يُعدّ النبى «أيوب» فى صبره نموذجًا للإبداع والخيال لا سيما فى مجال المسرح! هذا الأمر وجدته فى نص مسرحى أحتفظ به تحت رقم «656» عنوانه «أيوب البار»! وللأسف بدون مؤلف أو أن الصفحة الأولى من مخطوطة المسرحية منزوعة، حيث إن الموجود غلاف ملف النص ومكتوب عليه بخط اليد «مسرحية أيوب البار» علمًا بأن النص مكتوب بالآلة الكاتبة فى «37» صفحة. وفى نهاية النص يوجد تصريح الرقابة، ونصه يقول: “لا مانع من الترخيص بتمثيل هذه المسرحية بشرط إخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول حتى يتسنى بعد مشاهدتها النظر فى اعتماد الترخيص بالمسرحية بصفة نهائية. تحريرًا فى 10/9/1969 توقيع مدير عام الرقابة والتصريح موجود فى الختم برقم «150» بتاريخ 10/9/1969.ويُلاحظ أن التصريح لم يبين جهة إنتاج العرض، وهذا يعنى أن المؤلف هو من تقدم بالنص إلى الرقابة لنيل التصريح، ولم تتقدم به جهة الإنتاج! وطبقًا للتصريح سيظن القارئ أن النص تم تمثيله! وهو الأمر الذى لم أستطع تأكيده، ورغم ذلك أشك فى أن هذه المسرحية تم تمثيلها، لأن الرقابة تمنع منعًا باتًا ظهور الأنبياء على خشبة المسرح! وأمام هذه الحقيقة لا بد أن نضع فى الحسبان احتمالين: الأول أن المسرحية مُثلت فى نطاق محدود من الزمن وأمام جمهور خاص، والآخر أنها لم تُمنح التصريح النهائى وتم رفضها بعد التجربة النهائية أو بعد العرض الأول! وحسم هذا الأمر سيأتى فيما بعد عندما نتعرض للنص نفسه مرة أخرى!إذا تركنا نص مسرحية «أيوب البار»، سنجد مسرحية أخرى تناولت شخصية النبى أيوب، اسمها «أرض الصبر» أحتفظ بنسختين منها تحت رقمى «186» و«744» تأليف «فاروق خورشيد»، وتقدم بها إلى الرقابة «المسرح الحديث» بتاريخ 5/2/1973 من أجل التصريح بتمثيلها. فكتب الرقيب «محمد عمرو» تقريرًا رقابيًا بتاريخ 22/2/1973، قال فيه: “هذه المسرحية هى نفس مسرحية «أيوب» تأليف الأستاذ فاروق خورشيد، والتى سبق للمسرح الحديث تقديمها للرقابة، ثم حولت إلى الأزهر لإبداء الرأى فيها، والدليل على أنها هى نفس المسرحية أن جميع شخصياتها بأسمائهم والحوار الذى دار بينهم موجودة بالمسرحيتين، وكذلك الأحداث، وكل ما حدث هو أن المؤلف حذف لفظ أيوب ووضع بدلًا منه السيد، وقد نسى أن يحذف لفظ أيوب ويضع بدلًا منه لفظ السيد فى ص 108، ثم أن الذى كان ينقل المسرحية من الكتاب المطبوع إلى الآلة الكاتبة قد نسى أيضًا وذكر اسم أيوب ثم شطبه ووضع بدلًا منه لفظ السيد فى ص 55. وما أشبه ذلك بأن نأتى بمسرحية عن حياة الرسول ثم نحذف لفظ محمد ونضع بدلًا منه السيد، ثم نذكر زوجات الرسول وأولاده وأصحابه بأسمائهم الحقيقية.. وعلى ذلك أرى رفض الترخيص بعرض هذه المسرحية الآن حتى يصل الرد من الأزهر على مسرحية أيوب”.