السمسمية ملحمة موسيقية للمقاومة الشعبية

السمسمية  ملحمة موسيقية للمقاومة الشعبية

العدد 870 صدر بتاريخ 29أبريل2024

المسرح قائم على التطهير (catharsis) بمعنى انه يدرب النفس الإنسانية على إعادة تقدير مواقفها واعتماد العقل والمنطق أساساً للرأي والموقف، إنه يثير الإنسان ليتخذ الموقف السليم ويزوده بالحافز السليم لبناء موقفه، ومن هنا يسهم المسرح بشكل كبير في بناء المجتمع ثقافياً وسياسياً وتعليمياً، فالمسرح هو  لسان حال المجتمع وحقبته الزمنية، لذا استحق لقب (أبو الفنون) .
وفى مسرحيتنا موضوع النقد المسرحى (السمسمية) نستطيع ان نقول انها تنتمى الى كلا من المسرح الموسيقى مختلطا مع مسرح السير الذاتية، والمسرحية من كتابة واخراج المبدع سعيد سليمان ومن انتاج مسرح المواجهة والتجوال، بقيادة مديره الفنان القدير محمد الشرقاوى أول من من أسس لفكرة هذا المسرح بمجهوداته ونجاحاته المشهودة فى تحقيق العدالة الثقافية التى وصلت الى العمق المصرى، وكل المناطق المحرومة ثقافيا وفكريا قرى ومحافظات شمالا وجنوبا غربا وشرقا، وقد نالنى عظيم الشرف بأن اكون شاهدا على تلك المرحلة التاريخية ما قبل تأسيس مسرح المواجهة والتجوال، بالعمل ممثلا تحت قيادته بإحدى عروضه الناجحة التى صالت وجالت كل شبر على أرض مصرنا الحبيبة، ومن هنا جاءت البداية لتأسيس فكرة تلك الفرقة وذاك المسرح (مسرح المواجهة والتجوال) ، بالوصول بمسرحنا المصرى التنويرى إلى كل قرى ونجوع ومحافظات مصر لمحاربة الإرهاب وخفافيش الظلام، وبعد نجاحات متتالية لذاك المسرح الوليد انبثقت منه فكرة لمبادرة أعمق وأهم الا هى مبادرة (ولد هنا) والتى وجدت رعاية واهتمام بالغ من المخرج الكبير خالد جلال رئيس قطاع شئون الانتاج الثقافى والقائم بأعمال البيت الفنى للمسرح، حيث قام بتقديمها فى مؤتمر صحفى كبير معنى بالخطة المسرحية للبيت الفنى على مدار العام، والتى قال عنها المخرج محمد الشرقاوى أن تلك المبادرة تهدف إلى الاحتفاء بالتنويرين لرموز مصر من محافظات الدلتا والقناة والصعيد، وكذلك تعريف الجمهور بهذه الشخصيات التي أثرت الحياة الفكرية والفنية في مصر، وتقديم نماذج ملهمة، وأصحاب تجارب نجاح ثرية.
والعرض المسرحى (السمسمية) يعد هو العرض الثانى فى تلك المبادرة، والمعنى بالإحتفاء برموز وابطال  المقاومة الشعبية  لمدن القناة الثلاثة (السويس والاسماعيلية وبورسعيد) بداية من العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، مروراً بالنكسة وحتى انتصار أكتوبر عام 1973، وتعريف جمهور المتلقى بهم فى القاهرة وكل محافظات مصر التى سيتجول بها العرض المسرحى، وقد احسن سعيد سليمان اختيار مدن القناة لتكون مصدرا لأبطال روايته التى سوف يجسدها فنانوا العرض، وذلك لأن مدن القناة هي الأكثر احتياجاً لتسليط الضوء على أبطالها وشخصياتها المؤثرة من خلال هذه المبادرة، من اجل ان تكون قدوة حسنة لجيلهم ولكل الأجيال القادمة فى الصمود والنجاح .
