بمناسبة ذكرى وفاته «لغة المسرح عند ألفريد فرج - دراسات أدبية»

بمناسبة ذكرى وفاته  «لغة المسرح عند ألفريد فرج - دراسات أدبية»

العدد 853 صدر بتاريخ 1يناير2024

بمناسبة ذكرى وفاة المؤلف المسرحي ألفريد فرج  في 4 ديسمبر عام 2005 في لندن، أقدم عرضا لكتاب «لغة المسرح عند ألفريد فرج - دراسات أدبية –» للكاتب والروائي الدكتور نبيل راغب، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام  1986.
يعد هذا الكتاب أول دراسة تحليلية لمسرح ألفريد فرج بصفته من الملامح المميزة للمسرح المصري خاصة والمسرح العربي عامة، وهذه الملامح تتمثل في العناصر البارزة التي يتشكل منها مسرح ألفريد فرج وهي مفهوم البطولة الدرامية، ودور الغلالة الشعرية والتاريخ كمضمون درامي، ثم لغة المسرح التي تمزج كل هذه العناصر وتصهرها في كيان درامي متميز بشخصيته المتفردة، وقد حرص المؤلف على أن يزيل أية حواجز نقدية قد تبرز بين القارئ ومسرح ألفريد فرج من خلال التركيز على الدراسة التحليلية التي تنير النصوص الدرامية من الداخل، ثم تترك القارئ ليكون رأيه الخاص من خلال توغله في العالم المسرحي عند ألفريد فرج واستمتاعه بتجربته الدرامية المثيرة.
ويتكون الكتاب من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة:
فيقدم الفصلان الأول والثاني «مفهوم البطولة والغلالة الشعرية»  معالجة  لمفهوم المسرح عند ألفريد فرج كلغة فنية درامية تمثلت في معالجته لشخصيات أبطاله وفي توظيفه للغلالة الشعرية.
ونظرا لارتباط الغلالة الشعرية الوثيق بقضية اللغة الدرامية وخصائصها، قدم راغب الفصل الثالث عن “ لغة المسرح عند ألفريد فرج” ،  وفي الفصل الرابع تناول فيه “علاقة التاريخ بالدراما” والمدى الذي نجح فيه المؤلف وهو ينتقل بالتاريخ من مرحلة السرد التقريري المباشر إلى الدراما حيث اللغة تكتسب آفاقا وأبعادا جديدة متسائلا: هل استطاع ألفريد فرج أن يوفق بين المضمون التاريخي والشكل الدرامي في مسرحياته التي استمد مضمونها من التاريخ ؟.
    هذه الدراسة قامت بتحليل مراحل التطور التي مرت بها لغة المسرح عند ألفريد فرج، والإضافات التي أضافها إلى المسرح المصري المعاصر بصفته لغة فنية لها مواصفاتها الدرامية الخاصة بها.
وأكد المؤلف أن هذه الدراسة ليست إلا سوى عامل مساعد يسهل للقارئ مهمة إدراك العلاقات الحية ومواطن الجمال وثغرات الضعف في لغة المسرح كما استخدمها ألفريد فرج، سواء في بناء مسرحياته وتجسيد أبطاله وشخصياته، أو في التعبير الفني من خلال الحوار الذي يشكل العمود الفقري للمسرح بصفة عامة.
وفي مقدمته للكتاب أضاف الدكتور نبيل راغب قائلا: 
« لعل الريادة الحقيقية التي أضافها ألفريد فرج إلى المسرح المصري المعاصر تكمن في مجال اللغة الدرامية أو الدراما كلغة فنية، فمسرحياته تمتلك لغة درامية مبتكرة ومتنوعة طبقا لنوعية الشكل والمضمون، لغة جعلت لمسرحه مذاقا خاصا به سواء أكان يعالج مضمونا تاريخيا أو أسطوريا أو معاصرا، وهذا المذاق الخاص دليل على اللغة الدرامية الناضجة التي لا تأتي للكاتب إلا بعد استيعابه وهضمه لتقاليد المسرحية العالمية، ومحاولة استنبات أنواع جديدة منها تلائم التربة المصرية، ومسرحنا المحلي لا يزال يفتقر كثيرا إلى هذا النوع من اللغة الدرامية.
