سقوط قناع البطولة في معركة الصراع النفسي

سقوط قناع البطولة في معركة الصراع النفسي

العدد 866 صدر بتاريخ 1أبريل2024

زوجان يعيشان معًا، تتسم حياتهما بالملل بعد مرور سنوات متعددة على زواجهما، يظل الرجل يجلس على كرسيه و يقرأ كتاب التراجيديا الإنسانية ويعد هذا رويتنه اليومي لسنوات متعددة، ففي ليلة من ليالي الشتاء القارصة يدور بينهما حوار يتذكران من خلاله العديد من الأحداث المختلفة؛ فالزوجة تتذكر أول ليلة تقابلا فيها، فكان في حفلة وأبت ألا ترقص مع أي شخص، بداخلها شعور بأنها سوف تقابل حبيبها المستقبلي، وقد جاء شاب علمت بداخلها بأنه سوف يكون زوجها، بينما الزوج يتذكر أيام الحرب وتفاصيل الليلة التي نعتها بالليلة المشؤومة التي فقد فيها ذراعه. 
يبدأ عرض (ثم نبدأ الرقص) من إخراج عبد الرحمن أشرف وتأليف طارق عمار، بزوجين في إضاءة توحي بالضياع وعدم الاستقرار النفسي، فنرى الزوج يجلس على كرسيه وفي يديه مسدس وزوجته تقف خلفه، ويدور بينهما الحديث حول ستنتهي قصتهما في نفس المكان الذي بدأت فيه، ثم يحدث إظلام عليهما، تفتح الإضاءة مرة أخرى على رقصة تجمعهما، وفجأة يختفي الزوج ونرى بعد ذلك الزوجة تتجه إلى المدفأة تضع لها بعض الخشب فتزداد النار وتقول (ليلة باردة) ليظهر الزوج وهو في مرحلة الكبر يقول (كعادة الشتاء)، ثم تتتابع الأحداث المسرحية.

محاولة فاشلة لقتل الصراع النفسي للإنسان 
يمثل الزوجان طرفي النقيض، حيث إن الزوج أراد أن يحيا تحت قناع البطولة والشرف، ويعيش عمرًا كاملاً في دور الضحية، حيث قتل جنديًا وأخذ سلاحه وأطلق الرصاص على ذراعيه حتى يحيا في دور البطل، بينما الزوجة التي علمت الحقيقة وقررت الصمت وهو يقص لها في كل مرة أن الجندي هو الذي أطلق الرصاص على ذراعه وهو الذي تسبب في قطعه، فأراد أن ينال شرفا؛ ولكنه في الحقيقة شرف مزيف. 
عرض ثم نبدأ الرقص ينتمي إلى مدرستيّ التعبيرية والرمزية، حيث دمج المخرج العالمين معًا وهما الواقع والخيال على خشبة المسرح، حينما تتذكر الزوجة أول لقاء لهما، فترقص مع ذلك الشاب الذي رأته أول مرة وهو زوجها الحالي، بينما الزوج يعيش في صراع دائم بسبب قتله للجندي وارتداء زي البطولة وقطعه لذراعه والعيش مع زوجه يعلم أنها خائنة؛ حيث تعتمد مسرحية ثم نبدأ الرقص بنسبة كبيرة على لحظات الاسترجاع (الفلاش باك).

نهاية حاسمة لدون كيشوت والزوج
حيث إن هناك إسقاطا كبيرا من رواية دون كيشوت البطل الذي يدعى ألونسو كيكسانو، الذي قرر أن يطلق على نفسه دون كيشوت، ارتدى درعًا وامتطى فرسه وأخذ يتجول في المدينة على أنه فارس ومحارب، وبالانتقال إلى المسرحية نجد الزوج يقول (قد آن ياكيخوت القلب الجريح أن يستريح)، فالزوج أصبح كدون كيشوت أحب أن يعيشا دور البطولة والنهاية الواحدة الزوج ينتهي بانتحاره ودون كيشوت يدرك بأنه كان أحمقَ بعد ضياع الوقت المناسب، حيث تصيبه الحمى فيموت على إثرها.
يطرح العرض العديد من الأسئلة نحو: ما هي المثالية وكيف يتعامل المجتمع مع هذه الفلسفة؟ وهل الشعور بالذنب والندم قادر على أن يودي بحياة الجاني؟ فلم يلتزم العرض المسرحي بالحبكة الأسطورية، فحينما يفتح الستار نتورط بانتحار رجل عجوز فلا نعرف نحن المشاهدين من هو هذا الرجل ولماذا ينتحر؟ فندرك من خلال تتابع الأحداث بأن الصراع القائم هو بين الإنسان وذاته، وأراد المخرج توضيح مدى بٌعد المسافة بين الزوجين؛ فكان الزوج أقصى يسار المسرح والزوجة أقصى يمين المسرح؛ لإدراك مدى البعد النفسي والاجتماعي بينهم.
عبرت الإضاءة من خلال عرض (ثم نبدأ الرقص) بالتعبير عن المشاعر؛ فإذا كانت الإضاءة ظاهرة لجميع الشخصيات كانت المشاعر المتبادلة بينهم هي التودد والحب، بينما الإضاءة الخافتة تدل على أن المشاعر الدائرة على خشبة هي مشاعر تتسم بالمأساة، فأراد المخرج عبد الرحمن أشرف أن يجعل الإضاءة هي التي تتحدث في بعض المشاهد، فنجد الزوجة حينما اكتشفت موت زوجها تظهر إضاءة خافتة نكاد نرى وجهها ويداها فقط وملامحها تنكر ما حدث لزوجها. 
لعبت الموسيقى في عرض ثم نبدأ الرقص دورًا مهما، فقد مثلت إحدى العوامل العامة، فكان وضع الكمانجا في الجزء الخلفي للمسرح ناحية اليسار معبرا عن حالة الشجن التي تشعر بها الزوجة، بينما البيانو وضع في الجزء الخلفي ناحية اليمين ليعبر عن الصراعات النفسية التي يشعر بها الزوج، وبينهم آلة الكاخون التي تعبر عن حالة الحرب وقطع خيوط الحب التي كانت بينهم مما أدى إلى نشب حالة من البعد، وخلق حالة من الشك الدائم بينهم. 
قدم دور الزوج الكبير/ أحمد مصطفى، وقد ظهر على ملامح الزوج الكبير القهر والشعور بالهزيمة طوال العرض المسرحي، حيث إنه يصارع كل لحظة عدة مشاعر مختلفة (صراعه حينما قتل الجندي البريء، معرفته بخيانة زوجته، الملل من ارتداء زي البطولة)، بينما التي تقوم بدور الزوجة في مرحلة كبرها هي عهد عمرو التي ظهر عليها علامات الكبر وعلى وجهها علامات الشقاء مما تعرفه وتكتمه في قلبها.
على الجانب الآخر؛ لعب حازم طه دور الزوج والمحارب في سن الشباب، الذي يتسم بالحب والحيوية، حيث إنه يمثل الذكرى الماضية بينما الزوج الكبير شخصية حية، تركز على العوامل النفسية، بينما التي تقوم بدور الزوجة في مرحلة الشباب هي مارينا عبد المسيح، حيث اتسم دورها بالحيوية والنشاط، وهكذا اختلف نمط الأداء التمثيلي بين شخصيات العرض المسرحي.


جهاد طه