نقص التجهيزات وقلة عدد المسارح صداع في رؤوسهم

نقص التجهيزات وقلة عدد المسارح صداع في رؤوسهم

العدد 545 صدر بتاريخ 1فبراير2018


المسرحيون: المتاح لا ينهض بحركة مسرحية قوية ومسارحنا متخلفة تقنيا
كل عام تنتظر خشبات المسارح أن تُضاء في موسمها الجديد لجذب مزيد من الجمهور وتقديم عروض ترتقي بالفن والمتفرج، وكلٌ يحاول استغلال الإمكانيات المتاحة لخروج العرض بشكل جيد، ولكنه يصطدم بمشكلة أن تجهيزات المسارح غير مواكبة لتطورات العصر الحديث تقنيا وتكنولوجيا، بالإضافة إلى قلة عدد دور العرض في بعض الأماكن مما يصعب على سكانها مشاهدة عروض مسرحية.. عن هذه المشكلة حدثنا عدد من المعنيين.
قال الفنان عصام الشويخي مدير مسرح الساحة: من الجيد إنشاء مسارح صغيره في المحافظات في كل مكان، وتلك هوية مسرح الساحة، أما عن التجهيزات فإن توافر الأجهزة الحديثة والتكنولوجيا في مسارحنا يساعد الميكانيزم لإعطاء نوع من التفاعل الخيالي للمشهد مع معايشة الجمهور للجو العام للعرض. أضاف: قطعا نتمنى أن تتوافر الأجهزة الحديثة من ليزر ودخان وحرائق صناعية وثلج، لمواكبة المسارح العالمية المتطورة تكنولوجيا، ولنتخيل المسارح الكبيرة التي يدخل فيها الفنان على خشبة المسرح فيشتعل المسرح بلهب حقيقي.. لماذا لا نستعين بأجهزة مماثلة؟!
تابع “الشويخي”: للأسف آفة مصر هي نقص الصيانة، وقد يكون ذلك السبب الذي جعل الشركة المنفذة لعمليات الصيانة بالمسرح القومي تترك عملها دون تسليم المسرح نتيجة لعدم تقاضيها مبلغ الـ12 مليون جنيه، وتلك سياسة خاطئة، لأن الأجهزة نفسها يصيبها العطل إذا ظلت بلا عمل لفترة طويلة، حتى وإن كانت جديدة، ونحن لدينا أجهزة جديدة تعمل بربع طاقتها نتيجة لإهمالها، هذا بخلاف ما قد يأكله الصدأ، وأكثر من يعاني هذه المسألة قصور الثقافة التي تُنار فقط خارجيا لكنها متهالكة داخليا ولا يتم تشغيلها إلا في حالة التكريمات والزيارات، على الرغم من إنفاق الكثير على تلك القصور، وأغلبها يمتلك أجهزة جيدة أتلفها الإهمال، أتحدى أن يكون هناك فني إضاءة ينظف السوفياتا كما كان يفعل عاصم بدوي في المسرح القومي، كذلك الديكور كان يتم تنظيفه أسبوعيا، أما الآن فقد يمر العام أو العامان ولا يتحرك شيء من مكانه.
وأبدى «عصام» إعجابه بقرار إسماعيل مختار إقامة دورة تدريبية في الخدمات الفنية جمع فيها الخدمات العامة، وتلك خطوة جيدة للتوظيف الصحيح، والاستفادة من العدد الإداري الكبير الموجود في المسارح، وأتمنى إعادة تصنيف وتوزيع الفنيين على المسارح بشكل متوازن، فعلى سبيل المثال المسرح القومي به ثمانية فنيي كهرباء، في حين أن مسرح الساحة به فني واحد، وهناك مسارح بها اثنان، وأخرى فني الصوت هو من يعمل على الإضاءة، فهل هذا يعقل؟! وتمنى أن يكون هناك بعثات للفنيين والمختصين بتجهيزات المسارح من إضاءة وصوت.
فيما أشار المخرج أسامة شفيق إلى أن عدد المسارح قليل على مستوى الجمهورية، أوضح: رشحت منذ عامين لقومية طنطا لكنني اعتذرت لعلمي أن المسرح لن يُفتح قريبا، طنطا حاليا بلا مسرح على الرغم من وجود فرقتين «قومية وقصور»، كذلك فإن تجهيزات المسارح الجديدة مثل مسرح كفر الشيخ بها الكثير من المشكلات الفنية والهندسية منذ أن افتتحت العام الماضي، مضيفا: المسألة لا تقف عند فقر التجهيزات، إنما ما يستجد يكون بشكل خاطئ هندسيا. هناك الكثير من الأجهزة الحديثة التي نأمل أن تتوافر في مسارحنا، وتحديدا داخل جهاز الثقافة الجماهيرية، كما نتمنى أن يفتتح الدفاع المدني المسارح المغلقة ويُعاد تأهيل وتطوير المسارح الجديدة والقديمة.

