التراث والتحولات الاجتماعية في الدراما المصرية محور مناقشات سابع جلسات مؤتمر الأدباء بالعريش 

التراث والتحولات الاجتماعية في الدراما المصرية محور مناقشات سابع جلسات مؤتمر الأدباء بالعريش 

اخر تحديث في 12/29/2025 9:13:00 PM

 

استضاف قصر ثقافة العريش سابع الجلسات البحثية للمؤتمر العام لأدباء مصر في دورته السابعة والثلاثين، دورة "الأديب الكبير الراحل محمد جبريل"، المقام تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، واللواء الدكتور خالد مجاور محافظ شمال سيناء، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان. ويقام المؤتمر تحت عنوان "الأدب والدراما.. الخصوصية الثقافية والمستقبل"، برئاسة الشاعر والسيناريست الدكتور مدحت العدل، والأمين العام الشاعر عزت إبراهيم.

جاءت الجلسة تحت عنوان "المعالجات الدرامية للنص الأدبي في الوسائط الفنية المختلفة"، وأدارها الدكتور جابر الزهيري، وتضمنت مناقشة أربع أوراق بحثية.
جاءت الورقة البحثية الأولى بعنوان "التحول القيمي والمجتمعي لصورة الفتوة عبر تاريخ السينما المصرية من عاشور الناجي حتى عبده موتة في ضوء نظرية الانعكاس"، وقدمتها الدكتورة صفاء البيلي، التي أوضحت أن السينما لا تزال من أهم السجلات البصرية القادرة على رصد التحولات الاجتماعية العميقة في المجتمع المصري، مؤكدة أن تطور صورة الفتوة يمثل أحد أبرز النماذج الدالة على هذه التحولات.
وأضافت أن صورة الفتوة لم تعد شخصية درامية مؤثرة في الأحياء الشعبية، بقدر ما تحولت إلى مرآة تعكس تآكل السلطة العرفية وفقدانها لوظيفتها القيمية.

وأشارت "البيلي" إلى أن السينما قدمت نموذج الفتوة الشعبي التقليدي كما تجسد في شخصية "عاشور الناجي" بفيلم الفتوة عام 1957، حيث كان الفتوة آنذاك يوازن بين القوة والالتزام بحدود العرف والشرف، ليغدو رمزا تراجيديا مناضلا ومثالا للمقاومة في مواجهة الرأسمالية المفسدة. 

وأوضحت أن مسار هذه الشخصية شهد انحدارا جذريا تزامن مع التفكك الاجتماعي والاقتصادي الناتج عن سياسات الانفتاح، إلى جانب الاضطرابات السياسية التي أعقبت أحداث ما بعد عام 2011، لتتحول صورة الفتوة إلى نموذج البلطجي المتجرد من القيم، كما يتجسد في شخصية "عبده موتة".

كما أشارت إلى تطور أسلوب العنف ذاته، من كونه أداة وظيفية في يد الفتوة التقليدي إلى عنف استعراضي قاتل يعتمد على السلاح الناري، بما يكشف عن بروز ظاهرة اجتماعية وسياسية جديدة كليا.

وجاءت الورقة البحثية الثانية بعنوان "التناص مع التراث في الدراما التلفزيونية المعاصرة – مسلسل جودر نموذجا"، وقدمتها الباحثة منى وفيق أبو النصر، حيث أوضحت أن التراث العربي، بما يضمه من شعر وسرد وأساطير وحكايات شعبية، يشكل أرضا خصبة لظاهرة التناص في الأدب العربي الحديث، إذ يحضر داخل النص المعاصر في صور متعددة، منها الاستدعاء الحكائي، والتحوير الرمزي، وإعادة تأويل الأسطورة أو الحكاية القديمة.

وأكدت أن النص الحديث لا ينقل التراث نقلا حرفيا، بل يعيد صياغته بما يتلاءم مع أسئلة العصر، فتظهر الموروثات الشعبية والأساطير والحكايات الشفاهية كطبقات كامنة داخل نسيج السرد.

وأوضحت أن التناص من أبرز المفاهيم النقدية الحديثة، إذ يقوم على تفاعل النص مع نصوص سابقة أو موازية، متجاوزا الاقتباس المباشر إلى إعادة إنتاج الدلالة ضمن رؤية جديدة، بما يخلق نصًا يمزج بين الذاكرة والموروث وتجربة الفرد، ويولد مستويات متعددة من المعنى.

وأضافت أن مسلسل جودر يعتمد على مستويات متعددة من التناص مع ألف ليلة وليلة، سواء من خلال بنية الحكاية داخل الحكاية، أو استحضار العناصر الأسطورية والعجائبية، مع توظيف تقنيات التشويق وتعدد الفضاءات السردية.

كما أشارت إلى أن المسلسل يقدم عالما تخييليا يقوم على صراع بين الخير والشر، ويزخر بعناصر مثل الكنوز السحرية، والنبوءات، والمخلوقات الخارقة، إلى جانب توظيف الأغنيات والاستعراضات بوصفها عناصر درامية تسهم في تعميق السرد البصري والتوتر الدرامي.

وجاءت الورقة البحثية الثالثة بعنوان "تمثيلات طقس الزار في الدراما المصرية.. قراءة في حضور الفولكلور داخل المشهد الدرامي الراهن"، وقدمتها الباحثة مروة سعيد يوسف، التي تناولت الطقوس الشعبية في الدراما المصرية بوصفها مكونات دلالية مشحونة بالذاكرة الجمعية، لا مجرد عناصر زخرفية أو هوامش فولكلورية.

