العدد 944 صدر بتاريخ 29سبتمبر2025
المسرح فن له عشاقه الذين يستمتعون به بفضل ما يتيحه من تواصل بين طرفيه (الفنان والجمهور)على نحو لا يحدث مع فن آخر.
وهناك حالات متعددة لهذا العشق تنطوى على الدهشة والاثارة. ومن هذه الحالات حالة المليونير الأمريكى (الراهب سابقًا والممثل سابقا ورجل الأعمال حاليًا) روى كوكروم (69 سنة).
كان كوكروم فى شبابه ممثلًا مغموًرا حاول كثيرًا تحقيق النجاح والشهرة بلا جدوى. وأخيرًا قرر الانتظام فى سلك الرهبنة بدلًا من التمثيل. وظل كذلك حتى عام 2014. فى ذلك العام ربح 259 مليون دولار فى يانصيب وهنا قرر انهاء حياة الرهبنة والتحول الى رجل اعمال. وانخرط فى عدة مجالات لكن ذلك لم ينسه عشقه الاول وهو المسرح.
واهتم بشكل خاص بالمسرح فأنشا صندوقا لدعم المسرح قدم عن طريقه حتى الان مساعدات قدرها 25 مليون دولار الى 29 فرقة مسرحية.
من يدعم
وكانت آخرها وليست الأخيرة فرقة “أولد جلوب” فى كاليفورنيا التى كانت بحاجة الى الدعم لتقديم مسرحية شكسبير “هنرى الخامس”. وأدت هذه المساعدة إلى ظهور المسرحية بشكل رائع وتحقيقها إيرادات قياسية.
ويتحدث عن اتجاهه لدعم المسرح دون غيره من الفنون فيقول إنه فن مكلف يحتاج من يدعمه. ويمكن أن يلعب دورًا فى التعامل مع مشاكل المجتمع وقضاياه على نحو يفوق أى وسيلة مرئية أخرى مثل السينما والتليفزيون.
وكان يمول هذا الصندوق بجزء من أرباحه. ولا يمانع فى قبول تبرعات من عشاق آخرين للمسرح. ولم تقتصر مساعداته على ولاية كاليفورنيا بل شملت معظم الولايات الأمريكية.
واقتصر اهتمامه بشكل رئيسى على الفرق المسرحية غير الربحية التى يرى انها انتشرت بشكل كبير فى الولايات المتحدة على نحو يجعل تمويلها أمرًا صعبًا خاصة فى ضوء الارتفاع الكبير فى الأسعار وتراجع موارد الفرق غير الربحية الذى تعانيه الولايات المتحدة. ويدعو إلى تأسيس صنادق مشابهة فى كل الولايات الأمريكية.
رؤية جديدة
وساعد تبرعه الفرقة أيضًا على تقديم مسرحية باسم “هنرى السادس” من فصلين، وهى عبارة عن معالجة برؤية جديدة من فصلين لمسرحية هنرى الخامس.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية منذ ترك حياة الرهبنة دعم صندوقه عددًا من الفرق المسرحية الامريكية غير الربحية مثل فرقة جودمان فى شيكاغو وجوثرى فى مينيابوليس ومسرح مانهاتن فى نيويورك.. وتم ترشيح عدد من المسرحيات التى شارك فى تمويلها لجوائز مسرحية مرموقة مثل مسرحية “الصلاة من اجل الجمهورية الفرنسية”.
قدم هذه المسرحية مسرح مانهاتن فى نيويورك وتم ترشيحها لجائزة احسن مسرحية فى جوائز تونى المسرحية المرموقة ولكنها لم تفز. وعمومًا فإن ترشيح أى مسرحية لأى من جوائز تونى يعد جائزة فى حد ذاته حسب آراء العديد من النقاد.