اختار سليمان «آلة السمسمية» لتكون هى عنوان العرض المسرحى وتيمة العرض الموسيقية طوال احداثه،و اختياره لها جاء متعمدا وليست مصادفة، لما لها من قدم وأصالة عند المصريين، وايضا لأنها من التراث الشعبى فى مصر الذى يعبر عن أهالي مدن قناة السويس وبخاصة في أفراحهم وأحزانهم، وركن مهم من حكايات المقاومة الشعبية إبان فترة الاحتلال الإنجليزي وما تلاها من حروب، وأصل آلة السمسمية هي آلة الكنارة الفرعونية المصنوعة من الخشب، ومع مرور الأزمنة وتطور الأجيال أصبحت السمسمية ليست مجرد أداة أو آلة موسيقية وترية محلية قديمة، بل تم ابتكار لها رقصات شعبية  مصاحبة لموسيقاها اشتهر بها اهل القناة وبالأخص أهل السويس، حيث قدمت في فترة «الاستنزاف» دورًا مهمًا جدًا واعتُبرت الأكثر تأثيرًا في الحرب فكان صوتها بمثابة آمل لغد مشرق وبث روح الوطنية فى نفوس أهالى مدن القناة، والسمسمية لها أسماء كثيرة منها «الطنبورة» التى جاءت مع عبد الله كبربر من السويس، حيث تم تصغيرها وسموها السمسمية و«النقارة» لاستخدامها فى النقر و«النداهة» على أنها تنادى عشاقها.
 والعرض المسرحى « السمسمية» هو عرض موسيقى غنائى يروى سعيد سليمان من خلاله قصص لأبطال المقاومة الشعبية بمدن القناة الثلاثة، والتى لا يستطيع اى عرض مسرحى ان يحصر كل ابطالها بشكل كامل، لذا حرص سليمان هنا على التنوع فى انتقائه لعناصر معينة من ابطال المقاومة الشعبية من مهن مختلفة ومتعددة، دلالة على ان الانتماء والوطنية إبان تلك الفترة لما يكن قاصرا فقط على الجيش والشرطة، بل شمل معظم اهالى القناة ليمارس كل منهم دوره الوطنى فداءا للوطن، من خلال مهنته التى يشغلها وبطريقته واسلوبه لذا اطلق عليها هنا « المقاومة الشعبية « .
كما حرص مخرج العرض على أن يضفى على مسرحيته الطابع الخاص لمدن القناة امام جمهور المتلقى، فلجأ الى تدريب الممثلين على الرقصات التراثية الخاصة بمدن القناة مثل «السمسمية» و«البمبوطية»، والأخيرة هى رقصة على نغمات السمسمية ايضا ضمن فنون الصيادين والبحارة وتجار البحر الذين يعملون على المراكب الصغيرة، حيث ارتبطت تلك الرقصة بافتتاح قناة السويس وقام الممثلون بأدائها فى بداية العرض بإتقان ومهارة فائقة كما البورسعيدية ذاتهم، وتعد اصل كلمة «بمبوطية» من الانجليزية حيث اطلق عليهم الأجانب «BOATMAN» بمعنى رجل المركب، وقد حرفها اهالى بورسعيد الى كلمة «بمبوطى» .
كان اختيار الممثلين هو أصعب ما واجه مخرج العرض نظرا لطبيعة العرض التى تتطلب فنانين من نوع خاص، يجيدون فن التمثيل بالإضافة الى أن يكون لديهم جميعا الأذن الموسيقية التى تمكنهم من  القدرة على الغناء، سواء الاحترافي منه لأصحاب الأصوات الموهوبة، او الأداء الصوتى لأصحاب الأصوات السليمة على اقصى تقدير، كما لابد ايضا ان يكون لديهم جميعا المرونة الجسدية التى تمكنهم من تعلم كل انواع الرقص بسهولة وتمكن، مع القدرة على اتباع التوازن الحركى وسط عدد كبير من جموع الممثلين .
