الريحاني لم يشهر إسلامه ولم يتزوج يهودية!!

الريحاني لم يشهر إسلامه ولم يتزوج يهودية!!

العدد 827 صدر بتاريخ 3يوليو2023

المقالة السابقة كانت آخر مقالة في مذكرات الريحاني، وجميع القُراء كانوا في شوق لقراءة مغامرات الريحاني النسائية التي قرأنا عنها في مذكرات عام 1959 التي نشرها بديع خيري في دار الهلال، والتي اعتمد عليها مسلسل تليفزيوني شهير!! ولكن بعد وفاة الريحاني بست سنوات أراد بديع خيري أن يرثيه ويتذكره، ويذكر القُراء به، فكتب مقالة عنوانها: «المرأة والحب في حياة نجيب الريحاني»، ونشرها في إحدى المجلات المصرية عام 1955، وذكر فيها – على عهدته – أموراً غريبة لم يذكرها في أية مذكرات بعد ذلك بهذا التفصيل، قائلاً فيها:
الممثلة كيكي
كان للمرأة في حياة نجيب الريحاني أثر أيما أثر .. فلم أعرف فترة منذ عاشرت الريحاني خلت من حب ملتهب. وكان الريحاني إذا تحدث عن المرأة أفاض في تحليل غرائزها سواء من ناحية الخير أو الشر. وكان حديثه هذا مبنياً دائماً على تجاربه منذ صباه. وإذا كانوا قد قالوا إن وراء كل عظيم امرأة، فإن وراء الريحاني عشرات النساء، بادلهن الحب على درجات مختلفة من الميل والشغف. وأغرب ما كان يتميز به حب الريحاني أنه كان يزهد في الجمال الصارخ، ويفضل عليه الأناقة والرشاقة في المرأة .. فكان عجيباً أن يهيم الريحاني بالمرأة التي يقاسي من حبها العذاب أكثر من غيرها. وبالعكس كان يمل الحب الطائع الذي لا يصحبه شيء من الصعاب والعقبات. 
وأذكر من هذا النوع ممثلة رومية متحضرة كان اسمها «كيكي»، وكانت في وقت من الأوقات المثلة الأولى لفرقة الريحاني، إذ كانت تجيد العربية الدارجة كإحدى بنات البلد تماماً. وحدث أن وقع الريحاني في حبها إلى أبعد الحدود، وكانت على ما أعرف متمردة شاذة الأخلاق، والمدهش أن هذا التمرد وذلك الشذوذ كان سر تعلق الريحاني بها أكثر من غيرها. ولا تزال هذه الممثلة حية ترزق في أستامبول حيث استقر بها المقام هناك وتزوجت، وداومت مدة طويلة على مراسلة الريحاني بانتظام إلى أن مات. وكان يزاحم الريحاني في حبها تاجر من أثرياء الأروام، وحين أدرك مدى ما بينها وبين الريحاني من صلات غرامية تآمر مع بعض الأشقياء على أن يلحقوا الأذى بنجيب الريحاني، ولولا أن أحد أصدقائه من الأروام كذلك أبلغه الأمر في الوقت المناسب. وهكذا أمكن له أن يغير مسكنه وأن ينجو من موت محقق كان ينتظره بسبب حبه لكيكي. ودارت الأيام وانصرف كل المزاحمين عن هذه الشقية العشيقة، وتزوج الريحاني من بديعة مصابني، وتزوج صديقه الرومي كذلك، وما كان أشد صداقتهما بعد ذلك.
