النصوص الفائزة في مسابقات التأليف أين هي من خشبات المسارح؟!

النصوص الفائزة في مسابقات التأليف أين هي من خشبات المسارح؟!

العدد 857 صدر بتاريخ 29يناير2024

شهدت ساحة تأليف النصوص المسرحية في الآونة الأخيرة طفرة على المستوى الكمي والنوعي، وشارك العديد من الأدباء الكبار أو الشباب في مضمار تلك المسابقات، وأثبت الكاتب المسرحي المصري جدارته من خلال قوائم الترشيح والفوز، لكن المؤسف في الأمر أن تلك الأعمال لا تتم ترجمتها على الخشبة، مما يضع علامة استفهام كبيرة حول جدوى تلك المسابقات، وفرصة تلك النصوص في الحصول على دعم الجهات الإنتاجية المختلفة في هذا السياق قمنا بتخصيص تلك المساحة لمجموعة من المؤلفين الحاصلين على جوائز في التأليف في المسابقات المتنوعة منها المجلس الأعلى للثقافة والهيئة العربية للمسرح وجائزة ساويرس للتأليف المسرحي والشارقة، الأمير عبد الله الفيصل، الفجيرة وغيرها من مسابقات متنوعة تضخ عدد ا كبيرا من المؤلفين المبدعين                                                                                                                           
إتاحة هذه النصوص للإنتاج
قال الكاتب المسرحي الدكتور طارق عمار: السياسات التي يتبعها منظمو هذه المسابقات تقف عند حد معين وهو إصدار قائمة بالفائزين، ومنح القيمة المالية للجائزة دون النظر إلى كيفية إتاحة هذه النصوص للإنتاج سواء من خلال ربطها مباشرة بآلية إنتاجية أو حتى طباعتها في صورة كتب تتوافر لمن يرغب في إنتاج وتقديم هذه النصوص، لكن المثير للقلق هو عزوف الكثير من المخرجين والمنتجين عن إنتاج وتقديم أعمال فائزة بجوائز مرموقة، ولعل ذلك راجع في الأساس إلى أن الجائزة الممنوحة قد منحتها لجنة “شبه متخصصة” وليست متخصصة بالكامل؛ وبالتالي فإن اللجنة ستبحث عن الأفضلية كنص أدبي وليس كعمل مسرحي، ومن هنا فإنها تهدر قيمة أصيلة في النص المسرحي ألا وهي إمكانية وضعه على خشبة المسرح، فالنص المسرحي بخلاف أي نص أدبي آخر يجب أن تتوافر فيه هذه الخاصية ليصير مسرحياً، وأما طباعته في كتاب للقراءة فتأتي في المرتبة الثانية؛ لأن المكان الحقيقي للنص المسرحي هو خشبة المسرح، وأي نص يفتقر لهذه الخاصية يعتبر – من وجهة نظري – ليس مسرحياً على الإطلاق أياً كان ارتفاع قيمته الأدبية.

 المؤسسات الثقافية التي تدير المسابقات 
فيما قال  الكاتب المسرحي مجدي محفوظ: تعتبر مسابقات التأليف المسرحي رافداً كبيراً للمسرح مما ساعد في تطوير الأعمال المسرحية، وذلك لما تمثله المسابقات من قيمة معنوية للكاتب ومساهمتها في تطوير القدرات الإبداعية نحو الأفضل، وما تحمله من رسالة حقيقية ومشروع ثقافي يؤمن بقدرات الكاتب المسرحي، وقد أدركت المؤسسات الثقافية التي تدير هذه المسابقات أهميتها في ذلك فعملت على  تطويرها وخاصة في مجال التأليف المسرحي لما يمثله من نهضة وإنجاز ثقافي يضاف إلى الإنجازات الثقافية الأخرى وقدرتها على تقديم سلسلة من الدراسات الثقافية والمسرحية، والتي تعد منهجا متعددا  قادرا على التنوع الفكري والثقافي للمجتمع في مجالات الأدب والفكر، والذي يعتبر مكونا ورصيدا ثقافيا عربيا يساعد على تحقيق حلم كل مبدع أراد أن يقدم إبداعه للمجتمع بل وفتح مجال تنافسي للشباب، وحثهم على المشاركة والتنافس وتشجعيهم على طباعة الأعمال الفائزة ونشرها مما يمثل حافزا كبيرا للفائزين. وقد قامت الكثير من المؤسسات بإنتاج مثل تلك الأعمال بل وناقشت الكثير من تلك المشاريع الثقافية الهامة في ندوات فنية لاقت الإقبال الكبير على المشاركة واستطاع كل مثقفي الوطن العربي الاطلاع والمضي قدماً نحو المزيد من المشاركات مما جعل منها محط نظر للجميع.
وأضاف: ساعد هذا في طرح الكثير من الرؤى الفكرية والدراسة المستجدة ومناقشة الأعمال الفائزة حتى ترسخ لمفهوم جديد في بلورة الرؤى الجديدة، والتي قد تعالج قضايا متعددة في الأدب والفكر العربي، وحتى ترسخ لمفهوم جديد نحو فكر مسرحي قادر على بلورة الرؤى وطرح قضايا الأدب والفكر ومواكبة التطورات المتسارعة وتسليح الشاب بفكر وثقافة واعية يعبر بها عن طموحاته في المستقبل.

