«استدعاء ولي أمر» على مائدة النقد بالهناجر

«استدعاء ولي أمر»   على مائدة النقد بالهناجر

العدد 796 صدر بتاريخ 28نوفمبر2022

 أقيمت بقاعة آدم حنين بمركز الهناجر للفنون ندوة نقدية حول عرض «استدعاء ولي أمر» أقامها المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية برئاسة الفنان ياسر صادق، تحدث في الندوة كل من الدكتورة وفاء كمالو، والناقد محمد الروبي وأدار الندوة الناقد الصحفي باسم صادق، بحضور كل من الفنان ياسر صادق، والفنان شادي سرور والناقدة عايدة علام وعدد من النقاد والكتاب بمشاركة صناع العرض.

باسم صادق : نحن أمام شباب مبدع وحالة إبداعية متفردة.
الناقد باسم صادق افتتح الندوة بشكر الفنان شادي سرور لاستضافته العرض والتجارب الشبابية المهمة وهو ما يتيح الفرصة لشباب المبدعين أن يعبروا عن افكارهم ورؤاهم بشكل إبداعي مميز، كما شكر الفنان ياسر صادق لارتقائه بالندوات التطبيقية والانتقال بها لأماكن عرضها، ما يتيح الفرصة للجمهور لحضور الندوات،  ومساعدة المتلقي العادي أن يعرف كيف يقرأ عرضا مسرحيا، وهي فرصة لزيادة وعي الجمهور، وتفتح أمامه  آفاقا رحبة ليتذوق العروض المسرحية بشكل مختلف، واستعرض صادق السيرة الفنية للمؤلف والمخرج ثم تحدث عن عرض «استدعاء ولي أمر « قائلا: هو عرض لمجموعة من الشباب الموهوبين، موضوعه مهم جدا على الرغم من أنه لم يكن جديدا، فهو ا حاضر في كل زمان ومكان لأن العلاقة بين الأب وأبنائه علاقة شائكة، تتسم بالشد والجذب باستمرار، وأشار إلى أن التصور البصري للعرض ساهم في تأكيد الفكرة من خلال توظيف الديكور والإضاءة والأغاني والاختيار الأمثل للفنانين، ثم عبر عن إعجابه وقال نحن أمام شباب مبدع وحالة إبداعية متفردة.

وفاء كمالو: الفن مسار العزف على أوتار المجتمع والأسرة 
وفي كلمتها قالت الناقدة الدكتورة وفاء كمالو : «استدعاء ولي أمر» عرض غير عادي، وتجربة أثارت تساؤلات كثيرة حول الجيل العبقري من الشباب الذين امتلكوا الوعي والمعرفة واستطاعوا وضعنا في مواجهة عنيفة مع وجودنا المستحيل، فهؤلاء الشباب صنعوا لحظة فارقة في ليلة شهدت ميلاد ثورة وأحلام وحرية ورغبة في التغيير، فكانوا على مستوى المسؤولية، حاضرين بقوة في قلب الواقع المسرحي المصري، وجاءت هذه التجربة مختلفة وفريدة واستطاعت أن تجسد الواقع الذي نعيشه ونشعر به ، تلك الوقائع التي تدور على مستويات عديدة ومركبة لم تظل كعرض مسرحي ولكنها استطاعت ان تمتد بقوة لتذيب عذابات القهر الانساني بشكل عام، وعن المؤلف قالت: كتب السوري نصا خلابا يدور في عالم تصوري ملامحه اتضحت على المستوى الأعمق من خلال الحوار والشخصيات وفلسفة البحث عن الحياة ومعنى الوجود، وأوضحت أنه يتميز بكتابة حديثة ترتبط نقديا وجماليا بفكرة سقوط المرجعيات وانهيار الماركسية  وذلك بعد ثورة المسرح الحديث على سلطة الواقع والثابت ، لذلك كانت الكتابة متنوعة ثرية فسرت فيها مفاهيم التتابع الزمني للحدوتة والحوار والأحداث ولمست إيقاعات جمالية مختلفة يبعثها المشهد وتحويله إلى موجات من التكوينات البصرية التي عملت حالة جدلية مشاغبة، وقد وجدنا أنفسنا أمام تيار من الأفكار التي ظلت تتراكم وأعلنت العصيان على هيمنة السكون، فالمسرحية مختلفة في طرح تساؤلاتها ،جميلة في الأسلوب الذي وضع فيه الشخصيات في مواجهة مع الاختيارات الصعبة حيث القيم الانسانية هشة ضعيفة والوجود أقوى من البشر، أما المخرج زياد هاني فهو صاحب رؤى شابة خلاقة وبصمات ثائرة استطاع أن يشتبك مع ايقاعات زماننا المشحون بالتوترات ،  والحوار يتضافر بقوة مع الكيروجرافيا السريعة والوهم والظلال، تفاعل مع الزمان والمكان وكانت لعبة الفن هي المسار للعزف على أوتار المجتمع والأسرة وعذابات الوجود  العقيم الذي نعيشه. تابعت في هذا السياق جاءت علاقات بطل المسرحية بأسرته و مدرسته كلها قراءة حية في قلب الواقع الممزق، ومدير المدرسة صورة من الأب المتسلط وهي مفارقة أن الشاب نفسه يشبه أبيه يحبه ويكرهه، لم يكن الابن الذي يتمناه الأب، ولم يكن الرجل الذي يتمناه الابن المقهور ، الابن اندفع بخياله لقتل أبوه وأمه لعله يمتلك حريته ويتخلص من تناقضاته،
 وأشارت أن المخرج يمتلك الوعي والحضور، فلم يتجه إلى طريق سهل أو متكرر ولكنه قرر أن يقبض على جمرات الفن النارية، وكان النداء خطيرا إلى من يهمه الأمر لإنقاذ الأجيال القادمة أمام السقوط الأبدي.
وتوقفت كمالو أمام شخصية المتشرد وقالت إنه مثل حالة إبداعية رفيعة المستوى على مستوى محور الأداء ودلالاته الشخصية، وقد رأينا طاقة من الموهبة الثرية والوعي المختلف، وشخصية كانت تنزف على أوتار مأساة الابن البطل، وأبدت كمالو في نهاية كلمتها إعجابها  وتقديرها لكل نجوم ونجمات المسرحية الذين كانوا على وعي كامل بالعمل.

