فرصة سعيدة كوميديا تحمل رسالة الأديان وفكر الفلاسفة

فرصة سعيدة كوميديا تحمل رسالة الأديان وفكر الفلاسفة

العدد 542 صدر بتاريخ 15يناير2018

«اعرف نفسك» مقولة شهيرة للفيلسوف اليوناني الكبير شهيد الفلاسفة «سقراط»، وهي دعوة في ذات الوقت للبحث عن حقيقة الإنسان، ومعرفة الأسرار الكامنة داخله، وترويض شهواته بعمل الخير والبعد عن الشر وكل الصفات السيئة، وهو المنهج نفسه الذي اتبعه صناع عرض «فرصة سعيدة» الذي يُعرض حاليًا على مسرح السلام، تأليف صلاح عربي فكرة وإخراج محمد جمعة وبطولة النجوم أحمد بدير، فتوح أحمد، محمد الصاوي، أحمد الدمرداش، خالد محروس، والإعلامية إيمان أبو طالب التي تقف على خشبة المسرح كممثلة لأول مرة، ومجموعة من نجوم المستقبل.

حيث يجسد الفنان أحمد بدير شخصية «مرتضى» وهو رجل مسن قد بلغ من العُمر التاسعة والسبعين ويعاني من الوحدة، وفي يوم عيد ميلاده الذي يحتفل به وحده بعد أن تركه كل الناس: زوجته وبناته وأصدقاؤه، يتخيل أنهم يحتفلون معه، ولكن سرعان ما يفيق من هذا الخيال ويعود إلى وحدته، ويبدأ في مواجهة نفسه بالأخطاء التي أوصلته إلى هذه الوحدة.
هذه الفكرة تقدم في قالب كوميدي فانتازي حيث يجسد نفسه التي تواجهه بأخطائه الفنان أحمد الدمرداش الذي يخرج له من المرآة ويبدأ يذكره بما كان يفعله خلال مراحل حياته المختلفة، فينقله - وبالطبع ينقل معه المتلقي - إلى فصله الدراسي في المرحلة الابتدائية في عهد الملكية، فيظهر أحمد بدير ومحمد الصاوي وفتوح أحمد وإيمان أبو طالب بالزي المدرسي الذي يعبر عن هذه المرحلة «المريلة» ويرتدون باروكات تعبر عن قصات الشعر في هذه السن وهذه المرحلة الزمنية، وفي هذه النقلة نرى بداية انحرافه وسلوكياته العدوانية تجاه زملائه ومدرسيه حيث الاحتيال والكذب وسرقة السندوتشات وتدبير المقالب التي قد تتسبب في فصل اثنين من التلاميذ، وهنا يطالبه نفسه بتصحيح أخطائه لإنقاذهم من الفصل.
ثم ينتقل به إلى مرحلة الجامعة حيث تدور الأحداث في كافيتريا كلية التجارة في سبعينيات القرن الماضي وتظهر ملامح هذه المرحلة بقوة متجسدة في الملابس المتمثلة في القمصان المشجرة والبنطلونات الشارليستون وقصات الشعر والأغاني والأفلام أيضًا، وفي هذه المرحلة يصل تدبيره للمقالب لزملائه إلى حد إبلاغ البوليس السياسي عنهم والقبض عليهم للفوز بالفتاة التي يحبها زميله وكذلك فوزه برئاسة اتحاد الطلاب، ويطالبه نفسه بتصحيح هذه الأخطاء أيضا وإخراج زملائه من السجن ويفعل ذلك.
وينتقل به بعد ذلك للمرحلة الأخيرة حيث أصبح مديرًا لمكتب أحد الوزراء وقد فاز بالزواج من الفتاة التي زاملته كل المراحل الدراسية وأحبته بينما هو كان يستغلها ماديًا، وقد أصبح أبًا لفتاتين في سن الزواج ويرفض أن يزوجهن من أبناء أصدقائه الذي أصبح يتعالى عليهم، ويتطور الأمر حتى إنه طرد بناته من المنزل وتبعتهم الأم، وتدخل أيضا نفسه في تصحيح هذا الموقف فوافق على زواجهن، وانتهت الأحداث بحضورهم جميعًا حفل عيد ميلاده.
