عضة أسد ولا نظرة حسد.. دلالات العين في الفنون والأدب التراثي

عضة أسد ولا نظرة حسد.. دلالات العين في الفنون والأدب التراثي

اخر تحديث في 7/13/2020 9:10:00 PM

أسماء عبد الهادي

العين هي عضو الإنسان الذي ارتبط بالذاكرة الشعبية السائدة "الحسد"، فالعين كما قيل "مغرفة الكلام"، وعرفت بأنها رمز الحسد والحقد والنظرة السيئة، واتخذ منها رمزًا لإبطال أثرها واتقاء شر النفوس. فالحاسد في اللغة كما جاء في لسان العرب: هو من يتمنى زوال النعمة من شخص وتتحول إليه.

وصل الاعتقاد بالحسد الي درجة الإيمان في الموروث الشعبي، فأصبح جزءا من الحياة اليومية؛ حيث إنه ارتبط بالكثير من المجالات الحياتية وصار موروثا ثقافيا خرجت منه دلالات كثيرة في الفنون والأدب التراثي سواء كان شفهيا أو ملموسا، ومازال الخوف من الحسد قابعا في الأذهان، وربما اختلفت وتعددت الطرق الواقية من الشرور التي تجلبها العين الحاسدة.

حصنتك ما تشوف الذل بخرتك بخدود الفل..

كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم والتي قدمها المطرب محمد منير في مسرحية "الملك هو الملك"، البخور أكثر الطرق الواقية انتشارا والذي يعد طقسة اجتماعية ارتبطت بمعظم المناسبات كالزواج، والطهور، السبوع، والنجاح أيضا، غير أنه محبب لرائحته الطيبة التي تبعث الراحة في النفوس. وارتبط بطقسة "البخور" "العروسة الورقية" التي يتم خزقها بالأبر مع المناداة بأسماء الأشخاص المعروف عنهم العين الحاسدة والأشخاص المحيطين من الجيران والأقارب خشية شرورهم، ثم تحرق في المبخرة ويبخر بها الشخص المحسود ويقال:

"رقيتك واسترقيتك من عين أمك وأبوك وأختك وأخوك ومن عين كل اللي شافوك، رقيتك بسم الله من عين عبد الله، ومن عين اللي حسدوك، ومن عين اللي كل اللي شافوك وما صلوش على النبي، عين الصبي فيها نبي، عين الدكر فيها حجر، عين الحسود فيها عود، وعين الجار مقلوعة بنار، اطلعي يا عين زي المهر من بطن الفرس، اطلعي يا عين زي الشعرة من العجين".

تلك الكلمات وصلت إلينا كأرث نحتفظ بيه ونرددها كثيرا، والتي تشير إلى مدى تأثير عين الحاسد.

رش الملح

"يا أم المطهر رشي الملح سبع مرات" كلمات العظيم سيد مكاوي بأوبريت الليلة الكبيرة والذي أشار فيها إلى أهمية تلك العادة في الثقافة الشعبية.

رش الملح إحدى الوسائل المتبعة لدرء أثر العين اعتقادا أن الملح يدخل في عين الشيطان والجن ويبطل أثر السحر والحسد، ويتم بدره على العروسة، وأم المولود في السبوع وحالات الطهور، ويرش في أركان المنازل ويوضع على البخور.

الماشاء الله.. حصوة فى عين اللي ما صلى

"الخمسة وخميسة، الماشاء الله، كف مريم" كل هذه المسميات لنفس الطقسة، وهي من أشهر الطقوس المتوارثة للحماية من الحسد، لم يقتصر استخدامها في الشكل المادي كحلي وقطع زينة، استخدمت في شكلها المعنوي فعندما يتحدث شخص مع آخر يشعر تجاهه أنه حاسد يقوم بفتح كفه في وجه الحاسد مرددا الكثير من الكلمات "خمسة ف عين اللي مايصلي ع النبي، عين العبد غدارة وعين الرب ستارة، ياناس ياشر كفاية قر، كان في وردة وفتحت، كان في بيض وفقس، النهاردة الخميس" وغيرهم من العبارات المتداولة، وتلطخ أيضا كف اليد بدماء الذبيحة سواء في الأضحية أو النذور وتطبع على الجدران لتجذب انتباه المارة وتبطل شر العين.

الخرزة الزرقاء

من أقدم المعتقدات الشعبية الحامية من القوى الخفية التي تسبب لهم الأذى والضرر، وتعد من أكثر التقاليد المتوارثة من جيل إلى جيل، غير أنها تنتشر في الكثير من الشعوب، ربما لأنها ارتبطت بالحضارات القديمة، وبما أن الحضارة المصرية أقدم الحضارات فهناك اعتقاد أنها تمثل عين الإله "رع" الحامية إله السماء، ولم ينته الأمر بها عند المعتقد ولكنها أصبحت موضة العصر.

وهناك بعض الأساليب المستخدمة لإبعاد الشر أو الحماية من الحسد والتي قد تختلف بين مجتمع وآخر، أو بين ديانة وأخرى إلا أن هناك تشابها كثيرا بينهم، مثل "الحجاب، الخرز، النذور، وزيارة الأولياء".

ويوجد بعض العادات التي اتبعها المصري والتي تضم جميع فئاته من البسطاء والطبقات الراقية والمثقفين، ليخزي بها العين كما يقول، فنجد استخدامه للمعلقات كحدوة الفرس، قرون الكبش، حذاء الطفل، والجعران وغيرهم الكثير والكثير، ربما لمعتقد ديني؛ حيث إن الحسد ذكر في الأديان السماوية، بسم الله الرحمن الرحيم "وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ"، الفلق -5.

ولم يكن مجرد خرافة أو فكرة أسطورية، ولكن هناك إشكالية التفسير المغلوط بين العقيدة والمعتقد.

عضة أسد ولا نظرة حسد

لم تخل جعبة الأمثال الشعبية المصرية من أمثلة الحسد التي تتسم بالبساطة بعيدا عن التعقيدات اللفظية، والتي تعد من أبرز الموروثات التي تعكس ثقافة المصري وانتباهه لتلك العادة السيئة في ايذاء الآخرين وأنه لا يفرق في المكانة الاجتماعية "الكحكة فى إيد اليتيم عجبة، العين تكره اللي أحسن منها، حسدوا الفقيرة على الحصيرة"، ووصلت درجة الاعتقاد منه في الحسد أنه قد يحسد نفسه قائلا: "مايحسد المال إلا صحابه"، غير أنه حاول جاهدا اتقاء شر العين وإخفاء ما لديه من نعم حتى تتم ولاتزول "داري على شمعتك تقيد".

شاهد بالصور


اسماء نور

اسماء نور

راسل المحرر @