بديعة مصابني
أما ما كان يُشاع في حياة نجيب الريحاني عن تدلهه في حب بديعة مصابني فإنما كان ذلك أمراً مبالغاً فيه. فإن ذلك الزواج كان زواج مصلحة أكثر منه زواج حب. وتفصيل الأمر أن أحد الأثرياء من عائلة عريقة في مصر، قد هام بحب بديعة مصابني أثناء عملها إلى جانب نجيب الريحاني في فرقة الريحاني. وصار ينثر عليها الذهب في جنون وطيش، وانتهى الأمر بأن فاتحها في ترك العمل مع الريحاني وفي الزواج منه، وأسقط في يد الريحاني إذ كانت الحاجة إليها ماسة في نجاح عمله فحاول بقدر استطاعته أن يثنيها عن هذا الإغراء ولكن جهوده ذهبت أدراج الرياح. وأخيراً اقترحت بديعة للبقاء في الفرقة أن يتزوجها الريحاني. ولم يكن بد من أن يصدع لرغبها، فتم هذا الزواج خفية في منزل أحد أصدقائه واسمه الدكتور خليل جودة وهو طبيب أسنان بشبرا في ذلك الوقت، ولم يحضر هذا الزواج أكثر من ثلاثة أشخاص كنت أنا أحدهم، وكان الثالث هو المرحوم أميل عصاعيصو، وكان معروفاً في الوسط الفني وصديقاً لكثير من المثلين والممثلات في مختلف الفرق. وكانت حياة الريحاني الزوجية مع بديعة مصابني جحيم لا يطاق، فكثيراً ما كانت تثور المشادات الخفيفة ويكاد الأمر مراراً ينتهي إلى الانفصال. ولكن وسطاء الخير كانوا يتطوعون دائماً لإنهاء تلك الخلافات التي لا تقف عند حد. وكان طبيعياً ألا تدوم هذه الزوجية فآل أمرها أخيراً إلى الافتراق وإلى ابتعاد كل طرف عن الآخر ابتعاداً تاماً. وانشغلت بديعة مصابني لعملها في كازينو أوبرا، وساعدتها الحرب العالمية الثانية في أن تجمع ثروة طائلة من مجهودها العنيف. ويجب أن نقرر الحقيقة في أن هذه السيدة كانت ذات مجهود فني ضخم وإدارة حازمة قوية كفلت لها النجاح، وجعلتها بحق عميدة الصالات في ذلك الوقت.
وانقضى وقت طويل لا صلة فيه بين بديعة ونجيب؟ ولكن الحنين عاودها ذات مرة. فحاولت أن تصلح ذات البين وأن ترتد إلى حظيرة الزوجية .. وكنت أنا وسيطها الذي رحبت أن يتدخل في الأمر. فحددت لها موعداً في مسرح الريحاني ظهيرة أحد الأيام بحيث لم أخبر بهذا الموعد نجيب الريحاني. وفضلت أن تكون تلك المقابلة مفاجأة قد تمهد إلى تفاهم أقرب وأسهل. وقابلها نجيب خير مقابلة على أنها عشيرته فيما سبق وإن كان بينها من الروابط ما يكفي لأن يرحب بهذه الزيارة. وما كدت اُفاتحه في السبب المباشر لمجيئها حتى امتعض وأظهر حنقه عليّ بسبب كتمان هذا الموعد الذي كان يفضل ألا أحدده.
مع كل هذا فقد أدرت الحديث بشكل يلطف من حدة الموقف، إلا أن بديعة قد اندفعت تبشره بما سيكون عليه حالها بعد أن أصبحت ذات ثراء ظاهر يمكنه من الاستعانة بمالها إذا لزم الأمر في عمل من أعماله الفنية التي تتطلب البذل. وهنا كانت الثورة الجامحة من نجيب الريحاني الذي أعتقد أن في هذا القول الجارح أكبر مساس بكرامته. ثم أفهمها أنه أرفع من أن يعتمد على مال امرأة، وأنها إذا كانت تغريه ببريق الذهب، فإنه ما زال الفنان الذي يفضل القليل من كسب فنه على الألوف المؤلفة من طريق غير المسرح والفن. وعند هذا الحد عاد الجفاء سيرته الأولى بين بديعة مصابني ونجيب حتى لقى ربه.
ويجدر بنا إحقاقاً للحق وإنصافاً للتاريخ أن نقرر أن السيدة «جوليت» التي ذاع في وقت من الأوقات أنها ابنة الريحاني من بديعة مصابني، لم تكن سوى فتاه تبنتها بديعة وأهتمت بتربيتها وتعليمها. وجاء وقت تقدمت فيه كلتاهما إلى المحكمة لتحصل على حكم بهذه البنوة، ولكن القضاء بناء على كثير من المستندات رد هذا الإدعاء وحكم ببطلان البنوة التي كانت قائمة فقط على تسميتها في المدرسة باسم «جوليت الريحاني». وبهذا الاسم أيضاً استطاعت أن تُخرج جواز مرور من وزارة الداخلية، ولكن كل ذلك لم يحجب الحقيقة في أن الأمر كما فصلناه. وخرجت بديعة وجوليت من أحقيتهما في ميراث الريحاني.
