دراسات الدراما والأداء (1)

دراسات الدراما  والأداء (1)

العدد 796 صدر بتاريخ 28نوفمبر2022

تتأمل هذه المقالة الأعمال التي صدرت في دراسات الدراما والأداء في عامي 2013 و 2014. وتبحث الإصدارات التي تتأمل الأداء في الأنثروبولوجيا والأركيولوجيا ودراسات الألعاب من خلال التحليل النظري والممارسة التي تقوم على الاستفسار . 
 شهدت تسعينيات القرن الماضي ظهور ما يسمى «المنعطف الأدائي performative turn» اهتماما علميا واسعا بالأفعال والتفاعلات البشرية في الدراسات الثقافية، بناء علي أعمال ريتشارد شيشنر وجوديث باتلر وفيكتور تيرنر من بين آخرين . وربما في تطور مضاد، شهدت السنوات الأخيرة ظهور المناهج التي تقوم علي الأداء في الأنثروبولوجيا والمجالات المرتبطة به والتي تتيح التطبيق في مجال فنون الأداء ونظرياتها. ويناقش هذا الجزء ثلاث دراسات نشرت بين عامي 2013 و2014، تقدم هذه المنظورات في الأنثروبولوجيا والأركيولوجيا ودراسات الألعاب . ففي كتاب «أنثروبولوجيا الأداء الثقافي The Anthropology of Cultural Performance» ( الصادر عن بلجراف – ماكميلان 2013) يقترح «ج . لويل لويس J. Lowell Lewis» نموذجا بنيويا طموحا للممارسة الأنثروبولوجية التي تقوم علي تحليل الأداء، بينما يتأمل كتاب «ميجيل سيكارت Miguel Sicart» «اللعب مهم Play Matters» (الصادر عن MITP عام 2014) مجموعة الطرق التي يشارك فيها البشر في اللعب والمرح لكي يجادل اللعب هو السمة المميزة للإنسانية . ويقترح «تيم انجولد Tim Ingold» منهجا علميا يقوم علي الممارسة في الأنثروبولوجيا والأركيولوجيا في كتابه «استلهام: الأنثروبولوجيا والأركيولوجيا والفن والعمارة Making :Anthropology، Archaeology، Art، and Architecture» ( الصادر عن روتليدج 2013) حيث تستخدم منهجيات من ممارسة الفنون لبحث الترابط بين البشر والمواد في الممارسات الثقافية والمشغولات اليدوية . والملمح المميز في الكتب الثلاثة أنها تنطلق من نماذج التحليل بعد البنيوية التي هيمنت لفترة طويلة علي مجال دراسات الأداء . وعلي عكس العديد من الإصدارات التي تركز فنيا علي تحليل الأداء والبحث القائم الممارسة، فان الكتب التي نتعرض لها في الجزء من المقال تستفيد من التقاليد الطويلة للبحث النوعي الدقيق، بينما تأخذ في اعتبارها النقد التفكيكي لمجالات مناهجها التاريخية . وبالتالي، فان تناول هذه الكتب لدراسات الأداء ربما يقدم منظورا منعشا ومثيرا حول منهجيات البحث في المسرح وفنون الأداء . 
 الفكرة الرئيسية في كتاب ج. لويل لويس “ أنثروبولوجيا الأداء الثقافي “ هي اقتراح أن الثقافة تتسم بالتمييز بين أداء الأحداث الخاصة والأداء في الحياة اليومية. وهذا التمييز الأساسي، علاوة علي أجزاء كبيرة من الكتاب مدعمة بإطارين نظريين : مفهوم فيكتور تيرنر للثقافة باعتبارها نسق اجتماعي منظم يتطور خلال فترات الانقطاع التي يتم من خلالها ابتكار الأحداث الكبرى لاستعادة النظام، وتحليل شارلز ساندرز بيرس السيميوطيقي، حيث تُفهم معاني الأحداث الثقافية – والقوة المرتبطة بها – باعتبارها التأثير الذي يمكن أن تحدثه العلامات علي المفسرين . ويقترح لويس أن تمييز الأحداث الخاصة/الأحداث العادية ربما يظهر مبدئيا أنه اختزال بنيوي مفرط في التبسيط . 