واستعرض المؤلف لبعض مواقف الأدباء والنقاد الذين تعرضوا للغة المسرح أو للمسرح كلغة فنية، و عن المراحل التي تبلورت من خلالها لغة المسرح ومنهم: أرسطو، هوراس، لوب دي فيجا، جان راسين، بومارشيه ، جورج بوشنر ، موريس ميترلنك، الفريد دي موسيه ، أوجست سترندبرج، برنارد شو ، والاسباني فريديريكو ....وغيرهم»
( مفهوم البطولة )
 خلق العديد من الأبطال الدراميين : 
 يعد ألفريد فرج من الكتاب المسرحيين الذين يهتمون اهتماما خاصا بخلق شخصية البطل، وإلقاء الأضواء عليها من الداخل والخارج من خلال الأحداث والمواقف والشخصيات الأخرى سواء كانت ثانوية أو غير ذلك، ولكن اهتمامه هذا لا يطغى على كل عناصر المسرحية حتى لا تبدو المواقف مصطنعة والشخصيات باهتة، وحتى تتركز وظيفتها في بلورة شخصية البطل فقط ، وبالتالي فلا يمكن أن ننظر إلى البطل في مسرح ألفريد فرج على أساس أنه شخصية محورية يمكن دراستها في حد ذاتها، ولكن لابد من دراستها من خلال علاقاتها داخل المواقف المختلفة وتأثير هذه العلاقات والسلوك على تطورها النفسي من الداخل، وعلى سير خطوط المسرحية الأساسية من الخارج، وبذلك نجد أن البطل لابد أن يؤثر ويتأثر في نفس الوقت، حتى يملك عناصر الحياة الدرامية التي يحتمها منطق الفن الذي يختلف عن منطق الحياة العادية، لأن منطق الفن يتيح للفنان الاختيار الواعي لخدمة النص، أما منطق الحياة فليس فيه هذا الاختيار، لأنه يقوم على الجبر النابع من التسلسل الميكانيكي لعنصر الزمن، وهذا ما حاوله ألفريد فرج ونجح في تحقيقه الى حد كبير، وهنا حاول نبيل راغب ان يقدم في هذا الفصل تتبع لمفهوم البطولة الدرامية من خلال التسلسل التاريخي لمسرحيات ألفريد فرج وهي:  مسرحيات ( سقوط فرعون التي كتبها عام 1955 ،  صوت مصر  1956 ،  حلاق بغداد ،  سليمان الحلبي 1964 ،   الفخ 1965 ،  بقبق الكسلان  1965 ،  بالإجماع زائد واحد  1965 ، عسكر وحرامية 1965 )......ومسرحيات أخرى.
ونجد هنا أن ألفريد فرج وفق في خلق العديد من الأبطال الدراميين من أمثال « اخناتون وأبو الهول وسليمان الحلبي والزير سالم وعلى جناح التبريزي وتابعه قفة»، ورغم أننا نحس بكيانهم الخاص وشخصياتهم المستقلة، فإننا لا نستطيع دراستهم منفصلين عن النص المسرحي لارتباطهم العضوي به، حيث أنهم يستمدون حياتهم منهم، وهذه من أهم الإضافات التي أضافها ألفريد فرج إلى المسرح العربي المعاصر، لأن كثيرا من الكتاب الذين اعتنوا بالأبطال الدراميين عناية خاصة، نسوا في غمرة حماسهم الشكل الفني للمسرحية، فاستحالت أعمالهم في كثير من الأحيان إلى مجرد ترجمة تاريخية أو سيرة درامية - إذا صح استعمال هذا التعبير للبطل الدرامي -.
