قهوة ساخنة.. هشاشة العلاقات الإنسانية وصراعات وجودية ونفسية عميقة

قهوة ساخنة..  هشاشة العلاقات الإنسانية وصراعات وجودية ونفسية عميقة

العدد 943 صدر بتاريخ 22سبتمبر2025

فى إطار الدورة الـ32 من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى وضمن فاعليات هذه الدورة قدم العرض المسرحى قهوة ساخنة على قاعة مسرح الغد بالعجوزة والعرض من إنتاج فرقة مسرح الصوارى بمملكة البحرين، تأليف الراحل عبدالله السعداوى، وإخراج إبراهيم خلفان.
تدور الفكرة الرئيسية حول السؤال هل يموت الحب؟ بمعنى أن الإنسان المحب عندما يتقدم به الزمن ويصبح طاعنًا فى السن هل يموت بداخلة الحب، وهى فكرة بسيطة حاول مجموعة العمل مناقشتها بمحاولة تجريبية، وتدور الأحداث حول رجل وامرأة (محمد المرزوق وسودابة خليفة) يجلس كل منهما على مقعد ويفصل بينهما منضدة صغيرة، لا نعلم مدى العلاقة بينهما، وهل تم هذا اللقاء بالصدفة ام مرتب له، لم يوضح العرض ذلك؛ لكنه من المفترض أنهما يحتسيان القهوة، فهل هما فى مقهى حقيقى أم لا، لم يتضح ذلك، لكن القهوة وضعت فى كوب كبير من الأور كوبال (مج) وهو غير مألوف إلا إذا كان المقصود النسكافيه، ويحدث بينهما حوار، هذا الحوار يشوبه الغموض، حيث بنى النص على الحوار الذى نتعرف من خلاله على المشاعر المختلفة والبحث عن الذات، وكأن جلسة احتساء القهوة تستعرض ماضيهما، وأحلامهما، وأسرارهما، ويتناول العرض قضايا إنسانية واجتماعية بطريقة رمزية، ويسيطر على العرض فكرة إعادة تعريف العلاقات وكشف الجوانب الإنسانية لها.
يظهر لنا من خلال الحوار معاناة وصراعات وجودية ونفسية عميقة داخلية وخارجية يعيشها الإنسان المعاصر، ويطرح أسئلة وجودية عن الخوف والبحث عن الأمان، كما يوضح مدى هشاشة العلاقات الإنسانية، فالشخصيتان فى حالة نفسية ما، وهذه الحالة معقدة، أو نعتبر أنهما فى شبه مستشفى للأمراض النفسية، حيث يرتعشان وكأنهما فى جلسة كهرباء، ويشعر بأنه يحدث بينهما ضغطًا نفسيًا يمارسه كل منهما على الآخر، خاصة المرأة تكون أقوى فى ضغطها النفسى على الرجل وتلاحقه بالأسئلة، التى تحاول أن تقيده، ومن الجائز أن نعتبر المرأة هى التى تقوم بمعالجة الرجل نفسيًا؛ حيث نشعر بأنها انتقلت لتقوم بدور الطبيب النفسى للرجل وتشخص حالته على الرغم من أننا نرى أنها أيضًا تحتاج إلى معالج نفسى؛ حيث تحمل بداخلها تناقضًا عميقًا؛ لكن الرجل كان دورة اقل فى ذلك فى سيطرته على المرأة، واحيانًا أخرى نلاحظ أن كلًا منهما يجلس فى عالم منفصل بذاته، يبدأ الحوار بين الرجل والمرأة بقوة؛ لكنه فى النهاية يبدأ فى الخفوت ويدل ذلك على الوهن وأن الرجل والمرأة أصبحا طاعنين فى السن.

