العدد 922 صدر بتاريخ 28أبريل2025
فى عرضٍ مسرحى حمل بين مشاهده صراع الإنسان مع ذاته ومجتمعه، واستطاع أن يترجم واحدة من أعظم الروايات الأدبية إلى تجربة حيّة تنبض على الخشبة، حصد “الجريمة والعقاب” ستّ جوائز دفعة واحدة فى مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة، من بينها جائزة أفضل عرض وأفضل إخراج. فى هذا الحوار، نقترب من كواليس العمل مع مخرجه الذى قاد هذا المشروع الطموح منذ لحظة اختياره النص حتى لحظة التتويج، نتحدث معه عن فلسفة التحويل من الرواية إلى المسرح، عن التحديات الفنية والإنتاجية، عن طاقم العمل الذى خاض معه التجربة، وعن الامتنان الكبير الذى يحمله لأستاذه الراحل د. علاء عبد العزيز، الذى ترك بصمة لا تُمحى فى مسيرته الفنية.
ما الذى يمثّله لك حصول “الجريمة والعقاب” على ستّ جوائز فى مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة؟
يمثل هذا الإنجاز لحظة استحقاق حقيقية بعد مشوار طويل من الجهد والمثابرة. لم تكن الجوائز تتويجا للعمل فحسب، بل كانت أيضا اعترافا بمشروع فنى طموح يسعى إلى تقديم الأدب العالمى فى قالب بصرى وجمالى يلامس المتلقى العربى.
كيف كانت لحظة إعلان الجوائز؟ وماذا دار فى بالك حين أعلن اسم العرض كأفضل عرض مسرحى؟
كانت لحظة مفعمة بالتوتر والانفعال، امتزجت فيها مشاعر الفخر والامتنان. حين أعلن اسم العرض كأفضل عرض، مرّ أمامى شريط طويل من لحظات التحدى والشك، لكنّ تلك اللحظة اختزلت كل شيء فى شعور باليقين والانتصار.
لماذا اخترت رواية الجريمة والعقاب تحديدا لتقديمها على خشبة المسرح.. وما التحدى الأكبر فى تحويل هذا العمل الأدبى العميق إلى عرض مسرحى؟
لأنها واحدة من أعظم الأعمال الأدبية التى تتناول أعماق النفس البشرية وصراع الإنسان مع ذاته ومع المجتمع. التحدى الأكبر كان يتمثل فى اختزال هذا النص الضخم والمعقد دون الإخلال بروحه، وتحويله من سرد فلسفى إلى دراما حيّة تنبض على خشبة المسرح.
كيف تعاملت مع الفلسفة النفسية والاجتماعية للرواية عند تحويلها إلى لغة المسرح؟
سعيت إلى تبسيط التعقيد دون تفريط، فحوّلت المفاهيم الفلسفية إلى مواقف درامية ولحظات صدام حقيقية بين الشخصيات. كان الهدف أن يشعر الجمهور بثقل التجربة النفسية دون أن تثقل عليه لغويّا أو ذهنيّا.
حصدت الجائزة كأفضل مخرج.. ما أبرز الرؤى الإخراجية التى اعتمدتها لتقديم العمل بصورة مختلفة؟
اعتمدت على تفكيك الزمن وتوظيف الحلم والهلوسة كأدوات سرد، كما عملت على بناء أداء تمثيلى متصاعد يعكس الانهيار الداخلى للبطل. أردت أن تكون الصورة المسرحية مرآة لاضطراب النفس، لا مجرد تمثيل خارجى للحدث.
كيف تم التعاون بينك وبين مصمم الديكور هشام عادل ومصمم الإضاءة وليد درويش لصياغة الفضاء المسرحى؟
كان هناك حوار فنى بيننا، حيث حرص هشام على تصميم ديكور يعبّر عن ضيق العالم المحيط بالبطل، بينما استخدم وليد الإضاءة لتجسيد التحولات النفسية الداخلية. كنا نعمل بوصفنا فريقا واحدا ينسج الفضاء المسرحى ككيان حى يشارك فى السرد.
هل يمكن أن تحدّثنا عن توظيفك للفضاء داخل العلبة الإيطالية.. وما الذى ميزه فى هذه التجربة؟
قمت بتفكيك الشكل الكلاسيكى للعلبة الإيطالية، وكسرت الحاجز الرابع فى لحظات معينة، كما قسمت الفضاء إلى مستويات تمثّل العالم الداخلى المضطرب للبطل فى مقابل العالم الخارجى الصلب والقاسى. كان الفضاء هنا انعكاسا لاضطرابات الذات.
حصل كريم أدريانو ونغم صالح على جائزتى أفضل ممثل وممثلة… كيف اخترت فريق التمثيل؟ وكيف كانت تجربتك فى توجيههم؟
تم اختيار الفريق بعناية، فقد كنت أبحث عن ممثلين يمتلكون القدرة على الغوص فى عمق الشخصية وليس فقط أدائها شكليا.
كريم ونغم وعبدالله سعد أظهروا التزاما كبيرا، وكانت البروفات مزيجا من التحليل النفسى والعمل الجسدى الدقيق.
ما الذى تطلبه العمل من الممثلين على مستوى الأداء النفسى والجسدى؟
تطلّب العمل من الممثلين قدرا عاليا من الالتزام والتفرغ، فقد اعتمدنا على تدريب مستمر ومتواصل، وتحليل واعٍ وعميق لكل شخصية بما يحمله النص من أبعاد نفسية مركبة. كان على كل ممثل أن يفهم دوافع الشخصية وسياقها الداخلى والاجتماعى، ويترجم ذلك إلى أداء جسدى حيّ يعكس الصراع والانفعال.