 ويدعم المؤلف سعيه لتطوير المنهج البنيوي من خلال جداله بأنه علي الرغم من أن الفكر بعد البنيوي في دراسات الأداء قد سهلت عملية تفكيك مفيدة وضرورية لمجموعة من مفاهيم الاختزال، فقد أثر الهجوم المستمر علي التمركز حول العقل  حتى الآن علي الإحجام العام من بين علماء الأداء عن تطوير أي موقف متماسك في دراساتهم . ويجادل لويس بأن هذا الموقف يمنع محاولات إعادة البناء بعد التفكيك، وأن الفكرة المنتشرة بأن كل أشكال تمركز العقل قمعية في الأساس وتعنى في النهاية أن أشكال الخطاب الأكاديمي يمكن أن تكون بلا معنى. وبدلا من ذلك يقترح أن يتعامل مع مصطلح “الأداء“ باعتباره تصنيفا استطراديا يمكن استخدامه كأداة في إطار تحليلي . ولكي يصبح المصطلح مفيدا، فمن الضروري أن نحدده، أي أن نحدد “ ما لا يعد أداء “ من خلال عملية دراسات الحالة النقدية . وتبعا لذلك، يتصور لويس كتابه كمشروع لصنع الأدوات الأكاديمية .
 يبدأ الكتاب بفصلين يقدمان شرحا لمفهوم الثقافة باعتبارها تفاوض بين الأحداث الخاصة والأحداث العادية . وبتعريف الثقافة بأنها “تجسيد “، و”عملية “، وسلسلة من الممارسات التي تميز ( في أغلب الحالات) جماعة اجتماعية عن أخرى، يبدأ لويس مشروعه بنقد لمفهوم فيكتور تيرنر عن تطور الثقافات . إذ يحدد تيرنر فترات متناوبة من الاستقرار الاجتماعي وفترات تسمى “ الدراما الاجتماعية “، حيث يكون النظام المعياري للحياة العامة مضطربا . وبلا من ذلك، يقترح لويس أن التمييز بين الحياة العادية والأحداث الخاصة لا يمكن تحديده بوضوح : انه سلسلة فضلا عن كونه تعارض . ومفتاح مفهوم الاستمرارية بين الأحداث الخاصة والأحداث العادية هو فهمه للأدائية . وبتحوله عن استخدام جوديث باتلر للمصطلح للإشارة إلى جوانب نوع الجنس وهي جوانب اجتماعية وثقافية ولكنها متأصلة جدا بحيث لا يمكن تغييرها حسب الرغبة، يستخدم لويس المصطلح لوصف إمكانية تفعيل الوعي الذاتي . وبناء علي كتابات ريتشارد شيشنر عن الأداء في الحياة العادية، وهذا يتعلق بقدرة الذات علي تأطير فعالية معينة كحدث خاص . وبالتالي، غالبا ما يكون لدى الناس إمكانية إعادة تأطير الأحداث العادية علي أنها أحداث خاصة، بينما يصنف أناس مختلفون الحدث بطرق متنوعة . وفي التذكير بدراسته، يشير لويس إلى التوسيط بين شكلي الأداء هذين باعتبارها علاقات الأداء/ علاقات الحياة العادية . 
     يتضمن هذا التوسيط أربعة عناصر: كما ذكرنا سابقا، فضلا عن التقسيم، هناك استمرارية بين الحياة العادية والأحداث الخاصة ؛ فالأحداث الخاصة والحياة العادية يمكن أن يكونا هما مغزى في تعارض كل منهما مع الأخرى، لذلك يقفان في علاقة تضمين مشترك؛ فالأحداث الخاصة تتضافر مع الأحداث العادية من خلال لحظات انتقالية، التي يتم فيها التحضير للحدث، والحياة اليومية هي الأرضية التي تنبثق منها الأحداث الخاصة التي يمكم استيعابها مرة أخرى . وفيما يتعلق بالأخيرة، فان التفاعل بين الأدائية ( إمكانية تأطير ممارسة الحياة العادية كحدث خاص ) والتعود ( هدم تجربة الحدث كحدث خاص ربما تؤدي في النهاية إلى اندماجه في الحياة العادية ) . والمقوم الأساسي في توسيط كل هذه العناصر الأربعة هو ممارسة اللعب، الذي يصفه لويس بأنه النوع الشارح metagenre الأساسي للتفاعل الإنساني . ومن خلال تبسيط اللعب، وتأطير العناصر المميزة في الحياة اليومية، يسهل اللعب الإنساني التفكير في النظام الاجتماعي واعادة صياغته. ومن ناحية أخرى، غالبا ما تساهم أشكال اللعب التي تخضع للقواعد في زيادة تجارب التحرر من القيود الاجتماعية، مثل الرياضة أو الأحداث المؤطرة . ومن الناحية الأخرى، يميل اللعب الحر، الذي ينطلق تلقائيا، إلى تسهيل التفكير في حدود وقيود أداء  الحياة اليومية . 