( الغلالة الشعرية )
روح الشعر تسري بفاعلية في معظم أعماله المسرحية :
إن المتتبع لمسرح ألفريد فرج يتضح له أن هناك مسحة من روح الشعر تكمن في ثنايا الحوار، وتسري في شرايين المسرحية في المواقف التي يحتاج فيها الحدث إلى نوع من الكثافة الشعرية التي لا يمكن للنثر التقريري أو السرد المسرحي أن يقوم بها، فالخصوبة اللغوية والثقل الجمالي والتركيز الفعال عوامل تساعد في بعض الأحيان على منح الحدث الدرامي دوافع درامية تثري من الجمال العام للمسرحية، وتخفف من حدة الانفعال التراجيدي في نفس القارئ، لكي يتوازن انفعال الخوف مع عاطفة الشفقة عنده، في مزيج يطهر نفسه من انفعالاتها المضطربة، ويمكنه من نظرة إنسانية أشمل، وإحساس جمالي أكثر رحابة.
ولذلك نجح ألفريد فرج عندما استغلها في (سقوط فرعون وصوت مصر وسليمان الحلبي والزير سالم)، ولكنه فشل في إدماجها في كوميدياته فظلت خارجة عن المضمون ومفروضة على الشكل، وخاصة في (عسكر وحرامية) لأن روح هذه الغلالة الشعرية ترتبط ارتباطا وثيقا بالتأثر العاطفي الذي يسري في التراجيديا، أما في الكوميديا فلابد أن نتجاوب عقليا فقط، ولذلك فقدت هذه الغلالة الشعرية أثرها في الكوميديا عند ألفريد فرج، وأصبحت خارجة عن نطاقها وهذا هو نفس منهج ألفريد فرج الذي أورده في كتابه (دليل المتفرج الذكي الى المسرح) في فصل فن الضحك صفحة 49 “العاطفة ألد أعداء الضحك، فلكي يحدث تأثير الضحك يجب أن يتوقف القلب عن الشعور برهة؛  لأن ما هو مضحك إنما يتوجه إلى العقل المحض، إن كشف عيوب الناس أو مكامن المفارقة في موقف ما على نحو يثير الجزع أو الشفقة أو الرحمة، كفيل بأن ينسخ الضحك ويطرده...”
وتساءل المؤلف هل تتنافى الغلالة الشعرية كلية مع روح الكوميديا؟، في حالة ألفريد فرج يبدو أنها تتنافى فقط مع روح الكوميديا العصرية التي تعالج مشكلات العصر المعقدة، وقضايا المجتمع المعاصر؛  لأن القضية تكون بالحيوية والخطورة بحيث تحتاج إلى تركيز أدوات الكوميديا، من إبراز للمفارقات، وتأكيد لروح الكاريكاتير، ونقل للعناصر الإنسانية، إلى ظروف غير إنسانية أو العكس، وغير ذلك من أساليب الاضحاك، ولكن لكي يتحقق النجاح الفني للكوميديا المعاصرة، فلابد أن تفي بأغراض اجتماعية عامة تمتاز بالحيوية والخطورة، ومن هنا تتضاءل فاعلية الغلالة الشعرية التي ربما أفسدت من تأثير الكوميديا في نفس المتفرج، ولكن الغلالة الشعرية تلك لا تتنافى مع الكوميديا القائمة  على الحكايات والأساطير التي تدور حول مضامين لا نرى معالمها بوضوح الآن بحكم حقب التاريخ الطويلة التي مرت عليها، وهنا يتضاءل الدور العقلي البحث في استيعاب الكوميديا ، فنحن نلقي نظرة إلى هذه القصص القديمة، فتنبض قلوبنا بالتصديق وعدم التصديق في أن واحد، فلا نميز بين ما تغرينا به عقولنا، وما تغرينا به قلوبنا من نظرة عقلية إلى الحقيقة، ونظرة عاطفية مأخوذة بجمال الخرافة.
