كأنك تراه .. العروض الدينية ضرورة أم رفاهية ؟ تلك هي المسألة

كأنك تراه .. العروض الدينية ضرورة أم رفاهية ؟ تلك هي المسألة

العدد 526 صدر بتاريخ 25سبتمبر2017

نحن أمام عرض مؤطر بإطار ديني، عرض يؤكد علي ضرورة مراقبة الذات، يحفز في شخصيات العرض وفي الجمهور قيم الانسانية التي غابت عن ممارساتنا اليومية و واقعنا الصلب، ويبعث فيهم من جديد ايمانهم الذي صدأ من كثرة الهموم والاحزان والانخراط بالأمور الدنياوية ، العرض المسرحي (كأنك تراه) في حب خاتم الانبياء نبي المسلمين المتسامح مع الاختلاف، المؤمن بالاديان السماوية، وموصي علي متبعي شرائعها، مُحمد عليه الصلاة والسلام، هذا من خلال شخصية أحد الصحابة الذين عاصروه ، يسمي (أويس القرني) و الذي كان يتوق لرؤيته ولكنه لم يتمكن من هذا،  فعاش محباً له ، طائعاً لسنته كأنه يراه .
صنعت مؤلفة العرض اطاراً دينياً لنصها ولكنه كان مدخلها لمجموعة من القضايا الاجتماعية المعاصرة التي نعاني منها الآن . حيث مزجت بين الحاضر والماضي  بين الاماكن الأثرية و الحَضر المُخرب، بين شخصية من الماضي وشخصيات من الحاضر مختلفي الاتجاهات والانتماءات الطبقية اجتمعت بهم جميعاً في مكان أثري من مناطق مصر القديمة ، التي تجمع المسجد بجوار الكنيسة ، وجعلت لكل منهم اهتماماته ومتطلباته التي آتت به الي هذا المكان .
فرجل الاعمال الفاسد (مهدي) والذي يؤديه (مصطفي سامي)، الذي يمثل طبقة المنتفعين من الازمات الاقتصادية والفقر الذي يعاني منه الطبقات الكادحة، الذي يبيع السكر في السوق السوداء، و الطعام الفاسد، ويلجأ الي تزوير الانتخابات، فهو آت الي هذه المنطقة طامعاً في ارض المنطقة الأثرية لازالة بيوت الفقراء وبناء أبراج ومشاريع، كما أنه يزهو بالثراء والشهرة ويستغل كارثة زرع الكنبلة في الحيز الاثري لعمل دعاية وشهرة لنفسه . بينما الفتاه (نهي) والتي تؤديها (أمنية سامي) المهووسة بالتكنولوجيا و وسائل الاتصال الاجتماعي ك(الفيس بوك) وتقنياته الحديثة لبث أي حدث آني وتوثيقه وانتظار التعليقات عليه من العالم الافتراضي والمخطوبة للشاب الفقير (شريف) الذي يؤديه (ماهر محمود)، يعوق سعادتهما غياب القدرة المادية علي الزواج، ولكن يحسب للمؤلفة هنا انها لم ترجع السبب في هذا لظروف خارجة عنهما أو ما الي ذاك، ولكن السبب هو فشلهما واتكالهما، فالفتاه راسبة في الجامعة، والشاب اتكالي لا يعمل ويعيش علي الغناء والمديح في النبي ليل نهار .
أما صول الشرطة حارس المسجد والكنيسة في المكان الاثري والذي يقوم بدوره (علاء النقيب) فهو لازال في صورته الساذجة لأفراد الامن ، حتي أنه عندما يأتي المخرج الذي يُصور المكان الذي يؤديه (سامح فكري) ويتحدث اليه يتضح جهله و سذاجته في التعامل معه وينسي دوره في حراسة المكان ويجلس يأكل معه، ولا يستطيع التفرقة بينه وبين الارهابي بائع السبح والفوانيس الذي يقوم بأدائه (وليد الزرقاني) الذي يرتدي حزاماً ناسفاً تحت ملابسه ويريد تفجير المكان بمن فيه . صور سلبية أخري للمجتمع الحالي تُظهرها المؤلفة في بائعة المناديل والكتب (سلمي هشام)، الكاذبة بأن لها ابن مريض يحتاج دعامة بالقلب لاجبار الناس علي شراء ما لديها بشحنهم عاطفياً ، كما ينتقد العرض استعمال المجتمع بمختلف انتمائاته الطبقية والاقتصادية لعبارة (صلي علي النبي) في مواقف مشينة لا تتناسب مع سنة النبي محمد .
تستحضر المؤلفة شخصية (أويس القرني) ليشهد علي كل ما يحدث ويتعجب له ولأمر هؤلاء البشر، طيف يضلون عن الطريق القويم ولا ينتبهون الي ان الله ورسوله يروهم ،، فتحدث المقارنة في عقل المتلقي بين ما يفترض ان يكون وما اصبح هو عليه .
عن أليات العرض فقد ارتكز منذ اللحظة الاولي علي الغناء الذي قام به جموع الممثلين بالعرض من الأصوات الشابة الماهرة والمدربة بعناية علي يد المخرج الموسيقي والمطرب المهم (ماهر محمود اسماعيل) ، وهم (إنجي ايهاب ، آلاء عمرو ، مريم هاني ، فاطيما إسماعيل، بسام راضي، عمرو خالد ، علي الباهي، عبد الرحمن عصام الدين، محمود خالد، علاء رضا، تامر محمد، محمود عزمي ، محمد عدلي ) والاشعار التي كتبها الشاعر الكبير محمد بهجت صاحب الحس الشعري والدرامي المتفرد النافذ لاعماق النفس البشرية، لامساً بها نقاط قوتها وضعفها مصوراً لها بتعبيرات ومفردات غاية في الدقة،  والموسيقي العربية بالعزف علي العود والتي وضعها للعرض الموسيقي محمد عزت الذي وضعتنا موسيقاه طيلة العرض بأجواء خاصة جداً بمجتمعنا وبيئتنا واصالتها .
ورغم أن هذا العرض أُنتج خصيصاً ليعرض في شهر رمضان كفعالية مسرحية وثقافية تجذب الجمهور الي الفن المسرحي بروحانيات الشهر المُعظم ، إلا انه امتد الي الآن، وهذا يقربنا من الاجابة علي تساؤلات هامة .. هل العروض المسرحية الدينية لها ضرورة فقط في شهر رمضان ، أم انها احتياج  ملح وضروري لابد أن يلبيه المسرح طيلة العام ؟ وهل ملجأ الفن الوحيد الآن لبث الفضيلة هو اللجوء للتاريخ وشخصياته ؟ هل واقعنا خالي تماماً من الاشخاص الاتقياء الذين يتعاملون في حياتهم وكأن الله يراهم وكأنهم يرون الرسول ؟
ولاننا بصدد عرض يعتمد علي اثارة الوجدان وتأجج المشاعر لدي المتلقي ، فهذا من شأنه أيضاً أن يطرح تساؤلاً آخر هاماً ، وهو، هل السبيل الوحيد لاصلاح فساد ضمير المجتمع هو اثارة مشاعره ؟ هل مخاطبة العقل لم تعد لها نفس تأثيرها في السابق ؟
و قد تتسبب هذه التساؤلات واجاباتها بتحريك المياه الراكدة، ويظل المهم اننا أمام نوع خاص جداً م نالعروض المسرحية التي لا تلقي ترحاب سوي في المناسبات فقط وعلينا دراسة ظاهرة استمرارها واقبال الجمهور عليها .


رنا عبد القوي