مسرح مابعد تيار الغضب.. هل مسرح الغضب استمر أم إندثر؟

مسرح مابعد تيار الغضب..   هل مسرح الغضب استمر أم إندثر؟

العدد 810 صدر بتاريخ 6مارس2023

الغضب سمة هامة من سمات التفاعل الاجتماعي، والغضب هنا لا يعكس عاطفةً عدوانية مدمرة، أو سلوكًا متهورًا ومعاديًا للمجتمع، أو بعدا احتجاجيا ذاتيًا بغيضًا لا يلقي بالًا للأسس الإيجابية الصلبة التي يُمكن البناء عليها، لكنه بالأحرى سلاح عقلاني لتأكيد الذات على خلفية الشعور بأن ثمة شيئًا خاطئًا قد حدث –أو يحدث– من شأنه أن يعصف بمقومات الحياة، وهو مكون أساسي من مكونات الطبيعة البشرية، وسمة هامة من سمات التفاعل الاجتماعي: لا بد أن يغضب الناس عند إساءة معاملتهم، أو عندما ينتهك الآخرون ما ارتضوه من قوانين وأعراف، ومن ثم فهو قضية اجتماعية وفلسفية تتجلي مثلًا في مناهضة العنصرية، أو التمييز على أساس الجنس، أو انعدام العدالة وتفشي الفساد، أو توحش الرأسمالية والعبث بالطبيعة، إلخ.
نظر بعض الكتاب والمفكرين إلي ما سبق غاضبين ساخطين ونشأ تيارا مسرحيا اطلق عليه تيار الغضب أو مسرح الغضب حملة نواته الأولي وبذرة هذا التيار مسرحية انظر خلفك في سخط كان ذلك عنوان المسرحية التي كتبها الروائي المسرحي البريطاني جون أوزبورن (1929 – 1994) بعد الحرب العالمية الثانية، معبرًا عن حرائق الغضب التي اشتعلت في قلبه وعقله لما أصاب المجتمع الانجليزي من تفكك وهشاشة بعد الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945) وجاءت الضجة حول هذا النص لما قدمه من نقد سياسي واجتماعي مباشر للمجتمع الإنجليزي وهذا ما لم يعتده المجتمع الإنجليزي في تلك الفترة. وظهور مسرح الغضب كأحدى علامات الاحتجاج السياسي في المسرح البريطاني واستمراره محاولته للتأُثير المجتمعي ،من خلال رفع الشعار السياسي والثقافي ووضع مرجعية عملية من خلال إدانة ماضي الحرب وكذلك مقاومة السياسات القمعية الفاشية الديكتاتورية النتاجة عن فترة حرب طويلة. ومع ظهور هذه الحركة والتي سادة إلي يومنا هذا مع بعض التعديل والتطوير في الأسلوب فلم يعد الغضب والسخط المباشر هو الحل الوحيد بل اتخذ السخط علي الكثير من الأشكال فبعض الأعمال اتسمت بالهدوء التام  في الأسلوب الحواري ولكن في مضمونها يكمن غضب جم وثورة عارمه. ولم يقتصر هذا التيار الغاضب علي النصوص المسرحية فقط بل إتجه إلي السينما بشكل عام أو بتحويل بعض النصوص المسرحية التي تثور علي المجتمع بشكل عام وما سبق من تعديات مجتمعية أو سياسية حتي . فعلي سبيل المثال وليس الحصر يمكننا ان نتحدث عن النص المسرحي (الحرباء البيضاء - 1991) للكاتب المسرحي (كروستوفر هامتون) ، هو مخرج ومنتج ومؤلف بريطاني، ولد في 26 يناير 1946 في هورتا، البرتغال. بدأ مسيرته في كتابة العديد من الأعمال والمسرحيات للشاشة منها (Total Eclipse) عام 1973. قدم تجربه الإخراجية الأولى عام 1995 في (Carrington). من أبرز أعماله (Dangerous Liaisons) و(The Quiet American) و(Atonement) و(The Father).