محمد الروبي: لا شيء بالصدفة في الفن
دعا الناقد محمد الروبي في بداية كلمته الجميع لزيارة المركز القومي للمسرح و أشاد بدور المركز في عمل ندوات نقدية حول العروض، وقال إن ما فعله ياسر صادق وما زال يفعله يستحق الإشادة فهو شيء مشرف يليق بالمستوى المصري شكلا ومضمونا، ثم قدم شكره للفنان شادي سرور لحسن إدارته لمركز الهناجر وقال إنه  من الفنانين الذين على وعي بكيفية إدارة المكان ،وقال ان الهناجر حاضنة ومفرخة لأجيال جديدة من المسرحيين، وإنه يذكرنا بأول من أدار هذا المكان وهي الدكتورة القديرة هدى وصفي.
وأضاف الروبي: المؤلف محمد السوري لديه خطا في عروضه ولديه هم وأسلوب ما،  فهو مهموم بأصل المشكلة، وأصل المشكلة تكمن  في الأسرة الصغيرة التي تكون مجتمعا ثم وطنا وربما تكون العالم، واوضح أن «استدعاء ولي أمر» لم يكن التجربة الأولى التي يتناول فيها هذا، وإن هناك عدة تجارب تشكل ملامح السوري أحدها  يخص طريقة الكتابة الدرامية فهو من المؤلفين الذين يميلون لتفكيك الحدث الدرامي وتوزيعه عبر مشاهد على طريقة البازل وهو يكتب بتلك الطريقة في كل أعماله، كما أنه يرى أن على الجمهور أن يكون مهموما مثل الكاتب،  وأشار إلى أن هذا النوع من النصوص لا يعد سهلا في التنفيذ ويحتاج لمن يفهمه، وأشار إلى أن ثمة طريقة مميزة في تعامل المخرج مع المؤلف قد تستدعي ما يمكن تصوره «خناقات» بينهما، وأقصد هنا الترتيب الذي قد يتم عمله بترتيب آخر، فالمخرج يجد في النص هدفا كامنا عند الكاتب فيظهره دون أن يخل بالكتابة، ورأى أن هناك تغييرا بسيط في بنية النص، واوضح:  المخرج التقط من النص مسألة قَصَد الكاتب أن يغيمها وهي «هل قتل الولد الأم والأب ام لا ؟ فاتفق الكاتب والمخرج على هذا التغيير، أما بالنسبة للمتفرج فكل ما يهمه هنا هو الموضوع وليس الإجابة على  السؤال ، وأشار إلى أن هذا العرض يمس كل متفرج على حدا حيث يرى نفسه فيه، هذا الهدف الذي يحتاج إلى طريقة خاصة في الإخراج، وهو ما فعله المخرج منطلقا من كوننا من عدة أماكن، ربما هي واقعية بالفعل أو في ذهن بطل العرض ،واشار الروبي  إلى أهمية ما فعلته  مصممة الديكور  حيث التقطت شيئا مهما: وهو أن تقف على الحافة ما بين واقعية المكان ولا واقعيته، وأوضح: الديكور عبارة عن حوائط المكان مائلة لدرجة تعطيك إحساسا بأن هناك خللا ما في العلاقات وهو شيء مقصود، حتى النجفة مائلة وهو ما يعني أن  في الفن لا شيء بالصدفة، وأوضح  أن النص وبعده العرض يقومان على نفوس مغلقة تتمنى أن تنفتح على نفوس تحبها، فالكاتب والمخرج ومصمم الديكور اتفقوا على أن هذا العالم إما يدور في ذهن البطل أو يدور في الأماكن الواقعية الآن ، ولكن في خطوط متوازية على طريقة المونتاج السينمائي،  وختم الروبي بأن كل من عمل في العرض أجاد التمثيل، وأبدى إعجابه بالأب الذي قدم بطريقته  في الأداء دوره ما بين الواقعية التي يحياها وبين كونها متخيلا  يدور في مخيلة البطل. وأشاد الروبي بالنص وعناصر العرض، لافتا إلى أن موضوعا مثل الذي قدم كان من  السهل أن يسقط في الميلودراما، وأشار إلى أن ميزة هذا الجيل أنه يسمع وأن لديه إحساس ومسؤولية ووعي بهدف الفن وهو الوصول لعالم أفضل.

