لمسرح الطفل أهمية كبيرة في المجتمع، إذ أنه ليس مجرد وسيلة ترفيهية فقط، وليس أداة تعليمية أو تربوية فقط، إنما يلعب المسرح دورًا حيويًا في تنمية الطفل ثقافيًا واجتماعيًا بشكل شامل، بدءًا من التطور المعرفي والحركي والاجتماعي، وصولًا إلى تنمية مهاراته اللغوية والتعبير عن مشاعره، بما يعمل على تنمية وعيه الثقافي وتشكيل شخصيته أيضاً، تلك هي قناعتي، وقناعة كثيرين ممن يعملون في الحقل الاجتماعي، وأزعم أنه ان توافرت نفس القناعة للدولة بأهمية المسرح، وبخاصة مسرح الطفل، لارتقت به في سلم الأولويات بميزانيتها بما يدعم قطاع مسرح الطفل بزيادة فرقه وعروضه ومسارحه.ولا يعقل لبلد بحجم مصر بتراثها وثقلها الثقافي ورصيدها المسرحي ألا يكون بها على المستوى الاحترافي - البيت الفني للمسرح وقطاع الفنون الشعبية - سوى ثلاث فرق للأطفال (المسرح القومي للطفل، ومسرح القاهرة للعرائس، وفرقة تحت 18) بالإضافة لفرقة الشمس النوعية، وأتخذ من هذا المقال مناسبة لأجدد دعوتي لأهمية إنشاء «بيت فني لمسرح الطفل» يستقل به على التوازي من «البيت الفني للمسرح»، ومن جهة أخرى وعلى نفس النهج لماذا لا تكون لمسرح الطفل بالثقافة الجماهيرية «إدارة مركزية للطفل» مستقلة، أو إدارة عامة لمسرح الطفل بدلا من وضعها الحالي كإدارة فرعية ضمن عدد من الإدارات الثقافية والفنية الأخرى مدمجين في إدارة عامة، وليتسع سقف طموحي وأقول؛ لماذا لا يكون هناك مهرجانين (قوميًا لمسرح الطفل، وأخر دولي) على غرار مسرح الكبار ؟، .. بالطبع هناك كثير من التفاصيل تتعلق بالمسرح المصري للكبار والأطفال إلا أن المجال لا يتسع لطرحها هنا بهذا المقال.ونعود لموضوع مقالنا؛شاهدت مؤخراً على المسرح القومى للأطفال بالعتبة - عبد المنعم متبولي سابقاً - مسرحية «مملكة الحواديت» من تأليف صديقي الكاتب والسيناريست «وليد كمال» ومن إخراج الشاب «إيهاب ناصر»، تحت إشراف الفنان القدير «عادل الكومي» مدير الفرقة، من إنتاج البيت الفني للمسرح بقيادة الفنان الكبير «هشام عطوة»، وتحت رعاية الفنان الكبير «خالد جلال» رئيس قطاع الإنتاج.«مملكة الحواديت» هي المسرحية الثانية التي شاهدتها خلال هذا العام لمؤلفها «وليد كمال»، وقد سبق وأن شاهدت له من إخراج «نادية الشويخ» مسرحية «ذات والرداء الأحمر» على مسرح القاهرة للعرائس، وهو كاتب جاد يعي عالم الطفل واحتياجاته، ويمتلك الأدوات التي تمكنه النفاذ إلى الطفل، وهو في هذا العرض يتوسل من خلال حدوتة بسيطة لأحد الأطفال يتعرض - يتعرض عبر مشاهد سريعة - للتنمر من زملاء الدراسة، وللتوبيخ الدائم من والده، بما يجعله يسخط على من حوله ويفكر في الانتقام لنفسه منهم، الأمر الذي يستغله «الجوكر» شرير «مملكة الحواديت»، فيظهر له ويطلب من الطفل أن يحرره ويفك قيده وفي مقابل ذلك يحقق رغبته في الانتقام، هكذا بدأت الحدوتة المروِّية على لسان «شهرزاد» أميرة «مملكة الحواديت»، التي تطلب من الأطفال - جمهور الصالة - مساعدتها في استدعاء شخصية طيبة لتتصدى لمخطط «الجوكر» ومنعه من السيطرة على «مملكة الحواديت» وحكمها، .. ولتأخذنا المسرحية بعد ذلك إلى ثلاث من الحواديت المعروفة «سندريلا، سنووايت، علاء الدين» .. لمنع الجوكر تحقيق خطته، ... وتنتهي بنا المسرحية لمقولة «أننا بالحب نستطيع النجاح والانتصار على أي تحديات».