بعض الكتاب لا يجيدون مهارة التسويق لأنفسهم
فيما رأى الكاتب أحمد سمير أهمية دور المؤسسات فقال: لا شك في أن الكاتب هو أصل العمل الدرامي وبذرته الأولى والكاتب المسرحي الجيد اليوم عملة نادرة.. ولكن كيف لنا أن نعرف بجودته أو نشعر بوجوده أو بمنتجه الفني؟.. هنا يأتي دور المؤسسات.. فعليهم أن يبحثوا عن النصوص وكتابها بل ويوفروا للكاتب مناخا مميزا كي ينتج أكثر وأكثر.. فبتنا نرى اليوم العديد من المسابقات الأدبية التي ترعاها مؤسسات هامة على مستوى العالم العربي بل والعالمي.. وفي رأيي أن هذه المسابقات جعلت الكاتب المسرحي في مكانه الصحيح بعد أن ألقت الضوء عليه وعلى إبداعه.. فنرى اليوم مسابقات تقدم سنويا عشرات النصوص والمؤلفين عبر قوائمها القصيرة والطويلة، وفي رأيي أن هذه القوائم هي أكبر دليل على أن من يدعي غياب النص الجيد أو ما يسمونها (أسطورة موت المؤلف) هي محض ادعاء غير حقيقي.. أطلقه من أراد أن يرى الصورة هكذا... ولكن تظل هناك أزمة في بعض المسابقات، وهي عدم وجود جدول زمني ثابت لها.. فنرى مسابقات كل عامين أو أكثر.. وفي رأيي أن المسابقات الأدبية اليوم أصبحت تمثل ركناً رئيسياً في العملية الإبداعية فقد أصبحت بمثابة كشاف النجوم، أرى أن هناك حاجة شديدة لأن يكون هناك جدول زمني ثابت للمسابقات تضمن استمرارها بل وآمل أن يزداد عدد المسابقات لأن بزيادته سنرى زيادة في المبدعين الحقيقين والكتاب، أما عن مدى ارتباط العملية الإنتاجية بالنصوص الفائزة وأن فوز النص بجائزة ما لا يضمن تنفيذه فوق الخشبة.. فأرى أنها مسألة نسبية تختلف من كاتب لآخر.. فبعض الكتاب لا يجيدون مهارة التسويق لأنفسهم ومنتجهم الفني.. بل أن بعضهم لا يعرفون كيف يستثمرون نجاحهم هذا في الوصول بنصوصهم إلى أبواب الإنتاج.. وهذه إشكالية أخرى تحتاج إلى ورش في التسويق وإدارة الموهبة، ولكن بشكل شخصي فقد كنت موفقا في وصول نصوصي الفائزة إلى خشبات المسرح فقد قدم لي العديد من التجارب لنصوص «مآذن تلفظها الأندلس»، «ليلة زفاف»، «ليلة من ألف ليلة وليلة»، «فتاة النفايات»، «نبأ عاجل» وغيرها من التجارب التي حصدت جوائز دولية وعربية مرموقة.