 وبذلك نجحت الغلالة الشعرية في أداء دورها في كوميديا “حلاق بغداد” و” بقبق الكسلان” و” على جناح التبريزي” المستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة ومنسوجة على منوالها وإحدى قصص الجاحظ في كتابه “المحاسن والأضداد”. 
ولكن تلك الغلالة الشعرية فشلت في القيام بوظيفتها في “عسكر وحرامية « حيث أنها كوميديا تعالج مشكلات عصرنا الحاضر، ولذلك طغت القضية المطروحة على كل ما عداها من عناصر أخرى لإحساس المتفرج العميق بها، لأنه يعيشها فعلا.
 وبتتبع الدور الذي لعبته تلك الغلالة الشعرية في مسرحيات ألفريد فرج، وإلى أي حد نجحت في أداء وظيفتها، وإلى أي حد فشلت في القيام بدورها المرسوم لها. 
نجد أنه من خلال تلك المسرحيات أثبت الدكتور نبيل راغب أن روح الشعر تسري بفاعلية في شرايين معظم الأعمال المسرحية التي كتبها ألفريد فرج، ولعل مصدر هذه الظاهرة أنه يؤمن بأن الدراما والشعر هما شيء واحد، ولو فقدت المسرحية روح الشعر المتمثلة في “الاقتصاد اللفظي والكثافة اللغوية والايحاء المتعدد والومضات الحادة واللمسات السريعة واللمحات المؤثرة والمعاني الخصبة والتطور الدرامي”، لتحولت إلى تحليل إخباري تقوم به شخصيات عن نفسها أو عن المواقف التي تقفها أو عن الأحداث التي تمر بها، مما يهدد المسرحية بالتسطيح والمباشرة، ولكن ألفريد فرج لم يترك قياده سلسا وراء بريق الغلالة الشعرية، حتى لا تفسد الروح الدرامية للنص وتصيبه بنتوءات وأورام قد تضعف من حيويته الجمالية، بل أخضعها لحتميات الدراما ومقتضيات الشكل الفني، ونظرا لارتباط الغلالة الشعرية الوثيق بقضية اللغة الدرامية وخصائصها.
وبالتالي فإن الغلالة الشعرية التي ميزت معظم مسرحيات ألفريد فرج مكنته من استغلال الخصوبة اللغوية والثقل الجمالي والتركيز الفعال في تشكيل أعماله ، وهي العوامل التي تمنح الحدث الدرامي دفعات متتالية تضاعف من حيوية المسرحية، وتجنبها ثغرات السرد التقريري والاطناب النثرين، ولم تغري الغلالة الشعرية ألفريد فرج بالجري وراء الغنائية التطريبية التي تفسد من هارمونية الشكل لاهتمامها بالزخارف اللفظية والمحسنات البديعية واللفظية والايقاعات المتكررة والرتيبة، بصرف النظر عن تطور الحدث وبلورة الشخصية وتلقائية الموقف، فالغلالة الشعرية لم تخرج عن القيام بدور تلك الموسيقى الخلفية التي تدق بإيقاعها في خلفية قصائد الشعر، ورغم أن مسرحيات ألفريد فرج قد كتبت كلها بالنثر، فإنها استغلت روح الشعر في إشاعة الحيوية والخصوبة والكثافة بين أرجائها، إيمانا من المؤلف بأن الدراما والشعر هما شيء واحد.

( لغة المسرح )
ألفريد فرج سلح مسرحه بلغة درامية مبتكرة ومتنوعة.   
  أما عن قضية لغة المسرح فاستحضر الكاتب ما قاله ألفريد فرج: أن المسألة لم تعد مجرد تأييد للفصحى أو العامية أو الدارجة، بل هناك ثمة لغة للحوار المسرحي بلا شك، فالمسرحيات تكتب بالإنجليزية والفرنسية والألمانية وبالفصحى العربية والعامية، ومع ذلك فمن بينها مسرحيات مكتوبة بلغة مسرحية جيدة، وأخرى لغتها ضعيفة ركيكة هامدة.