الممثلة الفقيرة
وكان الريحاني في حبه من أنصار تعادل السن أو على الأقل مع الفارق البسيط، فمهما كان جمال الفتاة التي تصغره سناً - رائعاً أو جذاباً - انصرف عنه وزهد فيه لمجرد أن السن غير معادلة. والغريب ونحن نقول هذا أن تحدث في حياة الريحاني مفاجأة غربية لم يأبه فيها بالسن ولا بقاعدة التعادل إذ امتلأ قلبه بحب ممثلة شابة فقيرة. وقد حاول أن يبادلها غرام بغرام غير أنه فشل في اجتذاب قلبها فشلاً مريراً، ولما أعيته الحيلة تقدم إليها بطلب الزواج. ومع ما كان عليه الريحاني من الصيت البعيد والشهرة الواسعة والمال الوفير في أخريات سني حياته فإن هذا كله لم يشفع عند الفتاة بقبول الزواج. وكان لهذا الحادث أثره البالغ في نفس الريحاني وفى جُرح مكلوم لم يندمل إلا بعد وقت طويل.
السيدة فيكتورين
آخر امرأة أحبها الريحاني كانت سيدة إسرائيلية [أي يهودية] تدعى «فيكتورين» لقى من عطفها وإخلاصها له الشيء الكثير مما جعله يضع فيها ثقته الكاملة. وكانت حريصة على ماله كل الحرص تدبر شؤنه الخاصة وتحنو عليه حنواً لم يعهده من امرأة قبلها. وبذلك أمكن لها أن تستولي على مشاعره، وأن تكون لديه أقرب المقربات حتى لقد بلغ من أمر تفانيه في أن يعتنق كلاهما الإسلام وأن يعقدا زواجهما. ومنذ هذا الوقت أخذ الريحاني يفكر في بيت سعيد لزوجته المقبلة فاشترى بضعة فدادين من أرض السيدة «قوت القلوب الدمرداشية» بحدائق القبة، وأقام عليها فيلا كبيرة تكاد تكون قصراً فخماً وتفنن في جعل هذه الفيلا آية من آيات الفن إذ خصص بها قاعة كبيرة ذات مسرح خاص. أعدها خصيصاً ليقيم حفلات تقتصر على صفوة أصدقائه، كما أعد أيضاً غرفة رائعة على الطراز الأندلسي في وسطها نافورة بديعة وأنفق في سبيل هذا التنسيق كثيراً من المال ما يربو على السبعين ألف جنيه. وكان الريحاني ينوي أن يفتتح هذه الفيلا بحفلة زواجه من فيكتورين، ولكن القدر لم يمهله حتى تتحقق أمنيته فمات قبل أن يتم بناء بيت الزوجية. 
وما يذكر عن وفاء فيكتورين للريحاني ولحبه، أنها كانت تتعزى بعد وفاة الريحاني بصوره المحفوظة لديها وتعيش على ذكرياته التي لا تغيب عن بالها. وتصادف في وقت ما أن عرض لأول مرة فيلم «غزل البنات» بعد وفاة الريحاني فطلبت مني فيكتورين أن أصحبها لمشاهدة الفيلم ولكنني بما أعرفه عن نفسي من الثائرة العصبية ومن الصدمة الأليمة حين أرى زميلي وصديقي يتحدث ويتحرك حاولت أن أثنيها عن عزمها تفادياً للأثر العميق الذي تحدثه تلك المشاهدة، إلا أنها ذهبت بمفردها على سبيل السلوى. وما كادت تستقر بمقعدها بسينما ستوديو مصر، وما كاد الفيلم يبدأ وترى صديقها الحبيب حتى انتابتها حالة عصبية بينما استسلمت فيها إلى إغماء عميق، وهرع الموظفون والمشاهدون كل يحاول إسعافها على أنها امرأة عادية .. ولم يعرف أحد أنها المرأة التي تفانى الريحاني في حبها وتفانت في حب الريحاني. ولم تطق فيكتورين البقاء في مصر فهاجرت إلى استراليا حيث أقامت بعضاً من الوقت عند أقربائها هناك. ولم يستقر بها المقام إذ إنها سافرت إلى باريس حيث ما زالت تراسلني إلى الآن في أوقات متفاوتة.