إدارة تابعة لوزارة الثقافة 
فيما قال الكاتب المسرحي سيد عبد الرازق: الكتابة المسرحية عمل فني متواتر بين صنوف المبدعين، سواء من كتبوا المسرح وحده أو من جمعوا بين المسرح والشعر والكتابات النثرية، من ثم فهي ذات جدوى في إثراء الحراك الثقافي والمكتبة الثقافية العربية بما يتم إنتاجه من نصوص إبداعية مسرحية.
لقد شهدت الأعوام القليلة السابقة ظهور تيار من شباب الكتاب المسرحيين الذين تركوا بصمة في تحديث النصوص المسرحية وحازوا جوائز عربية عديدة في التأليف المسرحي، وخاضوا غمار المسابقات ولمع اسمهم وأسماء نتاجاتهم، وحري بالمتابعين للمشهد المسرحي متابعة تلك الأعمال رصدًا ونقدًا، ولكي لا يبدو هذا التصريح مجازيا أو مغاليًا فيه يمكن فقط تتبع الأسماء الفائزة كل عام بجوائز الشارقة، الأمير عبد الله الفيصل للشعر المسرحي، الفجيرة، مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي ناهيك عن المهرجانات الأخرى والمسابقات التي تقيمها وزارة الثقافة المصرية على المستوى الداخلي.
الغريب في الأمر أنه لا تكاد تخلو قائمة من المرشحين للجوائز أو الفائزين بها من مصريين، الباعث الأكبر على الدهشة وأضع تحتها ألف خط عدم وجود لجنة خاصة أو إدارة خاصة للاهتمام بهؤلاء، فترة وجودي طالبًا في جامعة أسيوط اقترحت على رئاستها آنذاك أن تقيم إدارة تابعة لرعاية الشباب تتخصص في رعاية الموهوبين والمتميزين من طلاب النشاط الجامعي، ولأن الجامعة دائما سباقة وذات فكر مستنير تم إعداد الهيكل الإداري للإدارة واعتمادها، وتخصصت في متابعة هؤلاء وتنميتهم واحتضان أعمالهم ورعايتهم من الناحيتين الأكاديمية والفعاليات الطلابية، وأفرزت جيلًا هو الآن من كتاب الشباب المصريين الذين يشار لإبداعهم بالبنان، فما الضير أن تكون هناك إدارة تابعة لوزارة الثقافة تتبنى ذات الفكرة، تحصر المثقفين الحاصلين على جوائز دولية ومحلية، وترعاهم وتوجه أعمالهم للإدارات المختصة، وتجعل منهم مشاريع مستقبلية لإعداد جيل ثان وثالث من المبدعين يضيف زخمًا حقيقيا للحركة الثقافية المصرية، أما هذه الحال من الجهد الفردي المتعلق بمشرع أحادي يجاهد كل مبدع فيه وفق قدراته ومعارفه الاجتماعية ورعاية مكان وإهمال آخر فلن تؤدي لمشروع قومي منتج للشباب؛ لذلك لا عجب من أن تكون تلك النصوص المحتفى بها بشكل دولي لم تنفذ على الخشبة ولم يطلع عليها الجمهور إلى الآن، وهذا لا يعني عدم جدواها ولكنه يعكس علامة استفهام جديرة بالبحث والتحري.
وتابع قائلاً: إن قصور الثقافة تنتج عددًا كبيرًا جدا من المسرحيات خلال العام الواحد جلها بعيد عن تلك الإبداعات المحتفى بها، ناهيك عن المؤسسات الأخرى التابعة للوزارة المختصة بالمسرح، فكيف سيتأتى لمبدع أن يعرض نصه إلا عبر علاقاته الخاصة، أما في حال إقامة مشروع وطني يتبنى تلك الأعمال فهذا يسهم بدور كبير في التنمية الثقافية المستدامة في الجانب المسرحي، خاصة وأن جل الجوائز العربية لا تحتكر النصوص الفائزة وحتى حال احتكارها يكون لعدد قليل من السنوات يكفي الرصيد السابق من الجوائز في تغطيتها وتحديثها أولًا بأول، هذا سينعكس بطبيعة الحال على المسرح الجامعي والكنسي وعلى الدراسات النقدية والرسائل العلمية الجامعية، وستصبح تلك الأعمال في متناول كل مصري وحينها يمكننا تصدير صورة المبدع المسرحي المصري لا بشكل فردي وإنما باعتباره جيلًا كاملًا من الكتاب يضع بصمته على الخارطة.
لقد طرحت هذا الأمر مرات عديدة، وقلت: إن ثمة جيلًا عربيًا ومصريًا مسرحيًا قادر على النهوض بالكتابة المسرحية، لأن رؤاه أقرب للعصر وروحه أشد التصاقا بروحه، ومشروعاته تلبي طموح النقد الاجتماعي وتنفي فكرة الركود، لكن ربما نحن بحاجة إلى مزيد من التكرار .. لعله يُسمع الصوت ذات مرة.

