا من وجهة نظري يُفشل الكوميديا، كما أنني أرى أنه أفضل كاتب مسرحي حاليا، والكتابة المسرحية صعبة والكوميديا أصعب، وأن نجد كاتبا بقيمة لينين الرملي، محافظا على مستواه كل هذه السنين، فهذه عوامل لا يستهان بها.
• هل أقدمت على تنفيذ النص الحالي «اضحك لما تموت» فقط لأنه من تأليف لينين؟
لا أقدم على إخراج نص إلا إذا كنت مقتنعا به تماما، ومن الممكن أن تكون النتيجة غير جيدة، فليس بالضرورة أن تكون جيدة كل مرة، فلا يوجد فنان في العالم كله منتجه الفني واحد، أكيد سيكون هناك تباين في المستوى بين عرض وآخر، وبالطبع هناك ما شدني إلى النص غير علاقتي بلينين.
• قدمت عروضا للمسرح العالمي لكنها قليلة جدا.. لماذا؟
أنا أرى أن مصر بها من المشكلات ما يكفي، وهو أهم من أن نقدم عروضا للرفاهية أو فنا للفن فقط، مشكلاتنا آنية ومهمة وحاسمة وتناولها أهم من تناول تردد هاملت.
• بدايتك الفنية كانت في الفرقة الاستعراضية وقدمت من خلالها «درب عسكر» لماذا لم تتكرر هذه التجربة؟
«درب عسكر» قُدمت في المسرح المتجول، وكنت موظفا في الفرقة الاستعراضية الغنائية ولم أخرج بها أي عمل، وقد ظللت سنوات أبحث عن الفرصة التي لم يمنحوها لي، إلى أن جاءت لي فرصة «درب عسكر» مع فرقة المسرح المتجول التي قدمت بها أيضا «عجبي»، بعد ذلك أخرجت للثقافة الجماهيرية ومسرح التلفزيون ثم القومي وتوالت أعمالي.
• هل كان درب عسكر هو العرض الشعبي الاستعراضي الوحيد؟
أنا أعمل بروح الفن الشعبي وروح الكوميديا الشعبية، بعض العروض يكون ذلك الملمح واضحا بها والبعض الآخر لا، والعروض التي بها الكوميديا الشعبية واضحة مثل درب عسكر، اللي بنى مصر، حكاية عزبة محروس، وعجبي، كما أن عروضا أخرى لا يصلح معها هذا الاتجاه، فأنا لا أقوم بختم المسرحية بخاتم عصام السيد، بل إنني أعمل عندها وأحاول أن أقدم أفضل ما فيها، وليس العكس، فلا أفرض عليها إخراجا من خارجها، وأقدم رؤية المؤلف كما هي، فإما أن أكون موافقا على النص أو غير موافق فلا أخرجه، لكن من الممكن أن أحدث تعديلا في المشاهد أو في بعض التفاصيل، لكن الرؤية العامة للعرض لا أتدخل فيها.
• كيف ترى تجربة مسرح الستينات التي أعقبت ثورة 1952، ولماذا لم تتكرر عقب ثورة يناير؟
تجربة الستينات ثرية لأنها كانت في إطار مشروع قومي نهضوي، ولم تكن منفصلة عما يحدث في البلد، كان الاهتمام بالثقافة والفن توجها عاما للدولة، وكانت هناك إرادة سياسية بشكل جيد، لكن الآن لا يوجد ذلك، فالدولة الآن تعتبر الفنون شيئا ترفيهيا، على سبيل المثال يتم تخفيض ميزانيات النشاط الثقافي.
• من أساتذتك من رواد هذه المرحلة؟
تعلمت منهم جميعا، لكن أستاذي المباشر الذي عملت معه سنوات طويلة هو حسن عبد السلام، فقد تعلمت منه الكثير على المستوى الإنساني وعلى المستوى الفني.
• هل يمر المسرح بأزمة الآن؟
أنا لا أرى أزمة في المسرح، فهو تعبير صحفي يتم تداوله منذ سنة 1910، ولو أن المسرح المصري يعاني أزمة من 1910 حتى الآن لكان قد مات تماما، لكن يحدث له صعود وهبوط مثل أي شيء في الدنيا، حسب حركة المجتمع، فإذا كان المجتمع قويا ومتماسكا كما كان في الستينات في ظل مشروع قومي نجد الفنون قوية، ولو كان المجتمع ماديا كما حدث في فترة الانفتاح فنجد المسرح يتحول إلى كباريه، وأنا لا أسميها أزمة بل هي احتياج شديد لتعديل مسار حتى يأخذ الفن مكانته.
• صرحت في لقاء تلفزيوني أن على رجال الأعمال أن يلعبوا دورا للنهوض بالمسرح.. فما هو؟
رجال الأعمال للأسف الشديد لا يتعاملون مع الفن على أنه شيء مهم، لكنهم يتعاملون مع الموضوع بفكرة اخطف واجري، لكن رجال الأعمال الحقيقيين هم مثل طلعت حرب، الذي أنشأ مصانع وسينما ومسرح، فالعامل الذي لا يتم تثقيفه وتعليمه وترفيهه لا يقدم إنتاجا جيدا، معظم رجال الأعمال اليوم غير مدركين لهذه المعادلة التي أدركها طلعت حرب، فهم يعتمدون على فكرة البيع السريع سواء كان منتجا أو من خلال توكيل، فالمهم أن يكون لدينا مصانع حقيقية وليست توكيلات أو لإنتاج منتجات استهلاكية، في هذه الحالة سيكون الوضع مختلفا. الثقافة والفن حائط الصد ضد الإرهاب وتفسخ الدولة وانهيار النظام وبالتالي لا بد أن يهتموا به حتى يستطيعوا الاستمرار في هذا البلد.
