مشوهو المسرح المعاصر لمحة إلى التاريخ

مشوهو المسرح المعاصر لمحة إلى التاريخ

العدد 563 صدر بتاريخ 11يونيو2018

نشأ فن التمثيل المسرحي مع المؤلف والممثل الإغريقي ثسبس Thespisz عام 534 قبل الميلاد في احتفالات أعياد ديونيزوس إله الكروم القديم. مثل ثسبس عدة شخصيات في عرض كان هو من النوع القصير الذى حوى عديدا من الشخصيات الحياتية التي عاشت في القرن السادس ما قبل الميلاد.
هذا العرض كان يحتل زمنا قصيرا إلى جانب مشاهد أخرى كانت تقف على ساحة المسرح واسعة الأطراف، إذن كانت هناك مصاحبات ومكملات للعرض المسرحي.
اليوم المعاصر
نشاهد في إنتاج بعض المسارح العربية – ومنها المسرح المصري للأسف – نوعين من المسرحيات المختزلة أو القادمة من صورة وتقنية مسرح الشخصية الواحدة (المونودراما)، في تسمية علمية خاطئة.
فمسرحيات الفصل الواحد One-Act Play مسرحيات قصيرة التركيب والمضمون، والزمن المسرحي أيضا مسرحيات بدأت في فرنسا في القرن (17) ميلادى على يد موليير لتمثل أمام رجال البلاط الملكي الفرنسي في الأعياد والمناسبات. وقد لوحظ نوع منها في ألمانيا على يد ليسنج Lessing في مسرحيته (فيلوتاسا) Philotasa هذه الظاهرة لهذا النوع من المسرحيات ذات الفصل الواحد تمتد كمسرحيات ترفيه لكل الطبقات الأرستقراطية في أوروبا، في القرن (19) ميلادي يكتب أوجست استرندبرج، ألفريد رو موسيه، أنطون تشيكوف، يوجين أونيل عددا من هذا النوع من المسرحيات، لكن فرنسا  قدمت هذه المسرحيات القصيرة من باب الترفيه قبل العرض المسرحي ذاته تحت اسم Lever De Ridean  كتقدمة للجماهير قبل جريان العرض الأصلي لمسرحية كبيرة. ونلاحظ وجود أوبرات من ذات الفصل الواحد كذلك ممثل موزارت (أوبرا باستين وباستاين) وعند ماسكاني Mascagni أوبرا شرف الفلاح، كما قدم الإيطالي بوتشيني Peceini أوبرا المعطف.
إذا ما حللنا – علميا وزمنيا – هذا النوع من مسرحيات قصيرة فماذا نجد؟
هذا الزمن الذى لا يزيد عادة عن الساعة أو تزيد قليلا، ليس باستطاعة الدراما فيه أن تأخذ مكانا ممتدا من الفكرة التي هي في أعماق الفكر، أساس ما يحرك الإنسان كاتبا أو مشاهدا باعتبارها أعلى درجات الدماغ النقي الذي يعرض في المسرح رهانا حضاريا للجماهير، تستفيد به وتظل في ذاكرته أحيانا مدى الحياة التي يعيشها، إضافة إلى حجم المعارف التي تنشرها المسرحية طوال زمن التمثيل، وهو ما يقتضى وقفات للكشف عن المضامين والأحوال الدرامية متعددة الأطراف والأهداف النبيلة، ناهيك عن إعداد عناصر هامة للدراما يمثل المضمون Content ونشره لمفاهيم جديدة تعليمية أخرى للتطور بالإنسان والمجتمعات، أضف إلى ما تقدم الأسلوب Style الذى يختاره مؤلف ما إلى الوصول إلى اللب في الآداب المسرحية والطليعية، وسيادة لغة الكلام في الأسلوب، والابتعاد عن المألوف وطريقة الوتيرة الواحدة المسببة للملل، والالتصاق بالأساليب التعبيرية تتضمن نظام علامات علم دلالات الألفاظ وكل هذا وذاك من علامات هي الطريق إلى عرض قوى لا يمكن تحقيقه في ساعة ونصف الساعة، العقل يوحي بمثل هذه الحقيقة، والنتيجة العقلية دون سفسطة أو ادعاء.
حكاية المونودراما Monodrama
وهذا هو الآخر نوع من أنواع العروض المسرحية القصيرة التي ذاع صيتها في القرن العشرين وحتى اليوم.
المونودراما هي بالتحديد العلمي – والفني، موقف Situation، ونقول بأن الموقف في التكوين الفني أيًا كان هو أصغر وحدات العناصر التي تتكون منها أي أحداث، إلا أن تغيّر الأحداث بين المواقف المختلفة وبعضها بعضا لأن مواقف الدراما تجمع بين قيما فنية وتوتر علاقات شخصيات عبر انفعالات وتطورات وتوترات.