وأكدت أن قيمة الزار تتجاوز كونه طقسا شعبيا، ليصبح أداة نقدية تكشف علاقة المصري بالتراث، ومدى تأثير الثقافة الشعبية في تشكيل سلوكياته وفهمه لمفاهيم المرض والشفاء والقوة والخضوع.
وأضافت أنها تناولت نماذج متعددة من الأعمال الدرامية التي استعادت طقس الزار بصور مختلفة، منها ما قدمه في صورته التراثية الدقيقة، ومنها ما وظفه في سياق نقدي أو تفكيكي، وأخرى استخدمته كعلامة مشهدية لافتة، مؤكدة أن هذه النماذج أسهمت في تقديم فهم أعمق لكيفية تفاعل الدراما المصرية مع تراثها الشعبي، وإعادة صياغة الطقوس عبر الشاشة بوصفها لغة ثانية للواقع، أو استعادة جمالية ومجتمعية لذاكرة لا تزال حاضرة في القرى والمناطق الشعبية.

وأوضحت "يوسف" أن الزار يعد من أكثر الطقوس الفولكلورية إثارة للجدل، إذ ينتشر في مصر والسودان وبعض دول الخليج، ويقوم على جلسات علاجية روحية تجمع بين الرقص والموسيقى والغناء لطرد الأرواح الشريرة أو الجن، التي يعتقد أنها تتسبب في أمراض نفسية أو جسدية.
كما كشفت أن الزار لا يزال عنصرا حيا داخل المشهد الفني المعاصر، وقادرا على إعادة إنتاج ذاته في سياقات درامية متعددة.

أما الورقة البحثية الرابعة فجاءت بعنوان "الخصوصية الثقافية للطبيعة في السينما المصرية.. فيلم عرق البلح لرضوان الكاشف"، وقدمتها الباحثة نورا سمير غنيم، التي أشارت إلى أن الخصوصية الثقافية تتكون من مجموعة عناصر مترابطة، في مقدمتها الدين والتراث بوصفهما تجسيدا للذاكرة الجمعية للمجتمع، إلى جانب الإبداع والفنون التي تترجم التجربة الإنسانية في صورها المتعددة.

وأكدت عمق العلاقة بين الفن والخصوصية الثقافية، حيث يمثل الفن بمختلف أشكاله المكتوبة والمرئية – من سينما ومسرح وأدب وموسيقى وفنون تشكيلية – مرآة صادقة للهوية الثقافية للمجتمع، يعكس من خلالها قيمه وعاداته وتقاليده ورؤيته الجمالية للحياة، ويجسد تفرده عن غيره من الثقافات.

وأضافت "غنيم" أنها اختارت فيلم عرق البلح لرضوان الكاشف بوصفه نموذجا بارزا لتوظيف الطبيعة في التعبير عن الخصوصية الثقافية، حيث تعددت عناصر الطبيعة داخل الفيلم، من الصحراء التي تحيط بالواحة، إلى الماء بوصفه معادلا للحياة والإنبات، والنار التي جمعت بين وظائفها المعيشية ودلالاتها الرمزية المرتبطة بالحصار والمصير، فضلا عن الأرض أو التراب بوصفه رمزا للوطن والأصل والانتماء. واحتلت النخلة موقع الصدارة بين عناصر الطبيعة، باعتبارها رمزًا للحياة والاستمرارية والجذور.

واختتمت حديثها بالتأكيد على أن فيلم عرق البلح نجح في تحقيق أهدافه الجمالية والتعبيرية من خلال رسم روح الجنوب عبر جغرافيا الصحراء الغربية، في مزج دلالي منح المكان طابعا أسطوريا ورمزيا شديد الخصوصية، مؤكدة أن جميع عناصر الفيلم – من شخصيات وأحداث ومكان وطبيعة – أسهمت في بناء رسالته الفنية، وأن النخلة تحديدا تحولت إلى شاهد ثقافي ورمز إنساني جامع، تقاسمت الشخصيات حضورها ومعاناتها وأحلامها، لتصبح تجسيدًا للحياة بكل تحولاتِها وأفراحِها ومآسيها.

وينفذ المؤتمر بإشراف الإدارة المركزية للشؤون الثقافية برئاسة الشاعر الدكتور مسعود شومان، من خلال الإدارة العامة للثقافة العامة، وإدارة المؤتمرات وأندية الأدب برئاسة الشاعر وليد فؤاد، بالتعاون مع إقليم القناة وسيناء الثقافي، وفرع ثقافة شمال سيناء.

ويشارك في المؤتمر نخبة كبيرة من الأدباء والمبدعين والباحثين والنقاد والإعلاميين، ويتضمن 11 جلسة بحثية، وورشا متخصصة في كتابة الدراما والسيناريو، وموائد مستديرة، وأمسيات شعرية وقصصية، وعروضا فنية، إلى جانب تكريم عدد من الرموز الإبداعية والنقاد والإعلاميين.
وتختتم الفعاليات بعقد جلسة التوصيات في الثامنة والنصف مساء اليوم الاثنين، إلى جانب تكريم عدد من الرموز الإبداعية في مصر، وتكريم مبدعي شمال سيناء من الأدباء والنقاد الذين قدموا إسهامات بارزة في الحياة الثقافية المصرية.

شاهد بالصور


متابعات

متابعات

راسل المحرر @