• كيف ترى مخرجي الألفية الثالثة ومن تراه امتدادا أو يسير بشكل جيد؟
لا يوجد أحد امتدادا لغيره وأنا ضد ذلك، لكن يوجد في الأجيال الجديدة مخرجون متميزون، أنا شخصيا متحيز لتلاميذي الذين درست لهم في مركز الإبداع مثل إسلام إمام، هاني عفيفي، مروة رضوان، عبير علي، ريم حجاب، كل الدفعات التي تخرجت من تحت يدي أنا متحمس لها، وإلا لما تخرجوا، حيث يوجد آخرون لم يتخرجوا، كما أنه توجد مجموعة أخرى ليسوا تلاميذي لكنهم حققوا نجاحا وقدموا عروضا جاذبة للجمهور.
• أخرجت عروضا لمسرح الدولة وأخرى للقطاع الخاص.. هل يوجد اختلاف في تكنيك الإخراج نظرا لتغير ظروف الإنتاج؟
المسرح هو المسرح والإخراج هو الإخراج، القطاع الخاص عينه تكون على الربح المالي وبالتالي تكون المتعة عنده رقم واحد، أما في القطاع العام فتكون عينه على ربح آخر هو المتفرج، أن يستمتع ويستوعب ويأتي مرة أخرى، وهو الربح المعنوي وهو ما يتطلب المتعة أيضا، فلا يوجد مسرح غير ممتع، وإلا يفقد معنى أن يكون مسرحا.
 بجانب عملك بالإخراج والتدريس تكتب المقالات الصحفية، فما هي حكاية هذه المقالات وهل تتعارض مع الإخراج؟
أكتب المقالات بالصدفة لا بشكل منتظم، منذ زمن كنت أكتب في روزا اليوسف كما كتبت في الجمهورية وجريدة الخليج والآن أكتب في اليوم السابع، أحيانا يكون لدي فكرة عاجلة لا تنتظر أن أقدمها في مسرحية وأود التعبير عنها بشكل آني، فأنا أنفذ العروض التي تعبر عن الأفكار التي تهمني أو تعجبني، وفي الأوقات التي أكون غير مشغول فيها بالمسرح أتجه لكتابة المقالات، فلا يوجد أي تعارض بينهما.
• كيف ترى المسرح المصري والعربي اليوم؟
المسرح العربي لا أستطيع الحكم عليه لأني غير مطلع على كل التجارب العربية، خصوصا أنني لست من مدمني المهرجانات، فبعض الناس نستطيع أن نقول عليهم أعضاء دائمين في كل المهرجانات وأنا لست منهم، وبالتالي أستطيع أن أحكم فقط على المسرح المصري الذي أرى أنه ليس في أحسن حالاته، لكنه أيضا ليس في أسوأ حالاته، ففيه أمل، نحن لا نملك رفاهية اليأس، فلا بد من وجود الأمل والمقاومة باستمرار، والمسرح حاليا أفضل من قبل خمس أو ست سنوات، لكنها تظل جهودا فردية، نحن نريد حركة مسرحية قوية، وليس عرضا أو اثنين ناجحين في العام.
• مهرجان المسرح القومي الأخير أثار قضية أحدثت بلبلة كبيرة وهي أن لدينا أزمة في كتاب مسرح.. ما رأيك؟
أنا ضد هذه المقولة، فأنا أرى كتابا مسرحيين شبابا كثيرين، صحيح الجيد فيهم قليل، لكن هناك كتابا جيدين، كما أن هناك ظاهرة جديدة ألحظها منذ فترة وهي عروض الارتجال، فالشباب الذي يريد أن يعبر عن نفسه ولا يجد الورق الذي يعبر عنه يرتجل ويقدم عرضا، وبالتالي لا يجب أن نتوقف عند النص المكتوب بمواصفات محددة فالدنيا تتطور ولا بد أن نؤمن بذلك ولا نقف في مكان واحد.
• ظاهرة المهرجانات المسرحية التي كثرت مؤخرا كيف تراها؟
ظاهرة إيجابية جدا فالمثل يقول دع ألف زهرة تتفتح، لكن غير الإيجابي منها فقط هي المهرجانات التي تكون مجرد فقاعات للشو، فالمهرجان لا بد أن تخرج منه الناس متعلمة أشياء جديدة عن طريق الورش أو الندوات أو العروض المميزة.
• كيف تقيم أداء لجنة المسرح؟
طبعا دورها غير فاعل ولا بد أن نعترف بذلك، لأن المفروض أن هذه اللجنة أنشئت بقرار كي تكون بمثابة بيت خبرة، تخطط للمسرح المصري وتتابع التنفيذ، لكن بعد فترة بسيطة تم تفريغها من محتواها، بمعنى أنه تم إنشاء المجلس الأعلى للثقافة ليحل محل وزارة الثقافة، لكن ما حدث أنه تم إعادة وزارة الثقافة فأصبح لدينا كيانان متعارضان، فما تتخذه اللجنة وغيرها من لجان المجلس من قرارات هي غير ملزمة، ولا تنفذها الوزارة،، أحيانا تنجح اللجنة في التعاون مع الوزارة في تخطيط وتنفيذ بعض المشروعات وأحيانا أخرى لا تنجح، لذلك فإن رأيي الشخصي هو أن تركز اللجنة على مشروع ما، مثل البعثات، على سبيل المثال، لذا فلو أن اللجنة اهتمت بتطوير المهنة عن طريق إقامة ورش وندوات وفعاليات، لتعلم الناس الجديد في المسرح.


نور الهدى عبد المنعم