«كرسي بجناحات وكلنا إنسان» انتصار لذوي الهمم

«كرسي بجناحات وكلنا إنسان»     انتصار لذوي الهمم

العدد 850 صدر بتاريخ 11ديسمبر2023

 في إطار الدورة التاسعة لمهرجان آفاق مسرحية العربي والذي أقيم في الفترة من (29 أكتوبر: 7نوفمبر 2023م)  والدورة مهداة إلى النجم الراحل كرم مطاوع، وضيف شرف الدورة دولة فلسطين، وقدمت نهائيات المهرجان علي مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية، وفي مسابقة ذوي الهمم تم تقديم عرض مونودراما كرسي بجناجات، وعرض ديودراما كلنا إنسان، وفي السطور القادمة نلقي نظرة على هذه العروض.

مونودراما كرسي بجناحات 
العرض من إنتاج فرقة النور والأمل بمحافظة السويس، تأليف (تامر فؤاد) دراماتورجيا (محمود عثمان) ومن إخراج (عادل أمين) وبطولة (فاطمة أحمد حسن)، وهو العرض الفائز في المهرجان بأفضل عرض ذوي الاحتياجات الخاصة، وتدور الفكرة الرئيسية للعرض حول فتاة تدعى صبرة، واسمها يعبر عن صبرها على إعاقتها، وصبرها على تنمر الآخرين عليها، فهي تتحدى التنمر وتصر على تحقيق الذات، فيجب على الإنسان وخاصة المعاق التمسك بالحلم، فتتمسك صبرة بحلمها، وتقرر أن الإعاقة ليست في الجسد؛ لكن الإعاقة في التفكير في طريق الحياة  الذي يسلكه الإنسان وكيف يختار آسلوب حياته، فعندما يفكر الإنسان المعاق بطريقة سليمة وعدم الاستسلام لمعاناته، ويسأل نفسه سؤالاً ما هي الطريقة المثلى في استثمار إعاقته وتطويعها ليحقق حلمه، وعندما يصل للإجابة تكون بداية طريق النجاح، فالفتاة صبرة جليسة كرسي ولا تستطيع التحرك بدونه، حيث أن إعاقتها إعاقة حركية، ولذلك استثمرت أوقات فراغها بتوجيه من والدها في لعبة الشطرنج، وهي لعبة تناسب حالتها، فاللعبة لا تعتمد على الحركة، بل تعتمد على التفكير الجيد ورسم خطة سليمة واقتناص خطأ اللاعب الآخر، ولم تكتفِ بتعلم اللعبة وممارستها فقط، بل حاولت الاشتراك في البطولات، وحققت حلمها بالفوز بالمركز الأول على مستوى الجمهورية؛ وبذلك حولت حياتها من جليسة على كرسي محبوسة بالمنزل إلى التواصل مع العالم الخارجي عن طريق ممارسة لعبة الشطرنج باستخدام الإنترنت وتكوين صداقات جديدة، وبذلك ينتج عنوان النص المعنى، فالعنوان كرسي بجناحات، والجناحات تستخدم للطيران والتحليق فوق المكان أو الانتقال إلى مكان آخر، وهذا ما فعلته صبرة بالاتصال بالعالم الخارجي على الرغم من حالتها فهي قعيدة على كرسي متحرك، وقد بدأ العرض بجملة أكون أو لا أكون، وهي الجملة الشهيرة في مسرحية هاملت لشكسبير، وانتهى العرض بجملة أكون مش لا أكون، في دلالة على أنها وصلت وحققت هدفها.   
كيف تحققت رؤية المخرج؟
عند حديثنا عما شاهدناه على خشبة المسرح نجد أن الديكور (محمد حسن الشويخي) عبارة عن صورة للأب موضوعة على حامل وُضع  يسار مقدمة المسرح وخلفه في العمق يوجد شباك شبه مغلق (موارب)، وفي منتصف العمق توجد منضدة وضعت عليها صورة للأم، وعن يمين مقدمة المسرح وضع على حامل صورة للاعب الشطرنج العالمي كاسباروف وخلفه توجد مكتبة وضع بداخلها بعض الكتب وعلى رف عالٍ من الرفوف وضعت عدة تليفون أرضي، وفى بداية العرض تظهر الفتاة تجلس على كرسي متحرك تتحكم في تحريكه بواسطة ذر متصل ببطارية، ووجدناها تجلس أمام رقعة شطرنج، ومن خلال أحداث العرض ووجود الصور نعلم أن الشخصيات الموجودة في تلك الصور قد أثرت في حياتها فوالدها هو من كان له الفضل الأول في سبب سعادتها وتحديها الإعاقة فوجهها للاهتمام بلعبة الشطرنج، ووالدتها ترعاها وتهتم بها وتساعدها على الاستمرار في مواصلة ما بدأته، أما كاسباروف فهو مثلها الأعلى، وبالتالي يكون إصرارها على الفوز ببطولة الجمهورية للشطرنج، ووجود التليفون في مكان عالٍ بالمكتبة يوضح لنا عندما يرن مدى عجزها وعدم استطاعتها التواصل مع من كان على الطرف الآخر، لكنها لا تبالي، وتلوم المتصل لأنه كان يجب عليه أن يستخدم التليفون المحمول في الاتصال لسهولة الرد، وتمثل المكتبة بالنسبة لها حبها للثقافة والتعلم وتمسكها بهواياتها (لعبة الشطرنج) المحببة لها عن طريق الاطلاع وقراءة الكتب والتي تعرفت منها أيضا على كاسباروف بطل العالم في اللعبة.
أما الإضاءة (عمرو نخلة) فكانت عبارة عن إنارة عادية لغرفة ما في منزل أسرة الفتاة، وفي بعض الأحيان كانت تسلط بعض البؤر الضوئية ذات اللون البرتقالي على أماكن معينة مثل صورة الأب وكأنها تتذكر والدها وتشجيعه لها، أو على صورة والدتها التي ترعاها في المنزل وترفع من معنوياتها وتوفر لها الجو الملائم، أو صورة كاسباروف مثلها الأعلى في لعبة الشطرنج، أو على رقعة الشطرنج التي تظهر على خلفية عمق المسرح بواسطة الفيديو بروجيكتور.
 الملابس كانت عبارة ملابس خروج عصرية تصلح لجلوس الفتاة أمام من تلعب معه مباراة الشطرنج عن طريق الإنترنت.
الموسيقى أعدها المخرج واختارها لتتوافق مع الحالة الدرامية ففي بداية العرض نسمع عزف البيانو لصوت يعبر عن القلق والترقب، وقد بطن العرض ببعض الموتيفات الموسيقية المعبرة عن حالة الفرح أو الحزن، واستخدم بعض المؤثرات الصوتية مثل أصوات الضجيج القادمة من الشارع إلى داخل المنزل من خلال الشباك بالغرفة، كما اختار مجموعة من الأغاني ومنها أغنية من (أنا ليا أب يا رب طولي في سنينه.. شال فوق كتافه حمول كثيره الله يعينه) غناء (ياسمين علي)، كلمات (تامر حسين)، وألحان (مدين)، وتوزيع (عمرو عبد الفتاح). ثم أول كوبليه من أغنية أمي ثم أمي غناء مجموعة من الفنانين، كلمات (أيمن بهجت قمر) وألحان وتوزيع (حميد الشاعري)، واختتم المخرج العرض بأغنية امسك في حلمك غناء (أصالة نصري ومحمد حماقي)، كلمات أمير طعيمة، وألحان إيهاب عبد الواحد، وتوزيع تميم، وهي أغنية تعطي للإنسان شحنة إيجابية والتمسك بحلمه.

