عن المهرجانات.. والتحكيم والتشكيك

عن المهرجانات.. والتحكيم والتشكيك

العدد 936 صدر بتاريخ 4أغسطس2025

هي فرصة للتلاقي وتبادل الخبرات والاطلاع على أفضل ما تم تقديمه خلال فترة زمنية محددة، حسب لائحة كل مهرجان، ويجب أن نعي جيداً أنه من أجل ذلك، ومن أجل ذلك فقط تعقد المهرجانات، وتتكلف الدولة من النفقات ما قد يثقا كاهلها، وبخاصة، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة يعاني منها الجميع.
لذا لا يجب أن يدفعنا التنافس والحرص على الحصول على المراكز الأولى أن نلغي عقولنا وأن نشعل عواطفنا فقط بمشاعر التحفز والنظر بعين عوراء إلى العروض لاستخراج كل نقيصة بها، هكذا لن تكسب شيئاً حتى لو كسبت الجائزة الكبرى.. فحصولك على الجائزة لا يعني أكثر من أنك كنت الأكثر تفوقاً في نظر هذه اللجنة بالذات عن ليلة العرض تلك التي قدمتها أمامهم ، ربما في ليلة عرض أخرى لم يكونوا ليعطوك نفس التقدير.. وربما لو أعدنا المسابقة بنفس العروض على نفس المسارح وبنفس الإمكانيات التقنية ولكن مع تغيير لجنة التحكيم لأذهلتكم النتائج التي ستشاهدونها ولصعقتم من التباين بين نتائج اللجنتين.
وهذا من وجهة نظري (التي لا ألزم بها أحداً) يهدم نظرية التحكيم من أساسها.. ولكن إذا كان ولابد أن تكون العروض خاضعة لتحكيم لجنة ما، فإنني لا مانع لدي أن تفرح وتطير إلى عنان السماء عندما تحصل على جائزة.. أنا نفسي أفعل ذلك كلما حصلت على جائزة ما أو حتى شهادة تقدير.. ولكن لا تحزن عندما تخيب توقعاتك ولا تحصل على ما انتظرته من تقييم.. بل وشارك أصدقاءك فرحتهم بالجوائز التي حصلوا عليها.. لأن مكسبك الحقيقي هو حضورك المهرجان ومشاهدة هذا الكم من الأعمال في زمن قصير.. كما أنك تحظى بفرصة أن يشاهد عرضك أكبر عدد ممكن من المشتغلين بالعملية الفنية ممثلين كانوا أم مخرجين أم نقاد أم مصممي إضاءة وديكور.. وبكل تأكيد سيفيدونك بخبراتهم إذا استمعت جيداً إلى أرائهم حول عرضك دون أن تضع على عينيك غشاوة التنافس والصراع على اللقب.

لقد آن الأوان أن نخرج من بوتقة العروض الكلاسيكية أو المنسوخة من تجارب أخرى تأثرنا بها تأثراً شديداً ظانين أن هذه هي الروشتة المضمونة لنجاح العروض... (أصل أنا شوفت عرض فلان الفلاني وكان عامل فيه الفكرة الفلانية والعرض كسر الدنيا) صدقني يا صديقي المبدع.. كل عرض مسرحي هو حالة متفردة وخاصة جداً... فالممثلون غير الممثلين.. مكان العرض مختلف.. خبرة مخرج العرض وخلفيته الثقافية والبيئة القادم منها والتجارب التي مر بها مختلفة.. كل هذا يساهم في صنع خصوصية للتجربة.. فلا تستنسخ ديكوراً أو تشكيلاً حركياً أو لحظة إضاءة ذات تشكيل جمالي مبهر لمجرد أن (شكلها حلو) ولكن فكر لماذا ومتى وأين ستصنع تلك اللحظة أو ستوجه الممثل ليقدم الشخصية بهذا الأداء.
إن المخرج أحياناً في العرض الواحد يقوم بتغيير أداء الشخصية وخطوط الحركة بل وربما الزي إذا حل ممثل مكان آخر.. وإذا لم يفعل المخرج ذلك من تلقاء نفسه فليعلم أنه أسير النمط.. وأنه من النوع الذي بعد أن ينهي عملاً لا ينظر إليه بعين الناقد ليعدل فيه ويحذف ويضيف.. وأنه ممن يرون أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان.

إن الحياة ليست وردية وطريق الإبداع محفوف دائماً بالأشواك ويحتاج إلى صبر ومثابرة واجتهاد وبحث دائم واطلاع لا ينقطع على ثقافات الآخرين وآخر إبداعاتهم الفنية.. والحمد لله أن هذا أصبح متاحاً اليوم من خلال شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) فهناك آلاف الكتب.. وآلاف المقاطع المرئية لفرق مسرحية من جميع أنحاء العالم.. كما أن هناك فيديوهات لأساتذة عظام يقدمون عصارة خبراتهم لكم على طبق من فضة، على سبيل المثال لا الحصر ... د. مدحت الكاشف العميد السابق للمعهد العالي للفنون المسرحية.. د. علاء قوقة رئيس قسم التمثيل والإخراج السابق بالمعهد العالي للفنون المسرحية.. لا تضيعوا فرصة واحدة للتعلم.. لا تضيعوا دقيقة واحدة من حياتكم دون أن تضيفوا لمعارفكم شيئاً جديداً... ولا تلتفتوا لما يقدم على الساحة من سخافات وابتذال وانعدام موهبة.. ولا تندهشوا عندما تجدون مثل هذه الأشياء تتصدر مواقع التواصل وتحصل على أعلى نسب مشاهدات، بل ويحلون ضيوفاً دائمين على برامج كنا نقدرها ونحترم من يقدمونها.. أقول .. لا تلتفتوا لمثل هذا الهراء.. فكل هذا إلى زوال ولا يبقى إلا الأعمال الجادة والهادفة، هي التي تعيش في ذاكرة الشعوب.. والأمثلة على ذلك كثيرة.
بسم الله الرحمن الرحيم { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ? وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } صدق الله العظيم (الرعد:17)


ياسر أبو العينين