لذا فقد احسن المخرج بالفعل بذاك العرض المسرحى فى الكشف لنا عن كنز من المواهب متمثل فى مجموعة مكونة من عشرة من ممثلين وممثلات العرض مع اربعة من العازفين المحترفين، والعرض ينتمى لاعمال البطولة الجماعية التى تعتمد على الممثل الشامل تمثيلا ورقصا وغناء، وهذا ما وجدناه مع واحد من ابرز تلك المجموعة الا وهو آسر على الذى قام بأداء وتجسيد العديد من الشخصيات الرئيسية والمساعدة بالمسرحية، حيث قام بتجسيد شخصية الفدائى عبد المنعم قناوى احد ابطال المقاومة الشعبية ما بين حربى الاستنزاف واكتوبر، كما قام آسر ايضا بتجسيد شخصية كابتن غزالى (1928 – 2017) الذى اكتسب لقبه بسبب عمله الرياضى كمدرب للمصارعة وعمله ايضا كشاعر للسمسمية وقائد « فرقة ولاد الأرض « ومؤسسها ، والتى كانت تدعى سابقا بفرقة « بطانية ميرى « نظرا لأن أعضاء الفرقة كانوا يقومون بوضع بطانية على الأرض والجلوس فوقها للغناء داخل الخنادق، حيث كتب ولحن كل اغانيها، واحد ابرز الفنانين فى تاريخ المقاومة الشعبية بالسويس والذى تولى المهمة خلفا للشاعر الراحل عبد الله كبرير، الذى قام بتحفيز همم المصريين وبث روح الوطنية فيهم قبل حرب اكتوبر 73 وساهم فى توحيد صفوفهم حتى تحقق النصر، من خلال الأغانى الوطنية الحماسية التى شاركه في اغانيها عدد من الفنانين مثل الشاعر عبد الرحمن، كما استعان محمد منير بأغانى الغزالى فى فيلم « حكايات الغريب «، وحقيقة اتقن آسر على ببراعة وحرفية تقمص وتجسيد الشخصيتين مع إبراز أوجه الاختلاف بينهما، كما قام آسر بتجسيد بعض الشخصيات المساعدة والمكملة مثل شخصيات الضابط الانجليزى انطونيو ميرهاوس على سبيل المثال، حيث كان كل ممثل بالعرض هنا يقوم بتجسيد شخصية أو اتنين من الشخصيات الرئيسية مع بعض الأدوار المساعدة لكل شخصية رئيسية يجسدها زملائه، هذا الى جانب مشاركة آسر بالرقص والغناء الفردى والجماعى طوال احداث المسرحية، ويعد آسر على ابرزهم واجملهم صوتا حيث انه بجانب تخرجه من المعهد العالى للفنون المسرحية، فقد درس ايضا الغناء بمعهد الكونسرفتوار، ويتقن التمثيل والغناء بنفس الدرجة لذا فهو ممثل شامل دارس كما يقول الكتاب حرفيا، واحد المواهب المبشرة لمستقبل الفن بمصر . 
ايمان مسامح ممثلة مخضرمة ومسرحجية من الطراز الأول قامت بتجسيد شخصية الفدائية  زينب الكفراوى التى تعد أيقونة المقاومة الشعبية النسائية ببورسعيد، اثناء العدوان الثلاثى عليها عام 1956، وسجلت فى قوائم الفدائيين كأول سيدة تنضم الى المقاومة الشعبية فى حرب العداون الثلاثى وعمرها 15 عاما، وبدأ نضالها بتوزيع المنشورات لحث المواطنين على مقاومة الاحتلال، كما ساعدت فى اخفاء الضابط البريطانى «مير هاوس»ابن عمة ملكة بريطانيا، كما جسدت مسامح ايضا شخصية الفدائية علية الشطوى احدى فدائيات عدوان 1956 الطالبة بالمعهد الراقى للمشرفات الصحيات الاجتماعيات بالقاهرة، والتى كذبت على والدها بعدما أغلقت المعاهد والكليات للحرب وعادت الى بورسعيد، واوهمته بإنها تم تكليفها اجبارى للتطوع فى اسعاف جنود الجيش المصرى، والحقيقة انها هى من ذهبت بإرادتها، وعمرها كان لم يبلغ بعد السابعة عشر عاما، واستطاعت مسامح ان تتسلل بأحاسيسها وصدقها الى قلوب جمهور المتلقى اضافة الى ما تتمتع به من كاريزما وقبول فنى يؤهلها لتكون من نجمات الصف الأول .
عبد الرحمن المرسى فى شخصية الجندى على زنجير أحد الفدائيين ابان العدوان الثلاثى بمدينة بورسعيد، بطل واقعة خطف أحد جنود الاحتلال بالرغم من كل ما يحيط العملية من مخاطر، وهو الضابط الانجليزى أنطوني مير هاوس ابن عمة ملكة إنجلترا في ذلك الوقت وأصبحت هذه العملية أشهر عمليات المقاومة الشعبية البورسعيدية وقت العدوان الثلاثي وكان تجسيده فى العرض المسرحى هو اكبر تكريم له من مخرج العرض حيث ان بطولته تلك لم يكتب عنها ولم تلقى التقدير والتكريم المناسب عليها سوى عام 2014 من احدى الجمعيات التابعة للقوات المسلحة، وقد احسن المرسى تجسيد الشخصية بمنتهى الحرفية والحماسة والوطنية.
مريم سعيد سليمان جسدت كلا من شخصيتى زينب الكفراوى وعلية الشطوى فى الطفولة والشباب، وتتمتع مريم بثقة لا متناهية على خشبة المسرح، ووجه منحوت يجيد كل التعبيرات والانفعالات رغم صغر سنها .