 ولا شك أن الممثل والمتفرج شديد الحساسية للغة المسرح والنص المسرحي ليس في النهاية سوى كلمات يخاطب بها الممثل مشاعر الجمهور فوق المنصة، وهذه الكلمات سواء كانت فصحى أو عامية لها شروط جمالية وتعبيرية، ولغة المسرح - عندما توظف هذه الكلمات - لها غير هذه الشروط الأدبية العامة، شروط خاصة أخرى كلغة لفن من نوع خاص.
 إن المسرح يقتضي لغة ذات طابع مركز ومعبر تعبيرا مباشرا بلا تعقيد أو لف أو دوران، بلا استطراد أو تطويل، لغة تنأى عن التراكيب المتداخلة المعقدة حتى يسمع المتفرج، فيفهم على الفور ما يقال، ويحدث له الأثر المطلوب، ولذلك يفضل أن تكون الجمل المسرحية قصيرة، فذلك أدعى لراحة الممثل وعدم ارهاقه، فالمتفرج لا يملك الفرصة ليلاحق المعاني في مثل هذا اللون من التعبير.
 كذلك فإن للغة المسرح موسيقاها الذاتية الخاصة، فالمسرحية تحكمها نبرة  وجرس ومقام موسيقي معين،  ف « التراجيديا» تحكمها نبرة آسية جادة مهمومة ، ويلتزم ممثلوها الاقتصاد الشديد في التفجع والتوجع ، بما ينسجم مع موضوعها الجاد الرصين، بينما تتميز « الكوميديا « بنبرة لينة  لطيفة، مرحة في غير مجون، ذكية تشيع السرور، أما « الفارس « فيغلب عليها الصخب والمفارقات الصارخة المدوية، ويعلو فيها الزعيق مع سرعة الإيقاع .
ثم يؤكد ألفريد فرج على أن أهم خاصية تميز لغة المسرح هي أنها لغة يتكلمها الممثلون، لا لغة يطالعها مطالعون أو يخطبها خطباء، ولذلك لابد أن تتميز بصفات لغة التخاطب .
وهذا الوعي الحاد بلغة المسرح عند ألفريد فرج سلح مسرحه بلغة درامية مبتكرة ومتنوعة،  طبقا لنوعية الشكل والمضمون، ومنحه مذاقا خاصا به سواء كان يعالج مضمونا تاريخيا أو أسطوريا أو معاصرا، وهذا المذاق الخاص دليل على اللغة الدرامية الناضجة التي لا تتأتى للكاتب إلا بعد استيعاب وهضم التقاليد المسرحية العالمية، ومحاولة استنبات أنواع جديدة منها تلائم التربة المصرية ، ولكي تتبع هذه الدراسة مراحل توظيف لغة المسرح عند ألفريد فرج سواء كانت اللغة التي يستخدمها المسرح للتعبير الدرامي، أو المسرح كلغة فنية لها مواصفاتها الخاصة، رأت استخلاص الملامح الأساسية التي تطبع المسرحيات بطابعها، ودراسة المدى الذي استفادت فيه من هذا الطابع، وهل أصابها بالتكرار والرتابة، أم أن المؤلف استطاع تجنب هذا عن طريق تمكنه من لغته المسرحية.
لذلك فإن فرج ارتضى لنفسه هذا المنهج في لغة المسرح فلنرى إلى أي حد نجح في تطبيقه، أو إلى أي مدى لم يتمكن منه ولماذا؟!  والحدود التي أثبت فيها نجاح المنهج نفسه او عكس ذلك.
 وهو ما طبقه على مسرحيات “سقوط فرعون” و”صوت مصر” و”حلاق بغداد” و”بقبق الكسلان” و”على جناح التبريزي وتابعه قفة”.
