مهرجان البحرين المسرحي الأول (دورة الفنان الراحل إبراهيم بحر)

مهرجان البحرين المسرحي الأول (دورة الفنان الراحل إبراهيم بحر)

العدد 614 صدر بتاريخ 3يونيو2019

عقد في مدينة المنامة بالبحرين الدورة الأولى لمهرجان البحرين المسرحي في الفترة من 9 - 15 أبريل، برعاية الهيئة العربية للمسرح واتحاد جمعيات المسرحيين بالبحرين، وشاركت فيها كل فرق البحرين، وهي الدورة المهداة إلى روح الفنان المسرحي البحريني الراحل (إبراهيم بحر) الذي قدم له المهرجان من تأليفة مسرحية «امرأة في الظلام» وهي ميلودراما من إعداد وإخراج (حسين عبد علي)، وتمثيل (سودابة خليفة)، حيث عرض خمسة عروض مسرحية هي «عود ثقاب» لفرقة مسرح (البيادر)، تأليف: جمال الصقر وإخراج عبد الرحمن صابر، والإعداد والإشراف العام لعبد الله الدوزي وهي ميلودراما تدور حول كفيف تخونه زوجته مع أعز أصدقائه.. ومسرحية «مطر صيف» قدمها (مسرح جلجامش)، تأليف الكاتب العراقي (علي عبد النبي الزيدي)، وإخراج (عبد الله بوزيد)، ويدور حول صراع امرأة في زمن الحرب في انتظار الزوج الغائب، وأدى بها لاستنساخ الزوج الغائب في معارك القتال، وتبديل الإنسان الحقيقي واستنساخه بشخص آخر بنفس الشكل ونفس العقلية بغية عدم الشك بالناس وتشكيكهم بالأحداث، وقد فازت (نورة عيد) بجائزة أفضل ممثلة دور أول، حيث جسدت عذابات تلك المرأة التي لم تعد تستبين الفارق ما بين الزوج الحقيقي والزوج المستنسخ، وعبرت عن تلك الحالة بصدق وحساسية لدرجة لا تتبين فيها الفارق بين الحقيقي والمستنسخ – كما فاز (أحمد العميري) بجائزة أفضل سينوغرافيا – باختزاله لموقع الأحداث في (موتيفة) مكانية واحدة تتغير بتغير الأزمنة والحالات النفسية - كما فاز هذا العرض بجائزة أفضل ممثل دور أول (علي مرهون) وهو عبء ثقيل على ممثل مجتهد يجعلك لا تشعر بالفارق بين الأصلي والمستنسخ.. كذلك نجح (علي مرهون) في تجسيد شخصيتي الأصلي والمستنسخ ببراعة كأفضل ممثل دور أول.
أما العرض الثاني فقدمه (مسرح الريف) بعنوان «سكان الطابق الأرضي» اقتبسه مخرجه (هشام العلوي) - بالإضافة إلى تصميم السينوغرافيا - عن نصي «لعبة الموت» ليوجين يونيسكو، و»صندوق الرمل» لإدوارد ألبي، ويقوم ببطولته ممثلتان هما (ريم ونوس، ونوف سبت)، وممثلان (أحمد السعيد، وإبراهيم البيراوي)، ورغم طموح المخرج والمعد ومصمم السينوغرافيا - بحثا عن فكرة محورية مأخوذة عن النصين الأجنبيين - فإنه لم يوفق إلا في الإشارة (من بعيد) إلى معاناة إنسان الطابق الأرضي في زمن الغبار وناطحات السحاب - بما يجعلنا نتطلع إلى تجاربه القادمة التي يستطيع أن يحقق فيها إبداعاته الطموحة.
والعرض الثالث في هذا المهرجان قدمه (مسرح الصواري) بعنوان «حيدر» تأليف الكاتب البحريني الشاعر (أمين صالح)، وإخراج محمد شاهين الذي نسج من النص ترنيمة شعرية بديعة تدور حول شخصية منشطرة في متاهات الوجود، ويظل يهيم باحثا عن شظايا وجوده التي انكسرت كمدا وأخفت ملامحه - فلا أب ولا عمة ولا جدة - إنه وحيد في صحراء الوجود باحثا عن قطرة ماء، ولا يرى سوى السراب، إنه الإنسان العربي، وقد حظي هذا العرض بأربع جوائز لأفضل ممثلة دور ثانٍ (لجمانة القصاب) التي أدت الأشعار كجزء حميمي من الأحداث في أداء درامي أضفى على العرض إيقاعا مؤثرا يشي بممثلة موهوبة واعدة، وبأداء سردي ممتزجا بموسيقى ومؤثرات (لحامد سيف) كأفضل تأليف موسيقي ومؤثرات صوتية، وفي إطار نص شاعري رهيف الحس نال جائزة أفضل تأليف مسرحي محلي في المهرجان (لأمين صالح) الشاعر المبدع، وكانت المحصلة أن ينال مخرجه (محمد شاهين) جائزة أفضل إخراج.
وأخيرا يقدم (مسرح أوال) العرض الشعبي «نعال النوخذة» تأليف يعقوب يوسف، وإخراج جمال غيلان، وهو العرض الذي يضم واحدا وعشرين (21) ممثلا وممثلة، مستلهما من التراث الشعبي العربي عن قصة تروى بصيغ مختلفة في كل بلد عربي، حول تاجر غني يسرق نعاله عامل فقير أثناء الصلاة، فيهدد الجميع بقطع عيشهم إن لم يعيدوا نعاله، وأمام إرهاب التاجر يتبارى الجميع بأنهم سارقو هذه النعال تضامنا مع السارق الجريء. وقد حصل الممثل (أمين الصايغ) على جائزة أفضل ممثل دور ثانٍ من بين مجموعة المشاركين.. وفاز هذا العرض لجماعيته ومحاولة استلهامه للتراث الشعبي وللروح المرحة في أجوائه، بجائزة أفضل عرض مسرحي، وهو الأمر الذي قد يثير الكثير من التساؤلات.
