يوم x عمر كلية الحقوق جامعة الزقازيق

يوم x عمر   كلية الحقوق جامعة الزقازيق

العدد 928 صدر بتاريخ 9يونيو2025

عندما يكون هناك تآلف وتضامن وتحالف بين أعضاء فرقة مسرحية اتحد أفرادها لصالح الفريق والعمل الجماعى على نفقة الفرد تتشكل فوق المنصة مشاعر طيبة وروح مرحة تسيطر على الفضاء المسرحى بالكامل، وتلقى بنسيمها على جمهور المشاهدين ولا بد أن يكون المنتج مختلفًا وغير تقليدى ومرح لكى يضفى على التجربة مزيدا من الصدق والبهجة لأن قيمة التحالف والاتحاد والتعاون لا يعادلها شىء فى الحياة فهى ترفع أمم وتسقط ممالك وكيانات والأمر كذلك فى المسرح والمجتمع، لأن الأسرة المتحدة تواجه كل المشاكل المتوقعة وغير المتوقعة وتعبر بيسر وسهولة كل الأزمات والمنعطفات، وكذلك كان الحال بفرقة المسرح بكلية الحقوق جامعة الزقازيق التى للمرة الثانية على التوالى يقدم أعضاؤها عرضا جماعيا موفقا، بسبب ما حصل من انسجام وهارمونى بين مختلف عناصر أصبح فيه الكل واحد وجعل المشاركين جميعهم يقدمون عرضا قيما يعد إضافة إلى المسرح الجامعى ويؤكد أننا فى بلد ولود لديها القدرة على إنتاج مزيد من المبدعين الفائقين إن هم تمكنوا من الوصول إلى دائرة الضوء غيرها فنحن بصدد شباب قادر على إيجاد حيل وتدبير حلول فنية وأدائية جيدة ومشاهدة مسرحية واعدة حملت سلسلة من الذكاءات أولها التوفيق فى اختيار نص شبابى طلابى لكاتب جامعى محلى هو (محمد المنسى) الذى قد يكون هذا النص المسرحى هو الثانى أو الثالث له فى الكتابة المسرحية لأن به بعض هنات المبتدئين فى التعلية الدرامية وديباجة بعض الجمل الحوارية لكنه فيما عدا يملك لغة حوارية درامية واعدة وإيقاع درامى نموذجى، وبالإضافة إلى ذلك وقع المنسى على فكرة فى إنسانية فى غاية الضرورة والأهمية ليست للمجتمع فقط لكنها مهمة بالدرجة الأولى لهؤلاء الشباب الجامعى الذى صنع العرض ولأقرانهم من طلاب الجامعة وعشاق المسرح الذين يشاهدون المسرحية التى تحذر من أصدقاء السوء وما يمكن أن يترتب على القرب منهم من خطر الوقوع فى شرك الإدمان وتعاطى المخدرات الذى يمثل خطراً كبيراً على الإنسانية فى هذه المرحلة العمرية الخطيرة من عمر الإنسان التى يسهل فيها أن يلقى الشباب بأنفسهم فى أحضان الإدمان، بسبب مشكلة مادية أو عاطفية أو أزمة نفسية وعندما يقع الواحد منهم لا يخرج فى زمان محدد أو مكان وإنما يكون المصير المتوقع والمحتوم فى نهاية الرحلة إما الموت أو السجن والضياع والأهم فى هذه المسرحية هى المعالجة التى بدأت كلاسيكية وتقليدية ثم سرعان ما خرجت خارج الصندوق إلى مكان لا يخطر للمرء على بال، حيث نقلنا صناع العرض ذات لحظة، وبمجرد إنحطاط الشاب النموذج المختبر بطل الحكاية الذى سيخضع لهذه التجربة المريرة تجربة اليوم الأول أو اللحظات الأولى التى تترك إنطباع لا ينتهى أثره بسهولة عند عامة البشر، وفى المسرحية بعدما أعلن الفتى تمرده على الأم المريضة والأب الطيب الذى يفيض به المجون فيقرر أن يطرده من البيت بعدما يتبادلان اللوم والاتهام ما يضطر الفتى إلى اللجوء إلى صاحب السوء الذى دفعه بعد تعاطى الحشيش إلى شم الكوكايين المخلوط غالباً اليوم بمواد كيماوية عجيبة تنقل بطلنا الشاب إلى عالم من الوهم والهلاوس والخيال، وهنا تكمن العبقرية إذ لا يفعل الكاتب ما كان يفعله القدماء فيظهر المتعاطى فى حالة من البهجة والسعادة والسرور لكنه اليوم فى هذا العرض ينقله فوراً إلى أقذر مكان يمكن أن يخيله إنسان، حيث يجد الفتى نفسه فى بالوعة من بلوعات الصرف الصحى حيث تعيش الصراصير، ويرى نفسه صرصوراً بين هؤلاء الصراصير.
 وهنا يتحقق حلم مسرحى جديد بفضل سحر العمل الجماعى إذ تحول كل أفراد الفريق تقريبا إلى صراصير من وجهة نطر الفتى المتعاطى وهى صورة درامية تنتصر فيها الدراما إلى فكرة أن التعاطى يسقط المرء الى أسفل سافلين وهكذا نرى أنفسنا فى غابة من الصراصير التى تتصارع وتتحاب وتتوالد وتتصارع ثم فجأة يأتى الخطر، وتكتشف الصراصير أن بينهما إنسان متحول ولا أحد يجهل مدى بعض الصراصير للبشر ولذلك سرعان ما تدبر له وتقرر التخلص منه ليعانى أشد المعاناة للحفاظ على الحياة التى أراد أن يهلكها بالتدخين والإدمان.
وهكذا كانت جديدة وجيدة ومقنعة رغم اقتحامها عالم الصراصير الذى لم يطرقه مسرحيا من قبل سوى توفيق الحكيم فى رائعته العبثية “مصير صرصار” وقد قام يتصميم وتنفيذ هذه المسكات الصرصورية محمد كمال الذى أكملت بعمله الصورة البصرية التى استكملتها دعاء السقطاوي بما اقترحت من ماكياج لطيف لا سيما ذلك الصرصور الذى يعيش بعين واحدة والأخرى مصابة بمياه بيضاء كأنهم ليسوا صراصير إنما هم من حشرات البشر التى تبغى دمار الإنسانية وقد احتضن كل تلك البهجة المشهدية ديكور لطيف جداً ورقيق لآية لطفى ومحمد حسين، ومن أبرز عناصر العرض تصميم الاستعراضات والتعبيرات الحركية الذى قام به إلى جانب إخراج العرض الفتى الواعد محمود الصعيدي الذى أظن أنه إذا استمر بهذا الأداء سيكون له مستقبل مشرق فى عالم المسرح الذى لا بد أنه يحتفل اليوم بتدوين أسماء أبطال هذا العرض فى سجل المبدعين، وهم “عمرو سلطان” و”جنات رشدي” ، وفرح جمال ونجلاء محمود وأحمد اسماعيل، محمد كابو، وهدى حمدى، وكارما محمود، ومنة عادل، وأنس الحداد، ورحمة عاطف، وعز الدين أمير، ومنار عوض، ونورا حمودة، ومحمود عطية، وإبراهيم حسن، وندى سالم، وأحمد نشأت وهكذا تنتصر البطولة الجماعية على العمل الفردى وتتفوق الجماعة على الفرد فى المسرح نقلا عن الحياة.


محمود كحيلة