سالى النمس جسدت شخصية فتحية الأخرس الشهيرة ب «أم على» أول فدائية انضمت للمقاومة الشعبية من السيدات، خلال تصدى أهالي بورسعيد لعدوان 1956، حيث فكرت في استغلال عملها كممرضة فى عيادة الجراح الدكتور جلال الزرقانى، لتحول عيادته إلى مأوى آمن للفدائيين، وفي أحد الأيام، سمعت «أم على» طرقًا شديدًا خلال العدوان على باب العيادة الخارجى، ففتحت باب العيادة وتظاهرت أمام الضابط الإنجليزى أن أحد المرضى توفى وأخذت تهلل وطلبت منه المساعدة وإبلاغ الجهات المصرية المسئولة لدفنه، وشرب هذا الضابط الإنجليزى الكبير «المقلب» وأمر جنوده بالانسحاب دون تفتيش العيادة، والتف الفدائيون حولها لتهنئتها وأشادوا بحسن تصرفها وشجاعتها، وقد برع سليمان فى اخراج ذاك «المقلب» بشكل كوميدى حركى غنائى وبخفة ظل من سالى النمس وكل الممثلين المساعدين لها، فكان من اجمل مشاهد المسرحية التى أسعدت جمهور المتلقى، وكشفت مدى ذكاء المخرج فى تخفيف الضغط عليه وسط قسوة أحداث العرض المسرحى، كما شاركت النمس ايضا فى الغناء الفردى والجماعى لما تتمتع به من صوت دافئ ومميز .
احمد جمال فى شخصية جلال عبده هاشم من ابطال المقاومة الشعبية رسام وفنان تشكيلى، قام بتخليد صمود اهالى الاسماعيلية ضد العدوان بعمل تمثال لموديل كوماندوز مصرى من شظايا الحرب، وكان يعمل فى تصنيعه تحت القصف وفى الظلام الدامس واطلق عليه تمثال الصمود وتم عرضه بعد ذلك فى فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى القاهرة 1972، وفى نفس العام قام بتصنيع تمثال آخر شبيه من شظايا القنابل الاسرائيلية اطلق عليه تمثال النصر، وقد عبر احمد جمال عن تلك الشخصية بكل واقعية وتلقائية تدل على مدى ايمانه وصدقه فى التوحد مع الشخصية واعجابه بها، وسام مصطفى فى شخصية الفدائية آمنة دهشان اقدم فدائية بإقليم القناة وأحد أبطال المقاومة الشعبية، والتي ساهمت في نقل السلاح للمقاومة، وخطف العديد من جنود الإنجليز، وإخفاء الفدائيين في مزارعهم، ومع نكسة 67 رفضت التهجير رغم استهداف القوات الاسرائيلية لمدن القناة بعدة غارات، وهى من عائلة أبو دهشان أحد العائلات العريقة، والتي يرجع أصولها إلى قبيلة مزينة بمحافظة الاسماعيلية، وقد جسدت وسام الشخصية بمنتهى البراعة والحرفية. 
محمد النمس قام بتجسيد كلا من شخصيتى الجندى هائل سعيد من الشرطة العسكرية واحد ابطال المقاومة التى استشهد خلالها، كما قام بتجسيد شخصية الفدائى الدكتور أحمد الهلالى الذى شارك فى عملية خطف الضابط  الإنجليزى (مير هاوس) واخفائه بمنزله المواجه لأحد مراكز القيادة البريطانية وقد تم تسليم جثته بعدما رضخ الانجليز لوقف القتال والانسحاب من بورسعيد، وجدير بالذكر ان النمس ايضا هو من جسد زوج فتحية الأخرس بخفة ظل فى المشهد الكوميدى الوحيد بالمسرحية، وقد اتقن النمس تجسيد كل الشخصيات التراجيدية منها والكوميدية، واخيرا قامت كلا من جاكلين سعد وروجينا نادى بالتقاسم سويا فى تقديم كل من يقوم بأداء الشخصيات الرئيسية بالعرض، الى جانب مشاركتهم الجماعية فى التمثيل والغناء الجماعى والرقص، وقد بذل جميع الممثلين بالعرض مجهود مضنى فى التنقل ما بين الشخصيات الرئيسية والمساعدة يتخللهم الغناء والرقص مما استحقوا معها الإشادة والثناء، اغلب الأغانى الحماسية والوطنية بالعرض المسرحى هى من تراث المقاومة الشعبية ومن كلمات كابتن غزالى والحانه، وقد احسن سعيد سليمان انتقاء كل اغنية بما تتناسب