ديودراما كلنا إنسان
العرض من إنتاج فرقة كلنا إنسان بمحافظة القاهرة، تأليف تامر فؤاد ومن إخراج حسين خالد، والعرض تمثيل يحيى محمود، وهو يصنف بأنه من  ذوي الاحتياجات الخاصة، وفاز في المهرجان عن دوره بشهادة تميز وتقدير، وميرنا من الأصحاء، وتدور فكرة العرض الرئيسية حول الخوف والتنمر والاستهزاء من إنسان أصبح من ذوي الإعاقة نظراً لتشوه وجهه عندما تعرض لحادث حريق بدأ كل البشر في الابتعاد عنه، وكان من أول البشر إخوته الذين يعيشون معه في نفس المنزل، فبعد حادث الحريق سمعهم أكثر من مرة يتحدثون سوياً ويقولون إنهم أصبحوا يخافون منه، وكذلك نرى أصدقاءه الذين يضحكون على ملامحه، ويزفه الأطفال عندما يسير في الشارع بجملة العبيط أهوه، ولذلك قرر أن يحبس نفسه حبسا اختياريا داخل حجرته بمنزل الأسرة، لكنه في يوم ما وأثناء حبسه الاختياري يقرر أن يعود ليندمج في الحياة ويعيش عيشة طبيعية ويخرج من محبسه، لكن كيف يعود وينتصر على أزمته ووجهه المشوه من أثر الحريق؟ قرر أن يمثل دور بلياتشو ليفرغ طاقته المكبوتة؛ ليسعد نفسه ويسعد الآخرين، حيث أن البلياتشو يصنع البهجة، ويضع على وجهه المساحيق وبالتالي يداري آثار الحروق التي شوهت وجهه؛ لكنه لا يقبل فكرة إخفاء التشوهات بوضع المساحيق، ويقرر أن يتحدى الجميع ويظهر بوجهه المشوه ويقول ها أنا ذا لكن للأسف تنعته الناس بالمجنون، مجنون كل من يفكر الخروج من الدائرة التي رسمها الناس بعضهم لبعض، وبالتالي تسوء حالته النفسية، فقد كانت جدته هي الوحيدة التي تهتم به وتعطيه الاستقرار النفسي والأمل في الحياة، لكنها فارقت الحياة، فالعرض صرخة إنسان موجهاً رسالته للعالم أنه لا بد من القضاء على التمييز بين إنسان وآخر، لا بد من القضاء على العنصرية، لا معنى بأن تميز بين الناس وتقول هذا فقير وذلك أفضل منه لأنه غني، أو التفرقة على أساس الدين أو الجنس أو العرق، أيها العالم كلنا إنسان، وقد أصاب مؤلف العرض عندما لم يطلق اسما على البطل، فعندما قدم نفسه للجمهور قال (مش مهم الاسم).

