ليلك ضحي صراع الحب والإرهاب

ليلك ضحي صراع الحب والإرهاب

العدد 580 صدر بتاريخ 8أكتوبر2018

على مسرح الهناجر وضمن فعاليات احتفال مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي باليوبيل الفضي، تم عرض مسرحية “ليلك ضحى” من تأليف وإخراج غنام غنام وإنتاج فرقه المسرح الحديث بالشارقة، المسرحيه تعبر وتتبنى الحب والحياة ضد القوى الظلامية التي تتخذ الإسلام شعارا لها، والتي نعيش هذه الأيام مأساة سيطرة هذه القوى الظلامية على أجزاء داخل بعض دولنا العربية، حيث يتناول العرض كيف يقتل الخير والحب والجمال على يد الظالمين، ولعل ذلك ما أهل نص العرض المكتوب عام 2015 للفوز بجائزة الإبداع في المملكة العربية الأردنية الهاشمية في عام 2016 ومن ثم ترجمته إلى اللغة اليابانية عام 2017 وأعتبره مثالا جيدا على المسرح في مناطق الصراع.
في البداية، فإننا إذا تأملنا اسم المسرحية فإننا يمكن أن نتوقف أمام دلالة «ليلك» التي تشير إلى وردة الليك أو الليل، وبالمقابل ضحى الذي يشير إلى الأوقات الأولى من النهار، في استخدام للمقابلة في التأكيد رؤية العرض.
يحكي العرض المسرحي “ليلك ضحى” عن الذين درسوا الفن ويعملان مدرسين، فليلك مدرسة موسيقى تم تعيينها في المدينة، وضحى مدرس تمثيل عين في قرية تبعد 500 كيلومتر، وللحب المتبادل بينهما ومعرفة والدة ليلك بذلك، وبخفة ظل وحيل تمثيلية يقنع ضحى والدة ليلك بالموافقة على أن تنقل عملها معه في هذه البلدة، ولم تجد الأم بحنانها إلا أن توافق وبعاطفة الأم تقول له خذها معك وجهز لها بيتا صغيرا حتى تستطيع تنظيفه. وفي هذه البلدة التي تسمى “تلقمح” تعيش خفافيش الظلام التي تسيطر عليها والمتمثلة في الشيخ البلداوي، وأبو البراء الذي كان يدعى بالأستاذ عمار قبل تنصيبه قائدا للإرهاب وهو مدرس تربية دينية لا يعرف عن الدين سوى السواك ويصلي بالمسجد، ونجد الشيخ البلداوي يحدد إقامة ليلك وضحى ويراقب كل تصرفاتهما مدعيا أنه يقوم بحمايتهما ولكنه في الحقيقة يكمن في نفسه رغبة جامحة في ليلك وتفضحه تصرفاته في بعض الأحيان، وتصده ليلك ويحاول الوقيعة بين ليلك وضحى لكنهما يطردانه من منزلهما، فيقرر الشيخ البلداوي بأن عملهما يحث على الفجور، وهي من أعمال الشيطان. وتتصاعد الأحداث ويكسر الشيخ البلداوي العود آلة الفجور، ولا مفر من قتل ضحى ليفوز بليلك أو قتلها هي أيضا في حالة إن لم تسلم له نفسها، وهنا يقرر الزوجان الانتحار معا حتى لا ينال منهما الشيخ البلداوي.
بعد انتحار الزوجين نجد حمود يفزع لموتهما ويسرد مونولوجا مليئا بالحسرة والأسى لموتهما، ومن سيقف أمام الشيخ البلداوي؟! من سيعلم فاطمة الغناء؟! هكذا ترحلان مع الفجر. وقد استخدم المخرج الشموع للدلالة على التنوير، فإذا أردت قتل الظلام فأوقد شمعة، في مشهد رومانسي، وتداخل الأصوات تردد فاطمة قولها فزعانة وتردد والدة ليلك “الو” وتتلاشى الأصوات لينتهي العرض.