وفي أعماله أثبت ألفريد فرج أن هناك لغة خاصة بالمسرح لابد للكاتب المسرحي أن يتمثلها ويطوعها ويشكلها بدافع من كيانه الذاتي، وباستيعاب تقاليد المسرح العالمي على مر العصور من عصر سوفوكليس واريستوفانس حتى عهد بيكيت واونيسكو ...
 لأنه يتحتم عليه أن يوجد لنفسه معيارا خاصا للتعبير عن الموقف الذي يعالجه، وذلك عن طريق تطويع أداة اللغة في سبيل خدمة عمله، لأن القضية تتركز في أنها لغة فن أو لا فن، وليست قضية فصحى أو عامية أو دارجة إلى آخره ، والمضمون هو الذي يقوم بتشكيل اللغة وتطويعها، فإذا تنافر معها في حالة فرض الكاتب على مضمونه لغة معينة لا تتمشى مع طبيعته فلابد أن يحدث انفصام بين الشكل والمضمون، والضحية الوحيدة لهذا الانفصام هو العمل الفني نفسه.

التاريخ والدراما
التوفيق بين المضمون التاريخي والشكل الدرامي
  استطاع ألفريد فرج في مسرحياته التي استمد مضمونها من التاريخ، أن يوفق بين المضمون التاريخي والشكل الدرامي، ولم يترك التاريخ يسيطر على الدراما بحيث يحيل مسرحياته إلى مجرد عرض تاريخي لأحداث وقعت في حقبة معينة، لأن المؤلف وفق في تفادي منحنيات التاريخ، وتجنب متاهات السيرة الشعبية ، عن طريق ارتباطه بالعمود الفقري واللغة الدرامية لمسرحياته ، وهو موفر عليه الكثير من التجاعيد والنتوءات والأورام التي تصيب المسرحيات التاريخية التقليدية.
هذه هي الإنجازات التي أضافها ألفريد فرج إلى لغة المسرح المعاصر، وساهم بها في إرساء الدعائم الفنية والتقاليد الدرامية التي تمنح مسرحنا شخصيته المميزة، ولقد استطاع هضم التقاليد العالمية للمسرح، واستفاد منها في خلق أعماله، ولكنه وفق في إبراز المضمون النابع من وجداننا وضمير أمتنا العربية؛ لأنه لم يحاول تقليد النماذج العالمية ومحاكاتها بسذاجة، بل شد قلمه إلى جذور أرضنا وأخذ منها مادته الفنية، ثم قام بصهرها وتطويعها من واقع خبرته ودراساته وتمكنه من لغة المسرح.
وفي النهاية أكد مؤلف الكتاب الدكتور نبيل راغب أن تلك الدراسة للغة المسرح عند ألفريد فرج أكدت أن الخطوط العريضة التي تمثلت في “مفهوم البطولة والغلالة الشعرية ولغة المسرح والتاريخ والدراما “ قد منحت مسرحه الشخصية المميزة له، ولا نقصد أن مسرحياته كانت مجرد تأكيد متكرر وممل لهذه الخطوط، ولكنها كانت بمثابة التنويعات والتفريعات التي توضح أبعاد الخط الأساسي ، ونحن نؤمن أن المسرحيات تختلف اختلاف بصمات الأصابع ،حتى لو كانت من خلق كاتب واحد، ولكن مع هذا نعتقد أن كل كاتب قد ترعرع في ظروف معينة أوحت إليه بأفكار خاصة ونظرة معينة، تختلف عن بقية كتاب المسرح، هذه الأفكار والنظرة الخاصة غالبا ما تتردد لضوئها في أعماله المختلفة، ولا عيب في هذا طالما أنه لا يقع في خطأ الرتابة والتكرار، ويعود هذا إلى سيطرة الكاتب عليها أثناء عملية الخلق الدرامي، ولو أنه ترك لها العنان لجعلت مسرحيته نسخا شائهة من بعضها البعض.


سامية سيد