وهذا التقرير يبين لنا عدة أمور، منها أن المؤلف أراد خداع الرقباء بأن استبدل نص مسرحية «أيوب» بنص مسرحية «أرض الصبر» ظنًا منه أن الرقباء ستنطلى عليهم هذه الخدعة! الأمر الآخر – والغريب – أن «المسرح الحديث» بوصفه مسرحًا من مسارح الدولة وافق على خداع الرقابة بهذه الفعلة، لأن المسرح الحديث هو من تقدم بالطلب إلى الرقابة! الأمر الثالث أن المؤلف – أو المسرح – علم أن النص محبوس فى أدراج الرقابة لحين إفراج الأزهر عنه بتقرير الموافقة، لذلك كان المؤلف – أو المسرح – أسبق تصرفًا بأن تقدم إلى الرقابة بالنص نفسه بعد تغيير العنوان، ووضع اسم «السيد» بدلًا من اسم النبى «أيوب»!لم يختلف رأى الرقباء فى تقاريرهم عن رأى الرقيب السابق، فقد قالت الرقيبة «تيسير حامد بدر» فى تقريرها: “مسرحية أرض الصبر هى نفس مسرحية أيوب لم يحدث بها أى تعديل إلا أنه غيّر عنوانها ولم يذكر اسم أيوب واستبداله بالسيد وهذا لم يغير من أحداث المسرحية ولم يتغير موقف الزوجة التى سبق أن اعترضنا عليه كما أنه واضح من قراءة نص أرض الصبر أنها هى أحداث نص أيوب ولذلك أرى إعادة عرض هذه المسرحية على إدارة الأزهر لتقدير مدى صلاحيتها للعرض العام”. وأسفل هذا التقرير توجد تأشيرة من المدير العام «اعتدال ممتاز» بتاريخ 19/2/1973 قالت فيها: “يكتب للفرقة بأن المسرحية سبق إحالتها لإدارة الأزهر الشريف لإبداء الرأى وشكرًا».وكتبت الرقيبة «ثريا الجندي» فى تقريرها: “سبق تقديم هذه المسرحية تحت اسم «أيوب» وهى هنا لم يتغير فيها شيء عن سابقتها إلا أن المؤلف لم يذكر اسم أيوب وذكره باسم «السيد» أما الأحداث فهى كما هى بلا أى تغيير وقد أحيلت المسرحية السابقة إلى الأزهر لإبداء الرأى فيها. «الرأي»: لذا أرى إرجاء البت فى أمر هذه المسرحية حتى يرد لنا رد الأزهر الشريف”. وتوجد تأشيرة أسفل التقرير من المدير العام اعتدال ممتاز، قالت فيها: «برجاء البت حتى يرد رأى الأزهر الشريف، ولا مانع من استعجال الرد كما أرجو أن يكتب خطاب للفرقة بهذا”. وتوجد تأشيرة أخرى ونهائية بتاريخ 26/3/1973 جاء فيها الآتي: “ورد خطاب من الأزهر برفض مسرحية «أيوب» وأرسل خطاب للمسرح الحديث بعدم الموافقة على المسرحية المذكورة، وكذلك عدم الموافقة على مسرحية «أرض الصبر»”.وبهذا الإجماع من قبل الرقباء برفض المسرحية – مهما تغير عنوانها – يؤكد أمرين: الأول أن الرقابة – وفقًا لقانونها – لا تسمح بتجسيد الأنبياء وظهورهم على خشبة المسرح! والأمر الآخر أن الرقابة – رغم استنادها إلى القانون – إلا أنها لا تبث فى أى أمر يتعلق بتجسيد الأنبياء إلا بعد الرجوع إلى الأزهر! مما يعنى أن الرقابة تريد سندًا دينيًا تتكأ عليه فى حالة الاختلاف، لذلك تلجأ إلى الأزهر تطلب رأيه فى معظم المسرحيات التى بها شخصيات دينية من الأنبياء أو الصحابة أو الخلفاء الراشدين.. إلخ! ولكن هنا سؤال يفرض نفسه: لماذا نص مسرحية «أيوب» أو «أرض الصبر» أوقفت الرقابة إجراءات مراقبته لحين وصول رأى الأزهر فيه، وهناك نص آخر تمت مراقبته بدون رأى الأزهر، وصدر تصريح بتمثيله، وهو نص مسرحية «أيوب البار» عام 1969، الذى أحتفظ بنسخة منه، وتحدثت عنه فى المقدمة؟ هذا السؤال إجابته فى السطور التالية!