تنقسم شخوص المسرحية لشخصيات سوية تريد الحياة لنشر قيم الخير والحب والجمال مثل ليلك ووالدتها وضحى وفاطمة حبيبة حمود وتلميذة ضحى، وحتى حمود الذي جنده خفافيش الظلام بعد اتهام أمه بالزنا وقتلها وقتل أبيه، فجند لكي لا يعيش بعارهما وضمن الأحداث نعلم أنه كان تلميذ ضحى وكان من المتفوقين وقدم مع أستاذه دور عنترة بن شداد رمز الحب والشجاعة، فيتذكر حبه لفاطمة وقتل الظلاميين الإرهابيين لها لمشاهدتهما يقفان سويا، وشخصيات ذات عقول مريضة تجري وراء غرائزها كالشيخ البلداوي، والأستاذ عمار الذي أصبح اسمه أبو البراء بعد تنصيبه قائدا للإرهابين، وأبو سعيد، المتلصصين على أهل البلدة ومعهم أبو حمزة من المأجورين الأجانب.
في العرض المسرحي “ليلك وضحى” المؤلف هو المخرج، جعل القوى الظلامية تنتصر علة قوة الخير؛ مما أصاب بعض المشاهدين بالإحباط، ولكنها وجهة نظر فنية لا دخل لنا بها، ولكننا إذا نظرنا لواقعنا المرير في بعض أجزاء من بلادنا العربية نلاحظ القتل وسفك الدماء وتنتصر القوى الظلامية في بعض المواقع.
اختار المخرج أن يكون المتلقي متلصصا على ما يحدث من خلال الحائط الرابع، وبالتالي يفكر فيما يحدث كما أنه استخدم اللغة السينمائية، فمثلا نجد أنه استخدم الفلاش باك ليتعرف المتلقي على ما حدث سابقا عندما نرى ضحى وهو يطلب من والدة ليلك أن تنتقل معه لمحل عمله، ويا ليته ما فعل ذلك لوجودها في منطقة يسيطر عليها الإرهابيون. وما كان يفعله الشيخ البلداوي عند رؤيته لليلك واشتهائه لها وأيضا قصة حمود وفاطمة ومن هذه الفتاة التي تمر على المسرح وما دورها.
واستخدم مونتاج العلاقات لربط ما يحدث داخل منزل ليلك وصحى وخارج المنزل من تلصص عليهما ومن صراعات مسلحة، وكذلك ربط العلاقة بين والدة ليلك وهي تتحدث في تليفونها المحمول لتطمئن على ابنتها وتليفون ضحى بين يدي أبو البراء. أما سينوغرافيا العرض فنجد أن المخرج لم يهتم بالملابس حيث إنها ملابس عصرية وبوجود الممثلين على خشبة المسرح وسرعة وتتابع الأحداث استخدم ضحى صديري (فيست) يخلعه ويرتديه في بعض المشاهد للدلالة على مرور الزمن، كذلك ارتدى الظلاميون صديري الحرب بعد تنصيب أبو البراء قائدا، ونجد أن ليلك لم تغير ملابسها، ومن الجائز أن تكون وجهة نظر للمخرج أنه في زمان الصراعات لم يهتم الإنسان بملابسه.
وعن الإضاءة نقول إنها صممت بطريقة الظل والضوء، فنجد أن الممثلين يظهرون بوضوح شديد أو يختفون أو يظهر جزء من أجسادهم، وذلك عند الانتقال بين مشهد وآخر؛ أي أننا نقول باللغة السينمائية النت والفوكس. كما استخدمت إضاءة الشموع لإضافة الشاعرية وجماليات العرض المسرحي.
