الملامح والشعائر الطقسية في النصوص المسرحية

الملامح والشعائر الطقسية في النصوص المسرحية

العدد 852 صدر بتاريخ 25ديسمبر2023

يستمد المسرح حكايته من المجتمع وما يؤرقه أو ما يدور بداخله، وفكرة الشاعر الطقسية تسيطر على فكر الكثير من المجتمعات وأهلها، والأمر لا يرتبط بمدى تقدم المجتمعات أو تخلفها؛فجميع المجتمعات تشغلها فكرة الأرواح الخيرة والشريرة، إن كان في المجتمعات الغربية أو العربية.
فمنذ الإغريق والشعائر الطقسية كانت ملهمة لكتاب المسرح، فالمسرح خرج من شعائر الاحتفال بالإله ديونيسيوس، وعلى مر التاريخ تناولت فكرة الشعائر الطقسية بمختلف أشكالها وفقاً لما يشغل مجتمع كاتب النص.  
ومن أشهر الشعائر الطقسية في النصوص المسرحية شعائر نص أنتيجون لسوفوكليس دفن بلوتنيس، والخلاف بين أنتيجون وكريون النابع من مفهوم الدفن عند الإغريق بأن من لا يتم دفنه لا يدخل الحياة الأخرى، وهذه نقطة الصراع في النص، وفي نص مكبث لشكسبير نبؤة الساحرات لمكبث بأنه سيصبح لورد كومندو، ومن بعدها ذهاب مكبث إلى الساحرات مرة ثانية لإيمانه بهم، هذا إضافة إلى طقوس الساحرات الوحشية أمام مكبث، وتشجيعهم له على أن يكون دموياً، هذا غير أن الساحرات أكدت لماكدوف أن النصر سيكون حليفه إذا تحركت غابة بيرنام من مكانها، وهذا ما حدث عند تحرك الغابة على أيدي الجنود الذين اقتلعوا الأشجار وتحركوا بها لأغراض الحرب.
وفي نص طار الأرواح للكاتب الدكتور عصام عبد العزيز لمسنا شعائر طقسية تمس المجتمع العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص، بحيث ناقش النص فكرة الجن الذي يتلبس البشر لضعف إيمانهم.
تبدأ المسرحية ببرولوج وهو افتتاحية النص الساحر، بحيري يقوم ببعض الطقوس السحرية علي شاب ليخرج الشيطان من جسده، ومعه خمس نساء يمثلن دور الجوقة في النص المسرحي، ويفشل الساحر بحيري في إخراجه، ويشعر بالإنهاك الشديد ويسقط على الأرض، وتهرب النساء والبحيري خوفا من الشاب الذي يتلبسه الشيطان.
 ليبدأ الفصل الأول بالجد والأم والأب وهم يجلسون في حالة حزن شديدة على ابنهم، والجد يقرأ القرآن، ويدور الحوار بين الأم والأب والجد، ويرى أن الولد ملبوس من الجن، وذلك بلاء من عند الله بسبب بعد الأب والأم عن الله، وهما في انتظار الطبيب أن يخرج من الداخل، بعد أن ينتهي من الكشف على الشاب، بسبب تعبه وتصرفاته الغريبة.
يحاول الجد أن يقنع الأب والأم من التقرب إلى الله والصلاة، وأن العلم ليس له علاقة بما يحدث لابنهم، لكن الأب الذي هو عالم رياضيات والأم أستاذة الفلسفة لا يقتنعان بما يقوله الجد، وأثناء ذلك الحوار وانتظار خروج الطبيب، يسمعون صراخ الشاب، ويخرج الطبيب وهو في حالة من الإجهاد، ويسألون الطبيب عن حالة الشاب، وما سبب تلك الحالة والتعب الذي يعاني منه، ويمهد الطبيب لهم أن تعب الشاب حالة أصيب بها الطبيب نفسه من قبل، وهي أن الشاب ممسوس من قوى أخرى، ربما يكون الشيطان نفسه قد تلبسه، وذلك يعني أن كلام الجد كان صحيحا من البداية، ويعترض الأب والأم على كلام الطبيب، لأنه كلام مرسل غير علمي، ويحاول الجد التأكيد على كلام الطبيب ويقول إن المس والسحر موجود في القرآن والإنجيل، ويحاول الطبيب إقناعهم بأنه مر بما مر به الشاب من قبل، وأن هناك مئات من التجارب مع المرضى الممسوسين وأن شفاء ذلك الشاب يكون من خلال رجل دين لخلاص الإنسان وتطهيره من هذا الشر، ويقترح الطبيب أن يأتوا بشيخ وراهب، كان قد تعرف عليهما الطبيب في محنة مرضه، وأن لهما خبرة طويلة مع هذا الموضوع ويفعلان ذلك بكل حب وإخلاص، وبعد جدال طويل مع الأب والأم يوافقان.
ليبدأ الفصل الثاني في غرفة الشاب وهو يجلس ويقف الشيخ والراهب ويدور الحوار مع الشيطان الذي يتحدث على لسان الشاب، ويحاول الشيخ والراهب أن يخرجا الشيطان من جسد الشاب، ويرنم القس بآيات من الإنجيل، وكذلك الشيخ يتلو آيات من القرآن، ويحاول الشيطان أن يملئ نفس الشيخ بضغينة ضد القس، وكذلك العكس، حتى يتمكن من الإيقاع بينهما، ولكنهما يكشفان ما يحاول أن يفعله الشيطان، ويحاول الشيطان مرة أخرى أن يخدعهما بأنه تاب على أيديهما، ويركع على ركبتيه، وهنا نرى أن الشيطان استطاع أن يخدعهما، ويسحر لهما بمعسول كلامه، وأوقعهما في الخطيئة مع الله حين أقنعهما بالسجود له، فيستغفرا الله خطيئتهما وأنها نشوة وغرور بشري، الذي أنساهم أنفسهم وحدودهم، وفي النهاية يستطيع القس والشيخ أن يتغلبا على الشيطان، ويخرجاه من جسد الشاب، ويدعوان لنفسيهما بالمغفرة وللبشر أجمعين.
وفيما سبق عرضه نلاحظ أن الشعائر الطقسية تتواجد في النصوص المسرحية، فإن اتفقت أو اختلفت مع ما دار حوله النص المسرحي وفكرة المس الشيطاني، إلا أن هذا الفكر وهذه الشعائر جزء لا يتجزأ من ثقافة الشعب العربي والمصري، كما جاء ذكره في نص طار الأرواح، وفكرة المس موجودة في الثقافة الغربية، وتوجد العديد من الأفلام السينمائية التي تناقش نفس الفكرة.  


محمد أحمد كامل