ضمن النصوص التى أحتفظ بها يوجد نص رقمه «183» لمسرحية عنوانها «أيوب البار» أو «أيوب ورحمة»! وقد وجدته نسخة من نص مسرحية «أيوب البار» التى صرحت به الرقابة عام 1969، وشككت فى أمر عرضه وتمثيله كما مرّ بنا! ونعود إلى النص الذى بين أيدينا الآن، حيث وجدت فى الصفحة الأولى ترويسة بها الآتي: أفلام جو للإنتاج السينمائى والتليفزيونى، 17 قبة الهوى بالترعة. تقدم مسرحية «أيوب البار» [وأسفلها بخط اليد أيوب ورحمة] تأليف وحوار: جوزيف رزق الله.وضمن الوثائق المرفقة بالنص خطاب رسمى من أوراق أفلام جو وبه شعار الشركة، مؤرخ فى 19/1/1988 جاء فيه الآتى: «الأستاذ/ مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية، تحية طيبة وبعد، أرجو التصريح بمسرحية «أيوب ورحمة» تأليف جوزيف رزق الله، إخراج فاروق زكى، وذلك لتصويرها تليفزيونيًا، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام”. وهذا الخطاب يُعدّ وثيقة تاريخية مهمة، لأنه يوثق مرحلة عُرفت تاريخيًا بـ«مسرحيات العلب»! وهى المرحلة التى ظهر فيها «جهاز الفيديو» وانتشر، وأصبحت أغلب المحلات تبيع وتؤجر أفلام الفيديو بدرجة كبيرة جدًا، وأصبحت أفلام الفيديو تجارة رابحة جدًا، جذبت إليها أيضًا «المسرحيات»! ومع ازدياد الطلب على أشرطة الفيديو، أصبح التجار لا يكتفون بتصوير المسرحيات المعروضة فى المسارح، بل كان «التجار المنتجون» يؤجرون المسرح يوم أجازته – وغالبًا تكون يوم الثلاثاء – ويجعلون الجمهور يدخل مجانًا، بل كانوا يقفون أمام المسرح ويدعون المارة للدخول للمشاهدة مجانًا، فيدخل الناس من باب الفضول فيجد من يرحب بهم ويجلسهم بطريقة معينة بحيث يظهر المسرح مكتظًا بالجمهور، ويطلب منهم التصفيق بشدة قبل بداية العرض، ويقوم بتصوير التصفيق المبالغ فيه من الجمهور. ثم تبدأ المسرحية التى لم تسمع عنها، ولم تقرأ عنها، ولم يكن لها أى إعلان.. وبعد عدة أشهر تجد أشرطة الفيديو تباع وبها هذه المسرحية، التى تبين أن العرض تم على المسرح وأنها مسرحية جماهيرية شهيرة والجمهور يصفق بحرارة فى التصوير.. وبذلك يتم توزيع «مسرحيات العلب» من قبل التجار! وأحكى هذه التفاصيل حيث كنت شاهد عيان عليها، لأننى كنت أحد المارة أمام المسرح القومى بالعتبة وأنا طالب جامعى، ودعانى أحد الواقفين على باب المسرح للدخول، فدخلت من باب الفضول قبل أن أتخرج من الجامعة وأهتم بالمسرح وتاريخه!نعود إلى المسرحية التى ربما من هذا النوع المُعلب - كون التصريح بها من أجل تصويرها تليفزيونيًا، وليس مسرحيًا - حيث وجدت الرقيب «كمال سعد طه» كتب تقريرًا قال فيه: “تدور أحداث المسرحية حول أيوب البار الصابر والمتمسك بإيمانه بالله مع أنه رجل غنى جدًا يمتلك الذهب والفضة والضياع الواسعة، ولكن الشيطان أراد أن يجعل من أيوب إنسانًا كافرًا بربه وعدم الصبر والحكمة، ولذلك تحدى الشيطان الملاك من أجل تكفير أيوب، فدخل الشيطان على أيوب على شكل رسول من عند الملك لكى يخبره بأن الملك