تتغير وظيفة الموقف وفق الحالة في الآداب المختلفة، فالموقف في أدب الملاحم والبطولات يتضافر مع الأحداث التي عادة ما تتميز بالقوة والفخامة.. الأمر الذى يرفع من قيمة الموقف ويُعلى من شأنه، كنتيجة طبيعية للتضافر والارتباط ببعضهما بعضا.
والموقف في الدراما نراه متعدد المظاهر، ومختلف الأقنعة والظهور، إلا أنه مع ذلك يكون أكثر التزاما بما قبله، وبما سيأتي من بعده من مواقف، حتى وإن لم يكن يشبهها تماما أو يسلك نفس سلوكها.
ومن الغريب في عالمنا المعاصر أن تنتشر موجة المونودراما في المسرح العربي، منذ الزوجالي في الجزائر، وفي عديد من الدول العربية، وحتى مهرجان للمونودراما يُعقد سنويا في الكويت الشقيقة وحتى اليوم برئاسة الفنان الكويتي جمال اللهو.
هذه السنوات الطويلة التي جاوزت ربع القرن، إلى أين وصلت في طريق المسرح العربي؟ وماذا حققت؟ ومتى استفادت جماهير المسرح منها تطبيقا عمليا وإنسانيا؟ هذه هي المشكلة.
تسمية المونودراما.. هل تحقق شيئا من أصول الدراما الحقة؟ لا أظن ذلك حسبما تشير النتائج.
إن العودة إلى عصر ثسبس، لكن في صورة مشوهة بعد هذا الزمن الماضي الذي جاوز قرونا عديدة، كان يمكن الاستفادة منها في عمليات التطوير والتحسين، فلا نشهد في المونودراما الحالية أي تطورات في فن التأليف المسرحي، ولا تتضمن المونودراما مشاهد أو فصولاً، كما لا تعى ولا تهتم في تركيبها الدرامي بالصعود أو الهبوط، ولا بالصراع أو التطور الدرامي، ولا بكل عناصر العقدة والمشكلات، ولا بالحلول لعدم وجود المشكلة الدرامية أصلاً!!
لم يكتب الإغريق الدراما عبثا في رحلة طويلة علمية ضمت مشكلات الأدب الإغريقي المسرحي، ولم يفعل الرومان في حقبهم ما يفعله اليوم مؤلفو المونودراما من تجاهل لأصول العقد الدرامي، وأهمية بالتغيير غير العلمي أو المنشور في عصر السرعة والكمبيوتر والاتصال الجماهيرى.
ثم أين هي هذه المساحة التي تسمح لكل عناصر الدراما والصراع والتضاد والشخصيات المتضادة المتصارعة؟ إن قصرها في مسرح المونودراما – حتى وإن صعدت على كل ما في العالم – هي قصة فاشلة.. لم تُقبل عليها الجماهير، لأنها شكل من أشكال الصناعة الأدبية المزيفة غير الطبيعية، لا في الزمن ولا في المكان.
صورة للمونودراما لم تتكرر
حين اختلفت هذه الصورة عما نشاهده اليوم من كلمات غير درامية، ومشاهد مفتعلة، وعدم صدق في إبداء صورة المعرفة على الوجه الحقيقي، هذه الصورة أقصد بها (مونودراما) من فصل واحد متواصل، استغرق تمثيلها ساعتين ونصف الساعة، إعداد مسرحي فرنسي عن قصة الكاتب والروائي الروسي جوجول بعنوان (قصة رجل مجنون) عرضت منذ نصف قرن شاهدتها في المجر وفي ألمانيا عن شاب شاهد أميرة في عربة. ساعتان ونصف الساعة يقف الممثل وحيدا دون ملل لا منه ولا من الجماهير، لتخرج هذه الجماهير مؤمنة بشكل المونودراما الذى لم يتكرر بعد ذلك.
اللهم ارحم المسرح المصري والعربي من فتاوى المونودراما والمؤيدين لهذا النوع من العبث الدرامي في القرن (12).
النتيجة:
العرب.. الذين تعلموا المسرح من الأوروبيين المسرحية ذات الفصول الخمسة، ثم المسرحية الواقعية الكلاسيكية الجديدة في فرنسا. فالمسرح الإنجليزي، والألماني، والترويجي، لا يمكن أن يكونوا كلهم مخطئين.
لم نخترع إلا عجلة الشيطان في المسرح.
فعودوا إلى الأصول أيها العرب المسرحيون، وأدرسوا تاريخ المسرح.
والله معكم. 
 


كمال الدين عيد