حكايات جديدة لفرقة الورشة المسرحية «أهل الفن» نوستالجيا تستعيد روح فناني الزمن الجميل

حكايات جديدة لفرقة الورشة المسرحية «أهل الفن» نوستالجيا تستعيد روح فناني الزمن الجميل

العدد 602 صدر بتاريخ 11مارس2019

على خشبة مسرح المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، قدمت مؤخرا فرقة الورشة المسرحية تجربة جديدة بعنوان “أهل الفن”، استعدادا لتقديمها في لبنان ومجموعة من الدول العربية والأوروبية خلال الفترة القادمة. شارك بالحكي والرقص والغناء فيها الفنانون: آية الراوي، داليا الجندي، عيسى مراد، ميدو إسماعيل، دراماتورج شادي عاطف، تحت إشراف وتدريب وإخراج حسن الجريتلي. حول طبيعة هذه التجربة التي تعتمد في بنائها الدرامي على الكثير من فنون الأداء المتنوعة، وعن طبيعتها المسرحية الخاصة، كان لنا هذه اللقاءات مع مجموعة من صناعها.
التقينا بالفنان والمخرج حسن الجريتلي مؤسس فرقة الورشة المسرحية، فقال: قابلت الفنان والموسيقار الفلسطيني عيسى مراد منذ عام في المعهد الفرنسي بمصر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي ألتقي به، وعلمت منه وقتها أنه يقوم بالترويج لترجمة عربية لكتاب باللغة الفرنسية للكاتبة لميا زيادة بعنوان «يا ليل يا عين» عن العصر الذهبي للسينما والغناء في مصر، وطلب مني أن أساعده في إخراج هذه التجربة بشكل مسرحي، وبالفعل قرأت الكتاب وشعرت أنه يتفق مع اهتماماتنا الفنية في فرقة الورشة، سواء على مستوى الحكي أو الغناء أو السينما، وشعرت أنه يمكن تناولها بشكل أقرب لمسرح المنوعات الذي كان يقدم بمصر في الماضي من فرق عماد الدين وشارع الألفي، والذي تميزت فيه فرقة الورشة منذ أوائل التسعينات وقدمت تنويعات مشابهة له من خلال ما أطلقنا عليه “ليالي الورشة” فوافقت بشكل مبدئي على الفكرة، ولكنني وجدت نفسي في حيرة بعض الشيء، في إيجاد الطريقة التي سنتناول من خلالها فحوى الكتاب دراميا وغنائيا، وبعد عدة لقاءات بيني وعيسى وآية الراوي المشاركة معنا في العرض، وجدت المدخل الرئيسي لكيفية تناول هذه التجربة بشكل أقرب لسرد حكايتنا الشخصية المرتبطة بفنانين مهمين أثروا حياتنا الفنية والثقافية، وأثروا فيها بشكل كبير كمجتمعات عربية، منها على سبيل المثال القصص الخاصة بي على المستوى الشخصي في علاقتي بالفن، منذ طفولتي وحتى الآن، وتناقشت مع عيسى وسألته عن حكايات خاصة به ترتبط بعلاقته بفنانينا الكبار، فبدأ يحكي لي بطريقته التي لا تخلو من البراءة والدهشة، عن قصة والده الذي صرف تحويشة زواجه وسافر من فلسطين إلى بيروت في رحلة شاقة عبر الأردن وسوريا لكي يلتقي بفنانه المفضل ومعشوقة الأوحد الموسيقار فريد الأطرش في محاولة اقتناص فرصة لالتقاط صورة تذكارية معه، ولكنه للأسف بعد كل هذا الجهد يرجع بخفي حنين ولا يستطيع إنجاز مهمته وتحقيق حلمه الذي تسبب في تأجيل زفافه لمدة عام، ثم تدور الأيام وتمر السنون، وفي زيارة لعيسى ووالده لمصر في إحدى ليالي الكريسماس، يأخذ عيسى والده ويذهبان لزيارة مقابر أسرة الأطرش في الإمام الشافعي، وفي مشهد أقرب للدراما الواقعية نرى الأب وهو يحتضن شاهد القبر الخاص بفريد الأطرش من شدة حبه وعشقه لهذا الفنان العظيم.