لا يوجد ربط بين المؤسسات الثقافية 
فيما ذكر الكاتب المسرحي هاني قدري قائلاً: الجوائز الأدبية تعطي دافعا كبيرا للمبدع لاستكمال مشروعه الأدبي، وهذا الدافع بالطبع هو دافع معنوي وليس ماديًا وخاصة إن كانت هذه الجوائز مصرية وذلك بسبب ضعف القيمة المادية للجوائز، ولكن قيمتها الأدبية تعني الكثير للكاتب فهي مؤشر له أنه يسير في الطريق الصحيح، وأكرر دومًا  لولا هذه الجوائز والمسابقات ما علم أحد عن إبداعنا شيئًا وخاصة كتاب الأقاليم، ولظلت الأعمال حبيسة الأدراج لا تظهر نتائج هذه المسابقات على أرض الواقع في عروض مسرحية لأن هذه الأعمال لا تصل إلى المخرجين فالجهة المانحة للجائزة تكتفي بتكريم المبدع بشهادة التقدير والقيمة المالية، وينتهي دورها عند هذا الحد فللأسف لا يوجد ربط بين المؤسسات الثقافية المانحة للجوائز وجهات الإنتاج والمؤسسات الإنتاجية رغم أن الجميع تابع لوزارة الثقافة، ورغم توصيات كل جائزة بأن يتم عرض الأعمال على مخرجين للعرض على مسارح الدولة، ولكن يبقى هذا التصريح هو «أكلشيه» يقال عقب كل تتويج.

 كتب للعرض من خلال فرقة مسرحية
فيما أشار الكاتب المسرحي السيد فيهم إلى عدة نقاط هامة تخص هذه المسابقات فقال: لا شك أن مسابقات التأليف المسرحي تسهم بشكل كبير في إثراء المكتبة المسرحية بنصوص جيدة ومتجددة وتمثل حافزا لكتاب المسرح للكتابة، وتفتح نافذة رحبة أمام النقاد والدارسين لمتابعة الحركة الأدبية المسرحية عن كثب. 
وهنا يجب أن نضع تحت كلمة الأدبية ألف خط. فحتى الآن لم يخرج النص المسرحي المخطوط كونه عملا أدبيا، وحتى تكتمل الرسالة المرجوة من هذا اللون الإبداعي، لا بد أن يجد هذا المخطوط طريقه إلى خشبة المسرح. فالنص المسرحي كتب ليعرض من خلال فرقة مسرحية على جمهور من المشاهدين سواء على خشبة مسرح أو قاعة أو أي فضاء مسرحي حسب نوعية ومعطيات النص.
وهذا ما يصيب مؤلفي المسرح الفائزين بجوائز التأليف بخيبة أمل وفرحة منقوصة. فلا يكتمل المشروع إلا بالعرض. بل لا أبالغ حينما أقول إن الجائزة الحقيقية للكاتب المسرحي هي أن يقدم النص على الخشبة. لا أن يكتفي بجائزة أيا كانت قيمتها المادية أو المعنوية ثم يظل النص حبيس الأدراج. أو في أفضل الأحوال يطبع في كتاب. ليكتفي بصورته الأدبية فقط، دون أن يكتمل ليؤدي رسالته الفنية المأمولة منذ بداية بزوغ الفكرة في رأس الكاتب.                                                                                                                                          وتابع: هذا أراه محبطا لكتاب المسرح. خاصة أنهم يجدون عروضا كثيرة يتم إنتاجها لنصوص مكررة، ولنصوص قد تكون أقل فنيا وفكريا من نصوص معاصرة حائزة على قبول واستحسان لجان من كبار المتخصصين المسرحيين. فأغلب المسابقات المرموقة يحكمها بالفعل نخبة من رجال المسرح فلا تخلو لجنة من مخرج قدير، وأستاذ في التمثيل وناقد كبير أو أستاذ دراما ونقد. مما يمنح هذه النصوص سمة خاصة على مستوى النص المكتوب. وأعتقد لو تبنى القائمون على هذه الجوائز فكرة وجوب تنفيذ هذه النصوص وإنتاجها لشاهدنا طفرة حقيقية ومستوى راقيا من التنافس المسرحي. كما أن هناك مسابقة للتأليف المسرحي على هامش بعض المهرجانات المسرحية السنوية، والتي تعد تظاهرة فنية كبيرة. لماذا لا تتم التوصية بإنتاج النصوص الفائزة في كل دورة لعرضها في الدورة التالية، وتكون نموذجا تطبيقيا لرؤية اللجنة وقرارها، وتكون حافزا لتقديم نصوص متجددة. خاصة أن هذه المهرجانات تنظمها جهات إنتاج محترمة مثل البيت الفني للمسرح والهيئة العامة لقصور الثقافة والشباب والرياضة ووزارة التعليم العالي.

