العدد 922 صدر بتاريخ 28أبريل2025
أقيم الأسبوع الماضى تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة وإشراف الدكتور أشرف العزازى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة احتفالية بعنوان “محفوظ فى القلب” وذلك احتفالًا بالأديب العالمى نجيب محفوظ، وأقيمت جلسة نقاشية بعنوان “محفوظ والمسرح” أدارها المخرج عصام السيد، وتحدث بها كل من الكاتب المسرحى الكبير إبراهيم الحسينى والكاتب الصحفى والشاعر محمد بهجت الذى بدأ الجلسة بإلقاء قصيدة فى حب نجيب محفوظ بعنوان “عم نجيب” أشار المخرج عصام السيد إلى أن نجيب محفوظ هو أكثر الأدباء الذين قدمت أعمالهم فى المسرح، وأن أعماله تنتمى إلى المسرح العبثى الملىء بالأحداث الغامضة وأوضح أن محفوظ بدأ علاقته بالمسرح كمتفرج ثم كاتبًا ومتابعًا الحركة المسرحية المحلية والعالمية وذكر قائلًا: “لم يكتب الأديب نجيب محفوظ سوى ثمانية نصوص فقط، وهو أكثر كاتب قدمت له أعمالًا على المسرح لأنه معظم أعماله الروائية حولت إلى مسرحيات فى البداية بدأت أولى كتاباته بعد نكسة عام 1967 م نشر فى الأهرام خمسة نصوص قصيرة بدأت من أكتوبر عام 67 ثم نشرها مجمعة ضمن مجموعة قصصية باسم «تحت المظلة» وأجمع النقاد أنها تميل للمسرح العبثى بمعنى أن الشخصيات ليست محددة والشخصيات كلها أسماء مبهمة “رجل، امرأة.. وهكذا»، ولا يوجد حوار مترابط لكن الحوار متقاطع مليئة بالأحداث الغامضة وليست مفهومة بسهولة، وتابع قائلًا: وبعد ذلك كتب نجيب محفوظ النص الثانى ونشر فى مجموعة قصصية وفى عام 1979م كانت آخر أعماله المسرحية نشروا فى مجموعة باسم «الشيطان يعظ»، وقد بدأت علاقة نجيب محفوظ بالمسرح مبكرًا جدًا، لكن كمتفرج فقد روى فى إحدى حواراته الصحفية كان يذهب مع والده ليشاهد الفنان نجيب الريحانى وعلى الكسار ثم بدأ يذهب إلى المسارح بداية من الثلاثينيات، وكان يصر على متابعة الأدب العالمى، وله قراءات متعددة فى المسرح العالمى بداية من اليونان حتى المعاصرين مثل أبسن، وبرنارت شو والأعمال الحديثة التى كانت موجودة فى هذا الوقت، وأضاف: برغم من متابعته لهذه الحركة المسرحية، لكننا لم نشاهد نجيب محفوظ يقبل على كتابة المسرح إلا بعد عام 1967م حتى عام 1979م، ولم يستمر فى الكتابة المسرحية ورغم تأثره بمسرح العبث فى فترة النكسة ومع تأثره باختلال الشعب المصرى خاصة المثقفين سنلاحظ أنه أوضح رأيه دون المساس أو الاصطدام بالسلطة فقد كان معروفًا عنه أنه يلتزم بالوقت بشكل كبير، وكان دقيقًا، وهذه الدقة انعكست عليه كمثقف، وكان بعيد عن الاصطدام بالسلطة وفى رواية “اللص والكلاب” نقد السلطة ولكن بشكل لا يؤخد عليه، وقد قام بالتوقيع على بيان وقع عليه أغلب المثقفين، بسبب حالة اللا سلم واللا حرب أدى هذا البيان إلى سحب أغلب عضويات الإتحاد الإشتراكى من المثقفين الذين وقعوا على البيان فيما عدا نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، وهو ما علم الأديب نجيب محفوظ بعد الإصدام بالسلطة أو وجود مواقف حادة وبعيدًا عن هذا سنجد أنه عام 1971 كتب نصا به نوعًا من أنواع المطاردة من قوة مجهولة تطارد شخص ما كانت تصوير عن حالة نجيب محفوظ النصوص الثمانية التى كتبها لم تقدم كثيرًا على المسرح رغم أن النصوص التى أعدت عن أعماله قدمت كثيرًا جدًا على سبيل المثال نص واحد مثل “زقاق المدق” قدم له ثلاثة إعدادت بثلاثة إنتاجات مختلفة قدمت مرة فى الستينيات بالمسرح الحر، وفى التسعينيات فى فرقة المتحدين ثم قدمت بمسرح البالون بالفرقة الغنائية الإستعراضية لكن مسرحيات نجيب محفوظ لم تقدم كثيرًا، وسنتعرف على السبب من الكاتب الكبير والناقد إبراهيم الحسينى،
