محكمة القرود باكورة إنتاج نوادي مسرح الطفل 2024م

محكمة القرود باكورة إنتاج نوادي مسرح الطفل 2024م

العدد 863 صدر بتاريخ 11مارس2024

بدأت مبكرا نوعا ما العروض المسرحية التي تستهدف أطفال مصر في الأقاليم والتي تنتجها الهيئة العامة لقصور الثقافة لهذا الموسم المسرحي 2024م والذي يبدو من سخونة بدايته أنه سوف يكون الأكثر تميزا منذ عودة أنشطة مسرح الطفل إلى أقاليم مصر والتي غابت طويلا ولكنها عادت مشكورة لكي تؤدي دورها الحيوي والإيجابي في نشر القيم الأخلاقية والوعي والثقافة والقدرة على تذوق الفنون لدى أطفال اليوم شباب الغد والأمل في مستقبل مشرق بإذن الله وفي مسرح الطفل تحقق نصوص بعينها قبول ونجاح فيقبل صناع العروض على تكرارها، ومن هذه النصوص مسرحية (مملكة القرود) لسمير عبد الباقي وهو أحد النصوص متعددة العروض إذ عرض بالسويس بالعام الماضي على سبيل المثال لا الحصر، ونشاهده اليوم برؤية جديدة مختلفة تماما لجيل مسرحي واعد من صناع مسرح الطفل بمحافظة الشرقية الذين اتخذوا من المسرح الأسود سبيلاً لعرض رؤاهم المسرحية الموجهة للأطفال، وقد تطور الأمر وتقدمت قدراتهم وتطورت مهاراتهم نتيجة الحشد الجماهيري الكبير من أطفال الشرقية الذين تفاعلوا مع عروض المسرح الأسود وأقبلوا على مشاهدته مرارا وتكرارا بطريقة استثنائية لم نرَ نظيرا لها من قبل، ويجدر بالذكر أن أولى التجارب الجادة والحقيقية للمسرح الأسود كانت بمبادرة من مبدعي مسرح الطفل بالإسكندرية قبل عدة سنوات بمسرحية (سمكمكينو) لينتقل بعدها تنكيك المسرح الأسود إلى محافظة الشرقية، وقدمت تجارب نوعية احتفى بها جمهور أطفال الزقازيق في السنوات الثلاث الأخيرة والتي منها تجربة اليوم والتي افتتح بها موسم نوادي مسرح الطفل الذي تنتجه الهيئة العامة لقصور الثقافة وهي مسرحية (مملكة القرود) لسمير عبد الباقي، والتي قدمتها مخرجة شرقاوية شابة هي (تريزا فريد) التي شقت طريقها إلى مسرح الطفل من خلال الفن التشكيلي حيث بدأت عملها في الثقافة الجماهيرية بالرسوم وتدريب الأطفال ولذلك تميزت في الفن التشكيلي لتشارك بعد ذلك في عروض مسرح القراقوز وعروض الطفل إلى أن خاضت مؤخراً تجربة الإخراج بعد رحلة طويلة من التكوين والخبرات وقد ساعدها في تصميم عرائس ومسكات هذا العرض (هبة رشدي) ولذلك أيضا تجد الصورة المسرحية المضيئة في مقدمة جماليات العرض ومنذ الافتتاح أنت أمام صور جميلة وممتعة تلاحق بعضها بعضا وتخرجنا من مشهد إلى آخر بحيوية ومرونة شديدة أما الديكور فقد قامت بتنفيذه (سعدية إبراهيم) والملابس (زينب رأفت عطية) و(إيمان رأفت عطية) ولا أظن أن هناك فواصل بين صناع هذه العناصر في مثل هذا العرض الذي يشف عن فريق عمل منسجم ومتقارب، وبتصميم استعراضات مملكة القرود (أحمد ماهر) التي بدت لطيفة وبسيطة وفي متناول الأطفال حيث قام الأطفال المشاركون في العرض هم أنفسهم بأداء هذه