أنشطة بلا أماكن
وتساءل المخرج سيد فجل: لماذا حولوا بعض المسارح لدور أوبرا كمسرح المنصورة ودمنهور ومسرح سيد درويش؟ مضيفا: هناك خطة كانت ستنفذ لتحويل مسرح طنطا أيضا لدار أوبرا. مضيفا: مع ثورة 23 يوليو أقيم مسرح عتيق في كل محافظة للثقافة الجماهيرية، لإيمانهم بدوره، بينما الآن وعلى مستوى الثقافة الجماهيرية فأغلب المسارح مغلقة، ومنهم اثنان على مستوى الدلتا هما شبين وطنطا، فالمسارح معطلة ولا تتم صيانتها أو العناية بالأجهزة، وليس هناك اهتمام أو خطة واضحة لإنشاء دور عرض، وفلسفة الثقافة الجماهيرية الآن عمل أنشطة بلا أماكن، لا يوجد تجهيزات أو مسارح أو متخصصون أو فنيون مدربون وقادرون على استيعاب الإبداعات، وعلى مستوى الجمهورية ليس هناك فكر أو استراتيجية، فقد نال الفكر الوظيفي من الثقافة الجماهيرية، وأخشى أن يُقال ذات يوم إن الثقافة الجماهيرية أُلغيت. تابع: تتطور الفنون على مستوى العالم وما زالت مسارحنا غير مجهزة بشكل علمي وتكنولوجيا حديثة لتقديم عروض جيدة. المنظومة تحتاج لخطة كاملة للنهوض بمستوى العرض المسرحي، وحتى فكرة الهروب من المسرح ببعض الأنواع كالمسرح المفتوح والشارع وغيرها تحتاج أيضا لتنظيم وتجهيز وأن يكون هناك أماكن ثابتة، فالمسرح يحتاج إلى مكان ثابت يلتقي فيه الفن والإبداع والجمهور.

ينقصهم الخبرة
محمد دسوقي مدير مركز الهناجر للفنون قال: أعتقد أن عدد المسارح جيد لكن ربما نحتاج لمسرحين أو ثلاثة آخرين، لأن هناك بعض الفرق التي لا تملك مسرحا كفرقة الشباب والمسرح الكوميدي، حيث يتشاركان مسرح العائم، ولا بد من الانتهاء من بناء مسرح مصر بعماد الدين، أيضا نحن في حاجة لمسرح بمنطقة السادس من أكتوبر والعاصمة الجديدة على غرار دار الأوبرا التي تُنشأ بالعاصمة الجديدة، بالإضافة لضرورة وجود مسرح قومي في كل محافظة على مستوى الجمهورية، كما في الدول الأوروبية. وأضاف «دسوقي»: أما عن التجهيزات فالمسارح تحتاج لصيانة وتجهيزها تقنيا أكثر تحديثا، لأن التكنولوجيا تساعد المبدع المسرحي على تحقيق أحلامه على خشبة المسرح، وللأسف مسارحنا متخلفة من الناحية التقنية، ولا ننكر أن هناك بعض الاجتهادات من بعض الأشخاص للجوء لأجهزة أكثر حداثة لكنها تظل اجتهادات. وأكد أن هناك ضرورة لإرسال الفنيين والمهندسين لبعثات للخارج حتى يتمكنوا من مواكبة التطورات والتعرف على كيفية عمل الأجهزة الحديثة خاصة للتقنيين، وأن يكون هناك ورش تستعين بالمتخصصين، وأتمنى ألا يقتصر الأمر عليهم فقط، وأن تشمل المخرجين والفنانين كما كان في الستينات، وأنا شخصيا حصلت على منحة لإيطاليا وعملت على أحد مسارح روما وبالفعل تغيرت مفاهيمي ورؤيتي وتجاربي عن المسرح، ولا أنكر أن لدينا فنيين موهوبين ونعقد عليهم الأمل لكنهم في حاجة لرعاية وثقل خبراتهم.
وقال عز حلمي إن المسارح قليلة العدد ولا بد أن تُقام مسارح بجميع المحافظات موزعة بشكل جغرافي مناسب للكثافة السكانية في كل محافظة وقرية، مضيفا: عرضنا مسرحية «عاشقين ترابك» في شوادر لعدم توافر مسرح ببعض مراكز الصعيد، وجمهور الصعيد والأقاليم متعطش للمسرح ومتذوق واع له ومن حقه أن يتوافر له مسرح يقصده. وأكمل «حلمي»: أما عن التجهيزات فنأمل أن يكون هناك مسارح مجهزة بشكل أكثر حداثة ومطابقة للمواصفات، بالإضافة لتدريب الفنيين واطلاعهم على تجهيزات المسارح العالمية بإرسال فنيين للخارج ونقل خبراتهم لبقية العاملين بالمسرح، فالاستثمار في البشر أهم بكثير من مجرد شراء أجهزة عقيمة بسبب نقص خبرة وعلم من يتعاملون معها.