وفى مداخلته طرح الكاتب المسرحى إبراهيم الحسينى تساؤلًا هامًا وهو هل كان لدى الروائى المصرى الحاصل على جائزة نوبل فى الآداب 1988 نجيب محفوظ (1911 – 2006) مشروعًا فى الكتابة المسرحية؟ هل كان يفكر وهو يكتب مسرحياته الثماني فى إعادة رسم الخريطة المسرحية فى الستينيات بوضع اسمه فيها؟ أعتقد أن أحدًا لم يجب عن هذا السؤال حتّى نجيب محفوظ نفسه لم يشغل باله كثيرًا بالإجابة عنه، ثمة أفكار كثيرة تناوش رأسه وتتجاذبه إلى أطرافها فى تلك اللحظة التى قرر فيها أن يمسك بالقلم ويكتب للمسرح، كان ذلك فى عام 1967م، وتحديدًا فى الفترة الواقعة بين شهرى أكتوبر وديسمبر، أى بعد النكسة بثلاثة شهور، كانت المرارة وقتها ما زالت عالقة فى الأجواء، الأسئلة متوحشة وبلا إجوبة، صدمة الهزيمة أحالت كل الأشياء إلى خواء وعبث، كل الكتابات لم تعد تؤدى وظائفها، سقطت الأقنعة وهربت الرّوح وفرضت علامات الإستفهام وجودها على كل شيء، ظهرت فى تلك الفترة وكردة فعل قوّية على ذلك كثيرًا من الأعمال الإبداعية التى تحاكم الهزيمة وتبحث عن المسئولين عنها وتقيم مراجعات شاملة للأسس التى أنبنت عليها كل مؤسسات المجتمع.
انهدمت بناء على تلك المراجعات الذاتية والمجتمعية أسئلة جدوى الكتابة وفعاليتها لدى العديد من الكتاب والمثقفين، لماذا نكتب ولمن؟ انهار ذلك التماسك الذى يربط بين الأشياء، أصبحت هناك حاجة ملحّة لوسائل تعبير جديدة تناسب هذا الغضب المعتمل فى الصدور، كان نجيب محفوظ من هؤلاء الذين نهشتهم الأسئلة فأقدم على كتابة قصصية وروائية مغايرة فى هذه الفترة، لكن ذلك لم يبعد عنه أزمته وأسئلته، لذا فقد بحث عن شكل أدبى آخر فكان المسرح هو أهم الأشكال الأدبية الأخرى قربًا إلى تفكيره، لكن أى نوع من المسرح سيكتب محفوظ، هل يكتب هذا النوع الذى تربّى صغيرًا على مشاهدته فى مسارح روض الفرج والذى كانت تقدمه فرقتى فوزى منيب ويوسف عز الدين، أو ذلك النوع من المسرح الذى كان يقدمه على الكسار ونجيب الريحانى أم أنه كان يفكر فى مجايليه من كتاب مسرح الستينيات من مثل: توفيق الحكيم، يوسف أدريس، محمود دياب، سعد الدين وهبة، ميخائيل رومان، ألفريد فرج، فقد كان محفوظ من متابعى أعمالهم ومن محبى ارتياد المسارح لمشاهدة عروضهم والتى ظل يتابعها بانتظام حتى منتصف الستينيات
لكن محفوظ لم يكن مُهيئًا لتقديم أيًا من هذه الأنواع التى ذكرناها لعدة أسباب؛ منها عدم مقدرة هذه الأشكال المسرحية السائدة آنذاك على التعبير عن حالة الغضب التى ولدتها النكسة بداخله، ثانيها تاريخه الروائى الكبير، والذى قدم فيه كثيرًا من العلامات الروائية والقصصية، مثل: الثلاثية “بين القصرين، قصر الشوق، السكرية” اللص والكلاب، زقاق المدق، الطريق، السراب، وما يزيد على عشرين عملًا متنوعًا ما بين الرواية والمجموعة القصصية، إنه لا يريد أن يضحى بهذا التاريخ السردى الكبير بدخوله فى مغامرة الكتابة للمسرح، وهى مغامرة غير آمنة بالنسبة لكاتب فى مكانته، فإقدامه على تلك الخطوة يعنى موافقته على الدخول فى مقارنة مع كتاب المسرح آنذاك، ومعظمهم من أصدقائه، وتشهد على هذه الصداقة مقاهى بترو بالإسكندرية، ريش، كازينو الأوبرا، كازينو قصر النيل، مقهى الفيشاوى، ومقهى على بابا، وهى الأماكن التى تعود محفوظ على الالتقاء بأصدقائه فيها وإقامة ندوته الأسبوعية بإحداها، لذا فكر محفوظ فى تقديم نوعية مختلفة من المسرح فكانت البداية مع خمس مسرحيات من ذوى الفصل الواحد، وهى: (يـُميت ويحيى، التركة، النجاه، مشروع للمناقشة، المهمة) والتى نشرها مجتمعة ضمن مجموعته القصصية «تحت المظلة» والتى صدرت طبعتها الأولى عن مكتبة مصر فى عام 1969م.