لا بد للمؤلف من تسويق نفسه
فيما قال الناقد د. محمود سعيد: بكل تأكيد لمسابقات التأليف المسرحي أهمية شديدة فهي فرصه تتاح للنص الجيد للظهور، وتخرج لنا العديد من الكتاب، وتقدمهم بشكل مميز لكن «ليس كل ما يتمناه المرء يدركه» بمعني أن النص الفائز في معظم الأحيان يختفي، ويختفي صاحبه وكأنه لم يكن.. وتلك معضلة حقيقة وأعتقد أن مسألة التسويق غاية في الأهمية، ويبدأ التسويق من اختيار النص الفائز ثم تتوالى مراحل التسويق الجيد، وهي مراحل تخص المؤلف نفسه وتخص الواقع المحيط به، بمعنى أننا أصبحنا في مرحلة الانتشار السريع هو الحل، فلا بد للمؤلف من تسويق نفسه بعرض إبداعه على النقاد والمخرجين وليس عيبا إطلاقا أن تكون للمبدع علاقات ثقافية أدبية يستطيع من خلالها فرض اسمه على الواقع النقدي والثقافي والعرض المسرحي.
وهنا أؤكد أن الفارق شاسع ما بين العلاقات الإيجابية المرجوة ولعبة الشللية.. فالشللية أحيانا تنحاز للأضعف وتطرد الجيد، لذلك أتمنى أن تكون هناك لجان حقيقية قوية ومسئولة عن تقديم النصوص للواقع المسرحي النقدي، ومنحهم فرص اعتلاء خشبه المسرح، إذ لا بد من منح الفرص لمستحقيها والملعب يتسع للجميع، وعلى كل مبدع السعي نحو الحفاظ على تلك الفرصة واستغلالها وتطويرها بشكل يكفل له البقاء والاستمرار.. فاللعبة يا سادة ليست هي قضية نص يفوز في مسابقة لأن لجان التحكيم أولاً واخيراً هي مزاج لبضعة أشخاص، ولا تعبر عن قوه أو ضعف المبدع، ولكن المعيار الأهم هو قوة وصلابة النص، وصبر المؤلف واستمرار محاولاته الحقيقية، هناك حكمه صوفية تقول.. «الباب يفتح للواقف أمامه» بالفعل من يتحمل صعوبات الطريق يصل لأجمل الأماكن.

مخرجون لا يقرأون وهذا ما يشكل أزمة 
فيما أوضح الناقد أحمد هاشم الذي حكم في العديد من مسابقات التأليف قائلاً في هذا الصدد: الأزمة تبدو في آلية الإنتاج المسرحي سواء ما نتتجه مسارح القطاع العام أو الخاص.
تؤدي هذه الآلية إلى أنه إذا لم يكن المؤلف على علاقة بالمخرج ويعرفه فلن يرى نصه المسرحي النور على الإطلاق،  للأسف الشديد يساهم في ترسيخ هذه الأزمة أن لدينا مخرجين لا يقرأون وهذا ما يشكل أزمة بالفعل، وهي أزمة قديمة وليست جديدة، وكذلك ليست كل النصوص الفائزة في المسابقات تعني أنها جيدة، وقد شاركت في تحكيم عدة مسابقات من هذا النوع كنا في بعض الأحيان نختار النص الفائز ليس لأنه نص جيد، ولكنه أفضل نص في النصوص السيئة أو شديدة السوء التي تقدمت للجائزة، وهذا يشكل مشكلة حقيقية يجب علينا أن نواجهها، أيضا ليست كل النصوص الفائزة تعني أنها تستحق أن تشكل عرضاً مسرحياً بالإضافة إلى أن لدينا بعض الكتاب الذين من الممكن أن نطلق عليهم «كتاب الجوائز» في المسابقات المسرحية، ومشكلة أخرى أن الكتاب لا يقومون ببناء أنفسهم على كتابة المسرحية أو لا يثقفون أنفسهم مسرحياً، هناك العديد من المشاكل ربما هذه أهمها والأهم أيضاً أن المخرجين لايقرأون وغير مطلعين لا يهتمون إلا  بالنص الذي سيقومون بإخراجه، وهذه مشكلة كبيرة يجب علينا مواجهتها لحلها.
 