في حاجة لتقنيات مبهرة
فيما أوضح ناصر عبد الحافظ مهندس ديكور ورئيس الأقسام الفنية بالمسرح القومي، أن هناك الكثير من المسارح على مستوى الجمهورية تحتاج لتفعيل عملها، حيث يوجد الكثير من الأماكن في الثقافة الجماهيرية نشاطها موسمي وينتهي الأمر. أما عن التجهيزات، فالمسارح التي يتعامل معها المحترفون يفترض أن تكون مجهزة، أما مسارح الهواة فعناصر العرض فيها تكفي لتحويل أي مكان لمسرح وليس ضروريا أن يكون العلبة الإيطالي. مضيفا: نحن بحاجة لمساواة السينما وأن نقترب من مستوى الإبهار، وهذا يحتاج لإمكانيات وتجهيزات متطورة وحديثة، فنحن متأخرون مائة عام على المستوى التقني العالمي. وتابع: بالنسبة للمسرح القومي فتجهيزاته عالية المستوى وإن كنا نعاني بعض النواقص، لكننا نأمل في الجديد والحديث على المستوى العام.

بعثات للتقنيين
وقال أبو بكر الشريف مصمم إضاءة: إن عدد المسارح لا يتناسب وعدد السكان في مصر فالعدد قليل جدا، وكلما زاد عدد المسارح كلما زادت الثقافة وارتفع الوعي، أما عن التجهيزات فهناك بعض المسارح الجيدة في مصر مثل الهناجر والأوبرا، ولكن في العموم فبالتأكيد المسارح ينقصها الكثير من التجهيزات والتطوير ونحن في حاجة دائما للتحديث والأهم قبل التجهيزات أن يهتم المسئولون بالتقنيين وإرسالهم في بعثات للخارج، بالإضافة لعمل الورش.
وشاركه الرأي محمد عبد المحسن حيث قال: المسارح الموجودة كافية لكنها ليست مجهزة، والمسرحان الوحيدان - بعيدا عن الأوبرا - المجهزان هما الهناجر والمسرح القومي بالإضافة لمسرح السلام، أما المسارح الأخرى فتحتاج لإمكانيات أكبر، أيضا مسارح قصور الثقافة غير مفعلة ولا تعمل، وكثير منها غير مجهز، ومنها ما هو مجهز ولا يتم استغلاله، فتتهالك الأجهزة لعدم صيانتها والعناية بها، لأن أغلب الفنيين من كبار السن وغير قادرين على القيام بذلك وليس هناك دماء جديدة من الشباب.
وتابع «عبد المحسن»: منذ فترة لا يستعينون بمتخصصين من الخارج لعمل ورش أو إرسال أفراد للتدريب في الخارج في شتى التخصصات، ومن كانت تقوم بذلك د. هدى وصفي، ولكن الآن حتى من يتم دعوته للسفر لا بد أن يحصل على موافقة العلاقات الثقافية الخارجية وفي الغالب ترفض، وأنا نفسي كانت تتم دعوتي لورشة والعلاقات الخارجية ترفض سفري، وإذا سافرت على حسابي الشخصي فسوف يتم تسجيلي متغيبا عن العمل.
وقال ملاك عزيز (فني إضاءة) عن فكرة تدريب الفنيين: أنا بوصفي فني إضاءة عندما تدخل أجهزة جديدة المسرح فإننا نستعين بالكتالوج لنتعامل معها، ومن الضروري أن يوفروا الأجهزة أولا، بحيث إذا طلب مني المخرج إحداث تأثير معين يجده ولا أضطر لقول إن تلك إمكانيات المسرح.