وعقب المخرج عصام السيد على نقطة هامة فى الجلسة الحوارية، وهو من المحتمل أن يشرح لنا نص المناقشة وجهة نظر نجيب محفوظ فى المسرح موضحًا أن النص عبارة عن مؤلف يقدم نصًا لفرقة مسرحية، وهناك مدير الفرقة والمخرج والناقد وممثلة وممثل يتناقشون فى النص ويبدأون فى تعديله وهذه التعديلات يرفضها المؤلف ويرفض تمامًا أن يمس أحد نصه وينصرف تمامًا وسنجد أن هناك علاقة قديمة بين المؤلف والممثلة ويسترجعونها ولا نعرف مصير النص هل سيقدم أم لا؟ وعن آراء نجيب محفوظ فى المسرح قال الكاتب الصحفى والناقد محمد بهجت: «كنت ابنا لأحد تلاميذ الأديب العالمى نجيب محفوظ لأنه كان يعتز كثيرًا بوالدى الكاتب الصحفى أحمد بهجت ويعتبرونه من أقرب تلاميذه، وكان الأستاذ أحمد بهجت يعتبره من أكبر وأهم أساتذته والحقيقة أننى شرفت بهذا المصادفة، وأن هناك صداقة بينه وبين والدى وذلك مكننى من مقابلته كثيرًا خاصة أننى كنت أعمل فى القسم الأدبى لفترة طويلة كانت أطول من عملى بقسم المسرح فكان المسرح بالنسبة لى هواية، لكن عملى الأساسى فى الأدب وكانت جلساتى مع الأديب نجيب محفوظ لأسباب كثيرة مهمة وأسباب مفتعلة، لأننى كنت أحب الجلوس معه، وتابع: قرأت فكرة مهمة وهى بعنوان ساعة قراءة الجرائد بعدسة نجيب محفوظ فكان آنذاك أستاذنا العظيم قد تقدم فى العمر، وكان يحتاج عدسة، ويقرأ الجرائد فى ساعة، وكان ومثلما قال المخرج عصام السيد كان دقيقًا جدًا وكان يحب الحياة ويستمتع بها، وكان شخصية شديدة التواضع، واتذكر أولى زياراتى له توجهت لمكتبه فى جريدة الأهرام ووجدته يجلس على مكتب صغير أشبه بمكتب السكرتارية، ووجدت مكتبًا كبيرًا لا يوجد أحد يجلس عليه وعندما سألته: لماذا لا يجلس على مكتبه فأجاب هذا ليس مكتبى لكنه مكتب الأستاذ توفيق الحكيم، وكان قد توفى الأستاذ توفيق الحكيم آنذاك لكنه كان يصر على عدم الجلوس على مكتبة حتى بعد وفاته فقد كان يجل توفيق الحكيم بشكل كبير، وهذا سيكون مدخلًا للمسرح فضمن الأسئلة التى سألتها له أنه كتب القصة القصيرة والرواية والسيناريو والمسرحية، واستوقفنى وأوضح لى أنه لم يكتب مسرحا، وكانت الإجابة غربية بالنسبة لى خاصة أنه كتب ثمانى مسرحيات فكان رده أنها أعمال قصصية ذات “طابع حوارى” صنفها النقاد بأنها مسرح، وهو ما يتفق مع ما قاله الكاتب الكبير إبراهيم الحسينى لا يريد أن يصنف ككاتب مسرحى مع عظم هالته كروائى، فهو يعد الروائى الأول على مستوى الوطن العربى كله، بينما إذا صنف بين المسرحيين سيأتى متأخرًا، وفى أحد حوارتى سألته عن جائزة تحمل اسمه فى الأدب وفيما يتعلق بالمسرح كان سؤالى هل يحب أن يعطى الجائزة لأحد فى المسرح، وكانت إجابته أنه يعرف الكثير من رواد الأجيال السابقة الذين فازوا بما هو أكبر من جائزة نجيب محفوظ موضحًا أنه لم يعد يتابع الحركة المسرحية بعد الستينيات، وكان آخر جيل شاهد مسرحياته هو جيل الكاتب الكبير سعد الدين وهبه وألفريد فرج ويوسف إدريس وميخائيل رومان ونعمان عاشور وبعد ذلك توقف إجباريًا عن مشاهدة المسرح لظروفه الصحية فلم يعد يسمع الحوار حتى وإن جلس فى الصف الأول ثم جد عليه ضعف النظر فلم يعد يتابع السينما أيضا وأضاف بهجت:” أعتقد أنها إجابة مراوغة له ليوضح أن هذا الجيل من الرواد المسرحيين اسهم إسهامًا عظيمًا لذلك نعتبر جيل الستينيات فى المسرح المصرى الجيل الذهبى على الأقل بالنسبة للتأليف. واختتمت الجلسة ببعض المداخلات من الحضور.