مع الموقف الدرامى للمشهد المسرحى مثل «غنى يا سمسمية»، «فات الكتير يا بلدنا»، و«ملعون اى صوت يعلى صوت المعركة»، و«هيلا هيلا»، و«يا اخينا يا وش النملة»، و«اتعلمنا منك ازاى الموت ينحب»، و«بلدى يا بلد الفدائيين» التى توثق قصة البطل الشهيد الجندى سعيد فى مشهد غنائى حركى بديع من بدايته لنهايته، وجميع تلك الاغانى تأليف تراث والحان هيثم درويش من يقوم بالعزف على آلة العود بالعرض، واخيرا اغنية «ايوه ممكن» من تأليف سعيد سليمان، والتى تعطى الأمل والطموح للجيل الحالى الذى يحيا وسط ظروف غاية فى الصعوبة ولكل الأجيال القادمة، ومن الحان هيثم درويش الذى أجاد القيام بدوره على أكمل وجه سواء فى التوزيع او الرؤية الموسيقية لألحان التراث او فى الحانه الشخصية ذاتها، مما اسهم بإبداعه فى خلق حالة وطنية وحماسية  لدى جمهور المتلقى هو ومن معه من موسيقيين العرض، اياد القاضى «عازف السمسمية»، اشرف عبد الروؤف «ايقاع الدف»، احمد السيد سيكا «ايقاع طبلة»، جاءت الملابس لسماح نبيل موحدة لجميع افراد العرض المسرحى فى شكل خليط ما بين الزى العسكرى والزى الاستعراضى لفرقة السمسمية  فى لونه وهيئته، دلالة على الحالة الوطنية التى يتوحد فيها كل ابناء واهالى الوطن فى الحروب والأزمات، كما جاء الديكور لنفس المصممة ايضا عبقرى ومعبر وبما يتناسب مع فكرة مسرح المواجهة والتجوال الذى يعتمد على السفر لأماكن ربما لا يوجد بها مسارح مما يسهل حمله وتركيبه، فأقتصر الديكور على بعض البانوهات التى تحمل قصاصات حقيقية للجرائد التى كتبت عن تاريخ المقاومة الشعبية من 56 حتى 73، ويتوسط ذلك الديكور مجسم كبير لآلة «السمسمية» أوتاره كما شعاع الشمس التى تبعث على الأمل والحياة والصمود، فقط يؤخذ على العرض بأن المكياج لرحاب طايع وهى واحدة من أكفا صناع المكياج فى مصر، قد جاء بشكل رمزى فيه قدر من الاستسهال فى عرض ثرى بما يتطلبه من مكياج سواء ان كانت لآثار دماء او إرهاق أو تقدم قى السن على ملامح وجوه الأبطال، خاصة ان أغلبهم عاش لأرزل العمر وكأنما اراد الله ألا يموتوا قبل  ان يشهدوا تخليدهم وتكريمهم بأنفسهم، كما كان ينقص مثل هذه الملحمة الوطنية ان يصاحبها رؤية سينمائية للمخرج لصور وفيديوهات أبطال المقاومة الحقيقيين فى حوارات عن بطولاتهم، الذى نجح سليمان فى إثارة عاطفة الجمهور تجاههم والفضول فى التعرف على شخصياتهم الحقيقية، حتى يتسنى للمتلقى المقارنة ما بين درجة تقمص ابطال العرض المسرحى لهم، والى أى مدى بلغ تأثرهم بهم من الإتقان والحرفية، واخيرا قدم لنا سعيد سليمان ملحمة موسيقية للمقاومة الشعبية خلدت بعض ابطالهم فى وقت قياسى للعرض، اشتمل فيه على كل أنواع الفنون من التمثيل والرقص والغناء والعزف، حيث يبدأ العرض من خارج المسرح حيث حديقة الانتظار لجمهور المتلقى، بمشهد احتفالى رمزى كرنفالى بديع  ومعبر لأبطال العرض المسرحى وهم يغنون ويصفقون ويشاركون الجمهور الاحتفالات بالنصر، على كل أنواع الاحتلال المتضخم الذات الممتلئ بالغرور من خلال رمز لمجسم ضخم يشبه البالون على هيئة انسان يمارسون عليه كل انواع التنكيل فرحا ونصرا، ومن ثم ينتهى العرض كما بدأ بأغنية جماعية تبعث على الأمل والطموح والصمود، امام كل المصاعب والعقبات التى تواجهنا حنى تحقيق النصر والنجاح ليشاركهم الجمهور غنائها مرددين :
«أيوه ممكن .. ممكن تكون الأعظم .. ممكن تكون الأفضل .. ممكن تكون البطل .. أيوه ممكن» 


أشرف فؤاد