جماليات التأثير والتأثر بين الفنون البصرية والآداب

جماليات التأثير والتأثر بين الفنون البصرية والآداب

اخر تحديث في 4/9/2020 11:21:00 PM

      لعلنا جميعا نتذوق الفنون البصرية بكل مجالاتها من تصوير ونحت ورسم وغيرها.. وندخل معها فى عوالم مختلفة لتسمو معها الروح وتعيش فى حالة لا شعورية نفتقدها أحيانا فى الشعور والواقع والذى أحيانا كثيرة نهرب منه لندخل فى عوالم تنقلنا إليها هذه الفنون، ونستمتع بالآداب بمختلف أنواعها من شعر وقصة ورواية ومقالات وموضوعات تجذبنا وتشدنا، ونتخيل من قراءاتنا وإندماجنا فى الأدب صورة تنقلنا أيضا من عالم الى عالم وتجدنا أحيانا نبتسم ونضحك وأحيانا آخرى نبكى ونتأثر بما نقرأ، وإذا عدنا الى الفن فنجده ظاهرة إنسانية ظهرت بظهور الإنسان بداية من هدف المنفعة مرورا بحاجته إلى الجمال، ومن ثم ظهرت حاجته إلى التعبير عن هذا الجمال كما ظهرت كتابة اللغة وصياغتها عند الحاجة إلى التعبير غير الجمالي، فالفن بجميع أشكاله يتميز عن لغة التخاطب بأنه ليس تعبيرا وحسب كما أنه ليس جمالا وحسب وبناء على هذا ففقدان جانب التعبير فى العمل الفني أو فقدان اللغة المشتركة بين الفنان والجمهور يؤدى إلى إلغاء ضرورة الفن الإجتماعية. وصحيح أن الكتابة والحروف الهجائية والكلمات تخلت عن الجانب الجمالي الشكلي عندما تحولت من كتابة تصويرية إلى رموز وكان ذلك لحساب دورها فى التعبير، فنجد أن فئات من الشعراء والأدباء والفنانين التشكيليين على مدى المئات من السنين قد تبادلوا التأثير والتأثر فاستلهم الأديب من اللوحة والصورة وسجل استلهامه فى قصيدته كما استوحى الفنان من قصائد الشعراء والروايات الأدبية أعمالا إبداعية فصور ما كان الشاعر قد تخيله وصوره بالكلمة والوزن والإيقاع ويمكن أن نرجع هذا التأثير والتأثر لجميعهم في الأصل الي الطبيعة والبيئة المحيطة، ونجد أن الناقد الروائى يحلل مضمون الرواية كفرع أصيل من فروع الأدب كما لو كانت دراسة اجتماعية أو إنتاجا مكتوبا ليس له شكل محدد وفى الواقع فإن إمكان الرواية الواسعة فى إستيعاب مضامين كثيرة ومتنوعة أو تحويلها فى بعض الأحيان الى أداة عملية لتحقيق أغراض معينة وهذا هو مفهوم الرواية الحديثة التى لم تعد تهتم بالمغامرات والأهوال والصراعات الجسدية والأفكار المجردة بقدر اهتمامها بالإنسان وموقفه من الحياة والكون من خلال شكل فنى مميز يحمل من الإيحاءات والدلالات والمعانى واللمسات ما يزيد كثيرا على الرواية التقليدية التى تتخذ من الرد الرتيب منهجا لها، ونعرج سويا تارة نحو الفنون وتارة آخرى نحو الآداب فإذا كان محبى الفلسفة قد يتمكنون من إقناع خصومهم فى الميادين المختلفة فإنهم فى ميدان الفن يجدون أنفسهم إزاء صعوبة من نوع فريد، ذلك لأن الفن هو جمال الإبداع الفردى ولا يعترف بالقيود، ولابد لأى نظرية عامة فى الفن من أن تبدأ بهذا الفرض أن الإنسان يستجيب لشكل الأشياء القائمة أمام حواسه وسطحها وكتلتها ومن خلالها ينتج تناسق معين متعلق بسطح وشكل وكتلة الأشياء وينتج فى صورة إحساس بالمتعة وإذا لم يوجد هذا التناسق أدى الى خلق شعور بعدم الارتياح أو اللامبالاة أو حتى عدم الرضا أو النفور، والإحساس بالتناسق الممتع هو الإحساس بالجمال والإحساس المضاد هو الإحساس بالقبح، وإذا نظرنا الى الشكل والمضمون فى العمل الفنى فإننا نجد أنه لا قيمة للمضمون في العمل الفنى إلا بانظباط الشكل لأنه هو الذى ينظمه ويهذبه ولو كان الشكل مضطربا أو غير جيد لما بدت للمضمون أى قيمة سوى أنه تعبير سطحي دون عمق وذلك لأن الشكل والمضمون معا لهما أهمية متساوية ومتداخلة فى العمل الفنى حيث يعتمد كل على الآخر وليس من الممكن فهم أى منها وتقديره إلا فى داخل الكيان الكلي الموحد الذى هو العمل الفنى، وبالتالي فإن مفهوم الفن الحديث هو كونه تعبيرا إراديا يقترن بخلق عمل منفرد يظهر ذاتية الفنان ووجهة نظره من خلال لغة معبرة، وأخيرا نؤكد ما بدأنا به كلامنا أن للفنون والآداب جماليات نعيش معها ونستمتع بها وإذا وجد التأثير والتأثر بينهما زادت هذه الجماليات وزاد معها إستمتاعنا وإشتياقنا لدخول عوالم متعددة ومختلفة نسعى جاهدين أن نعيشها على أرض الواقع.

المراجع

  • فاسيلى كاندنسكى:  الروحانية فى الفن. تعريب: فهمى بدوى محمد ، مراجعة: مرسى سعد الدين، تقديم: محمود بقشيش، تعقيب: صبحى الشارونى، دراسات فى نقد الفنون الجميلة ، الجمعية المصرية للنقاد، الهيئة العامة المصرية للكتاب، الكتاب الثامن، 1994م.
  • عبد الغفار مكاوى: قصيدة وصورة – الشاعر والتصوير عبر العصور. عالم المعرفة، العدد 119 ، الكويت .
  • نبيل راغب: النقد الفنى. مكتبة مصر الفجالة القاهرة .
  • جيروم ستولينيتز: النقد الفنى – دراسة جمالية وفلسفية. ترجمة د. فؤاد زكريا، مطبعة عين شمس، 1974م ـ
  • هربرت ريد: معنى الفن. ترجمة: سامى خشبة، مراجعة: مصطفى حبيب، مكتبة الاسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998م. 
  • فاروق بسيونى : قراءة اللوحة فى الفن الحديث. دار الشروق ، الطبعة الاولى، 1995م.

بدوى مبروك

بدوى مبروك

راسل المحرر @