كلمتي الأخيرة
عزيزي قارئ مسرحنا والمتابع لحلقات مذكرات الريحاني .. أتمنى أن تكون استمتعت بما قرأته وبما اكتشفته لك من مذكرات لم تقرأها من قبل عن الريحاني بهذه التفاصيل الدقيقة!! وهي التفاصيل التي تحتاج إلى دراسات متنوعة، ودراسات مقارنة بين ما كنت تعرفه عن الريحاني وبين ما عرفته عنه ولم تكن تعرف تفاصيله من قبل!! كما أتمنى أن أكون قد نفذت وعدي لك وحققت ما قلته من قبل في مقدمة هذه الحلقات، عندما قلت في الحلقة الأولى: «شاهدت مسلسلاً حديثاً عن «نجيب الريحاني»، اعتمد أصحابه على الخيال وبعض مما جاء في مذكرات الريحاني، فحزنت جداً لأن المسلسل جاء بقشور من حياة الريحاني ومسرحه، فنشرت مقالة في جريدة «المساء» يوم 5/12/2022 عنوانها «إلى الفنان نجيب الريحاني .. سامحني أنا السبب!!»، اختتمتها بقولي: «كل ما هو مكتوب ومعروف حتى الآن عن نجيب الريحاني من: مذكرات ومقالات وأفلام ومسلسلات .. يُمثل 20% فقط من التاريخ الحقيقي والمجهول عن نجيب الريحاني والذي لا يعرف تفاصيله أحد حتى الآن! وعندما شاهدت حلقات مسلسل «؟؟؟؟؟؟؟» شعرت بتأنيب الضمير تجاه الفنان نجيب الريحاني، ووجهت إلى روحه هذه الكلمة تحت عنوان «إلى الفنان نجيب الريحاني .. سامحني أنا السبب» .. لماذا؟! لأن الـ80% من تفاصيل تاريخك أمانة في عنقي، وسينشرها «جبرتي المسرح العربي» يوماً ما ليعرف الجميع التاريخ المسرحي الحقيقي والمجهول لنجيب الريحاني!!».
أظنك عزيزي القارئ صدقتني الآن .. لأنني كنت صادقاً معك ونشرت ما لا تعرفه عن الريحاني كما جاء في مذكراته الحقيقية والمجهولة!! ومن المؤكد أنك ستجاملني وتوافقني على ذلك!! ولكن البعض سيكون أكثر وعياً وعقلانية وسيشكك في نسبة الجديد الذي عرفه من خلال المذكرات المجهولة، وسيقول: إنها مذكرات جديدة بالفعل، ولكنها لا تمثل نسبة الـ80%!! وأنني كنت مبالغاً في هذه النسبة المئوية مبالغة كبيرة تصل إلى حد الكذب على القُراء!! من سيقول ذلك سأحترم رأيه وأحترم عقله وأحترم تفكيره!! لأنني بالفعل لم أنشر سوى 20% على أقصى تقدير من المعلومات الجديدة التي تُضاف إلى نسبة الـ 20% المعروفة من قبل عن الريحاني ومذكراته!! وهذا يعني أن المعروف الآن عن الريحاني – قديماً وجديداً – يمثل 40% فقط!! فأين نسبة الـ 60%؟!! وعن ماذا ستكون هذه النسبة؟! ومن أين سآتي بها؟! وهل فعلاً يوجد شيء عن الريحاني لا نعرفه بعد نشر المذكرات المجهولة، في حالة إضافتها إلى المذكرات المعلومة والمنشورة من قبل؟! وحتى لو فيه شيء جديد – بعد المذكرات – هل يُمثل فعلاً نسبة 60%؟!!
عزيزي قارئ مسرحنا .. اسمح لي بأن أصدمك وأقول لك: تجاهل تماماً كل ما كنت تعرفه عن نحيب الريحاني في مذكراته المنشورة سابقاً في جميع الكتب!! وتجاهل أيضاً كل ما عرفته عن نجيب الريحاني في مذكراته الحقيقية والمجهولة التي نشرتها لك وتابعتها بشغف كبير في جريدة مسرحنا، لأنك ابتداء من الأسبوع القادم – بمشيئة الله – ستقرأ تاريخ مسرح الريحاني الذي لم يكتبه أحد حتى الآن!! وستتأكد بنفسك الفرق بين مذكرات الريحاني وبين تاريخ مسرحه!! وستتأكد أيضاً أن ما ستقرأه في السلسلة الجديدة حول تاريخ مسرح الريحاني، يمثل بالفعل نسبة 60% من تفاصيل تاريخ مسرح الريحاني، والذي أؤكد على أنه تاريخ لم يُكتبه أحد من قبل!! فإلى اللقاء الأسبوع القادم .. إن كان في العمر بقية!!


سيد علي إسماعيل