رؤية المخرج:
 إن الحركة هى تعبير فاعل عن دواخل النفس البشرية، وهى شيء اساسى فى العرض المسرحى المكون من مجموعة أنساق بدائية ومنها النسق (اللفظى، الحركى، التكوين التركيبى، الضوئى... إلخ)، والحركة والإيماءة دور كبير عند معظم مخرجى المسرح الحديث خاصة مخرجى المسرح التجريبى الذين أولوا الأهمية لجسد الممثل، وفى هذا العرض نجد ممثل وممثلة (رجل وامرأة) يجلس كل منهما على مقعد ويفصل بينهما منضدة صغيرة، من المفترض أنهما يحتسيان القهوة، لكن القهوة وضعت فى كوب كبير من الأور كوبال (مج) وهو غير مألوف فدائمًا تقدم القهوة فى فنجان، ويحدث بينهما حوار، وكأن القهوة تستعرض ماضيهما، وأحلامهما، وأسرارهما، وتكشف الجوانب الإنسانية لها.
كان الأداء التمثيلى للممثل والممثلة بطريقة المبالغة فى التمثيل (Over acting) وهذا مقصود، حيث إنه كانت بعدًا تجريبيًا، وطوال العرض يجلس الممثل والممثلة ولم يغادرا الكرسى لحظة واحدة، وهو بعدًا تجريبيًا أخر، ويدل ذلك على الحبس والعجز والصراع النفسى الداخلى، الذى لا يحتاج إلى حركة واســعة ليعبر عنه، فالحركة تكتسب أهميتها حين تنطلق من دافعية، لأنها ستؤدى مجموعة من الأفعال المهمة على المسرح، فقد أراد المخرج التركيز على الإحالة الجسدية للممثل فى التعبير عن حالات إنسانية تؤكد إنسانية التصرف فى الحدود المعرفية التعبيرية للمسرح، بمعنى أنه سخر إمكانات وطاقات الممثل والممثلة بأن يستخدما الجسد للتغلب على الحالة الاستاتيكية، وتحولها إلى الديناميكية، بحث يبدا العرض وهما يوجهون الجمهور بظهرها ثم بالجنب، ثم يكونا فى مواجهة الجمهور، وفضل المخرج أن يقوم كلاهما بالحكى الجسدى، وذلك بالتعبير بالإيماءات واللغة الجسدية فنجدهما منذ بداية العرض وكأنهما يجريان فى المكان بسرعة بحركات أقدامهم، ثم تبدأ الحركة تقل مما يشعر المتلقى بالتقدم فى العمر، والذى ظهر أيضا على حركات اليدين والوجه، وأكد ذلك التلوين الصوتى ذو الانتقالات السريعة والمتنوعة والمشحونة بالانفعالات، وفى بعض الأحيان كان يصل إلى همسات وصرخات، تتحول نبــرة الصوت وارتعاشاته إلى لغة جديدة تنقل الغضب والخوف مباشرة إلى مشاعر المتلقى.
كان الديكور (محمود الصفار والذى عمل كمساعد مخرج) عبارة عن منضدة صغيرة لها رفان وضع على الرف العلوى ستة زجاجات من المياه وعدد اثنين كوب مصنوعين من الآركوبال (مج) ومعلقتان وعلى كل جانب من جوانب المنضدة وضع الكرسى، والمنضدة والكرسيين تم طلاؤهم باللون الأبيض، وتجلس المرأة فى جهة شمال المتلقى ويجلس الرجل جهة يمين المتلقى، ووضع فى الرف السفلى كوب من الأر كوبال احتياطيا لعل ينكسر احد الاكواب مع عصبية التقليب بالملعقة داخل الكوب وهو ما حدث بالفعل مع كوب الرجل.
ويحيلنا ذلك إلى تفسير أن الملعقة ليست وسيلة لتقلب القهوة؛ بل هى أداة عنف وهى وسيلة لاستعادة الصراع لعدم القدرة على التواصل.
بدأ العرض بأغنية (سلمى) وهى أغنية للفنان زياد الرحبانى، وغناها بصوت الممثلة اللبنانية كارمن لبس، وهى جزء من ألبوم (كيفك) الغنائى لعام 1998م وتتكون الأغنية من حوارات يومية بين زياد وحبيبته (سلمى) وتصف العلاقة بينهما، وتحمل اسم الأغنية جملة من الأغنية نفسها «ما دام أحلى ورد بتموت»، والتى أصبحت شائعة فى مجتمع الأغنية وظهرت فى حوارات تلفزيونية ومقابلات، والكلمات هى (مادام أحلى وردة بتموت.. والطير شو ما علا بيموت.. صدقت شو بيحبنى.. أدك ما حدا حبنى.. بس ليش لا الحب ما يموت.. يا عمى ما الشمس بتموت.. وإنسان هلا بيموت.. ليش لا هالحب ما يموت.. بيموت.. بيموت.. مات مش بيموت.) وهذه الكلمات الشعرية قامت بأدائها سوادبة خليفة، وقد كانت هذه الكلمات هى المدخل الرئيسى للعرض والذى ترجمت وتشكلت فى الحوار طوال مدة العرض.
كانت الإضاءة للإنارة ولكنها فى وقت ما يحدث إظلام للتعبير عن مرور فترة زمنية.
وبالنسبة للموسيقى والمؤثرات الصوتية نجد أن البيانو كان مصاحبًا للكلمات التى قامت بأدائها سودابة خليفة، وقد قام الممثلين بعمل مؤثرات صوتية بالملعقة داخل الأكواب للدلالة على حالة الصراع والعصبية والقلق الذى يعيش فيه كلاهما.
كل التحية لكل من شارك فى ظهور هذا العرض للنور وبجانب كل من تم ذكرة سابقا فالتحية لمساعد الإخراج عمر السعيدى.


جمال الفيشاوي