بينما يقول المخرج خالد حسونة: لسنا بحاجة إلى بناء مسارح جديدة على قدر احتياجنا إلى بناء عقول، فمنذ أيام عبد الناصر وهناك الكثير من المسارح، خاصة في المحافظات، وهناك آلاف من قصور الثقافة، ولكن للأسف دون عقول، مثلا في المنصورة يوجد مسرح كبير أشبه بالأوبرا مغلق منذ أكثر من عام ونص على الرغم من تجديده منذ فترة قريبة، والسبب في إغلاقه عطل بسيط في السلوك، والمضحك أنه تم عمل تجديدات كثيرة في المسرح إلا هذا العطل، وعندما ألقيت نظرة على المسرح وجدت أنه لا يحتاج إلا لأسبوع ليكون جاهزا للتسليم. هذه العطلة تسببت في تعطيل ثلاثة عروض تابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، هذا إلى جانب المسرح القومي بالمنصورة الذي تم هدمه منذ أكثر من أربع سنوات، وتم تمويله من سلطنة عمان بـ54 مليون جنيه كي يتم تجديده، ولم توضع به طوبة حتى الآن، ولا نعرف أين ذهبت هذه الملايين. أما عن تجهيزات المسارح فأغلبها سيئة جدا، فمن المفترض أن المسرح عندما يتم تجهيزه يكون تحت إشراف مخرج مسرحي ومهندس ديكور ومهندس صوت، كي لا نقوم بعد صرف ملايين على تجديده بغلقه بسبب وجود خلل في التجهيزات.
أما مهندس الإضاءة والديكور بالأوبرا ياسر شعلان، فيقول: لدينا مسارح كثيرة جدا، هناك مسارح البيت الفني للمسرح ومسارح قصور الثقافة ومسارح الشباب والرياضة، بالإضافة إلى مسارح الجامعات، وحتى المدارس أصبح لدى كل مدرسة مسرح كبير خاص بها، ولكن أين العروض التي تعرض على هذه المسارح؟! وأين العروض التي تخاطب الجمهور العادي وتعمل على جذبه؟! هذه هي الأزمة الحقيقية، فالجمهور لديه استعداد كبير أن ينزل من منزله ويذهب إلى المسرح ويدفع تذكرة إذا وجد عرضا قريبا منه، لذلك لا بد من أن نفكر في المنتج المقدم، وأضاف شعلان: أما تجهيزات المسارح فلا بد ألا نترك التجهيزات للمهندس المعماري فقط، فلا بد من وجود شخص يفهم المسرح جيدا، حيث نتفاجأ عندما يتم الانتهاء من بناء المسارح بعيوب كثيرة من الصعب تداركها.
ويقول مهندس الديكور وائل عبد الله: نحن بحاجة لبناء مسارح كثيرة، على ألا تقتصر على القاهرة فقط، فهناك أماكن لا يوجد بها مسارح نهائيا مثل التجمع الخامس، وأكتوبر، والشيخ زايد، وكل الأماكن التي توجد على أطراف القاهرة لا يوجد بها مسارح، على الرغم من عدد سكانها الكبير، فهؤلاء السكان من حقهم علينا أن يكون لديهم مسارح. وأضاف عبد الله: تجهيزات المسارح لا تليق بالدولة المصرية نفسها، من حيث كونها وجهة ثقافية للدولة. تابع: هناك مسارح بلا تجهيزات لا تصلح، لا يوجد تطوير حقيقي، وهذا نلاحظه بعد تجديد المسارح ثم يتم إغلاقها بعدها بمدة بسيطة بسبب التجهيزات، وإذا كنا نحتاج إلى مسارح مجهزة على مستوى عالٍ فنحن أيضا بحاجة إلى فنيين على نفس المستوى، وهذا الأمر لا يحدث إلا إذا قمنا بإعطائهم ورشا بالخارج كي يواكبوا العصر.
 


شيماء منصور - روفيدة خليفة