أضاف: شجعتني هذه الحكاية للمشاركة بحكايات خاصة بي، منذ كنت طفلا أبلغ من العمر 6 سنوات وكيف بدأت علاقتي بالسينما، من خلال سينما سكنات المعادي، وكذلك علاقتي بالمسرح التي بدأت مع أحداث 56 وتأميم قناة السويس والصدفة التي جعلتني ألعب وقتها من خلال عرض مسرحي دور الخديوي إسماعيل وهو يستقبل الإمبراطورة أوجيني زوجة الإمبراطور نابليون الثالث وهي أول تجربة مسرحية لي، ثم مرحلة المراهقة ومحاولات لقائي بليلى مراد ويوسف شاهين، عن طريق طبيب والدتي الذي اكتشفت أنه الطبيب المعالج لهما، وفي أول لقاء بيني وشاهين قال لي: (روح كمل تعليمك الأول وبعدين تعالالي)، وبالفعل بعد 20 سنة من رحلة التعليم ودراستي للفنون بإنجلترا وفرنسا، عدت مرة أخرى لشاهين وتعاونت معه كمساعد مخرج في فيلم «وداعا بونابرت» نظرا لإجادتي اللغة الفرنسية، ثم عملت معه مساعد أول له في فيلم «اليوم السادس» الذي تعرفت من خلاله عن قرب على بطلة الفيلم الفنانة داليدا والشاعر الكبير صلاح جاهين الذي كتب للفيلم أغنية «بعد الطوفان» والذي علمت منه كيف أصبحت حالته النفسية وهو يكتب هذه الأغنية بعد مرحلة مؤثرة من كتابة الأغاني الوطنية التي احتوت أحلاما وطموحات كبيرة في مرحلة سياسية مهمة بالنسبة له وللكثير من المصريين آنذاك.
وعن كيفية صياغة هذه الحكايات وربطها دراميا بشكل مسرحي، قال: أنا في حوار دائم مع شادي عاطف دراماتورج هذه التجربة، فقد بدأت الفكرة كما ذكرت من خلال كتاب لميا زيادة ثم تطورت لحكايات شخصية تم ربطها عن طريق الحكي بعلاقتنا بفنانين كبار، وشادي نفسه يشارك معنا بالحكي في التجربة ويسرد لنا كيف كان للمطربة فيروز دور كبير في منحه اسم شادي بدلا من تسميته باسم آخر، كما يحكي لنا عن تجربة سينمائية يقوم بكتابتها حاليا عن قصص حياة فنانين من الزمن الجميل مثل إسماعيل ياسين وشكوكو وعبد السلام النابلسي وعبد الفتاح القصري وزينات صدقي، وكيف كانت بداياتهم متعثرة وقاسية حتى عرفهم الجمهور وتوهجوا فنيا ثم انتهى بهم الأمر لنهايات كانت أكثر قسوة من عثرات البداية.
وأضاف الجريتلي: شادي دائما حريص على سلامة البناء الدرامي للعروض التي نتعاون فيها سويا، وأنا أتعاون معه في البناء بشكل شبه هندسي، وهي طريقتي منذ أسسنا الورشة فكل منا لا يتدخل في تخصص الآخر ولكن جماعية الفكر والطرح والنقاش تخلق نوعا مختلفا من الكتابات في النهاية، وهو ما حدث في تجارب سابقة مثل “غزير الليل”، و”داير داير” التي تعاونت فيها مع مؤلفين مهمين مثل نجيب جويلي وخالد جويلي وغيرهما.
تابع: وبمنتهى الصراحة من أكثر الأشياء التي أسعدتني في تجربة «أهل الفن» هو حميمية وجماعية الأداء بيننا كفريق عمل داخل وخارج خشبة المسرح سواء دراميا بيني وشادي عاطف، وتنظيميا وفنيا كمساهمة عيسى مراد في تحمل بعض الأعباء الإنتاجية والإدارية، وجهد آية الراوي التي شاركت في الدعاية والنشر والترجمة، بالإضافة لدروهما في الغناء والحكي بالعرض، وإن كانت هذه أولى تجارب عيسى وآية في الحكي فقد دربتهما على ذلك وكانت النتيجة جيدة بالتعاون مع أبناء الورشة ميدو إسماعيل وداليا الجندي وتقديمهما لأغاني تحاكي الحكايات المطروحة وتربطها دراميا، مثل الفنون لعبد الوهاب، الحياة حلوة، عيني علينا يا أهل الفن، اسأل عليا، ويا مريم.. كل ذلك أعطى هذه التجربة طابعا استكشافيا خاصا يحتمل المزيد من التطوير والإضافة كل فترة، وهو منهج وطريقة الورشة في تناول وتقديم تجاربها الفنية منذ بدأت.