جسد نص الحرباء البيضاء ذكريات طفولة كرستوفر هامبتون في الأسكندرية بعد فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر ومعاناة الخروج من مصر وما لاقه من صعوبة في التأقلم مع المجتمع الانجليزي عند عودته إلي إنجلترا، فقد كان إنجليزيا بمشاعر مصريه وظهر هذا في أراءه وتوجهاته بين الاطفال في المدرسة والحي وأنه كان يرفض الحرب ( العدوان الثلاثي علي مصر 1956 ) ومع أن النص المسرحي يحاكي ذكريات طفولته إلا أننا نلاحظ الثورة العارمة في أحاديث هادئه تجمع كرستفور للطفل بوالدية او  بإبراهيم الخادم الذي ترك في القاهرة يلاقي الهجوم والثورة الجامحة من المصرين تجاه كل ما هو إنجليزي نتاج العدوان الجامح الذي كانت إنجلترا أحد أطرافه ، فعلي الرغم من أن الإطار العام للأحاديث الحوارية في النص حادئة إلا أن مضمنها غاضب ساخط علي حرب تسببت في تشرد الأهل عن بلاد أحبوها وحاول كرستفور ترسيخ فكرة أن الحرب لم تكن إلا رغبة عسكرية تخدم أهداف سياسية ولم تكن أبدا رغبة شعبية ملحه ، ولذلك فأن تيار الغضب مستمر في هذا النص ولكن في ظل إطار أكثر تطورا عن ما سبق وفعله نص إنظر خلفك في سخط  لجون أوزبورن. 
من خلال وجهة النظر هذه يمكننا أن نقول ان تطور شكل الغضب لم يكن تطورا جسديا انفعاليا بل أصبح المضمون غاضبا والإطار الحوار والجسدي للشخصيات في غاية الهدوء.
بانتقالنا إلي نص مسرحي أخر لنفس الكاتب كريستوفر هامبتون وهي مسرحية الأب والتي تم تحويلها إلي فيلم سينمائي عام 2020 والذي تدور أحداثه يرفض رجل كل المساعدات المقدمة له من ابنته التي تسعى للوقوف بجانبه بسبب التقدم في العمر، ليجد نفسه في دوامة من الشك حول حب الناس له، والشك في عقله والعالم من حوله. نجد سخط الاب واضحا علي كل من يحيط به، فهو يرفض تقبل حقيقة مرضه ويرفض أن يتقبل القيود التي تضعها ابنته عليه فهي تستضيفه في منزلها لتحاول أن تتأكد من سلامته لكن هذا الوضع يقابل بالرفض التام من قبل الأب والذي يحاول عقله أن يأقلم نفسه علي ما يرضيه فيصور لنفسه أن المنزل منزله و يخرج سخطه علي كل مربية تأتي لتهتم به وتجالسه فتذهب بلا عودة ، وجدير بالذكر ان تصوير حياة مريض الزهايمر برؤية جديدة غير معتادة لنا في الاعمال الفنية التي ناقشة هذا المرض فقد صور لنا الكاتب في هذا الفيلم ما يراه مريض الزهايمر وكيف يتعامل مع ما يحيطه من أشياء مادية او معنوية. فنجد أن المريض يطلق علي منزل ابنته انه منزله لأنه يري المنزل بشكل مختلف عما هو واقع، وحتي ابنته فهو يراها متعددة الأوجه معتمدا ذلك علي أخر وجه قد رأه.
يظل السخط الهادئ سمة واضحه في أعمال كريستوفر هامبتون والذي يسخط علي ما يدور حوله في هدوء تام.  
هل ما تم تناوله في هذة القراءة دليل علي أن تيار الغضب المسرحي الذي بدأه جون أسبورن عام 1956 بعد مسرحية انظر للخلف في سخط هو دليل علي استمرارية تيار الغضب أم أن ما تم عرضه هو فقط غضب نمطي لأحداث مجتمعية عادية عاشتها شخصيات النصوص أو الأفلام ؟، هذا السؤال متوقع طرحه حيث أنه طرح سابقا: هل استمر تيار الغضب أم لا؟ 
في رأي أن تيار الغضب كان نواة للنقد الموسع فلم يعد النقد المسرحي للأوضاع المجتمعية  مقتصرا علي أشياء دون الأخري فهو وبفضل هذا التيار أصبح النقد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا نقدا صريحا لا يخشي لومة لائم .
.....................................................................................
1)  د. ياسمين عبد الحسيب ، محاضرة بعنوان مسرح الغضب   بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم الدراما والنقد, 2019


محمد أحمد كامل