كيف تحققت رؤية المخرج؟
قدم المخرج رؤيته بالتمثيل الصامت ليعبر عن معاناة بطل العرض وما أصابه نتيجة معاملة الآخر له، واستكمل ذلك بالتعبير الحركي، والأداء التمثيلي مستخدماً الحوار، وأوضح مدى المعاناة النفسية لبطل العرض.
اتبع المخرج منهج بريخت وكسر الحائط الرابع، وربط الصالة بخشبة المسرح، وخروج بطلة العرض من بين صفوف الجمهور ونزول بطل العرض إلى الصالة ومشاركة الجمهور بأنه واحد منهم وشرح لهم معاناته.
يتكون الديكور (أسامة حربي + الإضاءة) من منظر واحد عبارة ستارة ملونة من القماش في عمق المسرح من اللون الأبيض والأحمر، فمن الممكن أن تعبر عن بوابة تمثل سيرك، او ديكور مسرح لم تركب باقي أجزاء المنظر المسرحي، ويوجد مقعد بدون ظهر (علي شكل مكعب) مصنوع من الخشب وضع في وسط المسرح للجلوس عليه في بعض مناطق التمثيل، أو الاختباء خلفه عندما هاجمة الناس وقالوا عليه مجنون فهو يمثل حضن الجدة.
كانت الإضاءة عبارة عن إنارة للمسرح مع تسليط بعض البؤر الضوئية للتركيز على الحدث، وسيطر اللون الأزق وبعض الدخان، مع تقليل شدة الإضاءة، وكذلك الفلاشر لإيضاح الحالة الضبابية التي يعيش فيها بطل العرض، وأضاف اللون الأحمر ليعبر عن حالة الثورة والغضب  لبطل العرض من تنمر الآخر عليه. 
الملابس (أمل جمعة) توافقت مع الأحداث الدرامية، فبطل العرض يرتدي زي بلياتشو، والممثلة ترتدي ملابس عصرية. 
كان الإعداد الموسيقي معبراً عن كل حدث على حدة، فنسمع موسيقى تعزف في السيرك لتنبة الجمهور بأن البلياتشو يبحث عن شيء ما مستخدماً الآلات الوترية، ويتغير الموقف ويرقص البلياتشو على إيقاع الطبلة والصقفة، ويكرر اللحن الأول ثم اللحن الثاني لمدة دقيقتين، وأثناء سرد البطل للأحداث يصاحبه العزف على البيانو وتتداخل معه الآلات الوترية، وبعد بداية العرض أغنية (قوم اثبت للعالم إنك موجود)، كلمات وألحان وغناء (هاني على)، وأثناء صعود الفتاة على المسرح نسمع أغنية تنتمي إلى الراب (أنا رايح فين متقول يا حسين لا مش معقول.. دكتور تالت مكفياه اتنين هو أنا مجنون)، كلمات (شيماء الجوهري) ألحان وغناء (هاني علي)، توزيع (ميدو راشد) وفي نهاية العرض نسمع أغنية حبوا بعض كلمات (مجد القاسم)، غناء (مجد القاسم ونفين رجب).


جمال الفيشاوي