بالطبع هذه النقلات المكانية والزمانية تطلبت ديكورًا له طبيعة خاصة وهي سهولة التغيير، وهو ما تميز به ديكور الفنان مصطفى حامد، فضلاً عن الشكل الجمالي له والإضاءة التي برعت في إظهاره وتوضيحه للفنان عز حلمي، والملابس التي نفذتها الفنانة هبة طنطاوي والتي عبرت بدقة وبكوميديا أيضا عن هذه المراحل الزمكانية، كما تخلل العرض بعض الأغنيات من أشعار أيمن النمر وألحان وتوزيع إيهاب حمدي.
من كل ما سبق نصل إلى نتيجة واحدة أننا أمام مخرج استطاع أن يحقق عدة معادلات صعبة أولها التعامل مع نجوم كبار واستجابة هؤلاء النجوم لتوجيهات مخرج شاب مما يُحسب لهم أيضا بالطبع، وتقديم وجبة فنية متكاملة حيث الفكرة أو الرسالة التي سبق أن طالبت بها في مقالي السابق، وهي رسالة غاية في الأهمية «محاسبة النفس وأعمال الضمير» وهو ما تطالب به كل الأديان، فقد جاء في القرآن الكريم قول الحق جل وعلا (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة)، وكما جاء بالكتاب المقدس (إن الحكمة لا تَلِج النفس الساعية بالمكر، ولا تحِل في الجسد المسترق للخطية) «سفر الحكمة 1: 4»، وأيضا كما جاء في نصائح البابا كيرلس في محاسبة النفس (اجلس بينك وبين نفسك كل آخر نهار وحاسب ذاتك عما عملته واحزن على الهفوات التي تعرف أنك انغلبت منها، اجلس بينك وبين نفسك واجمع أفكارك وقل ماذا عملنا في هذا اليوم مما يرضي الله؟ وماذا عملنا مما يغضبه؟ فإن وجدت نفسك عملت أعمالا ترضي الله فسر وافرح وزد كل يوم على أعمالك).
وقد غلف هذه الرسالة بإطار كوميدي فنتازي، فاحتلت الكوميديا المساحة الأكبر من العرض في الحوارات والملابس والإكسسوارات، ورغم ذلك فالعرض خالٍ من أي خروج عن السياق رغم الخروج عن النص في بعض المشاهد للإضحاك، فهو عرض يناسب الأسرة، محققًا متعة البصرية والسمعية بديكورات وإضاءة وملابس وأداء حركي وغناء وموسيقى.. عناصر الفرجة المسرحية التي تشير إلى وجود فنان كبير يقف خلفها اسمه محمد جمعة وبالطبع معه المخرج المنفذ حسن الزقم.
أما عن أداء الفنانين فهو يُدرَّس في معاهد التمثيل، فيكفي أن نقول إن بطل العرض هو النجم أحمد بدير ومعه النجمان محمد الصاوي وفتوح أحمد، فثلاثتهم عزفوا معًا لحنًا عبقريًّا خاليًا من أي نشاذ، فضلاً عن أداء الفنان أحمد الدمرداش، والفنان خالد محروس الذي جسد ثلاث شخصيات مختلفة، وكانت مفاجأة العرض الفنانة إيمان أبو طالب. وللأسف البامفيلت خالٍ من أسماء بقية الفنانين الذين جسدوا أدوارهم بعبقرية أيضًا.
لا يفوتني كلمة حق في من يقف خلف كل ذلك وهو منتج العرض ومدير المسرح الفنان أشرف طلبة الذي شاهدت له أربعة عروض تحققت فيها كل العناصر التي ذكرتها: قواعد العشق الأربعون، الحفلة التنكرية، ولاد البلد، وأخيرًا فرصة سعيدة، هو حقًّا فنان ويقدم كل ما يحمل قيمة فنية.


نور الهدى عبد المنعم