“الجندر”  مصطلح مصري قديم

“الجندر”  مصطلح مصري قديم

اخر تحديث في 3/31/2019 9:19:00 PM

محمد إمام صالح

نالت المرأة في مصر القديمة وضعا متساو من الناحية القانونية مع الرجل، وكانت  صاحبة أملاك تبرم لها العقود القانونية، وتلتزم بحريتها، ولا يطرأ أي تغيير على وضعها القانوني بسبب زواجها أو أمومتها، وكانت أهليتها كاملة ومطلقة.

ولم تعرف المرأة المصرية الوصاية التي خضعت لها المرأة الرومانية، كما أن سلطة الأبوين وخاصة الأب كانت نوعا من الرعاية، ويبدو أن المرأة في إطار القواعد كانت حرة نسبيًّا في اختيار زوجها المقبل، وقد بلغ هذا الاستقلال مداه في العصر المتأخر، لدرجة أن سوفوكليس ويوربيديس قد بالغا في الكثير من أعمالهم من التقليل من شأنالرجل حتى أنهم ذكرا: "أن الرجل يقبع في ركن الدار، بينما تدير الزوجة كافة شئون الأسرة بنفسها". وبعد ذلك حدث رد فعل معاكس عندما سن بطلميوس فيلوباتور قوانين "بروستاجنا" الشهيرة التي أعادت النظر في مفهوم المساواة بين الجنسين.

كما كانت المرأة تنادى باسمها –وتظل محتفظة به ولا تنسب لزوجها- مسبوقة بلقب يشبه -لقب مدام حاليا "نبت بر" أي ربة البيت. وهذا اللقب كان مبتغى الفتيات، ففي نص لإحدى الفتيات تقول فيه: "إنك أكثر الرجال وسامة، إنني أرغب (في رعاية) شئون مملكتك، عندما أصبح ربة بيتك، ويرقد ذراعك فوق ذراعي و(بذا) يساعدك ويعاونك حبي"*.

أما في مجال العمل، فقد فرض المجتمع لكل جنس أعمالًا معينة طبقا لنوعه الاجتماعي، وأعمالًا أخرى تشارك بها الجنسان ، ففي المجال الأول كان الرجال يعملون في الأعمال الشاقة مثل البناء والعمل في المحاجر، بينما تقوم السيدات بالعمل في الأعمال المختصة بالنسيج والأعمال ذات الطابع المنزلي -وليس المقصود بهذا أنها خادمة-، يبدو ذلك خلال المناظر التي تجمع الزوجين في بعض المقابر حيث تُظهر الرجال بلون قاتم كونهم يتعرضون للشمس، بينما يظل لون السيدات  فاتحاً  كونهن يعملن في الظل.

أما الوظائف التي تشارك بها النوعان فمنها على سبيل المثال الحُكم، الكتابة، الكهانة، الغناء، الرقص، وغيرها من الأعمال.

هذا ما يطلق عليه حديثا اسم الجِندر أو النوع الاجتماعي.

ظهر هذا المصطلح في الآونة الأخيرة، ونادت به المؤسسات النسوية أو تلك التي تعمل في المجال المجتمعي العام، ومصطلح الجندر حسبما جاء في دليل المدربين والمدربات للتوعية بمفاهيم وقضايا الجِندر الصادر من معهد جوته الألماني بالقاهرة بأنه مصطلح يطلق على العلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الجنسين "الرجال والنساء". وهذه الأدوار والعلاقات والقيم تتغير وفقا لتغير المكان والزمان، وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الإنسانية الأخرى، مثل الدين، الطبقة الاجتماعية، العرق.

كما تعرفه منظمة الصحة العالمية على أنه "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها كل من الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية". كما يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأن مصطلح الجِندر (النوع الاجتماعي) يشير إلى الخواص الاجتماعية والمشاركة في النشاطات الاجتماعية والمشاركة في النشاطات كفرد في جماعة محددة، ولأن هذه الخواص هي سلوك وتصرفات يتم تعلمها، فهي قابلة للتغير  عبر الزمن وتختلف باختلاف الثقافات.

والعلاقات المرتبطة بالجِندر (النوع الاجتماعي)، هي علاقات قائمة بين الرجال والنساء كجنسين مختلفين، تنشأ مترتبة على الأدوار والمسئوليات المتبادلة بينهما، وتحدد القيم المتعلقة بها، وقد تكون علاقات داعمة للتعاون والتواصل والمساواة، أو قد تكون علاقات تصادم وانفصال وتنافس واختلاف وعدم مساواة، فهي دائما ما تشير إلى كيفية تعامل النساء والرجال مع بعضهم البعض في المجتمع.

وهناك فرق بين النوع الاجتماعي والنوع البيولوجي، فالأول يحدد الأدوار الاجتماعية، والثانى يصف الاختلافات الجسدية بين الرجل والمرأة**.

وهنا يظهر التساؤل، هل هذا المصطلح الجديد نسبيا، متعارف عليه من قبل أم لا؟ ونجد الإجابة أن المصطلح نفسه جديد أما مفهوم المصطلح فهو متعارف عليه منذ العصر المصري القديم.

دور قصور الثقافة في التوعية بمفهوم النوع الاجتماعي:

وإذا تطرقنا لدور الهيئة العامة لقصور الثقافة في التوعية بمفهوم النوع الاجتماعي نجدها قد نظمت ورشا للتوعية بمفهوم النوع الاجتماعي بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني في خلال عامي 2017-2018 بعدة محافظات منها الأقصر على سبيل المثال، شارك بها الرجال والنساء لتبيان طبيعة المفهوم، الذي يبتعد كل البعد عن حقوق المرأة فقط، فهو يبحث في حقوق النوعين وليس تحيزا لنوع على حساب الآخر، إلى جانب بعض الورش التي نفذها مدربون من أبناء الهيئة نفسها في مجال النوع الاجتماعي.

 كما عقدت الهيئة عدة محاضرات وندوات تدور في نفس الإطار والتي تحث على التساوي والشراكة بين النوعين في الحياة المجتمعية.

....................................

المصادر:

*كريستيان ديروش نوبلكور، المرأة الفرعونية، ترجمة فاطمة عبد الله محمود ومحمود ماهر طه، الهيئة المصرية العامة للكتابة، 2016، ص225-226

**الدليل التدريبى للمدربين والمدربات على التعريف والتوعية بمفاهيم وقضايا النوع الاجتماعى، معهد جوته الألماني بالقاهرة، 2018، ص20.


محمد إمام

محمد إمام

راسل المحرر @