اختاره أن يكون حاكمًا على أرض غوص وإعطائه جميع المتع ولكن أيوب يرفض ذلك لأن الحكم لله وحده ويغضب الرسول ويخرج بعد أن يتوعد لأيوب بالهلال والدمار، ويحاول الشيطان مرة أخرى فيدخل على أيوب فى شكل ثلاثة غرباء من أجل طلب المعونة منه فالأول يطلب المال وخمس وزنات من الذهب من أيوب كقرض مقابل ردهم له الضعف ويرفض أيوب هذا لأنه ربا ويسأل أيوب الضيف عما يفعله بالمال فيجيب عليه الضيف بأنه سوف يستغله فى إقناع نفسه بكل المتع والجاه والحاشية والحفلات وشرب الخمر ويرفض أيوب ذلك لأنه وزر ولا يريد أيوب أن يتحمل هذا الوزر، لأن طلبه فيه سعادة لنفسه وحده وليس إسعاد الآخرين، أما الثانى فيطالب من أيوب أن يشفيه من مرض بالسحر ولكن أيوب يرفض ذلك لأنه ليس بساحر أو مشعوذ ولأن ذلك عن عمل الشيطان وأوصاه بالإيمان والدعاء لله حتى يشفى من مرضه، أما الثالث فيطلب من أيوب التوسط له عند الملك لأن الناس اتهموه بسرقة قطيع من الأغنام مقابل تقديم ماسة ذهبية هدية له فرفض أيوب ذلك لأنها رشوة وزاد عليها الغريب مائة رأس غنم مقابل التوسط عند الحاكم ولكن أيوب يرفض ذلك وينصحه بأن البريء لا يخاف شيئًا ولا يطلب وساطة أحد، ثم يدخل الشيطان على هيئة قائد جند الملك ويسجد له الغريبان ويستغرب أيوب لذلك فيسأله القائد عن عدم سجوده له فيجيب أيوب بأنه لا يسجد إلا لله وحده، ويحاول الشيطان ضرب أيوب بحرق زرعه وسرقة ذهبه وأمواله وهدم أملاكه وقتل أولاده جميعًا وهدم القصر عليه كل ذلك وأيوب لازال صابرًا وتسأله رحمة زوجته عن صلاته لله وماذا حدث له فيجيب عليها بأن الإنسان لا يملك شيئًا ومع كل هذا لا يكفر أيوب ويستمر فى صبره وإيمانه وحبه لله، فأصبح أيوب فقيرًا ولا أحد يساعده وبذلك انتصر الشيطان عليه لكى يعدل عن صبره وإيمانه بالله وحده، ولكن أيوب لازال متمسكًا بإيمانه ويعيش مع زوجته رحمة فى بيت صغير ولا يجد المال ولا الخبز وتضيق رحمة من ذلك الفقر ولكن أيوب متمسك بإيمانه ويؤثر على زوجته بالإيمان أيضًا ويخبرها بأن هذا الفقر ما هو إلا امتحان من عند الله لكى يظهر إيمانه الحقيقى ويجب تقبل المصائب بصدر رحب وتطهير نفوسنا بالصلاة والصوم لنرفعها من السقوط إلى النقاوة، وينتصر أيوب بصبره وإيمانه ويعرب الشيطان على جعل جسد أيوب بؤرة للمرض الخبيث وجعل الدود ينخر فى عظامه حتى لا يستطيع أن يسجد ويصلى لله، وبالفعل يستطيع الشيطان بوقوع المرض بجسد أيوب وكل هذا وأيوب صابر ومؤمن بالله وتراه زوجته بهذا المنظر فيصعب عليها ولكنها متمسكة به ويأتى الشيطان فى صورة حاكم المدينة ويأمر بنقل أيوب خارج البلاد وإغراء رحمة بالمال من أجل أن يسجد أيوب له ولكنها ترفض ذلك فيأمر بترحيلها هى الأخرى مع أيوب ويعيشان فى عشة فى الخلاء ويدخل عليه أصدقاؤه ويتنصلون منه هم الآخرون، وتخرج رحمة من أجل البحث عن الخبز لإطعام زوجها دون فائدة وتصر على قص شعرها وبيعه من أجل قطعة خبز وتحصل عليها، ولكن يمر مسكين ويطلب المساعدة فتعطيه قطعة الخبز.