الفوز بالجوائز ليس هو المعيار الحقيقي لجودة العمل
وعن تجربته في تحكيم بعض مسابقات التأليف قال الكاتب عماد مطاوع: مسابقات التأليف مهمة للغاية لدعم المواهب ولاكتشاف مواهب جديدة، ودعم هذه المواهب وإعطاء الثقة للمؤلفين عند خوضهم المسابقة، وهو ما يؤكد أنه على الطريق الصحيح، وحالة التنافس هي حالة مميزة لكل كاتب، وأذكر هنا الأديب العالمي نجيب محفوظ ظل طيلة حياته بعد حصوله على نوبل ممتنا للغاية لجائزة “قوت القلوب الدمرداشية”، وكان يتحدث عنها بكل تقدير، والكاتب يشعر بفرحة شديدة عندما يقدر جهده سواء بجائزة أو بإشادة أو بمقال، وهناك تحفظ على بعض الجوائز التي تنظمها بعض الجهات تتسم بعض الأحيان بعدم الشفافية والحيادية، وأيضا أريد التأكيد على أن الفوز بالجوائز ليس هو المعيار النهائي أو الحقيقي لجودة العمل ولكن في المطلق الفوز بالجوائز، وخوض التسابق في الأعمال الأدبية شىء جيد والدولة كانت تقوم بذلك بشكل كبير وزادت أهميته بعد دخول المجتمع المدني في هذا المضمار، ولدينا أمثلة كثيرة لجوائز مسابقات مثل مسابقة «ساويرس» وجائزة الكاتب العراقي علاء الجابر ومسابقات إبداع وغيرها من المسابقات المميزة والهامة.
وتابع قائلاً: هناك ظاهرة للكثير من الكتاب الذين يفوزون في هذه المسابقات، ولكن لا نشاهد أعمالهم على خشبة المسرح بل وإذا استطلعنا أو رصدنا للكثير من الفائزين بجوائز في سنوات طويلة، وهنا سأرجع القراء للعدد الأول لمجلة «الثقافة الجديدة» الذي صدر عام 1970 وكانت به مسابقة تأليف مسرحي وباستعراض أسماء الفائزين سنجد أن من استمر اسمان وهما الكاتب يسري الجندي والأستاذ وحيد حامد رحمة الله عليهما، وهنا ارتكز على نقطة هامة وهو ليس شرطاً معيار جودة وليس شرطاً استمرار كل من حصل على جوائز ولكن من المفترض أن الأعمال التي تحصل على جوائز تستحق أن تقدم، فالمسرح في رأيي هو عرض مسرحي وليس فقط نصا، ولكن عندما تراجعت جهات الإنتاج ولم تعد تستطيع أن تحتوي هذا الكم الكبير من الإنتاج المسرحي أصبح اللجوء لنشر النصوص طريقا مضمونا يحقق للكاتب بعض الشعور بالرضا، وإذا تحدثنا عن جهات الإنتاج فالأمر مريع، فإذا استعرضنا عدد الذي يقدم من أعمال سنوياً على خشبات المسارح سنجد موضة الإعداد عن نصوص أجنبية والدراماتورج أصبحت “سداحاً مداحاً” ومهرباً يلجأ إليه المخرجون لعدم الاستعانة بنصوص مصرية، وأضاف: ما أريد التأكيد عليه أن  ليس لدينا في مصر مشكلة تأليف مسرحي، هذه أكذوبة كبيرة نروج لها، لست أدري مبعثها، مصر لا تعاني من قلة النص المسرحي، مصر تعاني من زخم في كتاب المسرح وتخمة في الكتابات المسرحية، الأزمات تكمن في جهات الإنتاج والمخرجين الكسالى الذين لا يبذلون جهداً في البحث عن نص، ليست هناك أزمة في النص المسرحي، ولكن هناك أزمة في جهات الإنتاج تتعلق باستراتيجياتها وتوجهها لكن النص المسرحي ليست به أزمة.
واستطرد قائلاً: أدعو لزيادة تنظيم المسابقات في المجال المسرحي والفني والأدبي فهو شىء في غاية الأهمية للكشف عن الموهوبين، والمبدعين وأثني على ما تقوم به وزارة الشباب في مسابقة إبداع وما تقوم به هيئة قصور الثقافة في المسابقات التي تنظم دائما سواء المسابقات المركزية الإقليمية، وما تقوم به المؤسسات الأهلية، ومؤسسات المجتمع المدني مثل مسابقة ساويرس ومسابقة علاء الجابر ومثل جوائز كثيرة لا تحضرني الآن وأدعم هذا التوجه.


رنا رأفت