     بعد اقتراح مفهوم اللعب باعتباره ممارسة وسيطة في إنشاء وتحدي الحدود في الأداء، يكمل لويس نموذجه في دراسة الأداء الثقافي، بمناقشة الطقس باعتباره أهم أنواع الحدث الخاص. وبالتالي فان نموذج لويس هو ثلاث طبقات : اللعب هو المفهوم الذي يستخدم لاستكشاف تطور الثقافة من خلال النزعة الاجتماعية الإنسانية، فالأداء هو المصطلح المقارن لمختلف أنواع الأحداث الإنسانية، والطقس هو نقطة الانطلاق للترتيب التسلسلي للأحداث الإنسانية علي أساس أهميتها النسبية. ومن خلال نقد تعريف اميل دور كايم للطقس علي أساس التمييز بين فعاليات المقدس والمدنس، يقصر لويس المصطلح علي التطبيق في إطاره المحدد . واستنتاجا من كتابات العالم الأنثربولوجي جون ماكالون، يقترح أن يحذف مفهوم المقدس ويعرف الطقوس بدلا من ذلك بأنها الأحداث التي يفهم المشاركون أنها تهتم بمسائل « الاهتمام الشديد « التي تحتضن خلق الإجماع الاجتماعي وتمايز الجماعة من خلال ممارسات مشتركة ( أو مستقلة) . وهنا أيضا توجد استمرارية تصل من أحداث الطقس إلى الأحداث التي لا تشبه الطقوس . بينما تهم الطقوس كل أو غالبية المجتمع، وتؤثر علي التحول الشخصي، وتشير إلى الاستقرار بمرور الوقت، فان الأحداث غير الشبيهة بالطقوس هي أحداث اختيارية، وعادة تكون ترفيها، وتتضمن في الغالب جمهورا سلبيا وتركز علي التجديد والتغيير . ولذلك فان الطقوس أحداثا بنائية تؤسس أطر النظام الاجتماعي والمعنى . ورغم ذلك، لا تتطور عناصر اللعب في سياق الأحداث غير المتشابهة مع الطقوس فقد، بل تتطور أيضا في الأطر الطقسية، وتسهل الاستفسار التفكيكي أو تحدي تقاليدها وحدودها . 
    وبعد الخروج من هذا الإطار الثلاثي لدراسة الأداء الثقافي , يواصل الكتاب دراسة مختلف الطرق التي تؤثر فيها علاقة الأداء الرسمي / الأداء في الحياة اليومية علي التطورات في الثقافة . وأبرز العلاقات في الثقافات المعاصرة هي التعزير والانعكاس والتحييد والتحول والإصلاح . يرسخ تعزيز الحدث الخاص الأنماط الاجتماعية الموجودة من خلال تكرارها كجزء من الحدث . والمثال علي هذا الحدث هو موكب الدولة حيث يتم عرض التسلسل الهرمي للمؤسسات الحكومية. وبشكل معكوس , فان الكرنفال هو مثال على الانعكاس , حيث تتحول تتغير علاقات المعايير الثقافية والقيم في رؤوسهم . وهذا ينشئ دائما مساحة للاستفسار عن وتحدي القيم والعلاقات موضوع السؤال  . والأحداث التي تشمل عملية قلب ربما  تفضح العشوائية وبالتالي تحيد قيود اجتماعية معينة . والمثال علي هذا هو أداء انقلاب نوع الجنس في علاقته بنظرية الشذوذ وممارسته . واذا اعتبرنا أن الوضع الحالي غير مرغوب فيه , فقد ييسر حدث ما  تطوير التحول , كما هو الحال في الطقوس الدينية للتوبة من الخطيئة , أو حركات التغيير السياسي التي تسعى إلى إحداث تحول اجتماعي من خلال أحداث خاصة مثل التجمعات والمظاهرات . في النهاية يختص الإصلاح بأحداث الطقوس حيث تتجسد نسخة مصغرة من النموذج التنظيمي للعالم . وتساعد مثل هذه الممارسات الناس إلى التوافق مع علاقاتهم بالأطر البيئية الأوسع , الشائعة في قطاعات صغيرة من المجتمعات ونادرا ما تحدث في ثقافات الغرب المعاصرة . 
................................................................................
نشرت هذه المقالة في The Year›s Work in Critical and Cultural Theory : 23  - 2015
دانييل بلوجر يعمل أستاذا للدراما وفنون الأداء في Royal Center school of Speech and drama، university of London  . 


ترجمة أحمد عبد الفتاح