وكان الديكور بسيطا وكسر كل التابوهات الثابتة باستخدام قطع الديكور الثقيلة للتعبير عن الحدث، وبذلك كانت هناك مساحة كبيرة من الفضاء يتحرك فيها الممثلون بحرية تامة. وكان الديكور عبارة عن بانوهين على شكل مكتبة بها صور لمحمد الماغوط وغسان كنفاني وبعض الكتب وعود، وهذه الأشياء تدل على التنوير للعقول، وبينهما ممر للدخول والخروج، وعبّر هذا الديكور عن شقة ليلك وضحى. ثم ينقلب المنظر ليصبح البانوهان عبارة عن باب مصمت مغلق الجدار ليس عليه أية إشارات، دلالة على غلق العقول ودلالة على أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، على الرغم من أن هذا الباب بالمدرسة التي تنير العقول.
وكانت الموسيقى ناعمة وشاعرية، فعلى الرغم من قساوة الأحداث كانت الموسيقى تخرج المتلقي من هذه الحالة السوداوية خاصة أغنية “نسم علينا الهوى” لفيروز، وكانت المؤثرات الصوتية مثل أصوات القذائف وطلقات الرصاص مكملة للحدث. نستطيع القول بأن الموسيقى والمؤثرات الصوتية كانتا عنصرا أساسيا داعما ومهما للعرض المسرحي.
أما عن الأداء التمثيلي، فنجد أن المخرج اعتمد بشكل أساسي على الأداء التمثيلي، فالممثل عند غنام غنام هو المادة الأساسية للعرض المسرحي، فمن الممكن أن يستغنى عن كل الأشياء الأخرى التي تشكل المشهد المسرحي مقابل وجود ممثل قادر على الإمساك بخيوط اللعبة المسرحية، فنجد إبراهيم سالم الذي قام بدور الشيخ البلداوي يحمل في داخله كما من المشاعر والأحاسيس تجاه ليلك لعشقه لها ويريد أن ينالها بأي طريقة حيث إن الغاية تبرر الوسيلة على غرار طريقه ميكيافلي حتى لو اضطره الأمر للقتل، فنجده رجلا متحجرا قاسي القلب ويكسر العود رمز الحب ورمز التنوير، ويصل معه الأمر إلى القتل، فقد جسد دوره ببراعة. أما علياء المناعي التي قامت بدور ليلك، ورائد دالاتي الذي قام بدور ضحى، كونا ثنائيا متألقا مليئا بالمشاعر الفياضة الرقيقة للحب والعشق والغرام بين الزوجين بأسلوب بسيط تحفز مشاعر المتلقي وتجعله يتعاطف معهما. وكانت آلاء شاكر بتحديدها لدور والدة ليلك، فكان أداؤها يمتزج بين عاطفة الأمومة والخوف على ابنتها. وقدم عمر الملا دور حمود فقد برع في التمثيل داخل التمثيل في مشهد عنترة بن شداد الفارس الشجاع، وعلى الرغم من أنه انتقل مجبرا لصفوف الظلاميين الإرهابين فإنه امتلك مشاعر فياضة من الحب لفاطمة التي أدت دورها الممثلة حنين، وكونا ثنائيا آخر مليئا بمشاعر الحب ورسم ابتسامة على الشفاه. وكوّن فيصل علي الذي قام بدور الأستاذ عمار ثم تحول اسمه ليصبح أبو البراء بعد تنصيبه قائدا للإرهاب، مع محمد جمعة في دور أبو سعيد، ثنائيا كوميديا انتزع الضحكات بتلصصهما على أهل البلدة، وخاصة الشيخ البلداوي وترديدهما كلمة “نزلت”.
وعلى الرغم من صغر دور عبد الله محمد في دور أبو حمزة فإنه استطاع أن يجسد دور المأجورين الأجانب المرتزقة المخربين الذين يرددون الكلمات كالبغبغان دون فهم أي شيء.
فالتحية لكل من شارك في هذا العرض، ونذكر على رأسهم المؤلف والمخرج غنام غنام ذلك بكتابته موضوع في غاية الأهمية شديد الحساسية نحتاجه الآن وبشدة، فالقانون بشكل عام والمسرح بشكل خاص لخدمة المجتمع كما أنه استخدم أسلوبا بسيطا ومختلفا لكي يكون العرض بهذه الطريقة. بالثقافة والفنون تحيا الشعوب.


جمال الفيشاوي