وكانت قد تشكلت لجنة تحكيم المهرجان من كاتب هذه السطور رئيسا، وعضوية (د. محمد سيف) أستاذ المسرح من العراق الذي يعيش في فرنسا، و(د. نيرمين الحوطي) أستاذ النقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت.. علما بأن جوائز المهرجان التسع مقدمة من (الهيئة العربية للمسرح) التي تبنت المهرجان.
وقد حرص المهرجان على إقامة ندوات تطبيقية تقام بعد كل عرض من العروض الخمسة لإثراء العروض المسرحية عبر حوار يعقد بعد كل عرض مباشرة، يتناول كل الجوانب الفنية للعرض وسط أجواء تفاعلية تجمع مخرج العمل والجمهور والفنانين المهتمين. وأدار الندوات التطبيقية: جاسم العالي، وشارك في التعقيب الباحثون: عباس الحايل، إبراهيم خلفان، جمعان الرويعي، علي سليمان، أحمد جاسم.
كما احتفى المهرجان بخمسة عشر نجما مسرحيا من نجوم دول الخليج العربي هم (أحمد بو رحيمة، د. حبيب غلوم، إسماعيل عبد الله، أحمد الجسمي، حسن رجب، خالد البريكي، محمد المنصوري، قدرية خميس، شمعة محمد، سماح، عبد المحسن النمر، بيشر الغنيم، علاء الدين محمود، عباس حايك، الحسن النفالي)، وهي خطوة إيجابية ومثمرة لتوطيد أواصر الصداقة بين المسرحيين في دول العالم العربي، والتعارف العلمي والفني لإنجاز أعمال إبداعية عربية بين فناني العالم العربي، وأشير إلى أننا هنا في مصر لم نتعرف بشكل كافٍ على فناني المسرح في العالم العربي، وهو دور مهم تقوم به الهيئة العربية للمسرح بالشارقة حتى لا يعيش فنانو المسرح العربي في جزر منعزلة.
ومن الفعاليات المصاحبة للمهرجان أقيم المنتدى الفكري بعنوان (بانوراما المسرح البحريني في مائة عام) على مدى جلستين في يومين الأولى وأدارها (المنصوري الجمري): ومحاورها البعد التاريخي للمسرح البحريني في المائة عام الماضية، للفنان عبد الله يوسف، و(مسرح الأندية بوابة تأسيس الفرق الأهلية المسرحية لاحقا) للدكتور محمد حميد السليمان، ولظاهرة المسرح التربوي البحريني منذ بداية التعليم 1919م) للكاتب: حبيب حيدر. والثانية وأدارها (د. محمد حميد السليمان)، ومحاورها (آفاق الأطر الفكرية في مسيرة المسرح البحريني) للدكتور راشد نجم، (ملامح تجربة توظيف الموروث الشعبي في العروض المسرحية البحرينية) لعباس القصاب، و(لمحات مشهدية من المسرح البحريني) لزهراء المنصور.
وبهذه المناسبة كان لا بد من التعرف على الرائد (إبراهيم بحر) الذي أقيمت هذه الدورة للمسرح البحريني باسمه والذي ولد في 2 أغسطس 1956، ورحل عن دنيانا عام 2019، وكان قد درس المسرح في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت وشارك في كثير من المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية التي تتعدى الثلاثين مسلسلا وعشرات المسرحيات، كذلك عقدت ورشة عمل بعنوان (ورشة الشراكة في العرض المسرحي بين المخرج والسيونغرافي) في مركز المحرق الشبابي النموذجي على مدى أيام المهرجان، وتشمل ورشة العمل المراحل التالية:
تعريف المنتسبين بمهام وطبيعة عمل المخرج السينوغرافي، قراءة النص وتفكيكاته وتفريغه على المستوى العلمي، نقل الرؤية من خيال المخرج إلى فريق العمل، وتوزيع المهام على المنتسبين كل حسب تخصصه وقدراته، تقديم نتائج العمل بعرض مسرحي لا يزيد على 20 دقيقة. وقد قام المدربان (فيصل العبيد)، (وعبد الله التركماني) من الكويت بتحقيق أهداف هذه الورشة وهي: شرح وتطبيق آلية العمل المشترك بين المخرج والسينوغرافي من المراحل الأولى لإنتاج العمل المسرحي المتمثلة في قراءة النص ولغاية العرض المسرحي، وقد أدار هذه الأنشطة بكفاءة رئيس مجلس إدارة اتحاد جمعيات المسرحيين (يعقوب يوسف عبد الرحمن)، و(الفنان حسين رفاعي) الجندي المجهول في هذا المهرجان.


عبد الغنى داوود