الاستعراضات التعبيرية اللطيفة، ورغم أن العرض لم يكن معدا للتقديم بتقنية المسرح الأسود إلا أنهم احتالوا لتقديمه كمسرح أسود وذلك من خلال تحويل كل شخصيات المسرحية البشرية منها والحيوانية إلى شخصيات عرائسية تلتزم التقنية وقد أتاح المسرح الأسود لشباب المسرحية إعمال الخيال بدرجات عالية وغير مسبوقة وأدت إلى إنتاج أفكار غير تقليدية تواكب القفزات الكبيرة في خيال أطفال اليوم الذين اختلفت معارفهم وتنوعت مشاربهم لما تمكن منهم من عمق لم يسبقهم إليه أطفال ما قبل المحمول والإنترنت الذي أجبر المسرح وصناعة على البحث عن مزيد من الإبهار لمواكبة الوضع الراهن وقد جرت أحداث هذا العرض الذي من بين فضائله أن شارك في صناعته ما يقرب من خمسين طفلا من أطفال الشرقية وذلك من حكاية بطلها طفل يدعى «زغلول» وهو يجلس بين كتب متنوعة ثم يتصفح كتابا على خلفية لطيفة من الموسيقى والغناء الذي يدعو إلى القراءة وتعزيز قيمة الكتاب الذي بتصفحه ينتقل صاحبنا إلى الغابة ونشاهده في مملكة القرود يقابل قردا ذكيا نصب نفسه ملكاً للقرود يتحدث باسمهم ويدافع عنهم وقد تمكن من ترسيم نفسه ملكاً بتحالفه الغادر مع الأسد الذي كاد يفترسه إلا أنه تمكن من النجاة من قبضة الأسد بحيلة خائنة أن يعطي الأسد كل يوم قردا يأكله باع الرعية لكي يظل ملكا للقرود وأخذ يرسل كل يوم قردا برسالة سرية إلى الأسد الذي اعتاد أكل القرد المرسال من دون أن يرهق نفسه بالصيد ومطاردة الفرائس، وقد أعجبت هذه الفكرة الأسد فقرر تمكينه من السلطة وزعم أنه لا يقدر عليه الأمر الذي عزز موقفه عند بقية القرود الذين بدأوا ينظرون إليه نظرة فخر واحترام وتقدير وقد أوفى القرد بوعده للأسد واستمر ذلك طويلاً إلى أن جاءهم طفلنا القارئ زغلول ونصح القرود التي استنكرت أول الأمر ولم تبالي بحديثه ورفضت أن تصدقه وكاد اليأس أن يتمكن منه لولا أن قرداً صغيراً أخبره أنه بالفعل رأى ملك القرود يرسل والده برسالة سرية إلى الأسد ولم يرجع القرد الأب من يومها فعرف بذلك أن هناك أمورا غير طبيعية تحدث بين القرد الملك وبين الأسد ملك الغابة وتبين أن هذا القرد الصغير له أصدقاء آخرين على استعداد تام للمشاركة في الدفاع عن مملكة القرود ولكنه نصحهم بالتفكير في الطرق التي يجب أن يسلكوها لكي يصلوا إلى غرضهم بأقل خسارة فيفكرون أن يستعينوا بالفعل بالفيل إلا أنهم يكتشفون أن الفيل كبير الحجم ولكنه يخاف من شجاعة الأسد ولا يستطع مواجهته وقد ألهمتهم التجربة أن الدفاع عن المملكة والوقوف بوجه الأسد يتطلب عملا جماعيا ولذلك اتحدت جميع الحيوانات ضد تحالف القرد والأسد وبالفعل نجحوا حين اجتمعوا وتمكنوا من إعادة الحياة بالغابة إلى طبيعتها لتكون الموعظة الأخلاقية وثمرة هذا العرض التأكيد على حقيقة أن التعاون والإخلاص ينجي من الضياع والهلاك وأن المظاهر الجميلة قد تكون زائفة وتنطوي على خدع كبيرة.


محمود كحيلة