شادي سرور: هدفنا استيعاب كل الطاقات الشابة 
 وفي مداخلته أكد الفنان شادي سرور «مدير عام مركز الهناجر للفنون»  أن الدور المنوط به المركز هو استيعاب الطاقات الشابة الجديدة، وتقديم ورش مسرحية تساعد على تخريج كبار الفنانين، وأشار إلى أنه  يبحث عن الشباب لتقديم نصوصهم المسرحية بوجهة نظرهم، لقرب المسافة بينهم، وأوضح سرور أن عرض «استدعاء ولي أمر» قدم موضوعا مهما يمس الجمهور ويتفاعل معه، وتنبأ للفريق بمستقبل كبير.

 عايدة علام: عرض اجتماعي مهم لإعادة تركيب علاقاتنا
 وفي مداخلتها قالت د. عايدة علام: إن العرض مهم  لإعادة تركيب شخصياتنا وعلاقاتنا، و يجعل الإنسان لديه الرغبة في إصلاح نفسه، ويجعلنا نشعر أننا في جلسة نفسية فرويدية .
ياسر صادق: النقد المسرحي  يدفع الحركة المسرحية للأمام 
و دعا الفنان القدير ياسر صادق المسرحيين لزيارة المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، وعبر عن مدى إعجابه بالعرض، وأوضح أن الدراما صراع، والصراع هنا كان بين المؤلف والمخرج، وقد أظهر كل منهما «عضلاته»، وأوضح أن الإسقاط وظيفة المتلقي، وان الصراع صنعه ايضا فريق عمل على أعلى مستوى ، ووجه تحيته لجميع عناصر العرض ، وأكد أنه يحرص على انتقاء العروض التي تستحق أن يقيمها كبار النقاد، وفي ختام كلمته قال : المشكلة ليست في الأدوات المسرحية من تأليف وإخراج وتمثيل، ولكن في النقد المسرحي الذي يدفع الحركة المسرحية للأمام وقد غاب الناقد المسرحي المتخصص، ولذلك فنحن نستعيد هذه الحركة النقدية الصحيحة بانتقاء نقاد كبار و متخصصين وضيوف متخصصين.

محمد السوري: أحب فكرة التفكيك في الكتابة 
وقال المؤلف محمد السوري: تمت كتابة النص منذ حوالي عامين وعقدنا جلسات أنا والمخرج للتحدث عن الفكرة وكيفية مناقشتها وتنفيذها . كنا على وعي أن القضية تم مناقشتها كثيرا وتم عمل أشكال مختلفة منها سواء في السينما أو المسرح أو الروايات،  وتم مناقشه القضية بشكل بعيد عن الاداء البكائي الذي تم تناوله مسبقا .
أضاف : أنا أحب فكرة التفكيك في الكتابة لعدة اسباب: حتى لا يكون الحدث تقليديا، واشعر أن طريقة الكتابة هذه تجعل الجمهور متواصلا بشكل أكبر، وايضا هذه الطريقة تقرب الجمهور من الحدث وتجعله يتفاعل مع صناع العرض، ونجاح العرض هو عندما يشعر الجمهور بنفسه داخل العرض ، وانه مر بالتجربة أو شاهدها، لذلك كنت أميل للكتابة بشكل تفكيكي أو شكل متقطع أكثر من الكتابة في الدراما التقليدية.

زياد هاني : نقدم رسالة مهمة في شكل جديد 
وعبر المخرج زياد هاني عن سعادته بالندوة وقدم شكره وامتنانه للحضور والقائمين على الندوة وقال: لولا الآراء التي سمعتها لم يكن لنا ان نتطور أو نتقدم، واشكر الاستاذ شادي سرور لإعطائه الفرصة ودعمه واشرافه على العرض كما اشكر كل اصدقائي الممثلين وكل عناصر العرض، ثم قال:  بدأنا التجربة وصنعناها سويا أنا و السوري وقررنا أن نقدم عملا يفيد الجمهور، واضاف: نحن نقدم فكرة ورسالة مهمة في شكل جديد، لذلك جددنا وطورنا، وما جعلنا نتمسك بالفكرة والموضوع ما وجدته على صفحات الفيس من نماذج انتحار حدثت بالفعل ، وقال: أجمل ردود الأفعال اهي التي جاءتني من الآباء والابناء، فالعرض أثر في الكثيرين واختتم قائلا: احب دائماً أن أسمع النقد لأتعلم واتحدى نفسي لعمل الأحسن والأفضل.
 


سامية سيد