وكان الهدف أن يعيش الممثلون الألم والقلق والتردد لا أن يؤدوها فقط.
ما أبرز الصعوبات التى واجهتك أثناء التحضير للعرض.. وكيف تم التغلب عليها؟
فى البداية، عندما قدمنا العرض فى مهرجان المسرح العالمى بالمعهد العالى للفنون المسرحية، واجهتنا بعض الصعوبات المتعلقة بالإنتاج وضيق الوقت، وهو ما شكّل تحديا حقيقيا لنا كمجموعة عمل تؤمن بالمشروع. لكن بعد أن تم إنتاج العرض من قِبل مسرح نهاد صليحة، تقلّصت هذه التحديات بشكل كبير. فقد وجدنا دعما فعليا من إدارة المسرح، التى كانت حاضرة دائما لتذليل أى عقبة، وتوفير كل ما نحتاج إليه من متطلبات فنية ولوجستية، مما أتاح لنا التركيز الكامل على تطوير العرض وتقديمه بأفضل صورة ممكنة.
هل واجهتم تحديات فى التمويل أو الإنتاج، خاصة أن العمل يعتمد على نص ضخم ومكلف بصريا وفكريا؟
التحدى الإنتاجى يظل حاضرا فى أى تجربة مسرحية، حتى مع إنتاج العرض من قِبل مسرح نهاد صليحة. فمثل هذه الأعمال، التى تقوم على نص عميق ومركب بصريا وفكريا، تتطلب قدرا كبيرا من الإمكانيات. لكننا واجهنا ذلك بمرونة وابتكار، حيث اعتمدنا على إعادة تدوير الخامات، والاستفادة القصوى من تجهيزات المسرح المتاحة، دون اللجوء إلى عناصر إضافية باهظة التكلفة. كما ركّزنا على حلول بديلة تعتمد على الذكاء فى التوظيف البصرى، لا على وفرة الوسائل.
أهديت هذا النجاح لروح الدكتور علاء عبدالعزيز.. ما الدور الذى لعبه فى دعم هذا المشروع وكيف أثّر فى مسيرتك كمخرج؟
الدكتور علاء عبدالعزيز كان من أوائل من آمنوا بى وبمشروعى الفنى، ودعمنى منذ خطواتى الأولى فى هذا المجال. كان يشجّعنى دائما على خوض التجريب، وعدم الخوف من التفرّد، حتى فى الأوقات التى كان فيها الطريق ملتبسا ومحفوفا بالشك. وقد كان من أساتذتى الذين علّمونا كيف نرى الدراما “بعين القلب”، لا بمجرد التحليل العقلى أو الأدوات التقنية، بل بإحساس حيّ يلتقط العمق الإنسانى للنص. إهداء هذا العمل إلى روحه هو أقلّ ما يمكن أن أقدمه لإنسان كان له أثر بالغ فى تكوينى الفنى والإنسانى.
هل هناك نية لإعادة تقديم العرض على مسارح أخرى أو فى مهرجانات دولية؟
حتى الآن، قدّمنا موسما كاملا من العرض امتدّ لخمسة عشر ليلة على مسرح نهاد صليحة، ولا أعلم ما إذا كانت هناك نية لدى إدارة المسرح لفتح موسم جديد. لكننا من جانبنا نسعى حاليا لتقديم العرض فى عدد من المهرجانات المصرية والعربية والدولية، وقد بدأنا بالفعل فى التواصل مع بعض هذه الجهات. وأؤمن أن هذا العمل يمتلك من العمق والقيمة ما يؤهله للوصول إلى جمهور أوسع داخل مصر وخارجها.
ما الجديد الذى تحضّره فى الفترة المقبلة.. وهل هناك مشروع مسرحى قيد التنفيذ؟
لدى فى الفترة الحالية أكثر من مشروع مسرحى قيد التحضير، وأسعى جاهدا للتواصل مع جهات إنتاجية مختلفة، سواء تابعة لمؤسسات الدولة أو من القطاع الخاص، من أجل تنفيذ هذه الأعمال على أرض الواقع. أعمل على تطوير هذه المشاريع بروح جديدة، وأسعى لتقديم تجارب مسرحية تحمل رؤية مختلفة وتطرح أسئلة تتعلق بالواقع الإنسانى والاجتماعى بشكل معمّق ومغاير.
ختاما: أود أن أتوجه بخالص الشكر والتقدير لإدارة مسرح نهاد صليحة على تنظيم هذا المهرجان المتميّز، الذى نعتبره نحن المسرحيين بمثابة إضافة نوعية حقيقية إلى خارطة المهرجانات المسرحية فى مصر.
لقد كسبنا مهرجانا “نوعيا” جديدا، يقدم رؤية مغايرة للمسرح، ويحتفى بتنوع الفضاءات والعروض غير التقليدية.
ورغم أننى شاركت فى مسار العلبة الإيطالية، إلا أننى أعبّر عن إعجابى العميق بفكرة المهرجان، التى تؤكّد أن المسرح يمكن أن يُقدَّم فى أى فضاء، وأن الإبداع لا يرتبط بالحيّز التقليدى فقط. هذا التوجّه مهم جدا، لأنه يمهّد الطريق للوصول إلى جمهور جديد، ويمنح المسرح القدرة على أن يتحول من فن نخبة إلى فن جماهيرى حيّ، نابض، ومتفاعل مع الواقع.