مجموعة من اللقاءات والصدف
الفنانة اللبنانية آية الراوي إحدى بطلات العرض، قالت: لقد بدأت رحلتي الفنية بشكل متوازي مع عملي كمترجمة، خصوصا أنني مهتمة بالرقص والشعر والغناء منذ فترة طويلة، وبالنسبة لتجربة أهل الفن ففكرة المشروع في البداية كانت مجرد قراءة مسرحية لكتاب “يا ليل يا عين” وهو ما قدمناه كليلة فنية منذ عام تحت نفس الاسم، ولكننا حاليا وبعد تطوير التجربة وإعادة صياغتها مسرحيا قمنا بتغيير الاسم ليصبح “أهل الفن”، وهو الاسم الأقرب لفحوى التجربة بعد تطويرها. أضافت: أنا وعيسى لم تكن لدينا أية خبرة في مجال الحكي فلسنا حكائين ولكن بعدما قرر حسن أن يحكي كل شخص قصته وعلاقته بالفن وأهل الفن، أخذت التجربة طابعا شخصيا أكثر وليس تمثيليا، مما ساعدنا على المشاركة بالحكي داخل العرض بشكل تلقائي وطبيعي.
وعن تعاونها مع حسن الجريتلي كمدرب له مدرسة خاصة في تعليم الحكي، قالت: شعرت أنني أتعلم بطريقة بسيطة دون أي تعقيد فكانت بروفاتنا معه مليئة بالطاقة وتخلو من أي طابع تعليمي أو مدرسي، خصوصا أن هذه التجربة كانت نتاج مجموعة من اللقاءات والصدف، فعن طريق عيسى مراد تعرفت على المخرج حسن الجريتلي الذي دخلت من خلاله إلى عالم فرقة الورشة المسرحية لتكون بوابة تعرفي على أنماط كثيرة من الفنون الأدائية كالحكي والغناء والرقص.

التجربة قابلة للتحديث باستمرار
أما الفنان عيسى مراد المؤلف الموسيقي وعازف العود الفلسطيني وصاحب نقطة البداية في انطلاق هذا المشروع الفني، فقال: أنا مهتم بالعصر الذهبي للموسيقى العربية، وحينما طلبت مني صديقتي لميا زيادة ترجمة وصياغة كتابها “يا ليل يا عين” دراميا، الذي يتماس بشكل كبير مع اهتماماتي الفنية والموسيقية، بدأت أفكر في كيفية عرض الكتاب بشكل فني مختلف، فقدمت أجزاء منه في البداية كقراءة مسرحية بشكل مشترك بيني والفنانة التونسية هند صبري، ثم التقيت بعد ذلك بالصدفة مع المخرج حسن الجريتلي بالقاهرة وتحدثت معه عن الكتاب، وبعد عدة لقاءات بفرنسا، طلب مني حسن أن نلتقي مرة أخرى بالقاهرة فرحبت بذلك وطلبت من آية الراوي مشاركتي في التجربة، وتجمعنا بالفعل في القاهرة مع حسن وزملائنا من فرقة الورشة، وبدأنا العمل على المشروع، وقدمناه في 2018 بعنوان “يا ليل يا عين”، ولكننا في هذا العام وجدنا أنفسنا نسير في اتجاه جديد، حيث قررنا الاستعانة بحكايات شخصية عن علاقتنا بفنانينا الكبار ليتحول المشروع إلى تجربة جديدة بعنوان “أهل الفن” ربما كان كتاب “يا ليل يا عين” ملهما لنا العام الماضي، ولكننا نتناول في “أهل الفن” الموضوع بشكل مسرحي غنائي مختلف يعتمد على حكاياتنا الشخصية وطبيعة هذه الحكايات المليئة بالنوستالجيا ومشاعر الحنين إلى الماضي ومدى تأثير ذلك علينا وربما على الآخرين، فقد لاحظت تفاعل الجمهور على المستوى المحلي والإقليمي والدولي مع التجربة، هذا بالإضافة إلى التفاعل الملحوظ من الجيل الجديد من الشباب الذي شاهد العرض وتفاعل مع الحكايات والأغاني الخاصة بفنانين قدامى لا يعرف عنهم شيس سوى من خلال بعض الأغاني والأفلام السينمائية القديمة.
وأخيرا، قال عيسى: هذه التجربة أراها قابلة للتحديث والتطوير كل فترة وقابلة لاستقبال الجديد والمختلف من الحكايات والأغاني، فالوطن العربي مليء بسير الكثير من الفنانين الكبار التي يمكن أن نتناولها فنيا في المستقبل من خلال ليالي عروض جديدة لتجربة “أهل الفن”.


حازم الصواف