ويروى كوكروم قصته مع حب المسرح فيقول انه عشقه منذ نعومة اظفاره. وشارك فى تمثيل عدد من المسرحيات عندما كان طالبا فى المدرسة العليا فى مقاطعة كنوكسفيل فى ولاية تنيسى. وفى جامعة نورث وسترن حصل على شهادة فى المسرح عام 1978. وبعد أن شارك لفترات فى مهرجان فرجينيا المسرحى بولاية فرجينيا وفى مهرجان مسرح الممثل فى ولاية كنتاكى كمتدرب. وعمل فى شيكاغو وفى نيويورك كممثل فى إعلانات تجارية. وبدأ فى المشاركة فى مسرحيات دينية على غرار “مثليات سدوم”.
وكان يعتز بهذا العمل رغم ضعف اجره الذى لم يكن يكفيه وكان يضطره الى امتهان اعمال اخرى نهارا مثل نادل فى مطعم او مصححح فى صحيفة او مراجع تقارير مالية.
نهاية الجميع
وبعد 21 عامًا من العمل كممثل بأجور ضعيفة لا تكفيه ووقوع تفجيرات 11/9 عام 2001 ومشاهدته لسقوط عدد كبير من القتلى فى الهجوم، أيقن أن الموت هو نهاية الجميع وأنه لم يهتم إطلاقًا بهذه الحقيقة.
هنا قرر الاعتكاف أسبوعًا فى أحد الأديرة فى وادى هدسون فى نيويورك. وشعر براحة كبيرة جعلته ينخرط فى سلك الرهبنة تحت اسم الأخ روى ويتوجه إلى دير سان جون فى ولاية ماساسوشتس المجاورة كراهب مبتدئ.
وفى 2004 أثناء زيارة قام بها إلى لندن أعجب بالعرض المسرحى “مادته المظلمة” الذى شاهده على مسرح ناشيونال الشهير فى لندن، وكان من إخراج المخرج البريطانى البارز نيكولاس هانتر.
ولفت نظره إلى أن الحكومات فى اوروبا تدعم الفنون كلها بما فيها المسرح. ولولا دعم الحكومة البريطانية لما خرج هذا العمل المتميز إلى الوجود. هذا بينما تترك الحكومة الامريكية الاعمال الفنية تحت رحمة داعمين تجاريين أو جمعيات خيرية خاصة.
أرباح وضرائب
وفى ذلك يقول الناقد المسرحى لصحيفة النيويورك تايمز ان كوكروم عندما ربح اليانصيب القياسى (259 مليون دولار) فى 2014 اتخذ قرارًا محددًا، وهو أنه يفضل اعتزال الرهبنة، لكنه لن يستطيع العودة إلى العمل المسرحى مرة أخرى لظروف عائلية منها رعاية والديه المتقدمين فى السن (رحلا إلى العالم الآخر) ولا بد من ممارسة نشاط اقتصادى آخر. لكنه لم يتخلَ عن خطط دعم المسرح.
وكانت البداية السعى الى الحصول على المبلغ دفعة واحدة؛ حيث ينص القانون الأمريكى على صرف المبلغ فى اليانصيب على عشرين عامًا مع إخضاعه للضرائب. ونجح فى الحصول على المبلغ دفعة واحدة بعد أن التهمت الضرائب حوالى نصفه؛ ليصل إلى 158 مليون دولار فقط.
وبدءًا من هذا التاريخ بدأ فى دعم الفرق المسرحية غير الربحية بأفكار غير تقليدية. فهو مثلًا لا يقصر تمويله على حد أقصى من الممثلين فى العمل المسرحى بل يهتم بالعدد المناسب للعمل المسرحى وعلى حسب السمعة التى تتمتع بها الفرقة.
وتشير الإحصاءات إلى أن أقل تمويل قدمه إلى مسرحية كان 25 ألف دولار فقط، بينما وصل أقصى تمويل إلى مليون دولار.
ولم يقصر كوكروم تبرعاته على المسرح فقط بل اتسعت لأغراض خيرية أخرى مثل منظمة أطباء بلا حدود وغيرها. وكان يتبرع للكنائس. وكان ذلك يتم من امواله الخاصة وليس من اموال صندوق دعم المسرح. وتتبقى له أرباح طائلة ساعدته على أن يعيش حياة من الرفاهية بشراء السيارات والمنازل الفاخرة وغيرها على نحو يجعل البعض لا يصدقون أنه راهب سابق.