توسل المخرج «إيهاب ناصر» - الذي قام بدور «بطاطا» - ببساطة الأسلوب في تقديم عرضه معتمدا في ذلك على الأداء اللايف المفتوح بين فريق التمثيل وأطفال الصالة طوال العرض - والنزول لهم أحياناً - بما يساعد على تحقيق التفاعل المستمر للأطفال مع ما يحدث على المسرح، وأيضاً عمل المخرج على جذبهم باستعانته بشخصيتي «بطاطا وشلبي» من أفلام الكرتون المحببة للأطفال، وكذلك توسل بموسيقى وألحان الفنان «وائل عوض» التي تميزت ببساطتها وبالجمل الموسيقية السهلة المبهجة والمتنوعة في الإيقاعات بما تناسب وأجواء عالم الحكاية، ولقد ساعدت الألوان المبهجة لديكور «هبة عبد الحميد» ولملابس «إيمان الشيخ» وإضاءة محمد عبد المحسن على إشاعة حالة من البهجة على الأجواء العامة للعرض، واستفادت استعراضات «رضا كاميا» من تلك الأجواء فجاءت بدورها بسيطة سلسة مبهجة.أما التمثيل فقد وُّفِق المخرج في اختياراته بشكل عام، وخاصة الفنانة «مها أحمد» التي كانت أحد العوامل الرئيسية لنجاح العرض، ليكشف لنا جانب لم نلتفت إليه من قبل، بما يتعلق بإمكانياتها في التعامل مع الأطفال وحضورها الطاغي في مسرحهم - كمنطقة جديدة تجيد فيها - حيث توحدت معهم فكانت قريبة منهم بما جعلهم يتفاعلوا معها بشكل صحيح، وقد تبدلت في الأداء للأدوار بين «شهرزاد، و»بكابوظا» و»جعفر»، ومعها وُفِّق المخرج أيضاً في اختيار باقي فريق التمثيل؛ الجوكر الشرير «وائل العواني» الذي أجاد فيه تأديته بأسلوب متميز، و «وفاء عبدالله» التي قامت بدوري «زوجة الأب، والساحرة الشريرة»، والشاب «مهاب شريف» الذي قام بأدوار «الأمير، الفارس، علاء الدين» في الحكايات الثلاثة، والفتيات «شهدي حمدي - سنووايت، كنزي - الأميرة» «ريم طارق - سندريلا» اللائي جسدن أدوار البطلات الثلاث للحكايات، بما ميزهن من قبول وحضور، وخاصة من جسدت «سندريلا» بما تمتلكه من مقومات احترافية ونجمة استعراضية، ومعهم أجاد كل من أحمد مهاب «الأب»، ويوسف هادي «شلبي»، والأطفال «ليلى محمد، محمد هانى، أسر إبراهيم».وتبقى بعض ملاحظات أشير إليها، أولها تتعلق بالديكور لذي وان تميز بألوانه المبهجة إلا أنها مزجت بين الواقعية والسريالية ولم تضف للعرض، وكان لها أن تكون أكثر تأثيراً في خلق عالم خيالي لـ»مملكة الحواديت»، بما يجلب حالة من السحر الفني على العمل، ويحقق الإبهار البصري ويعمل على إثارة خيال الطفل المتلقي، أيضاً أرى من الأهمية لفت النظر لانتقاء بعض مفردات بسيطة ارتجالية جاءت بشكل عفوي على لسان «بكابوظا» بما يستدعي نشاط الذهن أوقات ارتجال الحوار مع أطفال الصالة.وختاماً وجبت التحية لصناع مسرحية «مملكة الحواديت» المخرجان المساعدان «نرمين عبد العزيز، وعلي عماد»، والمخرج منفذ «إبراهيم الزهيري»، ومدير الإنتاج الفنان أحمد شحاتة، مسرحية «مملكة الحواديت» واحدة من المسرحيات المناسبة للطفل تحت سن 12 سنة، وتضاف لرصيد الفرقة المسرح القومي للأطفال مملكة الحواديت والحكايات.